دارت العصفورة دورتين وحطت على نافذة الصغيرة الوحيدة فرحت الصغيرة بها، احضرت لها قطنا وورقا وشرائط ملونة لتبنى عشها،فى الليل فكرت الصغيرة بصغار العصفورة الأتين ، اعطتهم اسماء، ونامت على فرح عائلة كبيرة من العصافير.
فى الصباح بكت الصغيرة عندما اقتربت من النافذة وراتها نظيفة تماما .
انتظار
" انتظرينى "
قالها ومضى،
تغرق السيدة بالصمت
تنسل الثوانى . . تسكن خلايا جلدها، وتنسلخ واحدة تلو الاخر ى.
تتكثف تختصر السيدة فتصير اذنا تلتقط كل رجع صدىصوت عربة لاتقف فى شارعها. . .
ازيز سلاسل مصعد لايصل طابقها. ..
خطوات لاتقرب بابها. ..
تصير عقارب ساعة تعلك الزمن
ولا يأتى
. مرآة
تواجه المرأة المرآة التى امضت عمرها منشغلة بجمالها، تعكس الزمن قناعا لزجا يسيح على وجهها وجيدها، اتفر لمرأة الى زوايا البيت كان فارغا إلا من بعض اوان ذبلت زهورها منذ وقت .
تذكر انهم كانوا يقفون ببابها، يحمل كل منهم زهرته ، وكانت تعرفهم من شكل والوان وروائح زهورهم ، وتتفاخر بحجم الورد الذى يلقى فى القمامة كل يوم . تعود الى مرأتها يسيح الزمن لزجا على وجهها ويجيدها، ترتعب ، تعاود الهرب الى زوايا البيت ، تجسه فارغا، تبحث عن اناء لم تذبل ازهاره ، لا تجد ترتعب اكثر وفى غمرة رعبها تنسى ان لبيتها حديقة قابلة للاخضرار.
. حالة طوارىء
لاتعرف كيف نست او تناست جملته الحادة كسكين .. . "فى حالات الطوارىء فقط التى كتبها الى جانب رقم هاتفه على منديل المطعم الورقى، وكان يهم بمعادرتها بعد لقاء حميم ، كم فكرت بحالات الطوارىء تلك ، ماذا يمكن ان تكون ، ما هو الاحتمال الذى يسمح لها بإختراق عالمه المرتب ، لكن صوته الدافيء الذى يأتيها فى كل الاوقات كان قادرا على اخماد سعار الاسئلة وكان كفيلا برسم حدود اخرى للاشياء، حدودا لا لاحد لها آفاق من دفء تنتشر فى كل زوايا غربتها.
ذات ليلة غياب ، امتلأت مساحات فراغ ليلها الموحش بحضوره الغائب ، بحثت عنه فلم تجد سوى منافض مليئة باعقاب السجائر كؤوس فارغة، وجسران امتصت كل بقايا الصوت .
وسط سكون الاشياء، انبثق جهاز الهاتف كأفق مشتعل ، لم تفكر لثانية بتحذيره الحاد كمسكين ، ادارت القرص جاءها صوته باردا مرسوما كمربع
سؤال
جلست وأياها الى جهاز التلفاز شدت أصوات الانفجارات التى انبعثت منه انتباه طفولتها المشاغبة فزكت دميتها متسائلة.
ماما ما هذا؟
كان مذيع نشرة الاخبار منهمكا فى تلوين صوته كى يتناسب مع اهمية الخبر الذى يتلوه وكان يتحدث عن اقتتال دام فى مكان ما.
أصوات الانفجارات ، صور الاجساد الغارقة بالدماء، بشاعة القتل ، كل ذلك لم يوقف كركرة صوتها المتدفق كجدول .
– لماذا؟
-كيف ؟
– من هؤلاء الرجال ؟
– ما الذى يجعلهم يتقاتلون هكذا؟
سيل من اسئلة لايسالها عادة سوى الاطفال أو الفلاسفة، حرت فى إيجاد اجابات لها تناسب طفولة عقلها، وتكفينى شر الاسئلة المضادة .
شعرت بعجزى، انسلت الى حضنى، استرقت نظرة مذعورة الى الجهاز، غمرت رأسها بصدرى وتساءلت .
ماما، هل تستطيع الامهات "عمل " الحروب ؟
موت
الجثة مسجاة بانتظار الكفن
السيدة الصغيرة المفجوعة بمعيلها تتراوح بين رغبة عارمة بالعويل واخري باحتضان طفل كزغب القطا، والهرب بهن الى فضاء بلان نحيب .
النساء الغارقات بالسواد ينحن بصوت رتيب وكل واحدة تفكر بفقيد لها سبق وان ذهب ولن يعود.
الطفلات المكومات كقطط وليدة فى زاوية الغرفة يتساءلن بذعر عن معنى السفر الى الله .. الرجال ، الرجال وحدهم فى الغرفة الاخرى، يفتعلون التجهم ، يحتسون قهوتهم بصمت وكل منهم غارق بحساب نصيبه من الارث القادم .
مفارقة
كانت المرأة فخورة بأنها الوحيدة فى وسطهم ، لا بل كانت تسخر من عالم النساء القمىء وهى المرأة القوية وسط عالم الرجال ، شكلوا عالمها سكنوا خلايا جلدها، فصاروا كل شىء زملاء عمل ، منافسون ، اصدقاء، وعشاق .
ذات ليلة تعب ، احتاجت المرأة القوية الى من يشاركها الأسى، تلفتت حولها بحثت عنهم الواحد تلو الأخر، وعندما لم تجد احدا منهم ، بحثت فى داخلها، فلم تجد سوى صورتها ولم تكن تشبهها.
. توقع
عندما فكر والدها بزيارة ذلك الشخص الهام ، بناء على معرفة شيمة ورجائه من اجل تشغيلها لديه ، لم تفكر بشىء سوى انتهاء عذاب انتظار مواعيد ظهوره على شاشة التلفاز غير المنتظمة .
وعندما استقبلها بتجهمه المرسوم المنسجم مع مكتبه الفخم لم تفكر بشىء سوى انها ستتمكن من مشاهدته عن قرب .
وايضا عندما استلمت وظيفتها المتواضعة فى مكتبه ، لم تفكر بما الذى يتوجب عليها فعله ، سرى قراءة خطوط توقيعه الملتوية عل اكوام الورق المار عبرها، بالاضافة الى حسد سائقه الشخصى الذى كان يتمكن "بالتاكيد" من تنسم عبق عطره ، وهو يفتح عربته الفخمة ليدلف اليها كل ظهيرة.
كانت غارقة فى عالم وردى تنسجه من خطوط توقيعه الملتوية،عندما استلمت ورقة لم تقرأها.. لكنها عرفت فيما بعد انها كتاب الاستغناء عن خدماتها.
سهير التل (كاتبة أردنية)