هكذا يخفر المدى كما ببغاوات السلام.. وحليب النوق الذي ينهشا التوق الى أثداء خنازير مخلصة تلحس قاذوراتها ساخنة.. من البعيد يتراص شفاء خواف طفقت تحتسي الكون في نهم وتمخر السراب وهي التي عبرت يوما ما قارات ممغنطة باسلاك شرهة.. ومن بعيد ايضا يلوح فم أدرأ يسائل الأ وكار عن أطوار لحم الخواف السمينة التي التهمت فضاءات البرسيم في حويصلات ثائرة كبركان هامد.. هي الشقاوة اذن..هي البداءة.. كما يدعي.
وكمن يمارس خطيئة الأدب.. يكون الاحتشام.. ويقول صاحبي الفاني : لا…
لا تمضغ اسنانك يا فلان..
لا ترحب بشياه الجيران..
لا تعصر أقحوان الرغبة في كؤوس الهلام…
لا تستنفر عروقك في لحم أسود..
لا تقارع السحب بكلام مكثف ولغة مفلقة..
وقال صاحبي أيضا :
تلك المسحوقة برما.. العويصة السوق.. التي لها كصهيل (وادي
الأبيض ) الممسوس بوباء الغفران.. التي ما أن تردك حتى تسجد..
حتى تسبح..
حتى تسبح..
هي نفسها من كانت توحد القدوس في معابد لصهاينة حلقوا ذقونهم بعد فناء الامشاط.. هي نفسها من أرغمت عفاريت الرحمة على اقتحام عناصر الظن …
هي نفسها من باعت شروطها بأدعية بائسة لن تستجاب.
وأيضا قال صاحبي :
بجانب نباتات (الخنشار) تكمن فصائل البخت.. لها معارفها ومريدوها.. فهلم – يا صاح – نداهن الجدران.. ونعسكر على ثرى السلالم الرميمة حتى تبزغ شمس الحرية والحرمان..هكذا قال لي..
عندما تكون شغوفا بالبياض الماكر.. مضطهدا بالأبجدية.. يكون للفتنة قصر منيف في شفافك.. بين أشلا مك يعيي النص.. عن تتبع سراديبه التي تهوى بك الى ما لا نهاية.. ما لا ابد..
وكمن يمارس خطيئة الأدب.. يكون الاحتشام..
كان (هو) على مقشة مسحورة يطوف بالمدن المائتة مدينة مدينة.. ينثر على باحاتها شيئا من رونق أباحي.. وحلوى مثمرة.. كان يكاشف أهلها بحقائق الصرعات الأخيرة.. وكان يوزع كتيبات بيضاء تدعو ال الخلاعة وتشرح الجنس بتفصيل ممل… وكان يلقي في البحيرات ببذور الأمان وبضعة مناشير سياسية.. تؤيد وتشجب.. تؤيد وتشجب..
غبار الجنود على تلة القصب ينسج دثارا لغبار آخر.. غبار ان يصطرعان.. وجنديان يشتم كل منهما قائد فصيله.. وبندقية محشوة بذخيرة مسروقة لتقتل متنكبها.. ينسحب الاقسام.. طلقة في بيت النار… دماء تلطخ الكنائس وتعمر ملاجي، الزعفران.. وجنديان هناك اخذا في إطلاق النكات الفجة على مستعمر تعلم القرصنة على أيدي جراد مسالم يترحم على نكهة البارود وعفونة الجثث..
بلابل التيه..مزامير الرعاة.. مجامل الفواية.. تيجان السقاة في صحراء النصف الخالي حيث يرتحل السمو بمعية بطانته المنافقة قاطعا الو هاد والكثبان عاصرا اكباد الابل.. خارقا مرار تها.. وصولا الى بوادي السهاد.. أو مضارب الغاية.. حداة العيس في هذا الخراب الظاهر يترنمون بمقاطع من موال يحاكي سيرة (بني خذلان ) ويعارك الواقع على سفوح من الخيال المقتنص من أفواه الرواة الذين يفزون الخطي بأخفاف كأنها الماء تجاه سدرة يابسة في أخريات النصف الخالي حيث صومعة وورقة ودواة ويراعة منحنية..
هنا تبدأ الأشياء في الالتئام / التفتت..
هنا تبدأ الأشياء في التبعثر / التجمع.. أيضا..
ها هم الجنود أتوا بهاونات التصدع ومقاليع الشيطنة.. جاء وا ينتهكون حرفة قيلولة ها.. يشجون جمجمتها بكعوب بنادق القمت عيارات مغشوشة ثم يمضون ببونشاتهم مدونين
يوميات القهر منشئين مذكرات الماسي.. وعندما ينتهون الى ثكناتهم يخلعون أحذيتهم العسكرية وبناطيلهم المعفرة ويسارعون الى خلط علب الجعة برائحة جواربهم ثم يجرجرون المزيج الى بطونهم الخاوية منذ طابور الصباح..
وكمن يمارس خطيئة الأدب.. يكون الاحتشام في الليالي التي مشطت شعور أقمارها.. كانت المسافة بين النجم والنجم ضعف مساحة الخراب بين المجرة والمجرة.. وكان القوم هناك بأشكالهم غير المحبذة
يتقيأون أسماكا مقلية وخوخا رحبات البركة.. المغشوشة..وكانت الأخاديد حبلى بفيروسات مستجدة تستمريء الهلاك وتحثو البن هيلا لتغطي مفاتنها.. وكانوا يعيدون تجفيف الأسماك وقليها..ثم يغمسونها بصندوق مملوء ببكتريا نافعة.. وهم يتوسلون السماء بأن يتقيأوها مجددا.. ليعاودوا الكرة..
الأرض التي أرست الجثث.. بتها ويمها.. وأرخبيلا تها.. كانت تبدو كتضاريس جرداء.. يحفها عواء مسعور وأنات مستكينة لكآبة الدهور وآباد الأزمنة.. وكانت الأطواد كأسنان الدلافين بين فكي سلاح فاسد.. وكان ثمة واحد يصيح (أغسلني يا الله ).. وكانت أبراج السديم ترنو للبعيد.. البعيد.. هكذا شرعت مناجل الرحمة في تمشيط المنطقة وازهاق أنقاس الروائح البائتة.. وكان الدم القاني ساعتها ـ سيد الموقف يهرق في كؤوس من دم.. وكانت نيران المجابهات تموسق فوهات سعيرها مثل حقيقة مطردة وقانون شرعي.. اذكاء اللهب.. البرد السلام.. الروح.. البرهان.. الجبل.. الطوفان.. فقط.. نعم.. لا..
تميمة الغياب سرى مفعولها ليكلل حضور السلا حف باذناب الرحيل.. وعراقة الأشرعة بقو احل الأيام المائتة هباء.. والأعضاء الجائعة تلتهم شيئوئتها لتبلغ ذروة المرض.. والرأس المشتعل استحال الى نواح دائم.. وكذا الضلوع وسائر الهيكل..
يا ايتها الأقاليم.. المضرجة سهولها بحمى اليباس.. المهشمة أباريقها بشيء اسمه العبث.. المرفوة خيطانها بأشياء تدعى دمغة الاعتزال.. المنهوكة نساؤها بقضبان الرغبة وهوس الانفتاح المرقعة مساحاتها بفجائع ما قبيل الفجر.. المدهونة مساءاتها بوحل التهجد..
أفيقي.. أفيقي..
فقصورك المبنية من لؤلؤ البحار السبعة ونخيلك المسلسلة جذوعها من سيل ذهبي رشق الأقاليم ذات غبش.. وأفلاجك المترعة ماسا وزنجبيلا وفواكهك النحاسية الملمس الفضية الطعم.. كلها.. كلها قد شمعت وأزيحت وزخ بها الى مقابر الخواء.. وصارت من أملاك العفريت الأعظم.. الذي وسم نفسه بعد ذلك بـ
(حارس الاقاليم ).
أفيقي.. أفيقي..
فنجوم سماواتك.. التاثت..
واعراض صباياك.. استبيحت..
وشموس صباحاتك.. قد اعتورتها ألسنة الاغتراب والدنس..
وأقبية لصوصك.. قد اكتسحت عقب مسح شامل..
يا ايتها الأقاليم..قد حضنك اليباس.. وضاجعك القحط.. وانتهى الأمر..
هالكون يرتق خرائطه.. وهالممالك توزع مغانم الغزوة على جنود السرايا وطلائع الجيوش.. تغص المنعطفات بشخوص بدائية تجوب الممشى حافية حاسرة الا من بؤس يجلل شعورها المشعثة ويرصع لحم رئاتها المتورد بالتخاريم.. ومخها الطافح بموانيء الفقد والغفوة..
هي الشخوص وحدها تبسط نفوذها على مرأفي ء البوم و(ألبوم )..
وحدها الشخوص التي هاجرتها الوطاويط ال جزيرة المدى الى غير رجعة..
منساقا كما رياح هوجاء..يسقط حوذي الأمكنة من عل.. 0مضمخا بعناقيد الهلام.. ومسر وجا بخيالات شتى تتضارب.. أتى ليؤجج في الزوايا أقوات الفوات.. وليغرس في الشوارع ثلة من أقواس قزح ضالة.. وينشر في الحواري صهيلا يبحث عن خيوله العزلاء.. هكذا بدأ حوذي الأمكنة جولاته نصف النهارية.. بدت – للأهالي – جولاته المختومة بالشبق والمدجنة بالاباحة كشتاء لم يستعدوا له.. أو كضيف نزل على حين غرة.. فتوافدوا على الحوذي يستعطفونه ويتملقونه.. ويتمسحون بأظلاف خيوله التي أطلقها لتبعثر الدروب وتلحس البقايا وترجم البغايا مرسلة أصواتا غريبة (ليست صهيلا).. يطفر سائل مزيق بين دم وقيح من طرف ذيولها المكسوة بشعر أملس.. يا خيول الصقيع.. يا..
بين حكمة الشموخ ولذة الانفعال ياكق نيزك أضناه السفر في غياهب ذاكرة أضاعت خاتمها السليماني. وانبرت تكوي الكون منقبة عن عزاف يهتصر جسد اللغة باطراف عمامته… ويفقأ عين السماء بخنصره.. ويند النجوم بعروق زنده…. و…. و…..
الخاتم : بين فكي تمساح أحول يحرث البحار بلا كلل باحثا عن أهداب الحق..
العراف : شيخ تكتريه الخزعبلات.. النهار تلو النهار..
الذاكرة : صبية خرقاء تحك ما بين فخذيها كلما صافحها
المشهد..
عندئذ
تعود
أغنية
النعاج
ترتق
كلماتها
من جديد..
عبدالله بني عرابة (قاص عماني)