لقد كانت قصائدي اجابات عن حوادث في حياتي، تؤطر كل الحياة بلحظتها الممتعة والشقية. لم تكن في لحظتها، وإنما مرشحة عبر الزمن. وهكذا فجميع نتاجي الشعري بالامكان النظر إليه كيوميات، ولكنها يوميات غير شخصية، الذي هو مؤلف قصائده، والأفضل القول: أن قصائد من قبل شخص لاثبات هويته، كل شاعر يخترع شاعره كثيرا ما تبدو له كمزحة محاولة التمييز بين الشاعر الملحمي والشاعر الغنائي، يقال إن الشاعر الملحمي- ووريثه الروائي- يقصان حوادث لاتمت بصلة لهما ويخترعان شخوصا بينما الشاعر الغنائي يتحدث بإسمه الخاص، وهذا ليس صحيحا: فالشاعر الغنائي يخترع ذاته عن طريق أعماله الشعرية، وفي أشياء ليست قليلة فإن "ذاته هذه" تكون مختلطة بجمع من الأصوات والشخوص، ومثل جميع البشر، فالشاعر هو كائن جمعي، منذ ولاتنا وحتى الممات لأننا نعيش حالة حوار- أو جدال- مع المجهولين الذين يستوطنوننا. إن السيرة الحقيقية لشاعر ليست في حوادث حياته وإنما في وانما في قصائده، الحوادث هي المادة الأولية، المادة الخام لما نقرأه كقصيدة شعرية، هي ابتكار (واحيانا هي رفض) لهذه أو تلك الخبرة الحياتية لم يكن الشاعر يوما ما مماثلا للشخص الذي يكتب: فحالة الكتابة هي ابتكار، نعلم أن كاتلو Catulo وليزبيا Lesbia (اسمها الحقيقي كان كلوديا) وجدا حقيقة، كانا شخصين تاريخيين. وكذلك فقد وجد كل من بروبيرثيو Propercio وسينتيا Cintia . ونعلم كذلك بأن لا الشاعر كاتلو ولا عشيقته، ولا أيضا الشعر بروبيرثيو ولا حبيبته كانوا أولئك الأشخاص الذين عاشوا في روما منذ سنوات طوال, إن بطولة هذه الكتب ومؤلفيها انفسهم، دون أن تكون محض خيال، هي في أنها تنتمي الى الواقع الآخر، ونفس الشيء يقال حول بقية الشعراء، في أي زمن يكونون، وما هي عليه حياتهم أو أشعارهم. إن الشعر فن كتابة القصائد، ليس نتاجا طبيعيا، فعبر مشروع الشفيف هذا، فما يكتبه الشاعر ودون أن يدري، فإنه يخترع ويتحول الى آخر: كائن –شاعر. لكن واقع شعره وواقعه الخاص ليسا صناعيين أو انسانيين إنما يتشكلان في هيئة زمنية محكمة ورقيقة، حال إظهارها تبرز أمامنا بواقعها الانساني الحقيقي. إن القصائد ليست اعترافات وإنما احياءات. (1)
اختيار الأشياء
1-إحياء
الكتبي
بين موسيقى التانجو وجرة من أو أواسكا
متوهج ويقظ
بعينين متلالئتين من ورق الفضة تنظراننا جيئة وذهابا
كجمجمة صغيرة من السكر.
2- قناع تالالوك Talaloc
مياه متحجرة
والعجوز تالالوك ينام قي الداخل حالما لزمن ما.
3- نفس الشىء
محاطا بالضوء
البلور الذي هو الآن من قشرة وفوق مياهه،
يطفو الطفل.
4- أوركيديا من الصلصال
بين تويج من صلصال
تولد باسمة،
زهرة الانسان.
5- الآلهة ألوميغا
الجهات الأربع
تعود الى سرتك
في جوفك يضرب اليوم بأسلحته.
6- تقويم
ضد الماء ، أيام من نار.
ضد النار، أيام من ماء.
7- سوشيبيلي
في شجرة اليوم
تتعلق فاكهة من يشب
نار ودم في الليل.
8- صليب من شمس وقمر
بين ذراعي طائران
آدم الشمس وحواء القمر.
9- طفل وبلبل
في كل مرة يرميه
يسقط
منتصف العالم تماما.
10- أشياء
تعيش بجوارنا
نحن نجهلها، وتجهل من نكون.
وهكذا نتحاور في كل مرة.
(في الأوسمالUxmal)
1- معبد السلاحف
في المساحة الفسيحة
تستريح وترقص الشمس
الحجرية.
عارية في مواجهة شمس,
عارية أيضا.
2- منتصف النهار
الضوء لا يرمش
والزمن فارغ من دقائقه
عصفور ألقي القبض عليه في
الهواء.
3- وقت متأخر
يهوي الضوء،
فتسقط الأعمدة
ودون أن تتحرك،
تبتديء الرقص
4- شمس مكتملة
الوقت شفيف
وسنلمح حين يكون الطائر
لامرئيا
لون هديله.
5- نقوش بارزة
المطر ، قدم راقصة وشعر طويل
ساق عضها الشعاع،
يهطل مرافقا بالطبول
عرانيس تفتح عينيها وتنمو.
6- أفعى بنت لها فوق الجدار
جدار في مواجهة الشمس
يتنفس يهتز يتموج
قطعة من سماء حية وموشومة.
الرجل يشرب الشمس،
هي ماء هي تربة
وفوق الحياة ، أفعى
تمسك رأسا بين أنيابها:
اللآلهة تشرب الدم ، وتأكل البشر.
أحجار مفردة
1- زهرة
الصراخ ، المنقار ،السن ، العواء
اللاشيء الدموية وضخبها القاتل
يغمى عليها أمام هذه الزهرة
البسيطة.
2- سيدة
كل الليالي تنزل البئر
وفي الصباح تعاود الظهيرة
وبين ذراعيها زاحف جديد
3- سيرة ذاتية
ما استطاع أن يكون،
ذلك الذي كان
لأن الذي كان ، ميت.
4- نواقيس
أمواج من الظلال ، أمواج من
العمى
فوق صفحة اللهب:
بللت فكري وأخمدته.
5- عند البوابة
بشر ، كلمات ، بشر
توهمت حينها
ان القمر في الأعلى ، ووحيد.
6- منظر
الحشرات شغولة
الجياد بلون الشمس
الحمير بلون الغيم
الغيم أحجار هائلة لاتزن
الجبال كغيوم حانية
قطيع أشجار تشرب من الجدول
الجميع هناك ، قائلين بوجودهم
أمامنا حيث لا نكون
متآكلين بالحقد، بالضغينة
بالحب متآكلين ، بالموت.
7- رؤية
أراني حالما أغلق عيني:
فضاء
حيث أكون أو لا أكون.
ترجمة: عبد الهادي سعدون (كاتب عربي يقيم في اسبانيا)