في قارب الحياة
ثمة ما يحدث دائما:
حرب تعلن فجأة
طفل يولد في مغارة
قلب يمقطر ألما.
هل أجرؤ أن أنسى ذلك ؟
ثمة ما يجري دائما:
ماء في نهر
نبيذ في حانة
دموع ودم أيضا.
هل أقدر أن أوقف ذلك ؟
ثمة ما نفتقده دائما:
جملة حفظناها عن ظهر قلب
مظلة أضعناها في مقهى
امرأة أحببناها بكل جوارحنا
هل يمكن أن أسعد بذلك ؟
ثمة ما لا يحدث أبدا:
أن أربح مليونا في اليانصيب
أن أعثر على كنز في حديقة بيتي
أن أسافر الى القمر.
هل ينبغى أن أحزن لذلك ؟
المقامر
ضع العالم أمامك على المائدة الحمراء
وقامر عليه قطعة ، قطعة !
قامر على الشمس والقمر أولا
فاذا خسرتهما
سيظل لك ضوء النجوم .
قامر على الأشجار في الغابات والحدائق
فاذا خسرتها
قامر بعدها على الصحاري والبحار!
قامر على المدن والقرى والشوارع
لقد أحببت الكهوف والمغاور دائما.
قامر على الذهب والفضة
اذ يمكنك أن تملأ خزائنك بالتراب أيضا.
قامر على الآلهة
فاذا خسرتها سيظل لك الشيطان على الأقل
جالسا ينتظرك ، نافذ الصبر
أمام غرفتك المليئة بالدخان .
ثم قامر عل كل شيء دفعة واحدة !
ماذا يهمك أن تربح أو أن تخسر
مادمت تعرف أنك سوف تلعب ثانية
حتى النهاية ؟
وليمة الحكماء
مضللين اللصوص
نخبىء الروح الطاهرة في الثلاجة
بعينيها المقلوعتين
نعلق خارطة الزلازل على الجدار
ونثرثر حول آينشتاين وثقوبه السود.
في المطبخ نجلس وندخن :
الماء الثقيل ، مخلوطا بالنعناع ، يغلي في إبريق الشاي
بينما الدجاجة العمياء التي تبيض ذهبا تشوى في الفرن.
وصل الحكماء أخيرا.
تقول سالمة : "سوف أعد فطور الملائكة لضيوفنا"
ننتقل الى الصالة
وننتظر قهوتنا.
لقد غدت الحياة باهظة التكاليف حقا:
كل هذه الفرضيات لقياس انحناء الضوء
كل هذه الضحايا لكسب حرب ما
كل هؤلاء الفراعنة لخطبة مومياء.
ولكن لا أحد يتحدث عن ذلك في هذه الأيام
لا أحد يسأل عن الآخرين
لأنه ما من قرائن على أي شيء
لأن ما هو موجب سالب أيضا
مثل كل أمل ، مثل كل شك .
في مكان ، في مكان آخر
ثمة قبائل غريبة تائهة بين المجرات
في حديقة ، في حديقة نائية
نضطجع تحت النجوم
ونسترجع ذكرياتنا يوم كنا في الفردوس .
كأس الدموع
دم
يقطر من جسد متروك في البراري
تنهشه الطيور
تمثال شاخص منذ الأبد
فوق رأسه تاج شوك من الذهب
وقلبه مخبوء في خزانة موصدة
عيناه تحدقان الى الأسفل دائما
كمن يشير الى صرة فضة
أضاعها جلادوه
عندما غرزوا المسامير في أطرافه
بمطارقهم الحجرية
بينما الروح الباكية
تعول فوق الجبل
ايتها الفأرة العمياء
لماذا تلعقين غباره ؟
ايتها الحورية الصغيرة
لماذا تطلقين قبلاك في الهواء؟
أيها المارق
لماذا تسور حديقته بالثعابين ؟
ألقى الراهب موعظته وخرج
ليتناول وجبته المقدسة الأخيرة
في مطعم قريب
على ناصية الشارع
تاركا خرافه الضالة للذئاب
وسيده للنسيان .
هناك رأيته
يهبط من سقفه الزجاجي الملون
يفك عنه أغلاله القديمة
ويجمع دموعه المالحة
قطرة ، قطرة
في كأس قدمها لي
فجرعتها صامتا
مثل نبيذ مر في حفلة مريرة .
أيها السيد دعني أضمد جراحك
لا تمت ثانية
أرجوك .
فاضل الغزاوي ( شاعر وروائي من العراق مقيم في ألمانيا)