تغرب الأشياء تنسحب بعيدا الى منطقة ما بعد الظل وقبل الضوء هنالك حيث تبدو الأشياء أكبر أصغر أو تمحى.
– كم الساعة؟
– نسيت ساعتي في البيت.
– هذا دليل تمرد جديد.
– لأن نسيان الساعة يعني عدم الاهتمام بالوقت, وعدم الاهتمام بالوقت يعني أنك غير منضبطة في مواعيد الحضور والانصراف, يعني غير مكترثة بقوانين الخدمة, أو بالقانون بشكل عام, مما يشي بوجود بذرة تمرد، تمرد على الوقت على النظام, على…
هأنتذا تقبض على ضفائري وأنا أصعد الدرج ورأسي مائل الى الوراء، ضفائري الهابطة حتى الأرض تكنس عتبات الشفقة بالوهم, وأنت تستشر صبري، إذ تقبض عليها بغلظة, تتسلق عقدها التي تنحل بين يديك بغلظة أكبر تقبض على العقدة التالية حيث ضممت الحرير والعود وأوردة الريحان, ورأسي المنشق عن التفاتة غريبة يشي بما يزيد عن الالم: الحب مثلا وربما الكراهية, لا أحاول الهرب فها أنت قد وصلت الى جذر الشعر ورأسي المائل الى الخلف مجتث من مكانه ومتدل كسروال.
الأن أنا تحت سيطرتك, تدوس على, بنعالك المغبرة تهرس عيني، وأذني، لكن لساني يباغتك بالشتيمة, فترفس فكي وأبقى معطلة عن الكلام.
تستوي على الأرض, يفرحك الضوء فتضحك, وترقص, تشد ضفائري الملوية حول رسغك فتسحلني وراءك, أحس بالجلد يلتصق بالتراب لينبت في فجواته دود كثير وأنت تركض في الاتجاهات الأربعة, تحاول القبض على خيط الشمس المتداعي.
الجثة أنا وأنت تجلس بي عند شجرة تسندني على جذعها وتمسح الدماء عن شفتي السفلي، تعيد عيني الى مكانها وتسوي أذني، وتفتش عن الدود تحت جلدي، تهمس أنك تحبني وأنك تريدني زوجة, مدللة ومطيعة، وأنك سترجع ذاكرتي الخائنة وتحفظ لي اسمي.
– قولي ما تريدين مادمت بين جدران غرفتك, لكن في الخارج احذري من الصديق قبل العدو ومن نفسك قبل…
تسكب الماء على جسدي، نغسلني بالحناء، تفرك وجهي جيدا وشعري السابح تحتي يتهمك بالأذية فلا تأبه, تحشو القطن في أذني، ومكان عيني المتدلية وفمي تحشوه جيدا بالقطن الناعم.
– كلنا كنا هناك, يا ابنتي, وكلنا رأينا ما حدث, لكننا لم نفتح حلوقنا, كانت نظراتهم تتربص بنا، تعاهدنا على الكتمان إلا أنت, هربت من الغرفة وتسلقت شجرة البيذام, رقبت بين تلافيفها حتى الفجر.
وعند الفجر حملت حقيبتي وأقلامي ودفتر الانشاء وكتبت قصة لمدرسة اللغة العربية.
– هذا كلام به الكثير من العنف ولا يناسب رقة عودك, ربما لو تكتبين عن الطبيعة, مثلا عن أمنا النخلة, عن اجازة الصيف, عن الكورنيش ربما لو كتبت قصة حب بريئة.
أترك الاخصائية الحائرة في تفسير لون المداد الأحمر المسكوب على كراستي, وبقعة على الأرض, وأخرج أبحث عن النخلة في أقصى الحوش, أدفن في ترابها وجي.
– عندما تكبرين وتزهر حقول الثمار في جسدك ستبحلقين لساعات في انعكاس ماء البحر وتبحثين من رفيق يساعدك في جني الثمار ويحفز روحك من الضياع.
– وهل سيمشط لي شعري كما تفعلين؟
– بلى.
– وهل سيسكب العود والمسك في مفارقي.
– بلى, وسيحني قدميك الصغيرتين كأوراق اللوز.
– وهل ستنبت لي أجنحة؟
– الأجنحة لا تنبت للبنات.
وأنا أحس بالزغب ينبت أعلى كتفي، فأسقيه زيت اللوز، وأرعاه حتى يكبر ويفرد نفسه علي ذراعي، ويصير ريشا أبيض لامعا وقويا أمسده حتى يكتمل, وأقذف نفسي من الكوة الضيقة أعلى الدار وأطير.
– أحذري الف مرة وأنت تدسين الكلمات في الثغور، اضبطي الوقت وفجريها عن بعد، لا تعطيهم دليلا ضدك, أحرقي ريشك ان لزم الأمر.
– ان لم تتوقفي عن الكلام سيحرقون وجهك بماء النار، ويقطعونك الى مكعبات صغيرة قد تصلح لأسياخ الشواء، وذلك لن يتم الا بعد أن تنجبي لهم الكثير من الغبون.
تشعل النار بحفنة من أوراق الشجر اليابس وقطعتين من الحجر الأبيض, تبخرني بالخشب المتكسر، تحكم الغطاء حول رأسي، تمحو خيط الدم حول شفتي، ولا تكف عن دغدغتي وأنت تمر بيديك تحت جناحي، فتزهر ضحكة مفرمة في الفرح تسابق رئتي، لكنها لا تخرج , وعيوني الفاضحة بالهدوء، تسألك عن الوقت, فلا تجيب, هنا يبدو التراب تحتي أكثر دفئا وأتذكر أني ميتة.