لدي اليوم الكثير من الأسباب التي تبرر تصفحي لمجلة نسائية حتى يجيء دوري. هناك أيضا عصير مخفف وماء مثلج موضوع على عربة مع أقداح من البلاستك. وأنا ألقي نظرة جانبا على الأشجار عبر النافذة الواسعة أفكر أية مصادفة أن يكون الفصل خريفا أيضا. طعم لعابي يتبدل بشكل سريع.
أصرف عن ذهني فكرة النهوض لأخذ قدح من العصير وأبلع ريقي عوضا. ارتحت لأني كنت وحيدة تقريبا في غرفة الإنتظار. تحاول الممرضة أن تتحرك بأقصى درجة من الهدوء لتتم مهامها. أرفع رأسي مبتسمة كلما مرت أمامي؛ مغمورة بحالة من الهدوء الملوكي المطبق، غير آبهة بتكرارها الاعتذار لتأخري في الدخول.
أفتح الزرين العلويين للكارديكان ليخفّ الضغط قليلا عن صدري. ما هي إلا عشرة أيام عجيبة حتى انطلقت الهرمونات تخبط في زوايا جسدي تستحثني لاستيعاب الحالة. طاقة هائلة تحاول أن تجد لها مكانا بداخلي بينما أحاول محاصرتها لكسب ولو القليل من الوقت.
ينقطع صوت الريح الحاد النافذ من فراغات باب المدخل فجأة.
الجهاز الطبي أعطى لاحقا معلومات مفزعة، كتاريخ دوراننا ليلتها، وأيضا شدة التصاقه ببطانة رحمي.
أتضايق من مجرد رؤية بعض صور لعطور ومكياج فأقلب الصفحة. حواسي تُشحَذ حد القدرة من جديد على تفكيك رائحة ياقة قميصه وجانب السرير الذي ينام عليه، واثر تواجده في مكان ما. التسلسل المعهود كالعادة في المجلات النسائية فتوصي الصفحات الأولى المرأة بالقوة، الضعف في المنتصف، ثم الانسياق لغرائز شتى أخيراً؛ الموضوع هو التانترا، ما هي التانترا، أقفز الفقرات إلى الرسوم التوضيحية، عائدة من ثم إلى الأسطر الاولى من جديد باحساس تام بالمناعة المعقمة ازاء ما هو مكتوب.
لو تجاهلتُ كل الانظمة الرقمية ابتداءً من العمر وانتهاءً بموعد اكتمال الذي في بطني، كنت أبِحْتُ لنفسي أن أصرخ الآن لحضن وجهه، شمّ ثنيات فخذه ولمّه كله بين يدي قبل أن يحين دوري. انها مجرد أرقام، بينما تتكور نقطة صغيرة في رحمي، قل روحي، لها قانونها.
ينقطع صوت حركة الممرضات.
شيءٌ فيه من القداسة الكثير والحظوة الكثير. أتوقف بالرغم من ذلك قليلا قبل أن أرمي أداة الإختبار في الحمام.
أرفع رأسي عن الصفحة للمجلة لأبحث عن لافتة تشير إلى وجود حمام. في حلقي يدور اللعاب كثيفا مُراً يدفعني لأن أبصق.
أجفف فمي بمنديل ورقي يخنقني عطره. لكني لو قلت لنفسي كما ينبغي لامرأة عاقلة عملية أن تقول؛ ?534;?534; مجرد خطأ ?535;?535; لانتهى الأمر. فأتصل بالطبيبة لأخذ موعد للفحص فأذهب وتؤكد لي ذلك، وبعد كلام مختصر جدا مني تتفهم حالتي وتشرع بملء أوراق تحويلي إلى العيادة الخاصة ليتولوا ما تبقى من الإجراءات. ستضغط، كما فعلت لاحقا، على يدي بحرارة وهي ترافقني إلى الباب مؤكدة سلامة قراري.
أمضغ شيئا له طعم الطين ممزوج بحبات رمل تنسحق بين أسناني.
يطبق صمتٌ.
نتبادل أنا وهو نظرات منتفضة تصعّد من إحساسي بأنوثتي. ليس سوى أننا جددنا الحياة فينا ثانية. أرقب وجهه وهو ينهض من فراشه. الفراش ابيض والبرنس والمناشف من حولي. شيء من وداعة ينتقل ليلامس جانب وجهي. وأروح أدعك جسدي بصابون أطفال، مرات ومرات حتى يرغي جلدي؛ تتصاعد فقاعات تنفقئ عن أنفاس سريعة وتجشؤ رضيع.
أبحث عن شيء مالح في داخل حقيبتي. بأمومة زائدة تصطدم أصابعي بذكريات ينكسر لها ظفر الوسطى فأوشك أن أغتنم الفرصة لأبكي، بل أولول.
ينصرف الجميع ويشتعل ضوء انذار أحمر.
ممرضة تقترب كثيرا، تستل مزق ورق من زوايا فمي، وتجمع من على حضني ومن حولي على الأرض البقايا.
يتكرر نهوضي بينما تتساقط أشيائي. يتكرر نهوضي فتتساقط أشيائي. يتكرر نهوضي فلا أقوى على النهوض.
الرقم ٠٤ يظهر بلون أحمر قانٍ على لوحة الكترونية يشير إلى دوري. أية مصادفة، وأنا أنهض بهدوء أفكر بأنه مجرد رقم. لكنه كان، وحتى قبل العشرة أيام الأخيرة، جدارا من خرسانة أرتطم به وأسقط كل صباح.