غرفة معيشة.. متوسطة المستوى.. الأرضية عبادة عن سجاد قديم وفي الركن سرير.. وفي وسط الغرفة صينية فوقها عدد من دلال القهوة العربية الخليجية والشاي.. جهاز راديو كبير الحجم، تليفزيون صغير.. وعلى الجدران بعض المرايا. وأيضا عدد من المراويس وسيف قديم.. وبندقية ,,, وعلى العّلاقة بعض الملابس الخليجية.. والعتال والفترة.. وصورة شخصية لمبارك في شبابه بالبشت.
مبارك.. رجل في العقد السادس أو السابع من العمر.. مازال حتى هذه اللحظة يحتفظ بجزء بسيط من قوته.. أسمر اللون وهو بعد زواج أولاده.. ووفاة زوجته يعيش بمفرده في منزله.. ولكن المشهد في غرفة المعيشة.. لا أثر للتغير في حياته.. فما زال يستند على المساند.. وذاتيا يعمل في المنزل.. يطبخ.. ويشتري لوازمه، نحس بانقطاعه عن الكون رعا لمه فقط منزله.. وغرفة المعيشة.
الإضاءة : على الركن الذي يجلس فيه مبارك.. ويصب لنفسه فنجانا من القهوة.. يغمغم بكلمات لا معنى لها.. يتحرك نحو الباب اعتقادا منه بأن أحدا قد طرق الباب.. وعندما لا يجد أحدا.. يسترسل في مخاطبة الذات.
ها قد عدت مرة أخرى للأسر.. من أنا؟ من أكون ؟ ما قيمة الحياة..! هل أنا بدأت بالحياة رحلتي.. أم أن الحياة بدأت رحلتها بي.. لا فرق.. في النهاية لا شيء.. أسير الوحشة والوحدة.. (يتحرك نحو صورته المعلقة على الجدران ) ماذا لو لم أحضر الى هنا (يضحك) ما هو مكتوب على الإنسان لابد أن يرده.. لكن ماذا لو لم أحضر الى هنا.. كنت الآن بلا شك مه الأهل “باستغراب “ أي أهل.. أنا لا اتذكر أي مشيء.. لا أتذكر أي شي ء لا أتذكر سوى أبي..ذلك المحارب الأفر يقي الشجاع.. أبي.. أبي.. فعلا أبي ماذا كان يفعل ؟ سؤال محير.. أليس كذلك.. ولكن طوال هذه السنين لماذا لم ألق على ذاتي هذا السؤال ؟ أعتقد أن والدي كان طباخا ماهرا.. لا.. لم يكن طباخا.. كان يقطع..يقطع ماذا؟ لا شي ء.. هل حقيقة فقدت ذاكرتي؟ ولكن أمي!.. أمي.. لا أتذكر.. لماز لا أتذكر حتى ملامحها.. آه.. كانت إمرأة رائعة الحسن.. وأخي.. ما اسم أخي؟ آه تذكرت..كانت أمي تقول له.. يا تومي.. ما معنى كلمة تومي؟ كلمة مثل مشات الكلمات.. بدون معنى.. وأختي الرائعة الصغيرة ما اسمها؟ أوف لهذه الذاكرة. لقد انسلخ من ذاكرتي حتى اسم أختي.. ولكن اين هم الآن :؟ لعلهم ماتوا.. أوه.. ما هذا.. ماذا؟ ماتوا..؟ لا.. لعلهم أحياء.. ولكن لماذا الآن.. لماذا في هذه اللحظة بالذات.. لماذا الآن فقط أطرح على نفسي مثل هذا السؤال.. أتذكر جيدا أتذكر ماذا؟ أوف.. فلا أتذكر أي شي ء.. اللعنة على هذه الذاكرة.. آه.. تذكرت.. متى كنت معهم آخر مرة.. "يضحك“ أي..عمر طويل سنوات وسنوات تمتد وتمتد..آه.. أتذكر جيدا.. في العيد الكبير وضعت الطاقية على رامي.. ولبست ثيابا جديدة.. ذهبت مع أبي الى الساحة.. آه الساحة.. بالقرب من الشاطيء.. ياالله "موسيقى افريقية وصوت طبول، وغناء طنبوره – يحاول أن يقلد الرقصات الافريقية.. يلف ويدور لا تسعفه قدماه على الأداء.. يستند على المسند ويمد رجليه.. لحظة صمت والموسيقى متواصلة لفترة قصيرة.
آه.. ما أجمل البلدة في يوم العيد.. نعم صليت مع أبي.. في الجامع أتذكر جيدا.. (صمت ) ثم ماذا؟ لا شي ء.. لم أكن أعرف الصلاة ولكن مع هذا صليت.. بعد الصلاة.. أتذكر.. الحمد لله.. الحمد لله.. ما زلت أتذكر.. الحمد والشكر لله.. مازلت أتذكر.. جلسنا مع أبي وأمي وأخي تومي.. وأختي.. وأختي.. أختي! حقا ما اسمها؟ لا يهم الآن.. ولكن ماذا أكلنا.. آه.. أكلنا العصيدة.. أخي كان أكبر مني كان يشبهني.. “يقف مرة أخرى ويذهب الى الصورة المعلقة ويتأمل الصورة..” كان مثلي.. لا.. كان أطول.. أخي كان أكبر مني لا.. كان أكبر مني.. كنت أطلق عليه. تومي الشرير لأنه ضربني مرة.. الا لعنة الله على الشيطان.. إذن ما اسم أختي؟ ولكن لماذا أختي؟ ما اسم أبي..؟ ما اسم أمي؟ أوه.. لا أعرف لا أعرف.. حقا لا أعرف.. (صمت ) في السنوات أي سنوات ما عددها..أيضا لا أعرف.. كنت أمني النفس أن أذهب.. لكن كيف ؟ وأين أذهب ؟ ولمن ؟ أنا لا أعرف حتى الآن اسم قرينتا.. لا أعرف أحدا هناك.. أنا جزء من هنا.. تاريخي.. حياتي.. حتى مماتي.. ولكن هل أموت في هذه الغرفة دون أن يحس بي أولادي.. آه.. أولادي.. أولادي.. أين هم الآن : لا أعرف.. منذ مات عمي بو ناصر.. فلأقرأ على روحه الفاتحة “يقرأ الفاتحة “ مت أنا.. كان عمي بو ناصر سندي في الحياة لم أحس معه طوال حياتي.. بعلاقة السيد والمسود.. كنت جزءا منه.. كنت مخزن أسراره.. حتى في لحظة الموت كنت معه.. بموته انتهيت.. أنا لم أمت.. ولكني في الحقيقة ميت. أنا ميت.. هذه حقيقة.. لماذا أبالغ.. كان عمي بو ناصر عليه رحمة الله.. رجلا شهما.. آه.. “يضحك" زوجني في كاليكوت “مدينة هندية “ أحضرتها معي.. شاهيناز.. غيرت اسمها الى أمينة.. لكن شاهيناز ذات جرس موسيقي خاص.. وسميتها أمينة.. لأنها كانت أمينة على حياتي شاهيناز.. (صمت ) شاهيناز كم كانت رائعة.. أوه.. كم كانت امرأة رائعة "يبكي.. ويمسح الدموع“ هل أنا مجنون.. لماذا أتحدث كثيرا.. أتحدث مع من ؟ لا يهم.. عن ماذا كنت أتحدث.. أوف لهذه الذاكرة.. آه.. كنت أتحدث عن حبيبة القلب شاهيناز.. شاهيناز الرائعة التي لم تشتك أبدا.. كيف صبرت معي سنوات وسنوات.. رزقنا الله بالأولاد.. تف “يبصق" الأولاد الكلاب.. لكن شاهيناز.. عاشت معي أصعب اللحظات.. من ؟ “ينصت الى الباب “ أعرف لا أحد.. ولماذا انتظر.. لم يعرف أحد شاهيناز كما عرفتها.. نعم.. نعم.. أحببتها.. كانت سيدة معطاء رائعة.. رائعة في كل شي ء “يمسح مرة أخرى بفترته دمعة انحدرت من عينيه “ ولكن لماذا..تركتني؟ هذا سؤال سخيف.. أليس كذلك ! الله استرد أعانته.. يأرب.. يا كريم.. يا معبود.. يا رب.. يا كريم.. يا معبود.. يا رب استغفرك من شر الوسواس الخناس “صمت" ولكن ماذا كان يحدث لو لم أعد في تلك الليلة الى السفينة "في كاليكوت “ أوه.. أي أفكار شيطانية.. كان عمي بو ناصر يحبني.. كان يرقص طربا لغنائي “يؤدي بحركة إيمائية.. أثناء غنائه بصوت خافت بعض الأصوات الخليجية “ كان عمي بو ناصر يضحك بسرور.. كان يضحك “يضحك مبارك" (صمت ).. "يرتفع صوت مبارك بالفناء تدريجيا يغني صوت قريب الفرج.. يا دافع الهم.. “ (صمت ) حتى هذه اللحظة لا أدري حقا لا أدري.. لماذا جئت الى هنا.. كيف جئت.. لا.. لا.. الآن تذكرت.. إيه.. تلك الأيام الحزينة.. كنت طفلا.. كل ما أتذكره أن سفينة كبيرة.. رست في الميناء.. كانت محملة بالتمور.. هلل الناس وسعدوا بمجيء السفن وخاصة هذه السفينة الكبيرة. لا أتذكر الآن عدد هذه السفن.. كانت هذه السفن كما أعي تحضر التمور من البصرة.. آه.. من لم يشاهد بصرة.. يموت حسرة (صمت) تأتي محملة بالتمور.. وتأخذ من عندنا. ماذا كانت تأخذ؟ لا شي ء آه أعتقد شي ء غير زي قيمة.. حطب من الغابة آه.. كان أبي حطابا.. الآن عرفت سر علاقته بنواخذة البحر كان عمي.. ما اسمه.. نسيت حتى اسم عمي.! عمي كان اسمه.. آه.. (مدي) كان عمي رجلا ضخما.. كان والدي يخشاه.. كما كنت أخشى أخي تومي.. لم يكن والدي يخافا بل كل الرجال.. لكن عمي بو ناصر.. الله يرحمه.. شخص آخر كان يحبني.. (يضحك ) أول مرة شاهدت عمي بو ناصر.. عندما حضر إلينا.. ثم ذهب والدي معه الى السفينة ومعهم عمي (مدي) كان عمي يتحدث مع والدي بلغتنا.. كيف استطاع أن يتعلم لفتنا.. ما زلت حتى هذه اللحظة أتذكر كلمات الترحيب فيما بينهم قال لأبي “يمثل الدور.. ويتحدث السواحلية.. هو يمبو سي يمبو.. هواري.. هواري أمزوري.. هواري أمزوري سانه. وهو في هذه الأثناء يحاول أن يقلد حركات والده وعمه بونا صر” لكن كيف تعلم عمي بو ناصر تلك الكلمات الرائعة. كلمات بسيطة المعاني.. والدلالات.. كيف انت والأهل.. والأحبة.. “صمت “ لكن لماذا تدور هذه الأفكار في ذهني الآن.. كانت أمي تحدثني وأنا طفل صغير عن اللصوص.. وكيف أنهم يسرقون الأطفال أوف.. لماذا أتذكر الحكايات الطويلة “صمت “ أنا لست أسيرا أنا حر.. أنا حر الآن.. أملك الإرادة.. والقوة وكل شي ء لا.. لا.. أنا لا أملك أي شي ء لا.. أنا حر.. أملك هذا المكان ولي أولادي “يبكي” لي أولادي “بتشنج “ لا.. لست وحيدا يواصل البكاء، لا.. أنا لست أسيرا.. أنا حر.. “صمت “ ايه يا بروك أين الأحبة.. شاهيناز.. بل أين أبو اسماعيل صديق العمر.. لقد ذهبوا.. د،صمت “ أبو اسماعيل لم يكن من قويتنا. ولم يكن قريبا لي ولكن كنا أكثر من أصدقاء كان قريبا مني.. “يضحك" ما زلت حتى هذه اللحظة أتذكر كيف سرقنا حلوى عمي بو ناصر.. ونحن فوق المركب.. ضربه عمي.. ولكنه لم يرفع يده على قط.. أعرف كان عمي بو ناهر يحبني. أوه.. لماذا اتذكر الآن كل الحكايات القديمة ؟ لماذا أتذكر الآن كل من رحلوا عني؟ اذن لماذا تركوني..؟ هذه سنة الحياة.. ولكن هؤلاء من ذكرتهم لم يموتوا.. شاهيناز ما زالت حية “يضع يده على قلبه. هي ماتت بالجسد ولكن ذكراها هنا (يشير الى قلبه ) كل الأحبة هنا.. يشير الى قلبه. اسماعيل أيضا لم يمت وكذلك عمي بو ناصر.. الذين ماتوا أولادي.. حقيقة هم أحياء ولكن ماتوا. اين هم الآن؟ نعم.. أولادي ماتوا.. ماتوا.. "صمت “ جمعانوه “تصغير لاسم جمعه“ ذلك اللعين لم أره منذ أكثر من ستة أشهر.. لا يهم أنا لست في حاجة الى أحد.. ولكن أين أولاد عمي بو ناصر. أتذكر عندما كنت أحمل على ظهري ناصر.. آه.. لقد تحمل هذا الظهر طوال هذه السنوات.. تحمل ماذا، لا شي ء لم يسأل عني حتى هذه اللحظة أولاد عمي بو ناصر.. ولكن كان من المفروض.. آه.. من المفروض أن يسأل عني أولادي.. اليسوا من صلبي.. لا يهم.. أنا لست بحاجة الى أحد.. أعرف أنهم مشغولون بأشياء وأشياء “صمت “ “يتنهد” أنا لم أحضر هنا بإرادتي.. ماذا لو بقيت في قريتي الصغيرة.. أصطاد السمك. وأعيش في كوخ مع أمي.. أين أمي الآن “يضحك “ الآن أسأل عن أمي.. بعد كل هذه السنين. وبعد هذا العمر.. أمي! أمي! بلا شك أنها ماتت منذ فترة طويلة. ماتت منذ سنوات وسنوات.. ولكن كيف جئت الى هنا..؟ لا أعرف كيف جئت الى هنا.. كيف أحضرت.. كنت مع من ؟ آه.. تذكرت لم أحضر مع عمي بو ناصر لا.. أتذكر إنني شاهدت عمي هنا لأول مرة.. آه.. متى؟ لا أعرف.. يا لهذه الذاكرة “صمت “ آه عليه اللعنة. ذلك الحيوان.. خدعني قال لي.. “يمثل هنا مشهد الخدعة “ يا بني.. أيها الصغير هل تعرف كيف تصطاد السمك. قلت له.. لا.. قال لي.. تعال يا صغيري أعلمك كيف تصطاد السمك. كنت بريئة.. وصغيرا صدقته..كنت أصدق أي فرد.. لم أعرف الكذب حتى الآن. ولكن اذا لم أكن قد صدقته.. بلا شك كنت أصدق غيره.. الحياة هكذا.. خداع.. كذب سرقة.. بجانب الإيمان هناك الكفر أليس كذلك ؟ أتذكر جيدا امسك بيدي. وقادني الى الغابة وعندما توغل بي في الغابة كتفني.. بكيت.. صرخت.. “يحاول أن يمثل تلك اللحظات" ولكنه كان قويا.. أخيرا استسلمت لقدري وحملني.. آه.. حملني الى أين؟ أيضا لا أدري آه تذكرت لم أكن بمفردي.. كنت مع مجموعة كبيرة..كنا نصرخ.. أنا واسماعيل صرخنا وبكينا كثيرا.. ولكن لا أحد سمع صدى صرخاتنا.. صرخت وصرخت.. وصرخت.. كان صديق العمر اسماعيل يصرخ ويصرخ ماذا كان اسمه اسماعيل؟ لم يكن اسمه اسماعيل.. أعي هذا جيدا ولم يكن اسمي بروك أوه.. لا تهم الأسماء حتى المكان غير مهم ولا الزمان.. ولكن لماذا خدعني أنا ذلك اللعين. لماذا لم يحضر أخي تومي. اين تومي الآن ؟ أنا أحب تومي كثيرا. الآن لا أعرفه.. حتى لو شاهدته لا أعرفه.. ما شكله الآن هل هو حي ؟ لا.. تومي.. شجاع.. “صمت “ بلا شك أختي تزوجت الآن.. وعندها أولاد.. هل أولاد أخي تومي وأختي مثل أولادي؟ أختي بلا شك تزوجت من رجل من القبيلة.. فارس.. شجاع لو شاهدتني الآن لصرخت أخي الحبيب “يقوم بحركة بشكل تلقائي.. وكأنما يحضن أخته “.. تومي لم يقع في الأسر.. أنا على ثقة “صمت “ لا شيء.. لا جديد في هذا الكون.. انا لا أتصور ان يقع أخي تومي في الأسر.. لا.. هذا احتمال بعيد.. لكن المأساة لو وقعت اختي في الأسر. هل وقعت اختي في الأسر؟ أعرف أن تومي شجاع قوي.. كان يسابق الريح.. مرة “يضحك “ غضبت أمي من تومي.. أرادت أن تعاقبه.. فر هاربا.. أرادت أمي أن تلحق به.. ركض تومي.. ركضت أمي.. ركض تومي.. ركضت أمي.. ركض تومي ركضت أمي.. ”يحاول أن يقلد حركة الجري” يلهث.. يقع.. آه كان تومي أسعد حظا مني.. لأنه الأقوى والأكبر.. هل وقع في الأسر تومي؟ كان تومي يخترق الغابة في لمح البصر.. فر هاربا من أمي.. لم تستطع أمي مجاراته وعندما وصل الى الغابة.. خافت أمي.. هل خافت أمي من ضياع ابنها.. أم من غضب أبي؟ رجعت أمي… في الليل قصت الحكاية على أبي.. ضحك أبي كثيرا.. أعطى لأخي تومي “موسمبي.. نوع من الحمضيات مثل البرتقال “ صرخت أمي.. قالت لأبي.. بدلا من أن تعاقبه تمنحه موسمبي.. كان أبي ذكيا.. “صمت “ ولكن ماذا كان يعمل أعبي ؟ أوه.. مالي وهذا الموضوع الآن.. وفي مثل هذه الساعة.. كان تومي يستطيع أن يتسلق أشجار النارجيل أما أنا فلم استطع ؟ في مثل هذه الساعة الإنسان لابد وأن يركن الى الهدوء فقط يفكر كيف ينام في صمت.. “يحاول أن ينام في صمت.. ويحاول أن ينام.. ولكن يواصل مونولوجه“ جمعان.. ذلك التافه.. لم أره منذ فترة طويلة.. آه.. تذكرت.. لم أره منذ العيد الصغير.. دخل علي للحظات. كان معه ابنه الصغير ناصر.. أعرف أن جمعان قد سمى ابنه ناصر لماذا؟ أعرف.. كنت أريد أن يسميه مبارك.. لكن هذا لا يهم.. ناصر.. انه يشبهني.. نعم.. أخذ كل ملامحه مني.. ألست جده ؟ ولكن الصغير لماذا لم يسلم علي ؟ من الجائز انه خاف مني.. هذا جائز.. لا.. كيف يخاف من جده ! أنا جده “صمت “ منذ العيد الصغير انقطعت صلته بي.. كيف ؟ أعرف حتى لو طرحت عليه سؤالا حول غيابه عني.. طوال هذه المدة سيقول.. أوه.. مشاغلي.. مشاغلي كثيرة ولكن عندما أراه.. سوف. ولكن متى أراه.. “صمت “ مالي اتحدث كثيرا.. لماذا اتذكر أمي.. أنا لم أنس ملامحها "ينظر الى المرآة المعلقة بالحائط “ أه أن أنفها مثل أنفي.. نفس الملامح.. كانت طويلة.. طويلة جدا.. لا لم تكن طويلة.. كنت أنا صغيرا لا.. كانت معتدلة القامة.. كانت رائعة.. وتحبني.. أمي.. هل انت حية.. أما أبي.. ذلك الفارس.. الأفر يقي.. فكان.. فكان فكان.. لعنة الله على الشيطان.. كيف نسيت بمثل هذه السهولة “صمت “ ماذا فعلت أمي بعد غيابي.. بلاشك أنها بكت.. بكت بحرقة بكت كثيرا.. هل ماتت من الحزن ؟ لا.. لقد مرت أمي بتجارب مرت بأكثر من تجربة قبلي.. كانت في بعض الأحيان تبكي.. آه أتذكر وأنا في حضنها انها كانت تبكي.. كنت أخاف عواء الذئاب كانت تحضنني.. كانت ملجئي.. أنا أحب أمي.. وأمي.. وشاهيناز ولكن ماذا فعلت أمي في غيابي.. أوه.. لا يهم.. اعتقد أنها الآن قد استراحت.. استراحت من كل شي ء.. من الهم.. هم من ؟ همي أنا.. أم هم من هم قبلي ؟ أعرف أن بعضهم قد قال إن ابنك قد أكله الأسد.. أو أي وحش آخر.. لا أنا أسير الوحوش الآدمية.. لكن كيف تصرفت أمي.. “صمت “ هل صرخت ؟ هل بكت ؟ نعم بكت.. صرخت.. وبعدها.. هدأت استسلمت بلا شك لقدرها.. "صمت “ الله ما أجمل سنوات الشباب. السؤال الذي يحيرني.. هل كان عمي بو ناصر يثق بي.. نعم كان يثق بي.. اذن لماذا لم يأخذني معه في أي رحلة من رحلاته الى افريقيا.. هل كان يظن انني سوف أهرب !! كيف يهرب الإنسان من قدره.. نعم.. نعم.. أنا شاهدت نصف العالم معه.. زرت بومباي.. كاليكوت.. ميلبار.. البصرة.. مسقط لكن لم يعرض علي أي رحلة معه الى افريقيا.. هنا الغرابة انا لا أستطيع الهرب.. ثم على افتراض إنني حاولت الهرب.. الى أين كنت أهرب.؟ أنا انتهت علاقتي بأسرتي.. آه.. الآن أنا أيضا وحيد.. لا تربطني أي علاقة بأسرتي.. أين جمعانوه عليه لعنة الله.. جمعانوه.. ذلك الكلب.. تركني.. منذ العيد الصغير.. أنا لا أريد أي شيء “صمت “ شاهيناز رحلت لماذا؟ انها الإنسانة الوحيدة التي كانت تنير هذا المسكن الصغير.. الله “يضحك" كنت أمزح معها.. كنت أقول لها انني سوف أتزوج.. كانت تغار.. هي كانت مثلي.. قطعت صلتها بالماضي.. كنت أنا الماضي والحاضر والمستقبل. طبعا كانت تحبني.. كنت أنا أيضا أحبها.. "يضحك" لم أبك في حياتي الا مرة واحدة.. لا أدري هل من الخوف أم من الفرح لحظة الولادة.. كنت أصلي لله.. أحسست بالدنيا..عندما قالت لي الداية.. مبروك.. ليلتها لم تقل.. ما فائدة الأولاد.. أما هي.. استغفر الله العظيم.. هذا شرك.. هذا كفر.. “صمت “ إيه شاهيناز أعرف انني كنت كل شي ء بالنسبة لك.. أعرف هذا الشي ء.. بل أنا متأكد من هذا.. عندما كنا نزعل.. أو أغضب منها. كانت سرعان ما تستسلم.. وكنا في لحظات “يضحك “ نتراضى.. أنا أيضا كنت أحبها.. لم أكن أستطيع أن ابتعد عنها “يضحك “ عندما أخبرها عمي بو ناصر انني متزوج بأخرى.. بكت – ولكن عمي يرحمه الله.. قال لها فيما بعد.. انه كان يمزح معها.. “صمت “ أين جمعانوه ؟ ذلك اللعين.. تركني.. أنا أعرف.. بل متأكد انه يكذب.. هل يستعر من والده.. أنا رجل استطعت أن أربيهم.. ولكن ماذا أستطيع أن أفعل أكثر من هذا.. أعرف جمعا نوه جيدا.. انه يكذب وسوف يكذب.. انا لا أخشى أي شي ء ولكن ماذا لو مت في هذه الغرفة.. وأن وحيد.. بمفردي.. لا أحد يسأل عني.. وقد لا يعرف عني أحد بالمرة.. “صمت “ بروك لماذا تخاف.. لا.. بروك.. البحار القوي لا يخاف.. ثم لماذا الخوف أنا.. قدمت الى الدنيا وحيدا.. وخطيب الجمعة قال في خطبته ماذا قال ؟ أه.. قال.. سنرحل أيضا هكذا.. كان يتحدث عن الدنيا والآخرة كما اعتقد.. أنا لا أعرف أشياء كثيرة.. “صمت" ولكن في هذه اللحظة أنا مشتاق الى حفيدي.. مشتاق الى ناصر.. أريد أن أشاهده.. انه يشبهني "صمت “ ذات مرة.. منذ سنوات وسنوات سألت نفسي هل أنا حقا أسير.. واذا كنت أسيرا أو وقعت في الأسر.. فكيف ؟ وأين ؟ ومتى واذا افترضت انني وقعت في الأسر.. فعند من ؟ أنا حر.. أعيش كالطير.. استطيع أن أفعل أي شيء "يمسك رجليه “ الا لعنة الله على الروماتيزم.. في شبابي لم أعرف هذا المرض.. ولم أسمع.. ولكن الدكتور قال الروماتيزم.. فليكن.. هل الروماتيزم مثل الفالج.. لا.. هذا شي ء مختلف “يضحك“ في زمان الترحال.. كان الدواء الكي.. أما الآن فالأمر مختلف.. أدوية.. وأشياء أخرى.. هل كل هذا من البحر؟ لا.. لا أظن البحر.. نعمة.. البحر أعطانا كل شي ء. لكن هل أنا حر؟ هذا هو السؤال الأزلي.. أوه.. انني أتحدث كثيرا في هذا اليوم.. “صمت “ كان عمي بو ناصر رائعا.. كان يساعدني.. كل يوم كنت معه.. “يضحك “ عندما اشترى أول سيارة كنت أول من ركب معه.. آه.. أيام رائعة هل هذا قدري.. ان أكون في الأسر وانا حر.. ثم ماذا أفعل وسط هذه الجدران.. لو.. ولكن لو من عمل الشيطان.. هكذا قال خطيب الجمعة.. لو.. من عمل الشيطان. فليكن.. لا.. استغفر الله العظيم.. استغفر الله العظيم.. هل اذن المؤذن ؟ انني أخرف.. أعرف هذا جيدا.. أخرف.. لا أعي ما أقول.. لكن مع هذا أنا لست حرا.. أنا أسير،اصمت “ أنا مثلا تختلف الأشياء والمسميات.. ولكن في النهاية أي نهاية.. أوه.. ماذا كنت أقول.. هل قربت نهايتي.. لا.. أنا في كامل قوتي.. أنا لا أخشى أي شي ء.. ولكن هل بقي شيء لأخشاه.. أنا لا أخاف الموت أنا اتحدي الموت. انا اتحداك أيها الجبروت القاسي.. اقترب.. تعال أنا لا أخاف.. لا أخاف.. د،صمت “ آه.. لماذا رحلت شاهيناز استغفر الله.. الموت حق.. هل أجلس هكذا وسط هذه الجدران.. أين أذهب ؟ ماذا أعمل ؟ هل أفعل ما أفعله كل يوم.. أذهب الى الهندي.. صاحب البقالة.. اتكلم معه.. ذلك الهندي اللعين يذكرني.. يذكرني بمن ؟ ذلك الحديث. لا حديث لديه سوى عن زوجته وأولاده.. انا أيضا كان لدي زوجة رائعة ولدي أولاد.. ولكن أين أولادي؟ لكن مع هذا.. أنا لست غاضبا على أحد.. لماذا يغضب الإنسان.. أنا قوي.. مازلت قويا. سوف أنسى أولادي كما نسوني.. ولكن أنا مشتاق.. مشتاق لناصر الصغير.. انه يشبهني.. لكن لماذا رفض أن يأخذ مني الحلاوة هل خاف مني؟ من الجائز انه لا يحب الحلاوة..؟ لكن كل الأطفال يحبون الحلاوة.. اذن لماذا لم يأخذ مني ناصر الحلاوة ؟ “صمت “ لو كنت في قريتي.. آه.. كنت الآن أجلس وسط عائلتي.. في الليل نفني للقمي.. نغني.. أمانا أيها القمر المطل.. ومن عينيك أسيافا تسل – “صوت خليجي“ كان رفيق عمري اسماعيل بارعا في الإيقاع.. كان يعشق آلة المر واس.. آه.. آه.. اين مراويسي "يذهب الى ركن ويأخذ المرواس ويبدأ العزف “ هذا كل ما بقي لك يا بروك.. "ينظر الى المر واس وينظر الى أصابعه “ أصابعي تيبست.. في شبابي لم أكن أبالي بحبال البيطة "نوع من الحبال قاس.. من الليف “ الآن الأمر مختلف.. هل الآن جلدي أنعم من جلد المرواس.. جائز.. كل شي ء.. جائز.. كل شي ء جائز.. في هذا الزمن كل شيء جائز “صمت “ يسترق السمع كمن يسمع طرقات على الباب.. لا أحد” ومرة أخرى لا أحد.. هل حقا سيزورني جمعانوه.. كنت أحبه كثيرا.. أكثر من أخوته.. أعطيته كل شي ء.. حتى سندات الأرض.. كتبت له كل شيء.. كان آخر العنقود…عليه لعنة الله.. لا.. اللعنة لا تجوز على مسلم “صمت “ أولاد اسماعيل أفضل من أولادي.. بلا شك أفضل من أولادي.. فليبارك فيهم الرب.. ولكن لماذا اشتكي من أولادي؟ أنا أيضا صكهم.. أنا أيضا طوال هذه السنين لم أكلف نفسي أن أسأل عن أمي.. وأبي أو أخوتي.. ولكن أنا لم أكن أملك أمر نفسي.. أنا كنت.. كنت وما زلت.. وسأبقى.. أنا أسير.. ولكن أسير ماذا؟ “صمت" هذه الأفكار الشيطانية لماذا تتلاعب بي.. من يريد أن يحضر فليحضر.. جمعا نوه مثل اخوانه. “يضحك “ سمته شاهيناز جمعة.. لأنه ولد يوم الجمعة.. يوم مبروك..هكذا قالت شاهيناز.. يوم الجمعة بركة كانت تقولها بلكنة محببة الى قلبي (يقلدها) جمعا نوه بركة.. أين البركة ؟ "يصب لنفسه قدحا من القهوة العربية “ لكن لماذا أجلس في هذه الغرفة. لماذا لا أخرج الى الناس.. أخرج للناس ! كيف أين أصحابي؟ اسماعيل صديق العمر.. عمي بو ناصر.. أوه.. أنا الآن في….”صمت “ في ماذا.. أوه لهذه الأفكار السخيفة.. وعلى اعتبار انني خرجت خارج هذه الغرفة.. ماذا أعمل.. لا شي ء “يصرخ “ أيها الموت أنا لا أخشاك.. تعال اقترب.. الموت راحة.. الموت نهاية المطاف الجبان فقط يخاف من الموت أنا بروك.. عبرت المحيطات والبحار طحنت الظروف.. وطحنتني الأيام.. أنا بلا قيمة أنا لا شيء.. “صمت “ لو مت.. مثلا أقولها.. هل يبكي على أحد.. لو لحانت شاهيناز حية ترزق.. مالي أعود في كل لحظة اتذكرها “يضحك “ “أبليس ما يكسر مواعينه “ وأنا باق. عائش.. لكن هل يحضر جمعا نوه “يلعب بأصابع رجله “ تعبت.. تعبت.. تعبت “وايد".. ولكن الحياة كلها تعب.. هل تعب مثلي أحد.. أنا لا أصدق هل أبقي هكذا.. منذ أن.. منذ ماذا؟ أنا لم أحضر الى هنا بإرادتي.. آه أحضرت الى هنا بلا أهل.. لا أهلي.. اسماعيل شاهيناز.. عمي بو ناصر.. “صمت “ هل من المعقول أن أموت هكذا.. لا.. لن استسلم الى الموت.. سوف أذهب اليهم.. نعم سوف آخذ التاكسي.. الى بيت جمعانوه.. ولكن أين منزل جمعانوه ؟ “سلوم“ ابني البكر ضعيف الشخصية.. لا أحبه.. طردتني زوجته من المنزل ذات مرة.. وأنا لا أحبها. ولا أحبه.. “سلوم “ جبان يخاف منها.. “يبكي،د كنت ألعب مع حفيدي ماجد.. أخذ الصغير من حضني.. لماذا:؟ أنا جده.. لكن جمعا نوه الكلب لماذا لا يزورني.. غدا لابد وأن أزوره.. “يتحرك ببط ء الى جهاز الراديو.. يفتح الراديو ويسمع صوت النهام..” الله.. فلأتمدد قليلا.. "يصمت “ أنا لست أسيرا.. أنا حر.. لست وحيدا.. قل أيها النهام.. عد بي الى الوراء الى الوراء.. الله.. ما أروع صوتك.. “يستند الى مسند.. ويمدد رجليه.. ويذهب في اغفاءة “.
(إظلام ) النهاية
حسن رشيد (كاتب قطري)