انفقس الصباح من بيضة السماء بعد أن رقد عليها الليل، استيقظ المواطن ليصلي الفجر قبل أن يلتهم الصباح ما تبقى منها، كبر للصلاة وطفلته الصغيرة تذاكر لامتحان العلوم: البترول سائل تكون من تحلل أجساد حيوانات ضخمة عاشت في غابر السنين، سلم للملائكة وابنه الصغير يستجدي ريالا من جيبه: بابا أريد بترول اليوم، يدعو ربه بعد الصلاة بينما ابنه الاكبر ينزع لحاف أحلام الليل مرتديا حلم الحصول على وظيفة بشركة بترول بعد أربع سنوات من تخرجه في الثانوية متذكرا الاعلان التليفزيوني: فلنكدح من أجل الوطن، خرج الأبناء من المنزل بملابسهم البيض التي ذكرته بالكفن، يمم وجهه شطر الوظيفة متمنيا الترقية التي لم تأت لانخفاض سعر البترول. عرج بالسيارة ناحية المحطة متذكرا البترول وهو يدلي برأسه في الثقب مؤخرة السيارة، تصاعدت لمنخريه رائحة البترول وهو يدلي برأسه في الثقب، أحس بخدر خفيف ولذة جميلة يسريان في رأسه، تصاعدت أنفاس من البترول لتستقر عند أنفه دون إرادة، تساءل مع نفس من الرائحة كيف ان البترول يأتي من قعر الأرض ليستقر في قعر السيارة، أحمى برغبة في التبول، دلى أنبوبه في ثقب المرحاض، أحس بثقب في رأسه تهرب منه الافكار وتأتيه أفكار أخرى، وهو ينظر لثقب المرحاض تراءى ثقب الأرض الذي يأتي منه البترول حفرة عميقة يهوي فيها هو وأبناؤه. خرج من الحمام مفزوعا من السقوط لتتشكل بيوت الحي لناظريه يد هزيلة تمنعها عمارة طويلة من أن تصفع خد الشارع، تذكر الشارع القريب من المحطة واد صغير يجرح السيح الذي كان، تكدس البيوت تذكره كتلة من الجبال قبل أن تجتث من أوتادها، نفس من بترول مر امام أنفه قبل ان ينقد العامل ما تيسر من نقود. انتعلت السيارة الدرب وعرجت به صوب البحر، تذكر البحر الذي راه أول ما قدم من قريته البعيدة، اصطفت بعدها بيوت حجبت وجه البحر، ثم شارع خنق صوت أمواجه بعدها بأعوام اختفت رائحة البحر، تجشأ بترولا وهو يتذكر ذلك. داس دواسة البنزين والسيارة تدوس الشوارع وكأنها تثأر من شيء ما سرى في شرايين المدينة والبترول يسري في شرايين السيارة الى ان أعلنت عطشها، توقف عند المحطة وعبأ السيارة مشتما مزيدا من البترول دون أن يدري، قرر مع نفس من رائحة البترول ان يرحل لقريته التي لم يزرها منذ زمن، أنسلخ من جسد المدينة مراقبا لوحات الجبال والسيوح، رأى قريته قريبة بين جبل وصحراء كفتاة تتوسط فخذي أبيها، بدأ الطريق يشرب والسيارة تتجرع آخر قطرات البترول، أحس بالعطش مع انتهاء نشوة السكر، بكى استغفارا ثم تيمم لصلاة المغرب صعيدا طيبا. فقست السماء الليل بعد أن رقد الصباح عليها، صلى المواطن المغرب قبل ان يقضي الليل على ما تبقى منها، تمدد في الرمال متجرعا العطش، نظر للسماء، مرت أمامه صورة ابنه وهو يلاطفه: بابا أريد بترول اليوم.. الابن الأكبر وهو يبحث عن وظيفة في شركة بترول.. الوظيفة التي غاب عنها اليوم والترقية التي لم تأت بسبب البترول..، هوت نجمة بيضاء ككفن وهو يتذكر ابنته تذاكر للامتحان: البترول سائل تكون من تحلل أجساد حيوانات ضخمة عاشت في غابر العصور. جسد لرجل بدأ يتحلل مات بالأمس عطشا وجده صدفة عمال التنقيب عن البترول، عبأوا السيارة بالبترول وأخذوه.
ناصر المنجي (قاص من سلطنة عمان)