إن الثقافة هي عنوان التقدم لأمة من الأمم فإذا رأينا ثقافة نشطة مزدهرة في بلد ما علمنا من فورنا أن ذلك البلد يعيش حالة من التقدم والنهوض والتطور.
ومسيرة ثقافتنا العمانية مرت بمراحل مختلفة خلال العقود الثلاثة الماضية. ولعلني لن أكون مادحا ومجاملا وربما كذلك لن اكون ناقدا ولكني سأحاول أن أتتبع الأمور كما هي في أرض الواقع داعيا في الوقت نفسه الى ضرورة أن نتأمل أحوالنا بصدق وألا نغمض أعيننا عن الأخطاء والقصور. واحسب أن من نظم هذا المهرجان يسعده النقد أكثر مما تسعده المبالغة والإطراء.
إذن عن الثقافة الحديثة في عمان نتحدث.
الثقافة الحديثة في عمان مسيرة امتدت ووصلت اليوم الى الثلاثين من عمرها وهو عمر اكتمال الشباب ونضجه وزهوه وتألقه فهل بلغت ثقافتنا فعلا مبلغ الشباب الفتي الناضج? والفتوة والنضوج من علائمهما الحركة والانسياب والتدفق والحيوية في أجلى صورها. ان كانت الثقافة في وطننا قد تجاوزت صباها ومراهقتها وتوسطت مرحلة الشباب في أوجه ونضارته كما تنبئنا عن ذلك العقود الثلاثة التي مرت من أعوامها? فما آية ذلك وما برهانه? ثلاثون عاما مضت وهو عمر يشتد فيه العود لكائن حي وتقوى جذوره وفروعه. فهل استطاعت ثقافتنا ان تنمو وتشب وان تقطع مراحل عمرها كما هو حال الكائنات وشأنها? أم أن أعوامها تسارعت في المسيرة وظلت هي هناك قابعة في مهد طفولتها لم تستطع الافلات من شباك الشرنقة الأولى فأمست متعسرة النمو تسبقها أعوامها. عمرها عمر الشباب الفتي وجسمها وعقلها معلق بأطوار الطفولة ومرحلتها? ذاك سؤال وليس جوابا. تساؤل وليس توصيفا او تقريرا.
قبل 1970 كانت هناك ملامح من الثقافة الحديثة تحاول اختراق الجدران الصماء بإظهار عيدانها الغضة اللينة فالقة الأرض الصلبة ساعية لتحدي الأسوار المنيعة تطل ملتمعة بين الفينة البعيدة والأخرى في صحافة بيروت والقاهرة ودمشق وبغداد ومنابر هذه المدن الثقافية من خلال أسماء كمحمد أمين عبدالله وعبدالله الطائي ومحمود الخصيبي وقبلهم الشيخ أبومسلم الذي نشر في القاهرة في صحيفة »المؤيد« في 1909م وفي »الاهرام« بعيد ذلك ثم في »مجلة الكويت« في وقت لاحق. والشيخ سليمان بن ناصر اللمكي الذي نشر في »الهلال« القاهرية في 1907 والأقلام التي بزغت أنجمها في زنجبار منذ أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وهي أقلام عدت بالعشرات ومازال الكثير من ابداعاتها ينام في المخازن لم تمتد إليه الأيدي لإبرازه وإظهاره أمامنا وأمام ناشئتنا في بلادنا هذه وفي الوطن العربي كله.
ومن أبرز هؤلاء الشيخ هاشل بن راشد المسكري الذي أثرى صحافة عمان في زنجبار بكتاباته وكان له ولزملائه الدور المهم في انبثاق الثقافة الجديدة بتلك الفترة. ولقد كشف صديقنا الباحث الأكاديمي الجاد محسن الكندي عن جانب من ذلك في كتابه القيم الموثق الذي صدر مؤخرا في بيروت عن الصحافة العمانية المهاجرة.
تلك كانت الالتماعات الأولى ثم توالت محاولات كسر العزلة حيث نشر عبدالله الطائي في »الرسالة« القاهرية تعقيباته على الدكتور زكي مبارك في أربعينات القرن الماضي وتواصلت المحاولات حتى نهاية العقد السادس من ذلك القرن.
قصائد ومقالات وابداعات تتسلل نحو الصحافة العربية في الخليج وفي اقطار الوطن العربي الأخرى.
وكتب مخطوطة أخذت نفسها ومضت لتصدر في دمشق والقاهرة وغيرهما من عواصم العرب.
كان ذلك قبل عام 0791 أما بعد ذلك فقد انفتحت الأسوار وبدأت عناصرالثقافة تبرز وتحاول التشكل وتدافعت أقلام كثيرة تخط سطورها ابداعا محضا أو مقترحات وتصورات وتمنيات. وفي عام 0791 ذاته أطلق الوزير المرحوم عبدالله الطائي بشارته لأهل الثقافة معلنا أن من أولويات وزارته انشاء مجلة ثقافية شهرية واقامة مهرجان سنوي للشعر. وكان وقتها وزيرا للاعلام وكانت الثقافة من ضمن مسؤوليات وزارته ولكن البشارة لم تتحقق للأسف حتى الآن بالنسبة للمجلة وتحققت قبل عامين فقط بالنسبة لمهرجان الشعر. ومنذ ذلك الحين والآمال تتصاعد نحو أفق عماني مشرق بأضواء الثقافة ومصابيحها وقد توالت مشروعات وقدمت اجتهادات وآراء تنبع كلها من الادراك العميق لأهمية الثقافة في هذا البلد ولمكانتها المتجذرة في تربته.
ثقافة تراكمت عبر القرون بألوان وصفات كثيرة تركت في الناس بصماتها واضحة جلية. وأعطت المكان سمة خاصة به تميزه عن غيره من الأمكنة. تميز الجزء من الكل وليس تميز الضد عن الضد. تميز يدنيه ويقربه من منبع ثقافته العربية الخصب ولا يقصيه عنه. تميز الفرع الممتد من الشجرة الكبرى الذي يمتص غذاءه منها ولكنه يزهر حين يزهر برائحة قد يكون شذاها يختلف قليلا ويثمر يوم يثمر ثمرة تضيف الى مذاقات الثمار الأخرى لبقية الفروع مذاقا جديدا. تميز يقوي الروابط وينميها ولا ينفصل عنها.
هكذا بدأ الناس يسعون للثقافة ويحاولون من أجلها. وهكذا بدأت الاجهزة الحكومية والأهلية واحدة بعد اخرى تقدم اسهاماتها قلت أو كثرت. الإذاعة ثم التليفزيون ثم الأندية ثم أقسام الثقافة في قطاع الشباب ثم وزارة التراث والثقافة ثم جامعة السلطان قابوس ثم بلدية مسقط وكذلك النادي الثقافي والمنتدى الأدبي ونادي الصحافة والصحافة المحلية وفرق المسرح الأهلية وجمعية الفنون التشكيلية والفرق الموسيقية ومنها الفرقة السيمفونية وشقيقاتها ومركز الموسيقى العمانية التقليدية وكليات التربية وكليات عمان الفنية الصناعية ومؤسسات أخرى عديدة رسمية وأهلية. منها مكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي التي قدمت مساهمات مشكورة في تحقيق بعض المخطوطات النادرة وطباعتها ومكتبة الإمام نور الدين السالمي بكنوزها النفيسة ومكتبة الشيخ سالم بن حمد الحارثي بوثائقها المهمة ومخطوطاتها القيمة والمكتبات الخاصة الأخرى.
وبعض الأندية الرياضية التي أفردت للثقافة حيزا أوسع وأكثر تميزا عن غيرها. ومن نماذجها نادي المضيرب ونادي بهلاء ونادي الحمراء ونادي عبري ونادي النصر ونادي عمان والنادي الاهلي ونادي العروبة وأندية أخرى. وتفاوتت في حجم الأنشطة ونوعيتها وعددها. وكذلك أندية الطلبة العمانيين وتجمعاتهم في الخارج التي كانت لها اسهاماتها الثقافية الملحوظة.
وهناك تجربة ؛النادي الوطني الثقافي« ومجلته- الثقافة الجديدة- وأنشطته المختلفة في الندوات والمحاضرات والفن التشكيلي وحتى الموسيقى وقد أنشئ هذا النادي في مطرح عام 4791 وتضافر على انشائه نفر من المهتمين بإبراز عناصر الثقافة العصرية في المجتمع والتركيز عليها. من الأجيال الجديدة التي كانت ماتزال في يفاعة الشباب ومن أولئك الذين سبقوهم عمرا وتجربة. منهم من حلقت الآن أرواحهم مسافرة في واسع الفضاءات الرحبة مستريحة في رحاب السماء العالية. من أمثال خميس بن حارب الحوسني ومحمود الخصيبي وعبدالله بن صخر العامري, ومنهم من لايزال يكابد هموم العيش ويخوض غمرات الحياة وأعاصيرها من أمثال حمد الراشدي ويحيى السليمي وأحمد الفلاحي وعديد من رفاقهم.
وقبل هذا كان النادي العربي الذي ظهر في ثلاثينات القرن الماضي مستهدفا الثقافة الحديثة ومجالاتها وليس من معلومات عنه لدينا سوى ذكر الأستاذ عبدالله الطائي والأستاذ مبارك الخاطر الباحث البحريني له في إشارة خاطفة لا تعطي أي بيان مفصل.
وكذلك جهود فردية بذلها أشخاص بعينهم في خدمة الثقافة منهم على سبيل المثال لا الحصر السيد محمد بن أحمد البوسعيدي والشيخ هاشل بن راشد المسكري والشيخ محمد السالمي والشيخ سالم بن حمد الحارثي والأستاذ عبدالله بن صخر العامري والأستاذ علي بن محسن آل حفيظ في ظفار والشيخ محمد المدحاني في مسندم والفنان ربيع بن عنبر في صور.
ولا ننسى كذلك السيد عبدالله بن حمد البوسعيدي سفيرنا السابق في مصر والصالون الثقافي الذي كان يقيمه في القاهرة (صالون الفراهيدي) الذي كان معلما ثقافيا عمانيا بحق في قاهرة المعز تلك المدينة العربية الغنية بالثقافة والفكر. وعلى أثره مقتديا به ومقتفيا خطاه جاء الصالون الثقافي الذي يقيمه سفيرنا في الأردن الأستاذ حمد بن هلال المعمري في العاصمة الأردنية عمان. وقبلهما كانت الندوة الأسبوعية التي كان يقيمها في بيته الشيخ عبدالله بن علي الخليلي. وعشرات من أمثال هؤلاء.
مؤسسات وأفراد, وأجهزة وجماعات, مسيرة استمرت واتصلت على مدى السنين تكمل الارهاصات التي بدأت قبل ذلك بكثير.
ولكن ما هي الحصيلة? ما هو المستوى الذي وصلناه? ما هي الدرجة التي أمكننا الصعود إليها من درجات السلم? بعد كل هذه المحاولات. ما هي النجاحات التي حققناها? وما هي الانجازات التي أحرزناها? وما هي الجوائز التي فزنا بها? ما هي الثمار التي جنينا? وما هي الغلال التي حصدنا? وما هي الأشواط التي قطعنا? واين نحن اليوم. هل اقتربنا من الوصول إلى طموحات كنا نبتغيها? هل أدركنا من الأماني ما كنا به نحلم? هل كان الحصاد المتحقق يتناسب مع عمر الثلاثين الذي هو عمر الفتوة والشباب والعطاء السخي? تلك أسئلة لابد من طرحها وتأملها في ضوء الحقيقة والواقع. ولعلني أبادر وأقول أن ما تحقق كان شيئا طيبا وإن لم يكن بقدر الطموح ولا بقدر الامكانيات ولا بقدر عظمة الموروث الذي يفترض أن تكون سعته وحجمه الدافع والحافز والمحرك لما هو أكثر وأكبر مما تحقق.
) مئات من المخطوطات كانت على وشك الاندثار ظهرت مطبوعة يتداول نسخها الألوف بعد ان تم تداركها قبل أن تلحق بمئات من مثيلاتها طحنها الزمن ولم نعد اليوم نسمع إلا بأسمائها وكثير منها لعله غاب حتى اسمه المجرد وان كنا نتمنى لو أنها حققت تحقيقا جيدا. كما حصل في كتاب الابانة مثلا.
) مناثر من القصور والحصون التي تؤرخ للماضي المجيد اصابتها الأيام بدواهيها وأثرت في ثباتها وشموخها وجمال بنيانها استعادت ألقها وبهاءها بعد أن جرى ترميمها. ولو ان ترميم بعضها رآه بعضهم أقل مما كان ينتظر ولكننا نقول إن الاسراع في ترميمها لعله كان السبب في النقصان.
) متاحف متعددة ومتخصصة تتحدث عن البلد والناس في الأزمنة البعيدة وتعكس أحوال البيئة وتنوعها, تعد من الانجازات التي تحققت ضمن المسيرة الثقافية.
) ترجمة بعض الكتب غير العربية مما يخص تراثنا وأعلامنا وثقافتنا وبلادنا.
) معارض مهمة تقام في شرق الدنيا وغربها مرة هنا ومرة هناك تحكي قصة عمان وأخبارها.
) استضافة محاضرات وأنشطة وندوات تتعلق بالثقافة والفكر والأدب بين فترة وأخرى.
) ندوات الأعلام والشخصيات البارزة في تاريخنا يقيمها المنتدى الأدبي وندوات أخرى مثلها عن شهيرات المدن كصحار ونزوى وصور وظفار وعبري وغيرها مما لعله سيأتي.
) اكتشاف العديد من المواقع الأثرية المهمة في مناطق متعددة من عمان, وعمان كلها آثار وتراث طمرت الرمال الكثير منه تحت طبقاتها المتراكمة عبر السنين.
) معرض مسقط للكتاب وهو معرض أخذ يتلمس طريقه بين معارض الكتب العربية وان كانت خطواته مازالت في بداية الطريق. ويفتقر للأسف للأنشطة الثقافية التي تصحب مثل هذه المعارض في العادة من الندوات والامسيات والمحاضرات والمناقشات وتلك مسألة لابد من التنبه لها في دورات المعرض القادمة. بالإضافة الى معوقات وإشكالات أخرى تواجه المعرض وتنتظر الحل.
) مهرجان الشعر العماني وهو مسابقة أدبية كبرى تعيشها البلاد في احتفالية زاهية وتمنح فيها الجوائز للفائزين.
) مهرجان الأغنية العمانية وما يسعى له من تطوير للأغنية والارتقاء بها وإن رأى أهل الفن انه لم يزل دون الطموح ولكن من سار على الدرب وصل.
) مهرجان الشعر العربي الأول والثاني الذي تحول بعد ذلك الى مهرجان خاص بالشاعرات العربيات تحت اسم ؛مهرجان الخنساء«.
) مهرجان بلدية مسقط الكبير الضخم الذي علت فيه أصوات الثقافة وتدافعت أشرعتها من النحت والرسم والموسيقى والمسرح والسينما والشعر والمحاضرات والأزياء والفلكلور في تنوع متكامل هو الأرقى والأجمل حتى الآن في مناشط الثقافة ومكاسبها.
) الندوات العديدة المتنوعة في جامعة السلطان قابوس وفي كليات التربية وكليات عمان الفنية ونادي الصحافة وكلية الشريعة.
) ما يقوم به قطاع الثقافة في هيئة الشباب من ندوات ومحاضرات ومهرجانات ومسابقات مسرحية وتشكيلية وشعرية وقصصية وبحثية وعلمية من خلال مسرح الشباب ومرسم الشباب والنادي العلمي ودائرة النشاط الفني والثقافي.
) ما تقوم به فرق المسرح الأهلية من جهود مشكورة في سبيل تطوير المسرح والارتقاء به على قلة امكانياتها وانعدام الدعم لها.
) وكذلك ما تقوم به جمعية الفنون التشكيلية وما يقوم به مركز عمان للموسيقى التقليدية والفرق الموسيقية المتخصصة الأخرى.
) وما تقوم به الاذاعة ويقوم به التليفزيون وتقوم به الأندية وجمعيات المرأة وغرفة التجارة والصناعة والمكتبات الخاصة ووزارات الأوقاف والتعليم العالي والتربية والتعليم والتنمية الاجتماعية وغيرها من المؤسسات والجهات الرسمية والأهلية وفي المقدمة منها وزارة التراث التي لها الشأن الأول في ما يخص الثقافة ويعنيها.
) كل هذا اضافة مهمة للثقافة ولبنات تتكامل مع بعضها لتشكل الأساس والركائز التي تنهض عليها الاعمدة ويقوم بها البناء. ولكن هل هذا هو كل الطموح? هل هذه الشذرات المتفرقة التي تلوح من هنا أو هناك هو البناء الثقافي المكين الذي يعبر عن إرث عمان وحضارتها وفكرها وإنسانها? ذلك سؤال أتركه من غير جواب واتجه بسرعة وأقول إذا كانت الثقافة الحديثة في المصطلح الذي نتخاطب به اليوم تتمثل ملامحها الغالبة في المسرح وفي السينما وفي الفن التشكيلي بأنواعه وفروعه. وفي المواسم الثقافية, وفي المحاضرات والمؤتمرات والندوات المتخصصة, وفي الموسيقى وفي الفلكلور, وفي المجلات الثقافية, وفي الكتاب الحديث (القصة والرواية والمسرحية والمقال والنقد والشعر الجديد) وفي المكتبات العامة وفي المراكز الثقافية التي تتربى فيها الثقافة وتنمو. وفي الجوائز الثقافية, وفي مختلف فروع الابداع من المكتوب الى المشخص إلى المرسوم, وفي اتحادات وروابط وتجمعات الكتاب والفنانين والمثقفين. إذا كانت هذه هي ملامح الثقافة العصرية كما تعبر عنها كلمة (ثقافة) في مفهوم لغتنا اليوم فهل ترانا نشتط أو نبالغ إذا قلنا أن ثقافتنا العمانية مازالت في خطوتها الأولى وان ما تم انجازه خلال العقود الثلاثة الماضية يظل في أدنى المراتب وفي أولى درجات السلم الطويل الكثير الدرجات. وأقل بكثير من مستوى الطموح.
) إننا نرى أن على الجهات المعنية بالثقافة رسمية كانت أو أهلية أن تقترب أكثر من شباب المثقفين والمبدعين وان توثق العلاقة معهم وتستعين بهم في فعالياتها وتصغي لآرائهم ومقترحاتهم وتعمل لتوظيفهم في اجهزة الثقافة وتسعى لمعاونتهم في طباعة كتبهم وشراء مجموعات منها لتوزيعها وتبادلها مع المؤسسات النظيرة في الخارج, وكذلك اقامة الندوات لاصداراتهم الجديدة وايفادهم لتمثيل الثقافة العمانية في المشاركات الخارجية. ودعم مساعيهم في تكوين اتحاداتهم وروابطهم التي يجب أن تؤسس لتكون عنوانا لهم تنتظمهم وتنظم أمورهم كما هو الحال في كل بلاد العالم.
) وأيضا مما نود أن نقترحه على هذه الجهات المعنية بالثقافة في وطننا أن تنتقي في كل عام مجموعة ولو صغيرة من المبدعين الشباب يتم اختيارهم في مسابقات تصفيات لإرسالهم للدراسة المتخصصة في مجالات الثقافة وشؤونها في الجامعات العالية المستوى وتأهيلهم بعد ذلك بالدرجات العلمية الأعلى ثم تسند اليهم الوظائف التنفيذية بعد إكمال دراساتهم ويكون ذلك الرافد البشري متصلا ومتواصلا باستمرار سنة بعد سنة لتكون لدى هذه الجهات أجيال عارفة خبيرة متخصصة يمكن للمسؤولين الاستعانة بهم في الأنشطة والأعمال وارسالهم لتمثيل البلد في المؤتمرات الدولية.
) ولابد كذلك لكي تتطور ثقافتنا وترتقي وتحرز النجاح المؤمل أن تكون لدينا خطة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل الا في أضيق الحدود تكون هي المنهج الذي نسير عليه في مناشطنا وبرامجنا, وبدون خطة كهذه لا يمكن لعمل أن ينتظم وأن يأتي بنتائج مرضية.
) وما دمنا في الحديث عن الثقافة ومسؤولياتها ومؤسساتها أود هنا القول أن المسؤولية هي مسؤولية الكل وليست مسؤولية مؤسسة او وزارة بعينها. إنها مسؤوليتنا جميعا وعندما أقول (مسؤوليتنا) فانني لا أقصد الدولة والحكومة وأجهزتها الرسمية فقط ولكنني أقصد نفسي قبل أي أحد وأقصد كل من يشعر بانتمائه للثقافة وله اهتمام بأمرها. ماذا فعلنا نحن للثقافة وما هي انجازاتنا في سبيلها. اننا ننتقد ونرفع أصواتنا بالشكوى والتذكر وعدم الرضا وما أسهل الكلام وما أشق الفعل واصعبه. فان كنا نريد تحقيق ما نطمح إليه من ثقافة حديثة رفيعة تليق ببلدنا وتتفق مع ما وصل إليه العالم المتقدم. فعلينا أن نبذل الجهد ونسيل العرق ونضع خطواتنا على الأرض وألا نتكل على الدولة لتقوم نيابة عنا بكل شيء وتقيم لنا حتى الكيانات التي يجب أن تقيمها لتلم شملنا وترعى شؤوننا.. ونعم لعل وطننا قد صنع أشياء جميلة للثقافة. ومن المؤكد ان الكثير منها ناقص ليس بمكتمل وأعمال البشر يعتريها النقص والقصور والكمال لله ولكني أزعم وأنا متيقن من صحة زعمي أن بالامكان أن يكون الصنيع أجمل وأفضل وأكبر لو استخدمت كل الطاقات والامكانيات وإنها لكبيرة وليست هينة, إنني أتأمل أحوال دول شقيقة من حولنا بعضها القريب في الموقع منا وبعضها البعيد أبعد ما يكون البعد فأرى من الانجاز ما يبهر ويلفت الانظار وليس لدى هذه الدول من الامكانات فوق ما لدينا ولعل بعضها أقل منا من حيث الحضارة والمواريث الفكرية والمعرفية ولكنها أقامت عملها حين اقامته على أساس محكم من التخطيط الدقيق والتنفيذ المتقن واسندت الأمر يوم أسندته الى من يفقه شأنه ويعرف نواحي مداخله ومخارجه.
وفي هذا المقام لابد من التأكيد بقوة على أهمية المال ودوره في صنع أي عمل أو أي انجاز يراد له الدقة والبروز, فالمال هو الأساس لأي عمل مهما كان نوعه وطبيعته. وأعلم أن المال ليس كل شيء ولكنه الشيء الذي لابد منه, ولهذا لابد من رصد الأموال وزيادة الموازنات لتستطيع الأجهزة والمؤسسات القيام بما يراد منها.
وفي السياق نفسه نود الاشارة الى صغر وضعف الجوائز المادية التي تمنحها المهرجانات والجهات المختصة بما لا يتفق مع أهمية تلك الجوائز ولا يليق بمستواها ونوعيتها. ومن أمثلة ذلك مهرجان الشعر العماني وجوائز المنتدى الأدبي وجوائز هيئة الشباب وغيرها من الجوائز. وأنا هنا لا أقدم حصرا وإنما أضرب أمثلة وأرى أن هذه الجوائز لابد من رفع قيمتها وزيادتها لتكون مناسبة للغرض الذي أنشئت من أجله. وما يقال عن الجوائز يقال كذلك عن المكافآت وطالما أني في اطار الحديث عن الجوائز فان نفسي تراودني لطرح اقتراح إنشاء جائزة عمانية كبرى للثقافة والأدب يكون لها تميزها وتفردها بين الجوائز تليق بإسهامات عمان في الحضارة الإنسانية.
وفي حديثي وأنا أتحدث عن هموم الثقافة أود القول ان جهازي الاعلام الاذاعة والتليفزيون بإمكانهما إعطاء الثقافة العمانية والتراث العماني أكثر بكثير مما يعطيانه في الوقت الراهن ومثل هذا القول نقوله أيضا عن جامعة السلطان قابوس هذا الصرح الكبير الذي ننتظر منه شيئا أكبر وأهم مما نراه الآن وهو قول نمده أيضا ناحية النادي الثقافي والمنتدى الأدبي ونادي الصحافة وناحية مؤسسات أخرى تعليمية واجتماعية نظن أن لديها المزيد الذي تستطيعه لو أرادت وندرك ان هذه المؤسسات جميعها تقدم اسهامات طيبة ولكننا نطمح إلى زيادة نرى انها قادرة عليها.
وبعد هذه الوقفات السريعة التي جاءت خبط عشواء كما يقول المثل القديم. أستأذنكم قبل أن أنصرف في التوقف عند ثلاثة أمور أجد أنه لابد لي من التوقف معها.
1 – وأول هذه الأمور هو وجود وزارة خاصة بالثقافة في عمان وذلك دليل على الأهمية التي توليها الدولة للثقافة حيث خصصت لها وزارة مستقلة ولم تلحقها بوزارة أخرى كما هو الحال في كثير من الدول. فعمان من الدول القليلة في المجموعة العربية التي لديها وزارة للثقافة. وأنا أرى ان ذلك من الضروري الذي لا غنى عنه في عمان الثرية بحضارتها وإرثها الثقافي الواسع.
2 – الأمر الثاني هو مجلة (نزوى) وهي كما تعلمون منبر الثقافة الأبرز والأهم في بلادنا اليوم وقد حققت لعمان شهرة واسعة وأصبحت حديث الأوساط الثقافية والنخب الأكاديمية في البلاد العربية. ولا يكاد العماني اليوم يغشى أي منتدى من منتديات الفكر أو يحضر ملتقى من ملتقيات الأكاديميين والمثقفين إلا ويجد حديث ؛نزوى« قد سبقه هناك ويسمع الثناء والاشادة بهذه المجلة وما أحرزته من مستوى يضعها في مصاف المطبوعات الراقية الممتازة. ولعل أهم الأسباب في السمعة التي نالتها هذه المجلة هو رئيس تحريرها الصديق الشاعر سيف الرحبي الذي استطاع أن يبوئها هذه المنزلة العالية. وهذا يعيدني إلى ما سبق أن ناديت به مرارا وتكرارا وهو أن تناط مقاليد الأعمال بمن يحسنونها ويعرفون مفاصلها فهذا يستطيع أن ينجز هنا انجازات باهرات ولا يستطيع أن يفعل في مكان آخر الشيء المنتظر لأنه لا يجيد العطاء في ذلك الموقع. وحين أتحدث عن ؛نزوى« المجلة لابد أن أوالي تكرار مناشدتي للمسؤولين لتكون هذه المجلة شهرية يلقاها المثقف العربي في مطلع كل شهر فالمجلة الشهرية دورها أقوى وتأثيرها أبلغ وليس من الكثير على بلد مثل عمان أن تكون له مجلة شهرية.
3 – أما الأمر الثالث فهو تساؤل سبق أن بدأت بطرحه منذ أكثر من عشرين سنة في مقالات منشورة وقد ظللت أعود إليه وأذكر به مرة بعد مرة وذلك التساؤل هو أين دور أغنياء عمان من أفعال الثقافة ومنجزاتها? بماذا أسهموا? وما الذي قدموا? فأنا أعلم ولعل أكثركم يعلم كذلك أن هناك أغنياء من العرب في مصر والمغرب واليمن وفي بلاد عربية أخرى يغدقون على الثقافة ويقدمون لها الكثير من العون والمساندة بإنشاء المسارح والمكتبات العامة والمتاحف ودعم الباحثين وطبع الكتب وتأسيس الجوائز المهمة. ولقد تعمدت ضرب الأمثلة بأغنياء العرب ولم أشأ الاشارة إلى أغنياء العالم المتقدم في أمريكا واليابان وأوروبا حيث يصنع المال الخاص الإنجازات الضخمة للثقافة وأهلها. تساؤل ظل معي منذ عقدين من السنين أعود للتذكير به بين الفينة والفينة. وها أنا أطرحه مجددا اليوم في هذه الندوة الطيبة مختتما به مداخلتي التي لعلها طالت أكثر مما توقعت وودت عله يجد من يصغي إليه ولو بعد حين.
أحمد الفلاحي كاتب من سلطنة عمان