يشكل العصر النبهاني علامة مفارقة كبيرة في أذهان العمانيين من حيث كونه أزهى عصور الأدب والشعر في تاريخ الأدب العماني وفي نفس الوقت غذ من عصور الظلام والفساد والانحطاط ووصف حكامه بالجبابرة،وإذا كان الأدب في عمان لم يحظ عبر عصوره المختلفة باهتمام مؤرخي الأدب في الوطن العربي ، بل كان نصيبه الإهمال والتجاهل الكبير، ولأسباب متعددة، فلقد قام المؤرخون العمانيون بسد هذه الثغرة، واهتموا بتسجيل تراثهم الثقافي ،وحفظوه من الضياع ، ولكن هؤلاء المؤرخين أسقطوا من حسابهم واهتمامهم عصرا أدبيا زاهيا امتد في عمان ما يقارب الخمسة قرون (من القرن الخامس الهجري الى أوائل الحادي عشر الهجري ) هو العصر النبهاني .
بل إن الأمر تجاوز عدم الاهتمام والتجاهل الى طمس المعالم وتشويه الحقائق الواضحة فيه ، ونظرا لهذا التجاهل وتلك المفارقة بالاضافة الى جدة الموضوع وعدم تناوله من قبل في دراسة علمية منهجية، اخترت هذا الموضوع لهذه الدراسة العلمية.
والكلام للباحثة التي نستل هذا الجزء من كتابها حول شعر النباهنة الذي قدمته كأطروحة لنيل درجة الماجستير.
الصورة الشعرية لعله لا يوجد مصطلح نقدي اختلف حوله النقاد وتعددت فيه المفاهيم كمصطلح الصورة الشعرية. وكان هذا الاختلاف سببا في حيرة بعض الدارسين ومتاهتهم بين المصطلحات والمسميات المتعددة للنوع الواحد من تصنيفات الصورة الكثيرة .
ومن التعريفات الواضحة للصورة رأى د. القط الذي يرى أن الصورة في الشعر هي الشكل الفني الذي تتخذه الألفاظ والعبارات بعد أن نظمها الشاعر في سياق بياني خاص ليعبر عن جانب من جوانب التجربة الشعرية الكاملة في القصيدة مستخدما طاقات اللغة وإمكاناتها في الدلالة والتركيب والإيقاع والحقيقة والمجاز، والترادف والتضاد، والمقابلة والتجانس وغيرها من وسائل التعبير الفني ( 1 ).
ويرى الناقد (ازرا باوند) Ezra Pound"أن الصورة الفنية" ذلك الشيء الذي يقدم تشابكا عقليا وشعوريا في لحظة من الزمن " (3) .
ونظرا لأهمية الصورة فقد اعتبرت هي وحي التجربة الشعرية فلقد قام الشعر منذ
القدم على الصورة كوسيلة وأداة من الأدوات الفنية بيد الشاعر تساعده على الابتكار والابداع في عملية الخلق الفني ولم يختلف النقاد قديما وحديثا على هذه الأهمية.. "وإنه خير للمرء أن يقدم صورة واحدة في حياته من أن ينتج أعمالا وافرة غزيرة " (3) .
ولسنا في معرض لسوق آراء النقاد المختلفة والمتعددة حول مفهوم الصورة وأهميتها، فهي من الكثرة، بحيث يصعب حصرها حصرا دقيقا، ولذا فسأتناول بالدراسة منابع الصورة ومصادر استمدادها، وطريقة بناء الصورة – روافدها ووسائل تشكيلها في العصر وذكر بعض الظواهر الفنية التي ارتبطت بلها آنذاك .
منابع الصورة ومصادرها:
أجمعت الدراسات النقدية تقريبا بأن الخيال هو المصدر الأساسي
لتشكيل الصورة
الشعرية وصياغتها، كما أن هذا الخيال يستلهم مادته من الواقع المادي المحيط بالشاعر والملموس بالحواس ، ويرى جون مدلتون مري "أن مصطلح الصورة " lmage يمكن أن يتصل من قريب بالكلمة التي اشتقت منها وهي ,lmagination" أي ملكة التصور والتخيل بصفة عامة ؛ ويقول: إنه يمكن أن نخلص الكلمة من اقتصارها على الدلالة البصرية ا لمحدودة ونوسع آفاق هذه الدلالة فهي يمكن أن تكون "أقوى وأعظم آلة في يد ملكة التصور" (4) .
ويرى د. شفيع السيد أن أبسط دلالة لكلمة "الصورة" وأقربها الى الأذهان هي دلالتها على التجسيم أو على الأشياء القابلة للرؤية البصرية .. فقد استخدمها القرآن الكريم بهذا المعنى في قوله تعالى إالذي خلقك فسواك فعدلك ؟ في أي صورة ماشاء ركبك ".
وقوله: (الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن
صوركم ).
ومن هنا نرى أن مصدر الصورة الأول هو الحواس التي تقوم بتحويل تلك الصور الى الخيال المبتكر الذي يلتقط إشارات الحواس بعدسته الذهبية الخلاقة فيعيد تشكيل تلك المادة الخام في صورة فنية جمالية..
"فالشاعر وإن كان يبدأ من الواقع المادي المحسوس ليستمد منه معظم عناصر صوره الشعرية ومكوناتها؟ فانه لا قل هذا الواقع نقلا حرفيا، وإنما يبدأ منه ليتخطاه ويتجاوزه ، ويحوله الى واقع شعري لا تمثل العناصر المادية فيه سوى المادة (لغفل التي يشكلها الشاعر تشكيلا جديدا وفق مقتضيات رؤيته الشعرية الخاصة"(6) .
ولهذا تستأثر الحواس بالنصيب الأوفى من الصور الفنية، وإن كان هذا لا ينفي وجود الصور الذهنية ودور ملكة التصور والتخيل العظيم في توليدها كما ذكر "مري "، وكما قال الإيطالي بنديتو كروتشه (1866 -1952 ) "إن أساس الفن هو القدرة على تكوين الصور الذهنية أما
إبراز الصور الحسية، فعملية صناعة ومهارة" (7).
"وفي رأي بعض النقاد أن كل صورة، حتى أكثر الصور تمخضا للعاطفة أو العقل لا تخلومن أثر للحس فيها" (8).
ومن الواضح ان الحواس هي النافذة التي يستقبل بها الذهن مواد التجربة الخام ، ولعلنا نجهد النفس عناء إذا ما حثنا في الشعر عامة والشعر العربي القديم خاصة عن لصورة الذهنية الخالصة من شوائب الحس "افالذهن محتاج ي كثير من اعتمالاته الى الحواس لترجمة تلك الاعتمالات ، تكون الحواس أهم وسائل الذهن في الاستقبال والبث " (9).
ولأن الصورة في الشعر العربي القديم – وكذلك الذوق لنقدي البلاغي – كانا يتسمان بالنزعة الحسية، كما يقول د. زالدين اسماعيل ، وكما يرى أغلب الباحثين والنقاد.. فإننا . نحاول دراسة منابع الصورة لدى شعراء العصر النبهاني ،ومدى علاقتها بالحواس ، وتصنيفها طبقا لهذا. وقبل أن ندخل ، ي التفاصيل ، سنعد جدولا يوضح أنواع الصور الحسية ونسبة رتيب شيوعها في العصر، ونسبتها لدى كل شاعرمنهم ، وقد أخذنا عينة عشوائية تتمثل في عدد خمس قصائد من نتاج كل شاعرمن شعراء العصر.
وكانت القصائد المختارة متنوعة الأغراض ، ما بين الغزل والمديح والرثاء، – وهي الأغراض المتواجدة في تجربة كل منهم – واستبدل المديح بالفخر عند النبهاني ، كما استبدل مديح لملوك والأمراء بالمديح النبوي ، والغزل الحسي بالغزل الإلهي ند اللواح وكان توزيع القصائد ما بين 2مديح ، 2غزل ، إرثاء.
كما راعينا أن تكون القصائد متقاربة الطول على وجه التقريب ، وعلى نفس القصائد الخمس أجرينا إحصائية تقريبية رقم .(2) لمدى ذيوع الصورة التشبيهية وصورة الاستعارة بنوعيها التصريحية والمكنية في شعر شعراء العصر النبهاني.
ا – الصورة الحسية:
أ – الصورة البصرية: وهي أغلب الصور الشعرية، عند شعراء العصر، وخاصة عند الستالي الذي استأثرت حاسة البصر لديه بأغلب الصور
الفنية.. حتى ليندر أن نجد له صورا تشكلها الحواس الأخرى ث
وسنجد أن مفردات البصر كثيرة كثرة تبعث على الدهشة، ومن هنا جاء
احتفاء الستالي بالألوان ، الورود حمراء ، بيضاء ، صفراء ، زرقاء ،
وا لنباتات خضراء نضرة، وشعر الحبيبة وعيونها سوداء حالكة ووجهها
أبيض وجسدها مصفر كالزعفران .. وكأن الستالي يرسم لوحة فنية
لطبيعة غنية باللون . .
من أبيض يقق وأصفر فاقع
ومورد بهج وأحمر قافي ( 10 )
وقوله واصفا شجاعة ممدوحه وعدته التي أعدها للحرب وقد كنى عن تسميتها بالألوان:
معد ليوم الروع أبيض صارما
وأسمر خطيا وأشقر سلهبا ( 11)
ويبدو أن الكناية بالألوان ظاهرة تستهويه فها هو يصف تمنع الحبيبة:
ويمنعني منه بأسود فاحم
وأحمر وردي وأبيضى أشنبا ( 12 )
وحينما تنفر منه الغواني بسبب الشيخوخة وبياض الشعر ووهن القوى يرصد لهن الشاعر العديد من الصور المثقلة بمفردات البصر، وسنرى مفردات الرؤية تكثر عند وصف الناقة والممدوح . فمن صور المشيب قوله واصفا شعر أسه بعد المشيب وقد أبيض وخضبه ملونا ومغيرا لون البياض ، لكن طبيعة الشعر الأبيض القاسية لم يستطع الخضاب أن يغيرها فظلت شعيرات رأسه يابسة كالنصل ، ونلاحظ أن هذه الصورة تحمل وراءها بعدا نفسيا ولو من جهة خفية، فقد شبه كرهه لهذا المشيب ، كأن شعره نصال السيوف سلت على رأسه .
وأبيض مخضوب كأن نصوله
نصال على رأسي من البيض سلت (13)
يقول واصفا الممدوح وكرمه مشبها هيئته وهو يهتز نشوان مسرورا حينما يجود على العفاة كما يهتز الغصن بالحمامة الورقاء:
وقد يهتز جودا وارتياحا
كما يهتز بالورق القضيب ( 14)
وهذه الصورة بصرية حسية الأطراف ، إلا أنها من الصور التي ليس لها نصيب من التأثير في النفس ،ولا ريب أن الانطباع الذي تتركه لا يتجاوز انطباع عدم الارتياح من مواءمة عنصري التشبيه بعضها البعض .
ولنشعر بمدى انطفاء عاطفة المتلقي لهذه الصورة، نقارنها بالصورة
التالية والتي يصف فيها الستالي كرم لممدوح أيضا واهتزازه طربا
وسرورا حينما يعطي
الآخرين:
تهزهم عند الندى أريحية
وجود كما يهتز في النشوة الشرب ( 1)
إن العلاقة ما بين الشاربين والاهتزاز والترنح نشوة، موجودة وهي علاقة واقعية غير متكلفة وتشبيه اهتزاز الممدوحين ونشوتهم عند العطاء بهؤلاء الشاربين أوقع – والصورة تصور دواخل هؤلاء ومشاعرهم وتصف ما يجول في نفوسهم . . وهي أفضل بكثير من تلك الصورة السابقة التي لم تحصد إلا التشابه الحسي المادي فقط وبشيء كبير من التكلف والتصنع لأن الصورة الثانية تقارن ما بين الانتشاء النفسي دى الطرفين ، الطرف الأول منتش من السكر، والطرف الثاني
منتش من الأريحية ، وليس الغرض تصوير الاهتزاز في الشكل والهيئة فقط . وهي أفضل كذلك من تشبيه هذا الاهتزاز بالسيف والرمح كقوله:
فذاك الذي في أي حال سألته
تهلل مثل السيف واهتز كالرمح (16 )
والحق أن هذه الصور تذكرنا بمقولة العقاد الشهيرة حول التشبيه والعناصر المتقابلة "… التشبيه أن تطبع في وجدان سامعك وفكره صورة واضحة مما انطبع في ذات نفسك ، وما ابتدع التشبيه لرسم الأشكال والألوان فإن الناس جميعا يرون لأشكال والألوان محسوسة بذاتها كما تراها، وإنما ابتدع لنقل لشعور بهذه الأشكال والألوان من نفس الى نفس ، وبقوة لشعور وعمقه واتساع مداه ونفاذه الى صميم الأشياء يمتاز لشاعر على سواه …" (17).
وقد لا يذكر الستالي اللون ، وإنما يكتفي بدلالة المفردة التي توحي باللون . نحو السراب – الشيب – الغيم – الإدلاج – ا لدم – ا لشروق – الغراب – العندم – الخضاب ، ويقول واصفا الحسن المزيف مشبها لها بالشيب الذي صبغ لكن سرعان ما ينتهي الخضاب وتنكشف حقيقة الشعر الأبيض ، وكذلك الزينة الزائفة سرعان ما تنكشف وتظهر حقيقة الأمر. . ونلاحظ أن لصورة عادية تقليدية لكنها ليست كذلك حينما نربطها بالبعد لنفسي لتجربة الستالي وكرهه للمشيب .. يقول ..
والحسن في الأمر المزور زائل الشيب ينصل بعد حسن خضابه (18)
كما نلاحظ مساهمة الحكمة الذهنية التقريرية في رسم هذه الصورة، ونلاحظ تأثير كلمة ينصل في تكثيف المعنى . لأن الشيب والمشيب هو الخيط الرئيسي في تجربته نلاحظ أن الستالي يدور حول هذا المعنى دور انا متكررا ستمرا:
ماذا ألم بلمتي فأشابها
وخضبتها فنضا البياض خضابها (19)
ويتتبع الستالي دلالة المفردة التي توحي باللون ، ويعددها في تموجات توحي بكثافة هذا اللون
طيف انسدل الظلام ألم بي
بعد الهدو طروق سار مدلج ( 20)
نلاحظ المفردات التي توحي باللون الأسود، وبالليل: انسدل ، الظلام الهدو، طروق سار، مدلج ، وكلها مفردات توحي بأن الحدث تم بالليل المظلم .
ولا يعني كثرة الصور البصرية لدى الستالي قلتها لدى غيره من شعراء العصر، فالصور البصرية دائما لها التفوق على غيرها من الحواس ، وإنما كانت هناك حواس أخرى لديهم شاركها في الظهور؟ أما عند الستالي فكانت الحاسة البصرية
أوضح تلك الحواس على الإطلاق ، بحيث سيطرت على تشكيل الصورة لديه كما ذكرت . وكما هو واضح من جدول رقم 2 .
وإذا أطلعنا على الصور البصرية لدى النبهاني نجدها كثيرا ما ترتبط بالأفعال والحركة، فالأفعال ذات الدلالة البصرية مثل: خب ، ركض ، كبا، خاض ، فر، ركب ، وثب ، كر، قاد، رقص ، قذف ، لطم ، طعن . . . الخ وهي مفردات تتواءم وأبعاد تجربته الشعرية المفعمة بالحركة وتوالي الأحداث . . . يقول
النبهاني واصفا فعله بالأعادي في صورة كلية:
وقدنا الخيل للأعداء رهوا
كما تسطو الذئاب على النقاد
وصبحنا الطغاة بعنقفير
تجرعهم افاويق النكاد
وأرعفنا القنا الحظي خعا
وأرهبنا المخاتر والمعادي
وأوردنا الطغاة حياضى ذل
تجرعه الى يوم التنادي
قسمناهم فنصف للعوسي
ونصف للمهندة الحداد
قذفنامم ببحر من حديد
تلاطم فيه أمواج الجياد
وأرغمنا انوف سراة قوم
وكل غضنفر صعب القياد
بضرب ترقمى الأكباد منه
وطعن مثل أفواه المزاد
وألبسنا المذلة كل قرم
عزيز قاهر عالي العماد
وأنشائا سحابا من عقاب لم
يصب على العدى مطر النكاد(21)
ونلاحظ أن أفعال الحركة قد استمرت واستقطبت القصيدة من مطلعها الى نهايتها، وهذه الأبيات التي اجتزأتها من القصيدة يكاد لا يخلو بيت فيها من فعل أو فعلين من الأفعال التي تضج بالحركة .
ونظرا لقرب الكيذاوي من الستالي في تجربة شعر المديح ، فإن صوره البصرية التي تصف الممدوح والحساد المتربصين زاخرة بالصفات الحسية، فالممدوح كريم جواد لكن صور مدحه بالكرم مختلفة عن الستالي:
لو طبع انمله يحل بجلمد
يوما لأورق منه ذاك الجلمد (22)
إن صور الكيذاوي فيها من المجاز والخيال ما يرسم صورا ناطقة متحركة فمن
المبالغة الجميلة قوله: لو طبع أنمله ، ليست أنامله وإنما اكتفي بطبع أنمله لوحل على جلمد، ليست رضا خصبة قابلة للزراعة وانما صخرة صماء جلمود ومع
هذا سيورق هذا الجلمد من فيض كرمه وسخائه ، ويقول في ورة أخر ى:
أمواله لا تستقر ، كانما
فيها دعا للبين صوت غرابها (33)
كأن أموال هذا الممدوح وكل عليها غراب يحرسها ولذا فهي لا تستقر في مكانها لأن هذا الغراب دائما يدعو للفراق ويصوت عليها لذا فهي لا تتكاثر وانما تنفد دائما قبل أن تتجمع .
وفي صورة ثالثة يقول:
في كل يوم من الدنيا يمر به
في ماله غارة للجود شعواء (24)
ولا ريب أن صور الكيذاوي الثلاث في وصف ممدوحه بالكرم نستطيع أن نطلق عليها صورا خاصة بالشاعر صاغها من موهبته واستخلصها من بيئته الخاصة أي أنها صور مبتكرة جديدة، بينما لاحظنا أن صور الستالي تقليدية متداعية ن الذاكرة فهي صور جاهزة، مستمدة من التراث .
أما اللواح فلأنه شاعر جوال رحال يسعى الى ترجمة تجربته الشعورية من خلال الفقد والوجود، والوجد والتواجد، فإن حواسه مستنفرة كاستنفار الطبيعة وكائناتها في الصحراء، وإن خياله يلتقط صورا كثيرة مختلطة تمتاز الاكتظاظ والكثافة، فالصور عنده كثيرا ما يشارك في تجسيمها أكثر من حاسة، فهي صورة مركبة تركيبا ذات خصوصية في كثير من الأحيان . .
ومن صوره البصرية قوله:
اناظر دب النمل والنمل أسود
بليل كعين الظبي أسود قد دجا ( 2)
ويا رازق الفرخ الذي في عشاشه
وحافظه في العيش من حيث أدرجا
ويقول في صورة من وحي تجربته في حب ليلى الصوفي .
كأن فؤادي كان بالشمع جامدا
وتوديع ليلى كان جمرا أماعه (26 )
ويصف نحول جسمه وثقل قلبه بالهموم في صورة بالفة التقليدية جديدة الإيحاء:
وإني لذو جسم كخصر عتيه
وقلب كمثل الردف في الثقل أو أقوى (27)
ولأن اللواح شاعر ذو رؤية ذاتية، وإخلاص فني ، فها هو يصور لنا بعض الصور الكونية التي تموج بها نفسه فيقول واصفا الحياة الفانية ومشبها لها بالحب الرطب لكنه مختلط بالسوس – مظهرا التحسر فهي حياة جميلة لكن للأسف بعدها
موت . . . وكذلك هذا حب رطب لكنه للأسف مختلط بسوس:
حياة عندها سكرات موت
كرطب الحب مختلطا بسوس
إذا ضحكت لك الأيام فاحذر
هجوم النائبات من العبوس (38 )
الصورة السمعية: وهي تقوم على تصور الأصوات وفعلها في النفسى بالاضافة ان الايقاع .
"وقد قيل إن الكلمة تحاكي في ايقاعها معناها كما يحاكي الهديل صوت الحمامة والخرير صوت الماء، (29) فايقاع الكلمة يساعد المعنى في رسم الصورة، والصورة السمعية تنتشر في أشعار العصر وتأتي في انتشار بعد الصورة البصرية راجع جدول رقم 1 . ومن المفردات ذات الدلالة السمعية المنتشرة في
دواوينهم:" الصراخ ، القول ، السماع ، اللسان ، اللائمة ، الضحك ، الصوت ، الغناء، الأذن ، الآلات الموسيقية .
أما المفردات ذ ات الدلالة الإيقاعية فهي:
الحد و، الزجل ، النهيق ، النعيب ، العزيف ، البغا م ، النشيج ، الرنين ، الأطيط ، الصلصلة . . . الخ .
فالصحراء في الليل البهيم يسمع فيها عزيف الجن ، ودوي الرياح ونسمع للناقة الثغاء، وللحمير النهيق وللنعام البغام وللغراب النعيب . وفي مجلس الطرب تترنم القيان وتغني ، ويسمع وت آلات الطرب والقصيدة تنشد وتغني على مسمع من
الحضور، وفي ميدان القتال تحمحم الخيول وتصهل وتتقارع السيوف فنسمع صليلها وقراع الدروع ، والمحبوبة ترحل فنسمع نعيق الغراب ، وهديل الحمائم التي تهيج أشواق المحبوب ، فتسجع الورقاء بما يشجي النفس ، ويومض البرق فنسمع قصف الرعود، وهدير السيول . . الخ .
والصور السمعية كما ذكرت كثيرة متنوعة بتنوع العادات والحياة الاجتماعية والطبيعية، ومن نماذج هذه الصور، يقول الستالي متأسفا على شبابه وذكرياته متأسيا من ذكر الأحباء الأصفياء الذين جمعته بهم أيام الشباب ورونقه:
وإذا ذكرت الأصفياء كان في
قلبي قطاة وما تضم جناحها ( 30)
ولعل هذه الصورة لا تشي بصوت واضح ، أو إيقاع صاخب ، لكنها تحمل إيحاء بأن في قلب الشاعر قطاة ترفرف جناحيها في حركة دائبة لا تهدأ، وأن صوت هذه الرفرفة، كلت خفقان قلب الشاعر.
وهذه الصورة من الصور المعروفة والمشهورة في الشعر العربي وقد اقتبسها الستالي من قول الشاعر الأموي نصيب: (31)
كأن القلب ليلة قيل يغدي
بليلى العامرية أو يراح
قطاة عزها شرك فباتت
تجاذبه وقد علق الجناح
وتكاد أن تكون كل صور الستالي السمعية تدور حول هذا المعنى . . حيث التركيز على نوح الحمائم التي تشاكل نواحه على شبابه . . وهي صورة على ما فيها من تقليد واتباع إلا أنها قد صيغت من وحي تجربته وصدق شعوره:
ولكنه ولى الشباب وأصبحت
ديار الهوى ممن ألفناه نزحا
وكيف بلوغي للهوى بعدما غدت
ركاب الصبا مني لواغب طلحا
ومما يهيج الشوق أو يصدع الحشا
بكاء الحمام الورق تقف بالضحى
إذا غردت وسط الأشياء حسبتها
وان لم تفض دمعا مثاكيل نوحا (32)
وحق للستالي أن ينوح وقد أصبحت مطايا صباه لاغبة أنهكها الإعياء من طول السفر. ولا يخرج الستالي عن إطار هذه الصورة الا في مجلس الطرب والمنادمة حيث يسمعنا ايقاع الآلات وصوت المغنية:
ويطيبني اغاريد القيان لدى
معرس اللهو حيث الناي والوتر (33)
لكن حتى هذا الخروج لا يكون إلا ليدخلنا في حلقة أخرى من حلقات الزمن الذي يكاد يهرب منه فيتشبث به الشاعر متذكرا أيام لهوه حيث الصبا يزين له ذلك اللهو ويسلم الغواية مقوده:
ومسمعة تشدو لنا من غنائها
بمثل بديع الموصلي ومعبد
لهوت بهذا والصبا لي مزين
هواي وفي أيدي الغواية مقودي ( 34)
وكما طغت الصور البصرية على ديوان الستالي ، طغت الصور السمعية على شعر النبهاني (انظر جدول رقم 3)، وربما كان هذا الأمر مثيرا للتساؤل لأنه جرى على غير المألوف ، إذ من المعروف أن الصور البصرية هي أكثر الصور انتشارا في لشعر عامة، وفي الشعر العربي القديم خاصة، ولكننا علمنا ان
النبهاني شاعر يميل الى استخدام الصور البصرية المتحركة التي تتناسب مع تجربة النبهاني الذي كاد أن يستخدم تكنيكات المسرح الشعري ، دون وعي منه لهذه التكنيكات . وإنما قد جرى في ذلك وفق الطبع والفطرة، فالحدث والمكان والزمان تعدد الشخوص والصراع والحوار كلها عناصر متوافرة في صائده .. . ولا ريب أن لارتباط الصور البصرية بالحركة أثرا كبيرا ساعد على كثرة الصور السمعية لديه ، فإن الحركة مهما كانت ضيقة أو قصيرة تستدعي إحداث صوت من نوع ما. ولذا كان من الطبيعي أن تكثر الصورة السمعية لدى النبهاني وأن
تتداخل هذه الصور عادة مع الصور البصرية . . يقول النبهاني واصفا سرعة فرسه مصورا للرياح ومشخصا لها وهي تسابق الحصان فتصاب بالاعياء وتلهث ، بينما هو لم ينقطع نفسه من الاعياء . .
يسابق في الركض عصف الرياح
فتبهر وشكا ولم يبهر ( 3)
وعندما أراد النبهاني أن يصف المطر والريح وتأثيرهما
على الربع الخالي من قاطنيه قال:
عفاه من الوسمى كل مجلجل
منيف الغمام برقة غير خلب
وساهكة هوج كأن حنينها
حنين مثاكيل يقابلن نذب (36)
ونلاحظ مدى رغبة الشاعر في تكثيف الأصوات من المفردات التالية . . . مجلجل ، ساهكة، هوج – حنين مثاكيل – ندب – وصيغة التعميم كل .
ويصور النبهاني صوت الخمرة في الدنان كأنه نغم القسوس وهم ينشدون متعبدين .. ونلاحظ المبالفة في تصوير صوت الخمرة – وهو صوت يشبه البقبقة من الاختمار، كما نلاحظ المبالفة في تخير الشاعر للفظ هدير . . ونلاحظ مدى
اتباع النبهاني للقدماء وتقليده لصورهم حتى وإن لم يكن لهذه الصور أصل في بيئته فهب أننا فرضنا أن صورة تعتيق الخمر في الدنان صورة موجودة في البيئة العمانية كانت ومازالت موجودة – ولكن بصورة سرية – في بعض القرى المشهورة بزراعة العنب وأحيانا تصنع من التمور. فمن أين جاء الطرف الثاني للصورة، "نغم القسوس قبالة الصبان " – وهي صورة في الحقيقة غير موجودة في عمان ، وإنما هي تقليد محض من النبهاني للشعراء السابقين خاصة شعراء العصر الجاهلي:
ولها هدير في الدنان كأنه
نغم القسوس قبالة الصلبان (37)
واذا ضرب الشاعر في البوادي ورد على مياه ضحلة، راكدة، مغطاة بالطحالب ، تؤدي الى بئر خفية المجرى نائية، فإذا جاء أحد ليستقي وخضخضت دلوه ذلك الماء الضحل ، خرجت دلو المستقى مغشاة بمثل نسيج العنكبوت من الطحالب بر وهذه الحركة والأصوات الصادرة من المستقي . . وحركة الدلو – والمياه الضحلة النائية، تكلها حركات وأصوات أعلى هي صوت الذئاب التي ترد الى ذلك الماء وتعوي حوله ،
وماء صرى تعوي الطماليل حوله
خفي الجنى ناء مغشي بغلفق
إذا خضخضت ضحضاحه دلو مائح
أتته مغشاة بنسج الخدرنق (38)
نلاحظ مدى أثر الحروف في كلمتي خضخضت وضحضاحة، ومساهمتها في تشكيل الصورة ورسمها. ونلاحظ تداخل الصورة البصرية بالسمعية وعندما صاح
الغراب ، دعا عليه النبهاني أن يرض الله فمه رضا لانتعابه ونعيقه مبكرا. . وكأن هذا الغراب يتعجل بزف بشرى الفراق للشاعر بصياحه وصوته المنكر المشئوم:
رضا لفيك لم انتعبت مبكرا
تدعو الفريق الى الفراق صياحا (39)
وللنبهاني صور سمعية متعددة استوحاها من المحرك الأساسي في تجربته وهو الصراع النفسي . . فحينما يصور هروب الأعادي في إحدى المعارك المشهورة التي خاضها بنفسه قائدا على رأس جيشه يقول مستلهما بعض إشعاعات التراث متمثلة في الريح العاصف الذي سلطه الته على قبيلة عاد، جزاء كفرهم ، وعدم إيمانهم بنبيهم هود. وهذا الملمح يشير الى أن هؤلاء الأعادي من القبائل المناوئة قد سلطالته عليهم جيش النبهاني كالريح العاتية الصرصر لعدم ولائهم لملكهم الشاعر، وفي الصورة أيضا إشعاعات محلية من البيئة في تشبيه نفسه بحية
الوادي وهي مشهورة بشدة تيقظها وشراستها حتى لو أظهرت الغفلة، وتشتهر كذلك بفحيحها في وجه من يقترب منها حيث تقفز واثبة عليه كأنها طائر له جناحان .
كأنهم وقد ولوا جراد
تلقته عواصف ريح عاد ( 40)
ألا أبلغ طغاة القوم أفي
و إن أطرقت حية بطن وادي
وربما كانت هذه الصورة خالية من الألفاظ ذات الدلالة السمعية،وأقرب الى الدلالة البصرية،. لكنها في الحقيقة ليت خالية من الإيحاء ات السمعية المتعددة، فها هو الجيش المنهزم يولي صرعا محدثا حركة وضجيجا في انسحابه ، ولكن هذا
الانسحاب لم يتم بسهولة ويسر، وإنما تلقفته عواصف عاتية تعوق هذا الانسحاب مما أدى الى تصاعد حركة الصراع والتدافع للخلاص أو مقاومة تلك العواصف التي بلا شك إنها تعوي بها الأصوات من كل صوب ، ومما يصور هذا التزاحم
تصويره لهم بالجراد، وكلنا يعلم أن الجراد يهجم في أسراب كثيفة ويتمثل هذا الإيحاء أيضا في سرعة حركة حية الوادي وفحيحها، وتكثر أمثال هذه الصور التي تحمل "شبهة الصورة السمعية" – إذا جاز لنا هذا التعبير لدى النبهاني ومن أمثلتها قوله واصفا معركته المشهورة بيوم الحبيل في بلدة "حبل الحديد" مع أخيه:
سائل بنا "حبل الحدب
ـد"غداة صار الهول جدا
إذ خضت موج خضمها
ورددت أولى الخيل ردا
وجعلت نفسي دونهم
يوم الوغى ردءا وسدا
كالليث هيجه المهب
ـهج في عرينته فشدا (41)
وها هو الشاعر يفرش لنا أرضية الصورة التي يود رسمها، فيزودنا بكلمات توحي بالحركة المشتملة على الصوت مثل قوله . . سائل – الهول – خضت – موج – خضمها، ورددت – ردا .. وعبارة "جعلت نفسي ردءا وسدا" ولنلاحظ تأثير التشديد في القافية على الإيحاء بعمق الحركة ثم يعرض صورته المقصودة بالتصوير "يومها أصبحت كالليث وقد أثاره وهيجه المهجهج ؛ وهو مهجهج عديم التفكر في عاقبة الأمور فاعل لم يعرف قدر نفسه ولم يحسب حسابا صحيحا لقوة خصمه ، أي انه خصم غير نابه ، ولذا فهو يهجهج على نفسه الليث في عرينه ،
وهن المنطقي أن يشد هذا الليث على خصمه المغفل ويحطمه بضراوة وقسوة جزاء استهانته به وجرأته على مهاجمة عرينه ؟ فإذا أضفنا الى الألفاظ الموحية بالصوت ألفاظ البيت الأخير في الصورة هيجه – المهجهج – شدا، مع تضمن اللفظة الأخيرة لإيحاء الزئير المرعب مع الحركة لاحظنا مدى قدرة الشاعر على
توظيف مفرداته في الإيحاء بشعوره الداخلي .
ويصور لنا الكيذاوي الصحراء التي قطعها متنقلا ما بين بلدته الى بلد الممدوح في صورة بصرية سمعية تتردد فيها الأصوات ، حيث تلك الأرض الموحشة المهلكة الساخطة على من يتجرأ ويعتسف في أرجائها مغامرا مخاطرا بنفسه ، هذه
الأرض المخيفة لا ترى فيها شيئا وإنما تسمع فيها أغاريد للجن تتردد في أطرافها المختلفة، فيتردد في نواحيها صدى ذلك العزف .
ولقد اجتاز الشاعر تلك الصحراء بحصان طويل الباع متسع الصدر سريع العدو، مثيرا للغبار أثناء جريه ، ومن يراه وهو يعدو بهذه الصورة يظنه ريحا تعصف عصفا، وتذرو في عصفها الرمال .
وفجوة من فجاج الأرضى موحشة
قفراء يهلك من في سخطها اعتسفا
تسمع فيها أغاريد العزيف إذا
جنيها من نواحي بيدها عزفا (42)
جاوزتها بطويل الباع تحسبه
من الرياح الذواري عاصفا عصفا
والكيذاوي كالستالي لم يكثر من الصور السمعية.. كالنبهاني أو اللواح مثلا. . إلا أن الكيذاوي أكثر دقة وبراعة في تشكيل صوره عن الستالي .
أما اللواح فللصور السمعية في تجربته دور لا يقل عن دورها في تجربة النبهاني .. إنه وصحبه يتحلقون ويتناشدون ، ناقته تحن وتتلاحم معه في المشاعر. . يقابل في رحلاته أناسا من صفاتهم كيل الشتائم والسباب بأصوات منكرة.. جولاته
متعددة وصور مشاهداته أكثر تعددا . . عمره امتد فكثرت مراثيه وكثر نواحه على من فقده .. يقول اللواح:
بليت لديرة فيها رجال
لئام أهل تصفيق وشيق
لهم في كل ذي نادي شهيق
إذا اجتمعوا به كحمير سيق
إذا ضرب الرباب لهم نساء
تجيب السبق سجلاء النهيق (43)
وفي الصورة ملامح محلية كلفظ ديرة: المقصود به بلد، و،"حمير سيق ا وسيق قرية مشهورة في عمان بخصوبة تربتها واعتدال هوائها قرب نزوى . وحينما أراد أن يصور صراعه مع الدنيا التي تريد أن تثبط عزيمته وتخضع همته قال مصورا ذلك في صورة ممتدة:
وترعد لي من دون غاية مطلبي
لتصعقني أبراقها ورعودها
وما كان أن يذوي لها عود عزمتي
وتخضع هماتي ويخضر عودها
أكايلها صاعا بصاع وإنني
أطفف في كيلي لها وأزيدها (44 )
ويتمثل الإيحاء الصوتي في الصورة في كلمة "وترعدا، وعندما صور الفرحة بالغيث الذي اجتاحت سيوله نزوى التي كا نت تعاني من المحل والجفاف ، قال:
فأودية الجبال لها هدير
تجيب مدائنا فغرت بماها
وتسمع للوهاد لها خريرا
تصهلق والصفا انفجرت مياها ( 4 )
وتذكرنا هذه الصورة بصور النبهاني التي يسعى فيها الى استقطاب الأصوات وتكثيفها. . ففي هذه الصورة تساندت الألفاظ والعبارات على تجسيم هذه الصورة وتكبيرها وتوضيحها ففاك لفظ "هدير، تجيب ، مدائنا، ونلاحظ تأثير الجمع ومساهمته في اجابة هدير وديان الجبال كذلك لفظ فغرت وما فيه من إيحاء الاتساع والتدفق ، كذلك كلمة خرير ولفظ تصهلق الذي ترسم حروفه معنى الكلمة وتشع بإيحاءاتها، ثم كلمة الصفا التي انفجرت مياها وقوة الفعل انفجرت في الاندفاع والصوت . إنه شاعر يصور بوعي ما يسعى الى إيصاله للمتلقي .
ومثل هذه الصورة في الاحتفاء ب ا،الضجيج الصوتي " – إذا جاز لنا هذا التعبير – قوله في نزوى وقد رأى أهلها عابثين ماجنين ، في صورة مجازية لطيفة شخص فيها نزوى بغانية أراقت ماء الحيا فكشفت عيوبها المستورة ويجسد فيها الدف ومعازف الغناء وهي تصهل في روابيها.
أرى نزوى بكم كشفت هناها
وراقت من محياها حياها
تقلقها المعازف والملاهي
وكل نهيمة سحبت رداها
فما برج من الأبراج إلا
وفي الخمر جامعة خناها
وما من شعبة إلا وفيها
زجيل الدف يصي ل في رباها (46 )
ونتتبع تأثير الألفاظ ذات الإيحاء الصوتي في تشكيل الصورة وهي كثيرة:
مثل: "تقلقها – المعازف – الملاهي – وكل نهيمة – زجيل – الدف – يصهل – ونلاحظ على وجه الخصوص تأثير كلمة كل نهيمة في تعميم الأمر واتساعه . وتأثير كلمة يصهل فالدف لا يضرب للغناء في مكان محدد وإنما هو يصهل في كل مكان في رباها . .
ب – الصورة الذوقية:
أكثر هذا النوع من الصور يتمركز حول صور محددة كريق المحبوبة، وطعم الخمرة، والناقة التي ترعى المرار لقلة الغذاء – والقصيدة تكون دواء شافيا أو علقما وسما للأعادي فريق المحبوبة يعل بالزنجبيل .. أو الخمرة الممزوجة بماء القراح أو ماء المزن أو بالشهد الذي لا تكدره الشوائب .. يقول الستالي:
إذا شئت علتي رضابا كأنه
من الثغرماء المزن شاب جنى النحل (47)
ويقول النبهاني:
كأن الرحيق ومسكا سحيقا
ونشر العبير وصافي الضرب
تعل به موهنا ثغرها
إذا ما الدجى بالصباح انتقب (48)
ويقول الكيذاوي:
لها مبسم عذب كأن رضابه
مجاجة نحل في المذاق وقرقف (49 )
ومن الواضح أن كل هذه الصور صور تقليدية متوارثة لا جديد فيها ويبدو أن الانسان العربي كان يربط هذا المذاق باحلى وأغلى وأعذب ما يوجد في بيئته فالريق كالعسل وكالخمر الباردة وكماء المزن العذب . . وهذه كلها أمور شح وجودها في البيئة الصحراوية وغلا ثمنها ومن هنا كان تشبيه ريق المحبوبة العطر بها.. ومن الصور الذوقية المنتشرة تشبيه الممدوح بالشراب العذب وهجاء الآخرين وتشبيه طعمهم بالملح الأجاج ، وعادة ما تنعكس هذه الصورة التذوقية على أخلاق الممدوح وطبائعه ، يقول الستالي مادحا ذهل وأولاده ومشبها
لهم بالبحر الزاخر المعطاء العذب مشربه ونظرا لكثرة عطائه فقد تفرع الى جداول عدة وكل جدول يشكل رخاء يسهل استمتاع الناس به ونهل مورده ، فالبحر هو ذهل والجداول المتفرعة منه هم أولاده:
واتت الخضم العذب مشربه وهم
جداوله كل له مشرع سهل ( . )
أما اللواح فيشبه صفو ضمير الممدوح الذي يرثي صفاته ، تارة بالماء القراح ورائحته كالمسك حيث يتواجد.
كأن قراح الماء صفو ضميره
وأعراضه كالمسك في الندوات (51)
ويرثي الآخر بقوله.
يا بحر أغرقت بحرا لم يزل أبدا
عذبا وانت الأجاج الملح والصرد (52)
فالممدوح بحر لكنه عذب بينما البحر الذي أغرقه بحر مالح شديد الملوحة شديد البرودة . ويلح اللواح على هجاء المذموم ووصفه بالملح الأجاج في قوله واصفا أهل القرية التي مر بها فأساءوا معاملته:
وليس بها لضيف من مذاق
سوى ملح كصاب في الحلوق (3 5)
أما المياه التي يرد عليها في تلك المهالك المهجورة وتضطر الأيانق التي يركبها وصحبه أن تشرب منها هي مرة تدفلل طعمها أي أن طعمها مر كطعم نبات الدفلى وهو نبات مر الطعم في فم من يتذوقه لدرجة أنه لا يتمالك إلا أن يبصقه .
قد علفقت فيها المياه وطعمها
مر تدفلل منه طعم الباصق (4 5)
د – الصورة الشمية:
من الصور الحسية التي تدور حول نقاط محددة أيضا، فالحبيبة قد صاك العبير بجسدها، ويفوح هذا الجسد برائحة الزعفران الذي تطل! به جسدها فهي صفراء كزهرة العرار، ويتضوع المسك والبخور من ثيابها كلما نهضت ، وحركت أردافها، وهي دائما حلوة النشر. . وثغرها كرائحة الأقحوان ، وهي تفوح برائحة أطيب من رائحة الروض النضير .
– أما الخمرة فتفوح برائحة كالمسك . . وهي ذات أرج شذى .
– ومجلس الخمر يفوح شذاه بالورود والياسمين والبنفسج والنرجس .
– والروح تفوح منه الروائح المختلفة، ونكاد نشم رائحة الأرض
التي تهتز، وتربت بفعل المطر بعد تساقطه على الروض .
– وأرومة الممدوح وأصوله أعطر من أريج المسك والعنبر
والرياحين .
ومن نماذج الصور الشمية عند شعراء العصر قول الستالي ، واصفا أخلاق يعرب مشبها إياها بالروض الذي هبت عليه نسائم الصبا فماس زهره أنيقا شذى
الرائحة:
له شيم كالروض هبت له الصبا
فماس أنيقا زهره طيب النفح ( 55)
ويشكل الكيذاوي نفس الصورة في معنى ممتد يشبه فيه أخلاق الأمير عرار بن الفلاح بنشر أزهار العرار ورائحة الروض وأزهاره العبقة:
سقى الرياض رياض الحزن فاغتبطت
به من الروض أغصان وأوراق
وأصبح الروض أحوى لونه بهج
في حافيته من الأزهار أشواق
وفاح نشر العرار الغض منتشرا
كإنما من عرار فيه أخلاق (6 )
ويقول النبهاني متغزلا برائحة حبيبته خالطا حاسة الشم بحاسة التذوق .. فكأن هذه المحبوبة قد سقت أسنانها بعد الكرى والنوم بمثل هذه الخمرة العانية الطيبة التي تفوح منها رائحة العبير، ومتبخرة من وعاء المسك الذكي الرائحة:
ومؤشر ألمي المراكز واضح
يقق كنوار الأقاح مفلج
وكأنما جريال عانة شعشعت
في صحنها بزلال ماء الحشرج
خلطت بمسحوق العبير وعللت
بذكي نافجة ونشر يلنجج
علت به بعد الكرى أنيابها
فذهبن بعد تضوع وتأرج (57 )
أما اللواح فتنعكس أبعاد تجربته الصوفية على هذه الصورة بشكل خاص .. فكل الروائح الجميلة التي تفوح هي عبق عاطر للنفس الرحماني القدسي ومن ثم كانت جميع الصور الشمية تدور ضمن هذا الاطار:
طيف لليلى على شحط النوى طرقا
ليلا وطرفي بأمواج الكرى غرقا
حتى أتاني وحياني بها ولها
نشر على الافق من أنفاسها عبقا (8 )
لقد رمز بليلى لمرموز آخر بعيد لا تدركه الأبصار وهو لم يكن إلا طيفا ولفظ " شحط " النوى يكاد يجسد لنا أبعاد ذلك البعد. . وجسد الكرى على هيئة أمواج غرقت بها أجفانه – ونلاحظ تأثير كلمة أمواج للدلالة على شدة النوم والضمير بها في البيت الثاني يعود على الصحراء في بيت قبله محذوف ، ولها يعود على ليلى وقوله في صورة أخرى:
وكم دلنا للخيف والليل أليل
عبير يحيينا وقد غطغط الركب (59 )
لقد دلهم عبير ليلى على الطريق الذي يسلكونه ، وصل إليهم يحييهم وهم نيام ونلاح!ظ تأثير حروف الكلمة في تشكيل صورة تنم عن عمق ذلك النوم "غطغط ". والنوم لدى المتصوفة نوع من الحب ، قال المتصوف لما زارني الله ، أحببت النوم . . ولم أرد الصحيان "فالنوم مجال من مجالات التجلي التي يسعى إليها المتصوف " .
ولا يخرج اللواح من الإطار السابق إلا ليشخص ليلى في صورة الرمز الأنثوي
المحسوس:
سعى بيننا الواشون حتى عبيرها
ونمت بها الأعداء حتى عقودها (60)
لقد برع اللواح في تشخيص أطراف الصورة، رغم تقليديتها، وتكرار معناها لدى شعراء قبله ، إلا أنه تبقى لهذه الصورة فنيتها وبراعتها، فالعبير من ضمن الوشاة الذين سعوا بيننا ليحدث الفراق والخصام وعقودها أحدثت صوتا فدلت علينا وبذلك انضم العبير الذي فاح ووشى بنا، والعقود التي رنت فنمت علينا، الى فريق الواشين ، وتحولت الى الأعداء النمامين الذين يسعون بالقطيعة والفراق بين
الأحبة .. لقد مزج اللواح من هذا التداخل الشمي والبصري والصوتي صورة فنية جميلة ذات إيحاء ات متعددة .
س – الصورة اللمسية:
وهي قليلة النماذج ، إذا ما قورنت بالبصرية والسمعية والذوقية مثلا، وتكاد تكون في غالبها صورا محفوظة تقليدية متوارثة، وتتمثل هذه الصور في التراث العربي عامة وفي شعر العمر النبهاني خاصة في المحبوبة وجسدها الفاتن ، فالمحبوبة
دائما ناعمة الملمس وجها وخدا وبطنا وهي دائما بضة الجسم رخصة ترفل في ناعم الثياب والحرير، ومن مواصفات الخيل الأصيل نعومة ملمس الجلد وهو جلد صقيل لامع الشعر. ويلمس اللواح استار الكعبة متلمسا متباركا، والصورة
اللمسية ترد واضحة صافية لكنها في أغلب الأحيان تأتي مختبئة غائمة متداخلة مع الحواس الأخرى، ومن نماذج الصور اللمسية قول الكيذاوي:
ففي الحر تشبه كانون طبعا
وتشبه في زمن البرد آبا
أغار على ناعم الجسم منها
إذا هي ألقت عليه الثيابا (61)
ويقول الستالي:
من خماص البطون ملس الترافي
مبهجات كمثل بيضى الأداحي (63)
وقوله راثيا ابن الملك ذهل في معنى مجازي جميل وتشبيه مركب بنى على طرفين الأول معنوي ، مجازي والآخر حسي مادي .
وقد كان أحلى في النفوس من المنى
وأشهى وأبهى في العيون من الكحل
فه صبح كيا في الضمائر ذكره
كأن كل قلب ضم منه على نصل (63)
لقد أصبحت ذكرى هذا الولد الحبيب في قلب كل من يحبه ألما وكيا تكتوي منه الضمائر، بعدما كان أحلى من الأماني في النفوس وأشهى من الكحل في العيون ، وألم هذه الذكرى التي تكتوي بها القلوب كألم القلب الذي غرس فيه نصل ثم أطبق
عليه حتى لا ينتزع منه هذا الخنجر المؤلم ، وتظل معاناة الألم سرمدية .
ويقول النبهاني واصفا نعومة حبيبته:.
لها بشر ناعم كالحرير
وخد كجلنارها الأحمر (64)
ويقول واصفا جلد حصانه:
صقيل السراة جميل القطاة
سليم الشظاة من البربر ( 65)
ويقول اللواح مصورا ما ألم به بعد أن لدغته حشرة تسمى "الكرش" بمكة، وتركت على جلده ندوبا كالقروح أو كبعر الكبش حتى أنضجت جلده فأصبح من لسعها كالفرخ الذي شوته النيران .
لقد قرحت جلدي بلسع فلم تزل
به ندب كالفرخ أو بلم الكبش
فغودرت من لسع الكروش ى نني
فريخ من النيران ملقى بلا عش (66)
ويقول واصفا زيارته لقبر الرسول( صلى الله عليه وسلم ) وبكاءه ، وقد أخذ يقلب خديه فوق تربة القبر الشريف ، عله يتطهر من ذنوبه ، وقد ساعداه على ذلك التطهير دمعه المنسكب وقلبه الخاشع ، ولم يشفه من الظمأ والتعطش للتوبة والمغفرة غير تمسحه بذلك التراب الطاهر، ووقفته الطويلة على القبر لائذا، تائبا حتى يسامحه مما علق عليه من أوزار آدميته:
أقلب خدي فوق تربة قبره
وقد ساعداني الدمع فانهل والقلب
ولم يشفني من غلتي غير وقفتي
عليه ويبريني من تربي الترب (67)
ونلاحظ خصوصية لغة اللواح في لفظ "ساعداني " لغة أكلوني البراغيث ، ولفظ – يبريني أي يسامحني لغة محلية من تربي ، أي من آدميتي وأنا إنسان مخلوق من تراب . وقد تتداخل الصور الحسية مع بعضها البعض فتتشكل الصورة بأكثر من
حاسة من الحواس فيشترك الذوق والسمع والبصر مثلا في تشكيل صورة ما، فتصبح الصورة مركبة من تداخل كذا حاسة وتختلف الصور من شاعر الى آخر، ومن بيئة الى أخرى، فصور الستالي الشاعر المترف المقيم في القصور، تختلف عن الشاعر النبهاني المتصحر ذي البداوة الواضحة في صوره وألفاظه وموسيقاه ، وتختلف عن صور الكيذاوي ا لمغترب ، واللواح الشاعر الذي أدمن التجوال والحل والارتحال ، فترك المكان بصماته الواضحة على صوره مثلما ترك الزمان بصماته على صور الستالي ، ولاحظت أن الصورة الشعرية قد اختلفت من حيث التشكيل سهولة وصعوبة، سطحية وعمقا، فالستالي هو شاعر القرون الأولى في العسر النبهاني جاءت معظم صوره تشبيهية تعتمد على حاسة البصر كما وضح جدول رقم 1 وجدول رقم 2 . بينما تتعقد الصورة عند الكيذاوي ليشكلها ا لمجاز والاستعارة، وتصبح الصورة عند النبهاني واللواح مولدة لصورة ثم صورة أخرى، وهكذا نجد أن البساطة والسطحية لدى الستالي خاصة قد تحولت الى تعقيد وعمق وتكثيف واكتظاظ وأن الصورة التشبيهية قد تضاءلت بجانب الصور
المجازية وصور الاستعارة المكنية عند اللواح والنبهاني وهما من شعراء العصر المتأخرين ومن أمثلة الصور المتداخلة في الحواس قول اللواح راثيا أحد العلماء الزاهدين من أصدقائه في صورة ممتدة أجتزيء منها هذه الأبيات التي تتداخل فيها
الصورة البصرية بالشمية بالسمعية باللمسية:
كان حزنك في وسط القلوب لظى
تجري الدموع عليها وهي تتقد
كأن ذكرك بين العالمين شذى
روضى أجاد عليها الوابل البرد
نروم ننساك لكن قد تركت لنا
خلائقا منك تنعينا فنجتهد
سقى ضريحك محلول النطاق له
زماجر كدموعي فيك تنسرد (68)
والحقيقة أن أغلب هذه الصور لا تعطينا المفهوم الصحيح لمعنى التداخل ، وإنما هي أقرب الى لوحة جمعت فيها الصور الحسية المختلفة فهي لمصطلح التجميع أصح وأدق من التداخل ، وقد تتداخل الصور الحسية مع بعضها البعض بشكل أقرب الى المزيج والخلط ، لكننا نادرا ما نجد ظاهرة ما يسمى حديثا بتراسل الحواس ، "Correspondence " وإذا وجدت في بعض النماذج النادرة، فهي من قبيل
المصادفة، لم يقصدها الشاعر، ولم يسع الى ايجادها.
وتعتبر مجالس الخمرة عند الستالي متحفا للصور الحسية المختلفة فثمة ورد يبهج العين وعطور تطيب المكان وعزف يؤنس النفس ، وشراب يلذ في المذاق ، يقول بعد أن يصف الروض الذي سقاه مطر الصيف الخفيف ، حتى انتشرت هذه
النفحات في شكل حلل على وجه الثري:
وشادن يتهادى في الصبا غيدا
ميس القضيب تثنى ثمت اعتدلا
يسعى علينا بنور في زجاجته
لولا وقوع مزاج الماء لاشتعلا
من فهوة كنسيم المسك تحسبها
دما جرت في فم الابريق متصلا
كأن ريقتها مما ترقرق في
صفو الزجاج دموع غشيت مقلا
وقينة انطلقت صوت الكران وقد
غنت بسيطا على الأوتار أو رملا
والشرب قد مزجوا صفوا خلائقهم
كما مزجت بماء المزنة العسلا(69)
وعلى الرغم من تقليدية الصور ونمطيتها، وعدم توافق بعضها مع الوقع النفسي للمشهد المصور، إذ يصور تلك الخمرة كدم جرى في فم الابريق متواصل الانسكاب ، وشبهها أيضا بالدموع التي تغشى المقلة، ومجلس الخمرة هذا يفترض أن يكون مجلسا سارا مبهجا للنفس ، لا معنى لإسالة الدموع والدماء فيه ، وقد تتناقض الصورة الواحدة أحيانا، ففي بيت واحد، وصف الخمرة كنسيم المسك ثم قال تحسبها دما جرت ، فأين رائحة المسك من رائحة الدم المراق ؟ ونلاحظ هنا.. أن هم الشاعر من التشبيه في هذه الصور أن يعدد ويحصى الأشكال والألوان دون أي رصيد شعوري أو نفسي ، وهو ما ينبغي أن يكون غاية كل صوره شعرية ،"إن الشاعر من يشعر بجوهر الأشياء لا من يعددها ويحمي أشكالها وألوانها، وان ليست مزية الشاعر أن يقول لك عن الشيء ماذا يشبه ، وإنما مزيته أن يقول ما هو، ويكشف لك عن لبابه وصلة الحياة به ، وليس هم الناس من القصيدة أن يتسابقوا في أشواط البصر والسمع ، وإنما همهم أن يتعاطفوا ويودع أحسهم وأطبعهم في نفس اخوانه زبدة ما رآه وسمعه ، وخلاصة ما استطابه أو كرهه "
(70). وبالرغم من ذلك فللستالي صور عدة لمجلس الخمر يصور فيها تمازج الصور الحسية وتداخلها تصويرا أفضل من هذه اللوحة.
2 – الصورة الذهنية:
الى جانب الصور الحسية، هناك الصور الذهنية وهي تلك "الخيالية التي تكسب المعنى خصوبة وامتلاء. . وهذا النوع من الصور أدخل في باب الابداع الخيالي ، لأن مقدرة الشاعر الابتكارية تتمثل فيه " ( 71).
ومن المعروف أن للخيال طاقات خلاقة لا تحد، وأن الصور الذهنية عادة ما تكون صورا خاصة بصاحبها، أي أنها صور ليست تقليدية متوارثة متناقلة عبر الشعراء. . وإنما هي إبداع فردي يحمل بصمات صاحبه وخصوصية شخصيته .
ومن هذه الصور قول اللواح مجسدا ومصور لعبراته التي قد واكبتها زفرات لا يدرس مجراها، حتى إن زفراته قد رحمت ضلوعه لأنها تنقد وتتساقط منها عندما يتنفس الشاعر، ومن حرارة وهج هذه الزفرات ، ظن السائرون ليلا بأن نيرانا تشتعل ، في خياشيمه ، فأتت إليه لعلها تستدفيء بها أو تأخذ منها قبسا:
كم عبرة قد ربعتها زفرة
درست ومجرى وقعها لا يدرس
رحمت حشاشتي الضلوع لأنها
تنقد منها عندما أتنفس
ظن السراة مقابسا بخياشمي
فأتت إلي لعلها تتقبس (72)
وحينما صور كثرة الأمطار التي نزلت على عمان شخص المزن في صورة حور عاطفات على الأرض ، وشخص الأرض بكف تحلب من هذه المزن في إناء كبير.
كأن المزن حور عاطفات
وكف الأرضى يحلب في إناها (73)
ويقول النبهاني مصورا بعده عن رايه وعن ملكه وعن وطنه:
جمح الزمان بها وبي وتواترت
نوب اسنتها أصبن مقاتلي (74)
ويقول الكيذاوي مادحا ممدوحه بالشجاعة والكرم تجاهه حتى إنه قد كف الخطوب التي كانت تعض الشاعر فأصبحت دردا بعد أن سلبها الممدوح أضراسها. .
وتركت أفواه الخطوب جميعها
دردا وكنت سلبتها الأضراسا ( 7)
ويقول مجسدا حب من يهواها بأنه قد رعى في روض قلبه واستوطن في تلك الرياض – ثم أفرخ في سويداء القلب وعششا.
رعى روضى قلبي حبها متوطنا
وأفرخ في سوداء قلبي وعششا (76)
ويقول اللواح مصورا تأثير الشيب عليه مصورا ومشخصا فعل الزمان بوجهه كمن يعرب الحروف وينقطها – ويشخص الموت جاعلا له يدا تلقط ما تبقى من الانسان بعد أن يضعفه الكبر":
تشفلط جلدي والليالي تشفلط
وتعرب إعراب الحروف وتنقط
وقد نثرت فيه الحوادث أشمسا
وليس له إلا يد الموت تلقط (77)
الهوامش:
1 – د. عبدالقادر القعل الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر. مكتبة
الشباب سنة 978 1 م ص 435.
2 – د. شفيع السيد/ التعبير البياني رؤية بلاغية نقدية – الطبعة الثانية
سنة 1982 – دار الفكر العربى . ص 141 نقلا عنWinifred
Nowottny Op.cit, p57
3 – المصدر السابق .
4 – د. كامل حسن البصير" عضو المجمع العلمي العراقي . بناء الصورة
الفنية في البيان العربي – مطبعة ا لمجمع العلمي العراقي – بغدار سنة
1987 م ص 54.
* – الآيتان 7 ، 8 من سورة الإنفطار.
* – الآية 64 من سورة غافر"
5 – د. شفيع السيد – التعبير البياني رؤية بلاغية نقدية، ص 139،
الهامش .
6 – د. علي عشري – عن بناء القصيدة العربية الحديثة، الطبعة الثالثة مكتبة
النصر – سنة 3 99 1 – ص 4 8 .
7 – د. عبدالاله الصائغ – الصورة الفنية معيارا نقديا – وزارة الثقافة
والاعلام بغداد سنة 87 9 1 م . ص 6 0 4 .
8 – د. شفيع السيد / التعبير البياني – ص 141 .
9 – د. عبد الاله الصائغ / التعبير البياني – 141 .
10 – النبهاني – ديوان النبهاني – ص 433.
11 – النبهاني – ديوان النبهاني ص 59.
12 – النبهاني – ديوان النبهاني -ص 56 .
13 – الستالي – ديوان الستالي – ص 70.
14 – نفس المصدر ص 43
15 – الستالي – ديوان الستالي ص 16 .
16 – المرجع السابق ص 101 .
17 – عباس محمود العقاد وإبراهيم المازني – الديوان ط 3 – دار الشعب –
القاهرة 1921 ج 1 ص 21 .
18 – الستالي – الديوان ص 43 .
19 – المرجع السابق – ص 53
20 – المرجع السابق – ص 88 .
21 -النبهاني – الديوان ص 9.
22 – الكيذ اوي – الديوا ن – ص 101
33 – الكيذاوي – الديوان – ص 31 . ء
24 – المصدر السابق – ص 8 .
" – أخذ هذا البيت من تكملة القصيدة من المخطوط رقم 2.
25 – اللواح الخروصى الديوان ب 1 – ص 114 .
26 – المصدر السابق ب 1 – ص 191 .
27 – المصدر السابق ص 260.
28 – اللواح الخروصي – الديوان – جـ 1 – ص 344 .
29 – ابن جني – أبو الفتح عثمان بن جني – الخصائص 1 /46 تحقيق
محمدعلي النجار – مطبعة دار الهدى – بيروت – الطبعة الثانية سنة
1986م.
30 – الستا لي – الديوان – ص 113 .
31 – ينسب هذا البيت أحيانا الى مجنون ليلى.
32 – الستا لي – الد يوان – ص 119 .
33 – المصدر السابق – ص 202 .
34 -المصدر السابق -ص 150.
35 – النبهاني – الديوان – ص 125.
36 -المصدر السابق -ص 50
37 – المصدر السابق – ص 354
38 – النبهاني – الديوان – ص 205.
39 – النبها ني – الديوان ص 97 .
40 – النبها ني – الديوان 110 .
41 – النبها ني – الديوان – ص 119 .
42 – الكيذاوي – الديوان – ص 177 .
3 4 – اللواع – الديوا ن – ب 1 ص 23 2 .
44 – المصدر السابق – جـ 1 – ص 354 .
45 – المصدر السابق – جـ 1 – ص 389.
6 4 – اللواح -الد يوان – جـ 2 – ص 89 .
7 4 – الستالي – الديوان – ص 333 .
48 – النبهاني – الديوان – ص 45 .
49 – الكيذاوي – الديوان – ص 179 .
50 – الستالي – الديوان – ص 353 .
51 – اللواح – الديوان – ب 3 – ص 116 .
52 – المصدر السابق – ص 139 .
53 – المصدر السابق – ب 3 – ص 4 22 .
54 – المصدر السابق – ب 1 ص 163 .
55 – الستالي – الديوان – ص 101 .
56 – الكيذاوي – الديوان – ص 196 .
57 – النبهاني – الديوان – مى 84 .
58 – اللواح – الديوان – ب 1 ص 155
59 – اللواح – الديوان – ب 1 ص 201 .
60 – المصدر السابق – ص 354 .
61 – الكيذاوي – ا لديوان – ص 38 .
63 – الستالي – الديوان – ص 103 .
3 6 – المصدر السابق – ص 339
64 – النبها ني – الديوان – ص 121 .
65 – المصدر السابق – ص 124
66 – اللواح – الديوان 1 / 140 .
67 – المصدر السمابق 1 / 204 .
68 – اللواح – الديوان جـ / ص 142.
69 – الستالي – الديوان – ص 371 .
70 – العقاد – الديوان ب 1 ص 17 ، 18 .
71 – د. عز الدين اسماعيل – التفسير النفسي للأدب – دار العودة – بيروت
– الطبعة الرابعة سنة 988 1 ص 2 9.
72 – اللواح – الديوان – ب 1 / 137
73 – اللواح – الديوان – ب 1 / 390 .
74 – النبهاني – الديوان ص 252 .
75 – الكيذاوي – الديوان ص 155 .
76 – المصدر السابق – ص 163.
77 – اللواح – الديوان – حـ / ص 143 .
سعيدة بنت خاطر (كاتبة وشاعرة عمانية)