الأمة في كل شيء من الأشياء المنفرد به دون غيره, الثابت له حكمه من قليل أو كثير, و لو كان واحدا فهو أمة في ذلك الشي القائم له المنفرد فيه, و لو كانوا كثيرا فهم أمة, وليس معنى الأمة الكثيرة و إنما المعنى في الأمة الخلوص بالشيء, فمن ذلك قوله تعالى (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا و لم يكن من المشركين) فكان وحده أمة في قومه و الأمة اجتماع للإمام و المأموم«.
( الكدمي, المعتبر, 2: 152).
محددات العلاقة من منظور الفكر الإسلامي بين علماء الدين والإمامة أو المؤسسات الدينية والدولة أو المعرفة الدينية والسلطة متشعب ومتداخل مع جميع المدارس الإسلامية, بل هي قضية أشبه ما تكون عالمية تتداخل جميع الأديان فيها مع الأبحاث متوسعة فيها. واوجه هذه العلاقة لنا نحن كمسلمين تبرز ملامحها منذ بدايات تكوين الفكر الإسلامي, فعلى سبيل المثال لو أخذنا مثالا بسيطا كيف نعرف الإمامة أو السلطة أو الدولة نحن كمسلمين سنجد تباينا واسعا في اوجه النظر بين مختلف المدارس الإسلامية كل يعرف هذا المفهوم بشكل متباعد ومختلف, مما يحدو بكثير من المسلمين الاستناد بتأصيل هذا الموضوع بالرجوع إلى بدايات الإسلام. i وبما أن اوجه النظر في هذه العلاقة في غالبها تتجه نحو التنظير والآراء في العموميات اغلب من تقنين هذه العلاقة بالحقائق التاريخية والواقع العملي.ii كما هي العادة وفي سائر المواقف من الأفضل أن نميز بين النظرية والتطبيق, فالنظرية تتمتع بالحرية وبامتلاكها لفضاء زمني واسع; وهي في العادة لا تأتي إلا متأخرة عن الواقع في حين أن التطبيق يتطلب تصرفا آنيا, وهو يخلق مباشرة. وخلال دراستي للسير في السنتين الماضيتين وهي تمثل أشبه ما تكون أرشيفا للتاريخ الماني, فتصوري كان جمع هذه النصوص وعرضها لتكوين صورة مبسطة حول هذه العلاقة من الجانب العملي, وأنا مدرك منذ البداية أن التقصي سيحتاج إلى استيعاب اكثر لكني اقتصرت في هذه الورقة على السير لأنها تضم مراسلات وكتابات للائمة والعلماء العمانيين. ومن اجل الإمساك بهذا الموضوع يدعونا التساؤل ما هي إسهامات كل مذهب من المذاهب الإسلامية للمجتمعات الإسلامية والدولة?
إن التركيبة السياسية والاجتماعية في عمان دعمت الإمامة من حين لآخر حتى بداية القرن العشرين مما أثار اهتمام العديد من الباحثين, حيث غطي من وجهات نظر ورؤى متباينة ومختلفة سواء البحث عن التعليم الديني وتطوراته, أو التركيبة الاجتماعية, أو التاريخ السياسي لعمان فالقاسم المشترك بين هذه البحوث أنها تجد في الإمامة جزءا من الثقافة العمانية, وعاملا مقوما في التاريخ العماني.iii وفي هذه الدراسة سنحاول المعاينة بمنظور السير في ما دونت عنه, ليتقصى البحث عن جانب آخر وهو دراسة العلاقة بين الأئمة والعلماء والعوامل المؤثرة في هذه العلاقة, ليكون إضافة لما سبق من بحوث في مجال الدراسات العمانية. إن التركيز في دراستنا لهذا الموضوع سينصب على ما دونته السير خلال عرضها للأحداث وإبراز الآراء التي تضمنتها حيث سنستند في عرض الورقة على التسلسل التاريخي وتقسيماته كما بين ا في تعريفنا لأدبيات السير العمانيةiv منذ القرن 1/8 حتى نهاية القرن 10/16, أما في استخدامنا للمراجع الأخرى سيكون لتوضيح أبعاد بعض الحوادث المحيطة بالقضايا المتعرضة إليها. فالورقة تهدف إلى مناقشة العلاقة بين الدين والدولة وتطورات هذه العلاقة وأثرها على الحياة السياسية الاجتماعية في الإقليم, كما أنها محاولة للربط بين النصوص التاريخية وتحليلها من جهة ولتقييمها كشواهد عن تفسير بعض الملامح التاريخية من جهة أخرى. لذا فالورقة ستأخذ في الاعتبار أوصاف ذوي السلطة في عمان بحسب ما تم ذكرهم في مواد السير التي تمت معاينتها.v
1 ففي القرن الذي تلي نهاية الدولة الأموية, نجح الإباضية بتأسيس إمامات الظهور القائمة على مبدأ الانتخاب في عمان واليمن وتلتهما بعد ذلك شمال إفريقية بعشر سنوات, يرجع النجاح في هذه الأقاليم إلى النشاط الممارس بالبصرة من قبل قادة ودعاة الحركة حيث اثر على هذه المناطق من قبل طلابهم ؛حملة العلم إلى الأمصار«.vi ومن خلال تقصينا في كتابات السير لم نعثر على أية مراسلات متبادلة بين المنظرين للحركة وطلابهم خلال فترة التكوين الأولى الحرجة,vii إلا أن الكدمي بين دور هؤلاء في عمان بقوله: ؛وقد صح معنا أن أهل عمان كانوا على غير دين الاستقامة, وأحسب انهم كانوا على دين الصفرية, وكان الفقهاء والعلماء يخرجون في التماس العلم إلى العراق, ويأتون يعلمون الناس ما جهلوا من دينهم, ولم يلزموا أحدا من الناس خروجا إلى البصرة«. viii لقد كان نجاح التنظيم بانتخاب العمانيين الجلندى بن مسعود كإمامهم الأول الذي قام بإنهاء السلالة الجلندانية, بالرغم من كونه فردا من أفراد هذه العائلة المخضرمة الحاكمة في عمان. فالعلماء والإمامة كمنظومة سياسيةix قد فرضتا تنظيمهما كعمل تنافسي للسلطة في عمان. يمكننا ملاحظة ذلك أولا بتمرد السلالة الجلندانية ضد قريبها الإمام الجلندى بن مسعود ومحاولة استعادة النفوذ من القوة القادمة,x ثانيا العمل النضالي لرغبة العمانيين في الاستقلال عن الدولة المركزية (الأموية والعباسية) مما دعا قادة البصرة التعجيل بإرسال مجموعة محاربة بقيادة هلال بن عطية الخراساني في محاولة لتثبيط التحالفات القبلية في حال تسببها بتمرد ضد الإمام. فسرعان ما تم الانتخاب وعقدت الإمامة حتى برزت هذه العلاقة بين العلماء والدولة, بالاتصال بالبصرة مع أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة وحاجب لتنتظم العلاقة بين مركز التنظيم والإقليم.xi لكن الإمامة لم تعمر إلا سنتين حتى قضي عليها من قبل العباسيين, وهنا بدأ يبرز العمل السياسي الديني حينما نهض شبيب بن عطية العمانيxii مستحدثا عمل »المحتسب« في الحياة الاجتماعية العمانية , وتم هذا العمل برغبته لملء الثغرة التي تلت القضاء على إمامة الجلندى بن مسعود وحتى لا يجعل من الانتكاسة العسكرية سببا إلى انتكاسة سياسية ودينية, وليعمل على إعادة ترتيب الاتصالات بالبصرة. ومن ناحية أخرى حث شبيب على إبقاء الروح السياسية-الدينية فقام في جبي الزكاة من القرى العمانية ولكنه كان يترك هذه المهمة عندما يأتي نواب السلطان xiii, فسيرة شبيب التي صدرها تعتبر من روائع الأدب السياسي العربي الكلاسيكي يعكس في خطابه العمل السياسي المنتهج نحو الثورة للحصول على دولة مستقلة من خلال إحياء الروح السياسية بين الناس بأمثلة الإباضية الأوائل. إن التمعن في مرحلة التكوين تعكس لنا العلاقة إنها بنيت على مستويات عدة أولا بين مركز حركي وإقليم, ثم انتقلت بعد قيام الإمامة لتتشكل ما بين السلطة والمركز الحركي, ومن ثم بعد انهيار الإمامة تبلورت بالعمل الديني في المحيط السياسي غير العماني أو الإباضي.
2- لهذا فان العلاقات مع مناطق الحركة الإباضية تواصلت من محور المركز بالبصرة, وبغض النظر عن المحيطات السياسية المهيمنة وبالتحديد كانت سلطة البصرة تمارس المحور الحركي بين جميع الفئات الإباضية بعد نهاية إمامة الجلندى بن مسعود ذلك ما يمكن رؤيته وملاحظته في حالة ثابت بن درهم وسدوس بن يوسف في عمان والحكم القضائي المرسل من البصرة في شأنهما, ويمكن لمس هذه العلاقة بأكثر دقه في حالة قتل عبدالعزيز الجلنداني,xiv ففاجعة الحدث بالنسبة للجلندانيين مؤلمة لقتل أحد اكبر زعمائهم إلا انهم ما لبثوا أن سلموا الأمر وقدموا دعواهم إلى إمام الإباضية في البصرة عندما لم تبت قضيتهم في عمان. فمن هذا الشأن كان كلا الطرفين (الدعاة الإباضية والجلندانيين) يتجاذبان السلطة برغم التوافق الأيديولوجي الإباضي في الرغبة إلى استقلال عمان والذي كان موجها للعمانيين نحو العمل الثوري ضد العباسيين.
فمن خلال متابعة تطور الروح الإباضية ووجودها كعقيدة في عمان خلال فترة خلو الحاكم الفعلي لعمان, فان المصادر الأخرى عادة ما تشير إلى أعمال وإنجازات »حملة العلم« في إعادة الإمامة; وذلك عندما رجع هؤلاء إلى عمان كانوا مدركين إلى الحاجة نحو القوة الأخلاقية التي تقف في دعمهم, وهي وراء مقاومتهم. ففي البدء كان كل الدعاة قد أعدوا في البصرة , لكن ما إن تأسست الإمامة حتى تمكن العلماء من تأسيس مراكزهم المحلية, وربما يعود هذا التأثير من طرف التحالفات القبلية التي بدأت بدعم حملة العلم في تأسيس أيديولوجية الإمامة وتوحيد القبائل تحت رايتها حيث يعلق ويلكنسون »دخلت الحركة الإباضية مرحلة جديدة تميزت بنضالية سياسية« xv.
فبالظهور المتجدد لرأس حملة العلم موسى بن أبي جابر خلال فترة خلو البلاد من القيادة , حيث عد سابقا من الذين عقدوا الإمامة للجلندى بن مسعود , ومن بعد ذلك اصبح أحد كبار الدعاة والعلماء في البلاد, فمؤسسة العلماء وظهورها كحيز فعلي سياسي بدأ التنازع يدب فيها بين حملة العلم الجدد الذين وصلوا من البصرة -وهم من ذوي القبائل العمانية المشهورة- وبين العمانيين الذين هاجروا إلى العراق أو غير العمانيين المرسلين من قبل علماء الإباضية بالبصرة. فالسالمي يبين لنا أنه كان هنالك شبه تصادم بين رؤوس العلماء وعدم تراض بين موسى بن أبي جابر وشبيب بن عطية.xvi لكن العمل الاستقلالي بين القبائل كان متواصلا, فالبرادي يد ون لهذه الفترة _ قبل إمامة الوارث بن كعب_ بأن العمانيين قد ثاروا من جديد بقيادة الكلندى بن الجلندى -يحتمل انه كان من سلالة الجلندانيين – ضد العباسيين, حيث إن ثورته امتدت إلى حضرموت لكنه قتل.xvii
3- بتأسيس إمامة محمد بن أبي عفان 771/397-971/597, فمن الضروري التلميح ولو بشيء مختصر عن هيكل وتركيبة الدولة العمانية, فمنذ ارتباطها بالفكر الإباضي وقبيلة الأزد بالبصرة أخذت هذه العلاقة فيما بعد طابع الاستمرارية في عمان, فمن حين لآخر تتجلى أركان هذه العلاقة بوضوح آنذاك في تكوينات الدويلات والممالك العربية, وفي تجسيماتها المكونة بين السياسة المحلية للإقليم والقبيلة, والايديولوجية المتبناة.
ولشرح هذه النمط في عمان فان الدولة مكونة بأركانها الثلاثة: قبيلة الأزد والإباضية, والسياسة الداخلية لعمان. فهذه الأركان قد صاغت وشكلت ما يشبه الهرم في التاريخ العماني. فالأيديولوجية الإباضية ساعدت فعلا في ملء الفجوة الحادثة بين العرب وسكان الأرض الآخرين الذين انجلى حكم حكامهم بمجيء الإسلام, وساعدت أيضا وضع حد للتدهور الاقتصادي خلال فترة الجلندانيين. ووفقا لذلك فويلكنسون يضيف بان الايديولوجية الإباضية قد حددت في بعض نواحيها شكل الوحدة السياسية العمانية, والتي سمحت لعمان بأن تكون دولة مستقلة بالبقاء بشكل ما لقرابة 1200 سنة.xviii
فمع نهاية القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي كان العلماء ذوي النفوذ في الإمامة قد عرفوا بمسمى »أرباب أهل الحل والعقد« حيث تمكنوا من توحيد رؤساء القبائل العمانية لإنتخاب محمد بن أبي عفان للإمامة. كان موسى بن أبي جابر قلقا لئلا يتربع منصب الإمامة أحد قادة القبائل العمانية, ذلك خوفا من أن ينشأ تنازع بين زعماء القبائل ويجبرون الإمام على اقتسام السلطة مما يترتب عليه نضوب تأثير العلماء عند عقدهم للإمامة ونفوذهم في السلطة, إضافة إلى انه قد يؤدي إلى التحالف القبلي والتحزب بين القبائل.xix فويلكنسون يعبر عن هذا الأمر بقوله: »لقد كانت السلطة اللامركزية لسلطة الإمامة أحد العوامل التي أدت إلى استمرار نشاط البناء القبلي وسط المجتمع المستقر في عمان والتي تشرح لماذا حرص القادة على البقاء في قراهم في اتصال مباشر مع مصدر قوتهم. ففاعلية هذه التركيبة في المجتمع القائم على هذه الشاكلة هو مواجهة تطور سلطة إقطاعية داخل القرى«.xx وفي هذا السياق يجب أن نذكر للتوضيح المحددات السياسة بعد عقد إمامة محمد بن أبي عفان فالهيكل التقليدي لنظام الإمامة في عمان قد وزع على عدة سلطات مختلفة أشبه ما يكون تصوره على النحو التالي : السلطة التنفيذية والتي تتمثل في الإمام, والسلطة التشريعية وهي ممثلة في علماء الدين, والسلطة العسكرية والتي ينتمي إليها الشراة.
4- فبعد سنتين تقريبا قام موسى بن أبي جابر عاقد الإمامة بتنحية محمد بن أبي عفان من منصبه, فمنشوره السياسي بين أسباب التنحية بسبب التشدد المفرط من أبي عفان بل وصف بالجبار. فأبو المؤثر يفسر الأحداث بقوله أن العلماء الذين انتخبوا محمد بن أبي عفان كانوا هم نفسهم الذين عملوا على تنحيته, وذلك أن موسى بن أبي جابر حين أعفى محمد بن عبدالله بن أبي عفان من الإمامة كان قد أعطى ولاءه في الوقت نفسه للوارث بن كعب (179/796-192/808), وقد يكون كذلك ان محمد بن أبي عفان نحي من منصب الإمامة لأنه كان من الشراة الذين تدربوا في البصرة ولم يكن عمانيا أي انه كان من العمانيين اليحمد الذين هاجروا إلى البصرة.xxi
اضافة على ما سبق,يبرر أبو الحسن البسيوي يبرر هذه النتيجة السياسية غير المسبوقة في العمل السياسي الإباضي من قبل, بأن سبب التنحية من منصب الإمامة أحد اثنين: هو إما أن يكون العلماء استخدموا ابن أبي عفان كإمام دفاع حتى تضع الحرب أوزارها أو إما انه كان قائدا للجند. لكن اكبر النجاحات التي حققها العلماء على الصعيد الثقافي والسياسي والاقتصادي لعمان هو تحويل العاصمة من صحار إلى نزوى التي عرفت بعد ذلك ب-»بيضة الإسلام« لكي يحافضوا على أمن عاصمة الإمامة وإبقاء الاتصال بين الساحل ومنطقة الداخل بعمان; وللتأكيد فان هذا الحدث هو مساعد للعلماء لأن يكونوا منظمة سياسية نشطة في التاريخ العماني بدلا من جماعة علميه معزولة في حلقاتها الخاصة. وكان إنجازهم غير المسبوق والجدير بالملاحظة في التمسك بالنفوذ السياسي حين تم الاتفاق بين العلماء بعد وفاة الإمام الوارث في تعيين خليفته غسان بن عبدالله الفجحي قبل اجتماع رؤساء العشائر لئلا يخسروا نفوذهم السلطوي.xxii
إن السير التي دونت خلال فترة إمامة غسان بن عبدالله (192/808-207/823) تبدو من عرضها إن العلماء عرفوا كمفتيين ومستشارين ووزراء, وهذا ما يمكن تفهمه من سيرة منير بن النير للإمام غسان بن عبدالله في توجيهه بالسعي نحو بسط النفوذ خارج حدود أراضى الإمامة في مسعى لتوسيع سلطة الإمام نحو ارض الهند, وحماية طرق التجارة البحرية بتشكيل قوة لردع الهنود الممارسين للقرصنة في الخليج (بوارج الهند).xxiii فالتداخلات السياسية لأجل التحكم بتجارة الخليج كان عاملا لإبراز دولة الإمامة; لقد ظل عامل الصراع حول السيطرة للطرق التجارية في الخليج محركا للسياسة العمانية, بل عده الأوربيون هو أحد الأوجه المكونة للثقافة العمانية والنفوذ للدولة العمانية واتساعها بمقدار السيطرة في هذه الطرق التجارية.xxiv
لكن الشيء اللافت للنظر الذي يجب أن ننبه عليه في هذا التتبع هو أن بعد وفاة الإمام غسان بن عبدالله في عام 207/823 لم يتم الاعتراف بخليفته حتى عام 208/824. وهذا يدل على حقيقة أمر مهم ذلك ان الدولة كانت تمر بفترة الحاكم الشرعي وكان حكم الدولة تحت سيطرة العلماء, بالرغم من أن ويلكنسون يشكك في أن الإمام غسان بن عبدالله يمكن أن يكون قد توفى سنة207/823 أو أن خليفته انتخب سنة 208/824.
5- خلف الإمامة من بعده الإمام عبدالملك بن حميد (208/824-226/841), وتم تعيينه رسميا من قبل العلماء. فهاشم بن غيلان في سيرة له أرسلها للإمام أوضح له بما يجب اتباعه نحو القدرية والمرجئة الذين استطاع دعاتهم ايجاد اتباع لايديولوجياتهم في صحار وتوام (البريمي حاليا) فالعلماء اظهروا تخوفا من العقائد الأخرى والازدهار الاقتصادي كان يتحتم إلى وجود مرونة التعامل. لكن هذا التلميح يرجع بشكل أساسي لازدهار المدن العمانية التي أصبحت عامل جذب للمذاهب الإسلامية ومأوى للاجئين الدينيين والسياسيين سواء كانوا إباضيين أو آخرين, وفي ذات الوقت مثلت الدولة مكان منعة لأن تكون مصدر حماية لهم, وتوافقت الدولة العمانية إلى الاستقلال الشبه التام مع الجيش المتكامل والقوة البحرية المنفردة. كذلك صاحبتها وصول عائلة محبوب بن الرحيل (شيخ إباضية البصرة) إلى عمان واصبح ابنه قاضيا على صحار وخلفه ابناه من بعده وتصاهروا مع عائلة موسى بن علي, حينها بدأت تطورات الأمور بإبراز العائلات العلمية الدينية لتتولى مراكز قوى في السلطة وذات نفوذ ومؤثرة على الجو السياسي العماني. لكن تطور علاقة الأئمة والعلماء في السلطة سجلتها سيرة موسى بن علي حين اتفق العلماء على عزل الإمام عبدالملك بن حميد من منصبه بسبب كبر سنه الذي جعله عاجزا عن السيطرة على شؤون البلاد. ويضيف أبو قحطان في سيرته أن عجزه كان بفقدان عقله لكبر سنه. هذه الحادثة بينت عن سلطة العلماء التي تمتعوا بها وكيفية التعامل مع الادعاءات الشرعية ضد ذوي السلطة في إبقاء الإمام أو عزله. لقد كان حدة النقاش بينهم هو كيفية إيجاد المبررات لعزل الإمام من السلطة, لكن بروز موسى بن علي المضاد لهم _ كأحد رجال أهل الحل والعقد_ اقترح عليهم بالسيطرة على الجيش وإدارة البلاد بدلا من عزل الإمام.
6- في توالي الإمامة خلف من بعده الإمام المهنا بن جيفر (226/841-247/851), تميزت شخصيته عن سابقيه من الأئمة انه كان إمام وعالم دين فالأئمة السابقون انتخبوا كسياسيين, وهذا يمكن تتبع ه بوضوح من سيرته إلى معاذ بن حرب (ينسبها البعض على أن كاتبها كان موسى بن علي) التي ناقش فيها قضايا الشرعية والفقهية والعقائدية. كان توجهه إلى إعادة هيكلة إدارة الإمامة وإعادة تشكيل القوة العسكرية في البلاد حيث استبدل ميليشيا الشراة بجيش نظامي موال للإمام: ثلاثمائة مركب وما بين ألف وثلاثمائة إلى تسعة آلاف من الخيل والجمال وعشرة آلاف العسكر, كذلك دعم الجيش بأقليات عرقية البعض منها كان من الهند أو من المناطق التي خضعت لنفوذ الإمامxxv, مما قوى دعامة السلطة التنفيذية, وهذا الإجراء كان تغييرا في الأيديولوجية الإباضية التي ترى ان الجيش ما هو إلا أداة قمع يحل ما إن تنتهي من مهامه حيث أن المتبع هو»الشعب المحارب« إذا ما دعت الحاجة. وبسبب هذه الإجراءات الدستورية كان بعض العلماء غير راضين عنه قرروا عزله وتولى زمام الأمور موسى بن علي اكثر العلماء نفوذا – رئيس أهل الحل والعقد- قال له الإمام المهنا: يا أبا علي والله لئن أطعت أهل عمان على ما يريدون لا أقام معهم إمام سنة واحدة, وليجعل لكل حين إمام ويولون غيره, ارجع إلى موضعك فما أذنت لك في الوصول ولا استأذنتني, ولا تقم بعد هذا القول«. فالإمام يتضح كأنه اتخذ الحجابة في مجلسه فمفتيه ورئيس أهل الحل والعقد لا بد له من الإذن المسبق.
يذكر أبو قحطان في سيرته أن محمد بن محبوب وبشير بن المنذر عثرا على ما ينكر في إمامة المهنا, ولكنهم لم يظهرا ذلك, فلعل ذلك بحسب ما يشير السالمي أن المهنا اتخذ أجرات (التشبه) الملك, »لا يتكلم أحد في مجلسه, …و لا يقوم أحد من أعوانه ما دام هو قاعدا حتى ينهض , .. ولا يدخل أحد من العسكر ممن يأخذ النفقة إلا بالسلاح«.
فالإمامة الأولى بعمان كانت في عصرها الذهبي وانتهت مع نهاية إمامة الصلت بن مالك الخروصي (237/851-272/688). فالتشريع الإسلامي لا يوجد حلا لمعضلة عجز الإمام وطعنه في السن; فيما إذا كان جائزا عزله من منصبه أم لا? وهذا الموضوع شبيه بنفس الموقف من الخليفة عثمان بن عفان, فالعمانيون يواجهون الموقف نفسه.
من الأفضل لنا الاسترجاع قليلا لمراجعة الخطوط السابقة في بحثنا عن تراجيديا هذه العلاقة وتطوراتها. فمن مواد السير, وعلى ما رأينا من الافتراضات السابقة فإن هذه العلاقة تبين لنا أولا أن كل أئمة عمان في فترة الإمامة الأولى معرضون للعزل من منصب الإمامة ابتداء من الجلندى بن مسعود حتى آخر الأئمة سوى كان راشد بن النظر أو عزان بن تميم. المستثنى من هذه القائمة في طوال استمرارية الإمامة هما الوارث بن كعب وغسان بن عبدالله. لقد مارس العلماء ضغوطا كمؤسسة سياسية محاولة أن تكون الممسكة بزمام أمور الدولة. كذلك كان الاتجاه السياسي نحو التعامل مع الأقاليم العمانية حيث التباين بين كلا الاتجاهين فكانت سياسة العلماء تتجه نحو اللامركزية لأجل السيطرة على الزعامات المتنازعة لكن ما أن قويت سلطة الأئمة ابتداء من الإمام غسان بن عبدالله وبشكل مكثف في زمن المهنا بن جيفر اتجهت سياسة الأئمة نحو السياسة المركزية لسيطرة على الأقاليم العمانية.
7- قبل إنهاء هذا الفصل علينا من الواجب توضيح مكانة الشراة أو السلطة العسكرية في البلاد فكما سبق أن ذكرنا إن إباضية البصرة أرسلوا مجموعة من الشراة إلى عمان للنهوض بإمامة الجلندى بن مسعود, لكن ازدياد نفوذهم برز خلال فترة الفراغ السياسي التي تلت انهيار إمامة الجلندى حيث بدأ شباب القبائل العمانية المتحمس بالعمل التطوعي للانضواء في عمل الشراة, دعموا من بعد ذلك في استلام محمد بن أبي عفان للإمامة, فاصبح نظام الشراة ذا تنظيم خاص مدع م بهؤلاء الشباب المتطوعين والملهمين بالأيديولوجية الإباضية. فسيرة أبي الحواري تصف لنا أحداث وتصرفات سعيد بن زياد رئيس الشراة خلال إمامة محمد بن أبي عفان, حيث احرق الممتلكات الخاصة بالقبائل المعارضة. فكانت الإشكالية بين علماء البصرة وعمان على سلوكيات سعيد بن زياد المنتهجة بين مؤيد ومعارض لها, فيما يبدو أن العمانيين مؤيدون له بينما قادة البصرة معارضون لسلوكياته. واستنادا إلى ابن بركة في ما ذكره عن هذا الحدث أن سعيد بن زياد سرعان ما أبعد ونفي إلى البحرين لكنه استدعي فيما بعد بأمر من الإمام غسان بن عبدالله للقيام بمهام الشراة وشؤون العسكر ثانية. وعليه من مراجعتنا لما سبق فما من شك أن الإمام محمد بن أبي عفان كان من الشراة وعزل بسبب تصرفاته وسلوكه المتشدد مما جعله عرضة للاصطدام بزعماء القبائل, وخوفا من استثارة الانشقاقات أجمع العلماء على تنحيته من منصبه. فنظام الشراة, على أية حال قد مضى في ازدياد نفوذه وتنظيمه إلى ابعد مما يتعارف عليه في الجيش غير النظامي أو التطوعي أو القيام بمهام الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فهو قد ثار على المقومات الأساسية للجيش التطوعي بصورة تامة ليبدو كقوة في هيكل سلطة الإمامة . حيث واجه الأئمة الأوائل مشكلة عويصة في الصدام على السلطة مما كان يفرض عليهم وجوب إعادة الهيكلة لنظام الشراة. فقد تجاهل الشراة أوامر الإمام الوارث بن كعب في إعطاء الأمان للقائد العباسي عيسى بن جعفر, فاقتحموا سجن صحار وقتلوا القائد العباسي في عام (189/805) الذي كان من ذوي القرابة لهارون الرشيد.
فبعد هزيمة الجيش العباسي الذي أرسل إلى عمان اصبح من الضروري السيطرة على الشراة ليكونوا تحت سلطة الدولة; فخلال إمامة غسان بن عبدالله هاجم الشراة الصقر بن محمد بن زائدة الجلنداني بالرغم من انه كان تحت حماية والي سمائل; فأبو الوضاح وقاضيه موسى بن علي كانا غير قادرين لا على حمايته ولا على إيقافهم لأنهما كانا خائفين من الشراة. تعتبر سيرة منير بن النير للإمام غسان بن عبدالله من أهم الوثائق التي تصف الشراة الأوائل حيث يقول :
»قد احتمت آراؤهم في قوة الحق وأحكام أمور الدين على ما تبين من الشراة إلى ثلاثمائة الى أربعمائة قائد من أهل الفضل والرحى والبصيرة والثقة والمعرفة والعلم والفقه والحزم والقوة , له على كل عشرة من أصحابه مؤدب من أهل الفقه يعلمهم الدين ويؤدبهم على المعروف ويسددهم عن الزيغ« ثم يصف تحولهم من بعد ذلك بقوله »نزل بأقوام تسموا بعدهم بالإسلام فاعتقدوا الشرى في غير صدق أهله, فركنوا إلى الدنيا ومال بهم الهوى إلى باطلها, ورضوا بالحياة الدنيا من الآخرة. قال الله (فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل). فباعوا الكثير الباقي بالقليل الفاني, وصغر الدين في أعينهم وهان عليهم فأهانهم الله وأنزل بهم الخزي وألبسهم شيعا وأذاق بعضهم بأس يعض«.
فالفقرة أعلاه توضح المتغيرات مع مرور الوقت في نظام الشراة وكيف أن هذه الانتقادات مقيمة للتحولات السياسية في عمان. كما إننا لا نستطيع النكران أن الشراة كانوا من دعامة العمل الثوري في استقلالية عمان عن القوى الخارجية . لكن في هذا الصدد فان الوصف السابق يوثق لنا مدى تأثير الشراة على سلطة الإمام ووصفا للتحولات السلوكية مؤدية لظهور العصبيات القبلية والميولات الشخصية في هذا الهيكل العسكري. فمحاولات الإمام المهناء للقضاء على هذا النظام واستحداث الجيش النظامي لم تستمر كثيرا فالحزم أفلت من بعده حتى اصبح الشراة من القوة متمكنين لعزل الإمام نفسه. فقد أحدثوا اضطرابا في أواخر إمامة عبدالملك بن حميد ثم أنهم شاركوا من بعد في عزل الإمام الصلت بن مالك. فالإمام الصلت بن مالك يصف هذه الأحداث في سيرة وجهها لصديقه محمد بن سنجه انه كان يأمر الشراة وكل من له علاقة بالأمر مثل الجنود للقتال ولكنهم رفضوا, وبعد ذلك أمرهم بالتقدم ولكنهم تخلفوا, مما أدى إلى ضعف في الانضباط إلى حد أن الصلت اصبح خائفا احتمال تفجر العنف بين الجنود وبين الناس; مؤدية للحرب وسفك الدماء. ويضيف في سرده للحدث إن هذا هو السبب الذي أدى به إلى الانتقال من بيت الإمامة إلى منزل ابنه شاذان دون أن يترك الإمامة.
ففرضية ويلكنسون عن الشراة »القوة العسكرية للإمام« اقرب إلى الصحة فتنظيره إلى أن العلاقة بين الإمام ومجتمعه أو الحاكم والمحكوم أشبه ما تكون بعقد إلهي مبني على أساس الدعم المتبادل, وإن من واجب المسلمين طاعة قادتهم حين الدعوة إلى القتال لأن القوة العسكرية تكون في المجتمع تحت أمرة الإمام, فليس من الواجب أن يكون له جيش نظامي أو بالفعل إن الأحرى أن يقال ليس مسموحا له أن يكون لديه. فمفهوم الجيش تميز بتعريف خاص بين العمانيين والأيديولوجية الإباضية مبررين ذلك حتى لا يكون للحاكم استبدادية بالأمر والغلبة من الطاعة المباشرة وإخضاع الشعب عن طريق الجند.
8- دخلت عمان في عام 272/885; فترة الصراعات الدينية والسياسية التي كانت سببا لانهيار الإمامة بعد الاختلافات الواسعة بين رجالات الدولة والعلماء فيما إذا كان الإمام الصلت خلع, أو أ قيل, أو استقال من الإمامة لكن عرض الآراء والأسباب المؤدية لانهيار الإمامة بشكلها الإجمالي يعرضها أبو قحطان في سيرته »كبر ونشأ« في هذه الدولة شباب وناس يتخشعون من غير ورع, يظهرون الدين ويبطنون حب الدنيا ويأكلون الدنيا بالدين«. فهذه الصراعات زحفت لتخل بالتركيبة السكانية والاجتماعية في البلاد من خلال الانشقاقات والعصبيات القبلية التي ارتبطت بهذه المتغيرات السياسية, فمن خلافات حول تنصيب الإمام, إلى إنشقاقات قبلية, ثم من بعد ذلك إلى قضايا عقائدية, ومن ثم إلى خمس حروب أهلية كبرى,; ومن حينها عاضدت القبائل النزارية الدولة العباسية بقيادة واليهم على البحرين محمد بن نور (بور, أو ثور?), إلى أن انتهت بإسقاط الدولة العمانية بأيدي العمانيين أنفسهم, كلا الأمرين الحروب الأهلية والإمامة انتهيا بمقتل الإمام عزان بن تميم في 082/588.
في خضم هذه الحوادث والصراعات المتوالية وجد العلماء (السلطة التشريعية) أنفسهم يفقدون السيطرة وينزج ون في الصراعات القبلية بدون وعي أو إدراك وهكذا كانت العلاقة السياسية أخذت في التحول لتبرم بين العلماء وقادة القبائل نحو التحالفات بين الطرفين . فالفضل بن الحواري الذي يعد من كبار العلماء كان مؤيدا بقبائل الحدان والقبائل القاطنة بشمال عمان. ومن ثم فالفضل كان م نصب ا لإمامة عبدالله بن الحواري ضد موسى بن موسى بعد خلعه راشد بن النضر, أما من حيث المبدأ فان سياسة موسى بن موسى بعد خلعه راشد بن النضر لم تتقبل من كلا الطرفين لا من الإمام راشد بن النضر ولا من الإمام عزان بن تميم وكانت نتيجة للسقوط. فالحروب الأهلية انتهت بمقتل كبار العلماء موسى بن موسى والفضل بن الحواري.
9- فاضطرابات هذه الفترة في حقيقة التأمل تعكس عن الصراع الدائر بين العلماء والأئمة وإن كانت الحقيقة سابقة إن الأئمة خلال تلك الفترة بشكل أو بآخر في صدام بين آراء العلماء وزعماء القبائل. بالرغم من سلسلة أحداث الفتنة وما نجم عنها, إلا أن العلماء في وضعي تهم ي ظهرون انقساما فيما بينهم في التنظ ير حول طبيعة وماهية الإمامة; فهي محور تتشعب حوله الآراء وتكثر فيه الاختلافات بين جميع الأيدلوجيات الإسلامية. فالاختلاف الذي نجم عن خلع الإمام الصلت بن مالك من منصب الإمامة, مما طرأ عنه انقسام حاد بين المدرسة النزوانية ذات المنهج الإصلاحي والمدرسة الرستاقية ذات الاتجاه المحافظ , فالمدرسة النزوانية سعت إلى إعادة تقييم القضايا التي أدت إلى التصدع والانهيار في دولة الإمامة عند نهاية القرن 3/9 بينما المدرسه الرستاقية سعت إلى تثبيت شرعية قبائل اليحمد من خلال إعلان البراءة ممن شارك في خلع الإمام الصلت بن مالك 272/885. أما أهم التسجيلات المعاصرة للمدرسة النزوانية لهذه الأحداث يمكن ملاحظتها في سيرة الأزهر بن محمد بن جعفر والملاحظات المعاصرة لها في سيرة أبي عبدالله محمد بن روح الكندي وأوضحها سيرة أبو عبدالله نبهان بن عثمان الذي كان أحد المقيضين لإمامة أبي القاسم سعيد بن عبدالله الرحيلي. لكن تطور التنظير الأيديولوجي تبلور بوضوح مع الطبقة الثالثة لكلا المدرستين ليصبح ذا طابع دوغمائي مع أبي عبدالله محمد بن بركه وتلميذه أبي الحسن البسيوي ممثلي المدرسة الرستاقية, وأبي سعيد الكدمي ممثل المدرسة النزوانية, فهم بالنسبة للتشريع الفقهي يعدون من الركائز الأصولية لمدرسة المشارقة الإباضية.
10- فالأصطخري وابن حوقل يذكران الحوادث التي تلت انهيار دولة الإمامة العمانية على يد العباسيين بان الشراة العمانيين زحفوا إلى نحو جبال داخلية عمان حيث استطاعوا إعادة نصب أئمتهم في نزوى. فمغزى العلماء تمثل بمنظور الحفاظ والبقاء على الأيدلوجي الإمامة لأجل النهوض بالفكر العقدي الإباضي ولذا كانوا على استعداد للقيام بمهام التجديد والتوسع للخروج من النطاق الدوغمائي والجدل الكلامي إلى السياسة المرنة. حيث الاتجاه البرجماتي لتحويل الإمامة من الظهور إلى ما يسمى بإمامة الدفاع. وكان القاسم المشترك بين كلا المدرستين التوحد للعمل بكل الوسائل لإخراج القوى الخارجية غير العمانية وإنهاض الإمامة. فأبو الحواري في سيرته يذكر بان العمانيين ما ان خرج محمد بن نور من البلاد حتى ثاروا من جديد بالداخل واستطاعوا قتل واليه أو القائم بأمره وكان يدعى بحيرة, وعليه فان أبا قحطان وأبا عبدالله محمد بن روح يعرضان قائمه مهمة بالأئمة الذين توالوا من بعد خلال الأربعين سنة التي تلت انهيار الإمامة الأولى بعمان. فالعلماء عقدوا الإمامة لراشد بن النضر مرتين, عزان بن تميم, الصلت بن القاسم الخروصي مرتين, الحواري بن عبدالله, عبدالله بن محمد الحداني المعروف بأبي سعيد القرمطي, ثم جاء من بعد ذلك محمد بن الحسن الخروصي الذي عقدت له الإمامة عام 280/893 لكن سرعان ما عزل من الإمامة ثم تعاقب من بعده الحواري بن مطرف الحداني مرتين , عمر بن محمد بن مطرف الحداني, محمد بن يزيد , الحكم بن المعلاء مرتين, عزان الهزبر. بالرغم من أهمية هذه القائمة إلا إنها لم تكن متسلسلة تاريخيا ولكن محمد بن روح يعلق بقوله »إن العمانيين عقدوا الإمامة على ثمانية أئمة من بعد محمد بن الحسن البعض كانوا على الشراء والبعض الآخر كانوا على الدفاع«.
فأبو المؤثر في هذا السياق يوضح انه لا يدري ما إذا كان هؤلاء الأئمة المذكورون في المقتطف السابق لا يعدون أئمة عدول أم لا, ولا نحن لدينا أي دليل ما إذا كانت إماماهم قد دعمت من أي المدرستين النزوانية أو الرستاقية, لكن في ما يبدو لي انهم كانوا مدعمين من قبل المدرسة النزوانية اكثر من المدرسة الرستاقية, بسبب أن اكثر السير المصدرة من المدرسة الرستاقية إما تتجاهلهم أو تجرح في تزكية البعض منهم . ولذا أبو المؤثر في سيرته إلى محمد بن جعفر ساءله لماذا أذن للإمام عزان بن الهزبر أن يكون عنده الأمر ما إذا رغب في الجهاد أو القعود, فبما انه إمام شاري يجب عليه أن لا ينخذل في القتال .
من انعكاسات هذه الأحداث خلال الفترة المضطربة في بداية القرن 3/9 كان الحدث المفاجئ في الإمامة ان الإمام عبدالله بن محمد الحداني (أبو سعيد القرمطي) انتسب للقرامطة وكان سببا لخلعه من قبل العلماء واضطراب في وضعية الإمامة لإيجاد صيغة التوازن في محيط القوى المتداخلة في الإقليم آنذاك .كما أن راشد بن النضر عمل في جبي الزكاة عن مدينة الرستاق للعباسيين أو القرامطة بحسب ما ينتقده أبو المؤثر في سلوكياته بعد عزله من الإمامة.
11- في عام 320/939 توحد العمانيون بقيادة الإمام أبي القاسم سعيد بن عبدالله المدعم من كلا المدرستين اللتين توحدتا خلال فترة حكمه. طبيعيا في هذا الأمر إن أحياء الإمامة باتفاق العلماء واتحادهم مع زعماء القبائل خفف من حدة التشدد المتبناة من المدرسة الرستاقية لتغير من آرائها, وأوجدوا توحدا عمليا وليس تنظيريا; وكلا الطرفين محتفظا بآرائه, مما أعلى من شأن الإمام أبي القاسم برغم أن فترته لم يكن منها من التنظيمات الإدارية أو التوسعات الإقليمية لكن أهميته إعادة روح المقاومة الممزوج بروح العقيدة الدينية.
يلاحظ من جملة الكتابات والتدوينات في هذه الفترة أن العلماء طوروا استخدام مفهوم ( الجبابرة) أو حاكم الجور لوصف القوى الخارجية غير العمانية, وإطلاقه بلا شك كان ذا مغزى محاولين إضعاف شعبيتها في عدم تقبل العمانيين لسلطاتها وليشكلوا من مقاومتهم ضدها كعرقية إقليمية, حيث مث ل العلماء كمحرك من خلف ايديولوجية الإمامة لتوحيد العمانيين خلال هذه الفترة بأكملها, فأبو المؤثر يبرز المثال على ذلك بأن اصدر أوامره بحرق بيوت الذين يتعاونون مع القرامطة وبرر على ذلك حين سئل قال حتى لا يعودوا إليها ثانية.
على ما سبق تفحصه من كتابات السير فان أبا الحسن البسيوي دون عن التصادم المتناول في دعم الأئمة من كلا المدرستين وذلك في فتواه عن الإمام حفص بن راشد وحربه مع القائد البويهي المطهر بن عبدالله عندما عقدت عليه الإمامة للمرة الثانية. فالسالمي يخلص من فحوى خطاب البسيوي في هذا الشأن على ان الإمام ربما كانت لديه مشاحنات مع المدرسة الرستاقية بسبب منهجهم الدوغمائي المتشدد حول راشد بن النضر وموسى بن موسى, وعلى ما نهجه والده في إخراج منشوره الشهير في محاولته سد الخلاف القائم. إذا كانت خلاصة السالمي تعبر عن حقيقة الأمر دقيقة فان سلطة الإمامة لازالت تعاني لتزكية شرعيتها من قبل العلماء وتقبل الناس إليها بمدى دعم العلماء إليها.
12- في عام 407 /1016 استطاع العمانيون إحياء إمامة الظهور بالرغم من المقارنة غير المتوازنة بين الإمامة الأولى والثانية من حيث عدم قدرة الإمامة الثانية إعادة القوة الإقليمية لعمان والنفوذ البحري, اللذين تميزتا به الإمامة الأولى. لكن جوهرية دور العلماء جعل منهم يدركون بوعي إلى متطلب الدولة البرجماتية بوجوب إقامة تعاون مرن مع زعماء القبائل لأجل الحفاظ على إيديولوجيتهم, فالمقاومة الشعبية لا يمكن لها أن تستمر بدون التعاون هؤلاء الزعماء, ولو كان هؤلاء الزعماء والشيوخ ممن ارتكب الكبائر. فأبو عيسى السري في سيرته يبرر هذا العمل بقوله إن الإمامة في حاجة إلى من يقوم بها ممن حاز القوة والزعامة والمال ولو كان ارتكب إثما كبيرا فعلى العلماء ان يأتوا ممن اختاروه لمنصب الإمامة ويسألوه التوبة فان تاب عقدت عليه الإمامة, وبرهن أبو عيسى بالمثال على هذا من خلال عرضه كيف نصب العلماء الإمام الخليل بن شاذان, فهذه السياسة البرجماتية خلقت تطورا في التفكير السياسي العماني, ومن جانب آخر دعت الضرورة تطوير أيديولوجية الإمامة, فهذا المنهج هو بمثابة معرفة التركيبة الاجتماعية العمانية وعلاقة القوه الداخلية بالايديولوجية الدينية المتحكمة فيها, فمن هذا المنحنى كان كلا الطرفين الزعامات القبلية المسيطرة والقوى الدينية في حاجة إلى إيجاد صيغة كيفية القيام بشؤون البلاد وأعباء السلطة.
فمن حيث الرؤية الأولى في دراسة السير المعروضة وكتاباتها الأدبية خلال هذه المرحلة في فترة الإمامة, تبرز لنا محاولات العلماء في إعادة صياغة مهمة القيام بمسؤولية الإمامة وسياساتها لتكون مقننه بمنظور أيديولوجي وتشريع عقدي شرعي لفهم التطورات والتداخلات السياسية السريعة. وهذه الكتابات المتتابعة في السير ,نحو ؛في التوحيد والإمامة كيف هي?« لأبي عيسى السري, في الفرق بين الإمام العالم وغير العالم , وسكتاب الإمامة, ولكن ارقاها أفضلها ويلحظ في كتاب المصنف لأبي بكر الكندي فالقائمة السابقة من الأعمال لا يستطيع نكران مؤلفيها انهم كانوا من المدرسة الرستاقية أو من ذوي الميول إليها, الذين أصبحت كتاباتهم ومصنفاتهم الأكثر تأثيرا وشهرة في الوسط الاجتماعي والشعبي. فالتقصي لهذه المواد يتبين لنا أن الشرعية السياسية في وجودية الإمام من بعد إمامة راشد بن سعيد اليحمدي أن لابد من تزكيتها من قبل العلماء الذين تشبثوا للقيام بمهام الحاكمية المش رعة للبلاد; ولتوضيح إمام العدل من إمام الجور.
فالعلاقة بين الأئمة والعلماء في الفترة اللاحقة للإمامة الثانية تبرز لنا الخلل والاضطرابات المتعمقة في هذه العلاقة , ولتدليل على هذا يمكن إيجادها بالأمثلة :-
1- ففي سيرة الإمام راشد بن علي التي كانت أشبه بمنشور سياسي عام يحمل الخطاب الرسمي للإمام بالبراءة من أعمال وأخلاقية قاضي الدولة نجاد بن موسى , حيث ض م ن المنشور تصديق العلماء بقبول توبة الإمام مع التصديق على البراءة من القاضي .
2- فالحدث المبرهن أعلاه يمكن أن يوضح العلاقة الغير مستقرة بين العلماء أنفسهم ذوي النفوذ في الإمامة والحكم , والانقسام الذي تولد عنه معارضة للإمام . فالسالمي معلقا لهذا الحدث بقوله:- ؛الرستاقية فتصاعد التصادم بين العلماء نجم عنه تقسيما مستحدثا بين العلماء:- علماء الجوف في الداخل الذين يحاولون تقديم من يرونه إماما لهم, والعلماء الآخرون الذين توحدوا مع الإمام راشد بن علي. مما أدى أخيرا إلى محاربة الإمام لموسى بن نجاد الذي قتل في عام 496/1119. لقد كانت هذه التتابعات في الأحداث أظهرت قتل عالم دين من ذوي المكانة والقاتل هو الإمام, مذكرة بأحداث الفتنه الكبرى الواقعة عام 275-2805-.
2-تظهر تحليلات السير لهذه الفترة بوجود الأئمة المتعددين في المصر الواحد الحاكمين لأقاليم مختلفة داخل القطر. فأبو الحسن البسيوي يناقش هذا الموضوع المستحدث ما إذا كان هنالك إمامان في مصر واحد ممثلا بذلك عن إمام بتوام والآخر بصحار. فالمنظور الإباضي للدولة الذي كان يوجب بوجود إمام واحد في المصر بدأ في التغير ويأخذ في الحسبان الوضع السياسي المستجد.
3- عقد الإمامة كان معتمدا إلى حد كثير على المدرسة المنتسب إليها, فاستعراض السير تبين لنا هذا التأثير الواقع بين الميول الممارسة على الواقع السياسي آنذاك والمثال على ذلك أبو الحسن البسيوي في سيرته عن حفص بن راشد, وكذلك سيرة أبي بكر احمد بن عمر المنحي . أما المثال الثالث والأوضح فهو الذي دونته لنا السير لمتأخري المدرستين بين الشيخ احمد بن محمد بن صالح النزواني وتلميذه أبي بكر الكندي حين رفض أهل سعال من نزوى الاعتراف بشرعية الإمام ( المنتسب للمدرسة الرستاقية) محمد بن أبي غسان, فقد كان كلاهما متباينين كل منفردا بآرائه; فالشيخ ذو ميول إلى المدرسة النزوانية بينما تلميذه كان من أعمدة المدرسة الرستاقية المتأخرة. والزيادة على هذه الأمثلة فهو الدعم الداخلي من أهل غطفان في الباطنة للإمام في تحركه ضد الثائرين.
فمن الأجدر في خلال هذا العرض الإشارة إلى التفاعلات في هذه العلاقة بين كلا الطرفين فالميزة خلال هذه الفترة ظهور بعض كبار العلماء ممن تبوأ الزعامة القبلية أو مساندين بزعماء القبائل وكان لهم نفوذ في البناء العام للإمامة. فمداراة العلماء ذوي الزعامة القبلية تواجه متطلبات اكثر صعوبة للإمامة وسلطتها, لقدرة الزعامة الدينية _القبلية في جلب التحالفات القبلية وانضوائها تحت قيادتها.
فعلى سبيل المثال كعائلة نجاد بن موسى وأحفاد الإمام الصلت بن مالك (المعروفين بـ »الصلوت« وتزعموا على قبائل اليحمد), اصبح لها الغلبة في الزعامات الدينية -القبلية آنذاك. كذلك إذا دققنا في السير لوجدنا التطورات السياسية تداخلت بين الزعامات القبلية والمدارس الدينية (الرستاقية والنزوانية), فتنصيب الإمام لابد من موافقة القوى المسيطرة ذات النفوذ (علماء الدين – زعماء القبائل – الشراة). على كل حال هذه الفترة إن تصرفات الإمام راشد بن علي كانت مؤدية إلى انشقاق داخلي في المدرسة الرستاقية وفي نفس الفترة كان يوجد إمام آخر م نص با بحسب الافتراضات التاريخية, وتقييم الفترة يتضح الاحتمال الراجح انه كان الإمام محمد بن أبي غسان الذي كان هو نفسه معاصرا للامام محمد بن خنبش.
هذه الأحداث كانت آخر مطافها في هذه الصدامات عند آخر فتراتها في عام 975/3811 بين الإمام موسى بن أبي المعالي ومحمد بن مالك بن شاذان (الذي كان قائد اليحمد) هذا الحدث كان سببا للانشقاق بين قوى الإمامة والمدرسة (الحزب الداعم) وما بين زعماء القبائل فويلكنسون والبطاشي يجعلان الظن أن محمد بن مالك بن شاذان كان إماما أو انه هو نفسه محمد بن أبي غسان ومن المحتمل انه كان آخر الأئمة في تلك الفترة . فإذا كان تلميح هذين المؤرخين صحيحا فمن الصعب قبول علينا الصحيح وهو أن الإمامين تحاربا وقتل أحدهما الأخر.
فالصورة الموضحة لهذه التراجيديا السياسية أن عمان كانت تقع في مأزق الاضطرابات السياسية مزجة بها في نظام إقطاعي متحكم به من قبل الأئمة وزعماء القبائل في حين كانت الإمامة العمانية الثانية تشرف على الانتهاء.
ربما من الأنسب الوقوف هنا قليلا لمراجعة ما سبق طرحه خصوصا وقد جاء مليئا بجملة من الافتراضات . يمكننا هنا أن نستخلص من هذه الصراعات بين الأئمة والعلماء بنقاط, أولا من الصراع بين راشد بن علي ونجاد بن موسى وثانيا الحرب بين أبي المعالي موسى بن نجاد ومحمد بن مالك; حيث كانت قبائل اليحمد تحاول التوحد فيما بينها تحت بني خروص فيما يشبه التحالف لتكوين حاكمية الدولة من نطاق التزعم القبلي فيما كانت قبائل العتيك تبرز لتأخذ مكانة التسيد في خلال هذه التحالفات. فالتغيرات تبرز لنا بوضوح التحولات السياسية للزعامات القبلية من اليحمد إلى أزد العتيك بارزة في القيادة النبهانية, لقد كانت هذه التراجيديا بمثابة الصورة التي تفسر لنا عن مرحلة سابقه في التغير من حيث أن انتهت بانتزاع القيادة من قبل عن الجلندانيين. لقد كان مشهدا مهما في تصور التحولات القيادية لزعامات القبلية منذ وصول مالك بن فهم وكيفية انضواء القبائل تحت زعامته وثم من بعد لبني الجلندى. أما بالنسبة للنباهنة فما من دليل حتى الآن يمكن الاعتماد عليه أو اتخاذه برهانا ودليلا يتبنى ليوضح نشوء هذه الدولة لكن الافتراضات الأولية تفسر بأن ظهورها بدء مع نشوء النظام الإقطاعي في المنتصف الثاني للقرن الخامس/ الحادي عشر وتطورت تدريجيا بجذب القبائل إلى تحالفات نحو الزعامة الحاكمة.
في الخمسة قرون التي تلت; تسيد النباهنة كزعامة مطلقه للحكم في البلاد, وإن كان علينا أن نعي الحقيقة أن النباهنة عند نشوء دولتهم كانوا عائلات وسلالات متعددة تحكم ع مان. وهذا التشويش في المعلومات يرجع سببه إلى الفجوة التاريخية المضطربة في تقصي الحقائق عن هذه الدولة تمتد إلى ما يقارب 250 عاما من حيث ضعف الأدلة المستند إليها في شرح كيفية حكمهم لعمان أو بمعنى بأية صورة كانوا يحكمون عمان. لكن الفترة النبهانية لها من الميزة الموضوعية في نهج مستجد من العلاقة بين السلطة الدينية (التشريعية) والسلطة الحاكمة (التنفيذية) بين علماء الدين وذوي السلطة , فقد واجه العلماء عائلة حاكمة ذات السمة الإباضية والجذور العربية العمانية, لقد كانت هذه المواجهة الصعبة للعلماء لم يواجهها لقرون عدة منذ الجلندانيين.
مبدئيا لقد واجه العلماء إمارات عمانية عدة لكن جميعها لم يكن ليدعي ببسط النفوذ الكامل أو السيادة التامة على البلاد, وحتى اليحمد الذين برز من سلالتهم أمراء خصوصا من سلسلة الإمام الصلت بن مالك لم تخيل إليهم بإنشاء مملكة تقوم على العائلة الحاكمة الوراثية الطابع فالنفوذ انحصر كأمراء اقطاعيين او زعماء قبائل.
فالتتبع للتطورات التاريخية في عمان خلال هذه الفترة يسهل تشبيهها بالحقبة التاريخية المشوشة (فمايلز يذكر عن فترة التحولات ما بين القرنين; فترة نهاية القرن 6/12 وبداية القرن7/13; انه لم يجد خلال أربعين عاما أية إمامة خلال حكم النباهنة لكن على ما يبدو لنا انه ما يقارب القرنين ونصف لم يكن هنالك نهوض سياسي أو علمي من قبل أهل الحل والعقد لذلك كثيرا ما يشير المؤرخون إلى هذه الفترة بعصور الظلام العمانية). فالمصادر التاريخية لا تظهر أية إمام ما بين 579/1183-809/1406 حين استطاع العلماء عقد الإمامة لمالك بن الحواري أو (الحواري بن مالك); اضافة الى ذلك انه من المتعسر تفصيل أبعاد السلطة وتنظيماتها الإدارية في الدولة النبهانية لكن الاحتمال الوارد بأن النباهنة كانوا يمارسون السلطة كنظام إقطاعي فمن حين لآخر نجح العلماء في عقد إمامات تحكم في داخلية عمان.
فمن استقراء هذه الخلفية التاريخية نستطيع نوضح اوجها من هذه العلاقة بين العلماء والدولة النبهانية, فتوجهات السير في مواضيعها تدون عن القضايا السياسية. فعلى سبيل المثال أبو محمد بن سليمان بن مفرج كبير العلماء وقاضي قضاة الإمام عمر بن الخطاب الخروصي اصدر سيرة ( عبارة منشور) عام 887/ 1428 بتأميم أموال عائلة النباهنة باعتبارهم جبابرة لأخذهم أموال الناس قسرا. تبعت هذه الأحداث في عام 917/1511 بإصدار الإمام محمد بن إسماعيل منشورا بمصادرة أموال بني نبهان, وكانت الاعتبارات تتشابه في مغزاها بل تعددت فيما بعد لتتضمن أموال الموالين لهم من بني رواحة حين أعانوا السلطان سليمان بن سليمان ومظفر بن سليمان في حربهم ضد الإمام سنة 909/1503 . فمحفوظات السير تضمنتا معلومات مهمة ليس فقط عن علاقة العلماء بالسلطة بل تعدتها لتحفظ لنا العلاقة مع القبائل وزعمائها .
من محفوظات هذه الكتابات على سبيل المثال سيرة من بعض العلماء تدعم الإمام أبو الحسن خميس بن عامر 839/1437-846/1443 ضد بني الصلت الخروصيين. كذلك أحيانا تدون الإنشقاقات في مؤسسة العلماء أنفسهم كابن مداد نشر سيرته التي حمل فيها على البراءة من الإمام محمد بن إسماعيل (906/1500-942/1535) وابنه من بعده بركات (942/1535) مما دعا بعض العلماء المعاصرين له أن ينقضوا هذه البراءة وما ورد منها مما كان تصدعا بين العلماء أنفسهم, احدث بعد ذلك انشقاقات فكل جماعة من العلماء تنشد إلى عقد إمامة إمامهم, إلى أن انتهت بحرب قلعة بهلا بين الإمام بركات بن محمد بن إسماعيل والإمام عبدالله بن محمد بن القرن في عام 967/1560.
لكن مع بداية القرن 11/17 بدأ معه الحقبة المستجدة في تاريخ عمان الحديث, بل ما يسمى التاريخ المعاصر لإقليم الخليج حيث بدأ التوحد بين القبائل من جديد يظهر في عمان كتفاعل وطني بعيد عن الاضطراب السياسي الذي ظل قرونا, حين عقدت مجموعة من العلماء اجتماعا في داخل عمان على تنصيب الإمام ناصر بن مرشد اليعربي إماما , حيث استطاعت المدرسة النزوانية أن تتطور تدريجيا لتزدهر في مدينة الرستاق لتزيل المدرسة الرستاقية.
(الدراسة قدمت كورقة للمؤتمر السنوي للجمعية البريطانية للدراسات الشرق أوسطية, أدنبرة, يوليو2001).
الهوامش :
i في هذا المبحث يمكن الرجوع الى:
in International Journal of Middle East Studies, v. 6 (1975), p. 363-385. "UThe Separation of the state and Religion in the Development of Early Islamic Society"T s Caliph: Religious authority in the first century of Islam (Cambridge, 1986); I. Lapidus,"UPatricia Crone and Martin Hinds, God
ii في رأي هاملتون جب انه لا يوجد من الأساس مصطلح »الدولة« في الفكر العربي إجمالا. فحتى ابن خلدون في تعريفه للدولة فان مفهومه يرتكز على الممالك نحو الدولة الاموية والدولة العباسية
in Journal of Islamic Studies, v. 68, (1988), p. 107-127; J. B. Kelly, Sultanate and Imamate in Oman, (Oxford, 1959). "UReligion and Political structure: Remarks on Ib?dite in Oman and the Mazb (Algeria)"T in Oman: Economic, Social and Strategic Development (Croom Helm, 1987), (ed. B. R. Pridham, p. 1-16; Thomas Bierschenck, "Us Odyssey: From Imamate to Sultanate"UOman"T in Journal of Oman Studies, v. 6 (1983), p. 163-172; J. C. Wilkinson, The Origins of the Omani State, p. 67-88; J. E. Peterson, "UReligious Knowledge in Inner Oman"T in Annali Istituto Orientale di Napoli, v. 3 (1949), p. 245-282; Wilkinson, Water and Tribal Settlement in South-East Arabia, p. 138; Dale Eickelman, "T Omân"T "UImamate Ib?diteta dell "UL"T iii Laura Veccia Vaglieri,
iv عبدالرحمن السالمي, مجلة نزوى,
v بالنسبة لنظرية ويلكنسون (1987) ان الإمامة العمانية هي تفاعل اجتماعي وقبلي اكثر من تنظير ومنهج شرعي; فهو يجعل من تقاليد والعلاقة بين الأئمة والعلماء تكونت طبيعيا من التركيبة الاجتماعية والتأثير الجغرافي والجيولوجي العماني, بمعنى آخر يضعها في حيز الثقافة السياسية من كونها مبدأ دينيا, انظر بتوسع في شرحه لخلاصة نظريته.
Wilkinson, The Imamate Tradition of Oman, p. 205-212
in Studies on the First century of Islamic Society (Carbondale, 1982), (ed. G. H. A. Juynboll, p. 125-148. "UThe Early Development of the Ib?dite Movement in Basra"T vi Encyclopedia of Islam: art; Ib?diyyah. Wilkinson, J.
vii عثر مؤخرا على مراسلات للإمام جابر بن زيد مع بعض معاصريه: فرحات الجعبيري, تحليل رسائل الإمام جابر بن زيد تمهيدا لتحقيقها, وحدة الدراسات العمانية_ جامعة آل البيت. إبريل, 2001.
viii أبو سعيد الكدمي, الاستقامة, 2: 91
ix لا يوجد في عمان مؤسسة دينية ولكن المسمى الاستعاري هنا يطلق عليهم نظرا للعمل الجماعي والايديولوجية المشتركة في العمل السياسي.
in Journal of Oman Studies, v. i (1976), p. 97-108 ,"UThe Juland? of Oman"T x J. C. Wilkinson,
xi السير والجوابات, 1: 281. وزارة التراث القومي والثقافة, مسقط, 1989.
xii لقد ظل كثير من الناس في شكوك حول شخصية شبيب حتى أن البرادي يعتبره صفريا, لكن علماء عمان يرفضون ذلك. البرادي, رسالة في كتب أصحابنا, 54
xiii نورالدين السالمي, تحفة الأعيان, 1: 106
xiv نورالدين السالمي, تحفة الأعيان, 1: 102
xv Wilkinson, J. The Julanda of Oman, in Journal of Oman Studies, I (1975), 97-108.
xvi نورالدين السالمي, تحفة الأعيان, 1: 105
xvii البرادي, الجواهر المنتقاة, 170.
xviii Wilkinson, The Origins of the Omani State, p. 69.
xix السير والجوابات, 1: 115.
xx Wilkinson, J. The origins of the Omani state, in D. Hopwood (ed), The Arabian Peninsula: Society and Politics, London, 1972, 67-89.
xxi نورالدين عبدالله بن حميد السالمي, تحفة الأعيان, 111.
xxii نورالدين عبدالله بن حميد السالمي, تحفة الأعيان, 1: 122
xxiii المسعودي ينسب هذا العمل للخليفة العباسي المتوكل المعاصر للإمام انظر: التنبيه والاشراف, بتحقيق ج دوجيه, 355, لايدن 1976.
P.2. ,"Us Odyssey: From Imamate to Sultanate"UOman"T xxiv Wilkinson, the origin of Omani state; Peterson, . Peterson,
xxv نورالدين عبدالله بن حميد السالمي, تحفة الأعيان, 1 : 150
Wilkinson. The origins. P.77
نور الدين السالمي. تحفة الأعيان,122:1
Wilkinson, The Imamate Tradition of Oman , p.10
السير والجوابات, 116:1
Crone and Zimmerman. The Epistle of b. Dhakw?n. Appendices p.8&9
نور الدين السالمي . تحفة الأعيان,107:1 ;
Wilkinson. The Imamate Tradition of Oman p.153 &159
Ibid .p151:1
السير والجوابات .117:1
Wilkinson, The Early Sources of Omani History ,p 54
نور الدين السالمي. تحفة الأعيان; الجلندى بن مسعود(93:1),محمد بن أبي عفان (111:1), عبدالملك بن حميد (134:1),المهنا بن جيفر(151:1), والصلت بن مالك (195:1),و أيضا إمامة راشد بن النظر وعزان بن تميم
Wilkinson. The Origins p.54
أبو الحواري. السير والجوابات ,341:1
السالمي يبرر ذلك أن الامام غسان بن عبدالله لم يكن منه إنكار على من قتله, وكانت تلك الأيام صدر الدولة وقوتها وجمة العلماء , فيحتمل سكوت الإمام أحد وجهين : إما أن يكون قد صح أن صقرا بايع عليه واستوجب بذلك القتل , فاسر إلى بعض الشراة أن يقتله , ولم تشهر هو بقتله كي لا تكون عصبية . وإما أن يكون قد احتمل للقاتل معه أن يكون قد قتله بحق علمه , كما احتملوا ذلك في قتل عيسى بن جعفر ,وإما خوف موسى على نفسه لو أنكر , فلم يتحقق ذلك , وإنما هو نفس خوف وظن , لما رأى من الشدة في الشراة انظر تحفة الأعيان 124:1
ابن حوقل . صورة الأرض ,38 ; الاصطخري . المسالك والممالك.26
نور الدين السالمي. تحفة الأعيان,266:1 ;Sirhan .Annals.p.23; ابن رزيق الإمام والسادة.26
السير والجوابات. 036:1
نور الدين السالمي . تحفة الأعيان ,312:1
نور الدين السالمي.تحفة الأعيان,321:1
نور الدين السالمي. تحفة الأعيان ,322:1
نور الدين السالمي . تحفة الأعيان, 336:1 ; السالمي ذكر ثلاثة أئمة في فترة الإمامة الثانية لم يكونوا معروفين وهم : عامر بن راشد بن الوليد الخروصي الذي بويع عام 476/1083 والثاني الإمام محمد بن غسان بن عبدالله الخروصي الذي استمرت إمامته ثماني سنوات ونصف. والثالث هو الخليل بن عبدالله بن عمر بن محمد بن الخليل بن شاذان
البطاشي. الاتحاف.390:1
See further about the Nabhani dynasty : Wilkinson.
The Imamate Tradition of Oman .p. 212-218
The Omani and Ibadite background to the Kilwa sira: the demise of Oman
Wilkinson . as a political and religious force
عبدالرحمن السالمي كاتب من سلطنة عمان