قارسا كان شتاء هذه السنة ، فقد ضمر الناس وصغروا ، الا الذين ندثروا بالفراء .
لدى ريتشارد قاضي المقاطعة فروة كبيرة ، اقترضها في الأغلب لتناسب وظيفته الادارية الجديدة ، فقد عين رئيسا لشركة حديثة المعهد، أما صديقه القديم الدكتور هينك ، فما من فروة لديه ، عوضا عنها ، لديه زوجة جميلة وثلاثة أطفال .
كان الدكتور هينك نحيفا وشاحبا، فبعض الناس يسمنون على الزواج ، وأخرون يضعفون ، وهكذا كان الدكتور هينك ضامرا نحيفا في عيد الميلاد.
قال الدكتور هينك لنفسه :
– سيئة علي هذه السنة .
وفي الساعة الثالثة عصر يوم الميلاد، كان في طريقا الى صديقا القديم جون ريتشارد ليقترض مالا.
– "كانت هذه السنة من أسوأ السنوات ، فصحتي معتلة "متقلبة ان لم أقل مدمرة ، أما مرضاي فقد صحوا، اجمالا وقلما أراهم الآن ، وقد أموت قريبا جدا، وهذا ما تعتقده زوجتي أيضا، فقد
أدركت منها ما يدل على ذلك ، بأية حال ، فان هذا التمني، كان بسبب ما حدث في نهاية شهر كانون الثاني، حيث كان لابد من دفع قسط التأمين الغضيب ".
عندما وصل الى هذه النقطة من سحابة تفكيره، وجد نفسه في القرنة بين شارعي الحكومة والمرفأ، وحين هم بعبور تقاطع الشارعين ، كي يستمر في النزول الى شارع الحكومة ، عثر
عثرته بمنزلق أملس فسقط على الفور على قفاه ، في ذات الوقت مرت عربة على عجل فارتد الموذي ومال الحصان بالغريزة الى الجهة المقابلة ، فأصيب الدكتور هينك بضربة في مؤخر كتفه من جهة كاشحه ، علاوة على ذلك ، أحدث برغي أو مسمار أو أشبه ذلك ،خرقا كبيرا في معطفه ، فتجمع الناس حوله ، أوقفه الشرطي على قدميه .. مسحت فتاة عنه الثلج ، عكفت إحدى العجائز تسوي خرق معطفه ما استطاعت وكأنها تحاول رتقه ، ثم مر عليه بالصدفة أحد أمراء العائلة الملكية ، فالتقط قلنسوته ووضعها على رأسه ، وهكذا كان كل شيء على ما يرام إلا معطفه الممزق .
وما إن وصل إلى مكتب ريتشارد قاضي المقاطعة ، حتى بادره :
– اللعنة .. أهذه حالك !
– قال هينك :
– نعم .. زلقت فدهست .
ضحك ريتشارد بلطف .
– هذا حالك إذن ؟ لكن كيف ستعود الى البيت على هذه الحال ؟
بامكانك استعارة فروتي، سأرسل صبيا الى البيت ليأتي بها .
رد الدكتور هينك :
– شكرا.
– وبعد أن استدان المائة كرونة التي يحتاجها همس قائلا:
– تفضل على الغداء.
– كان ريتشارد أعزب ، ومن عادته الحضور في العيد الى هينك .
في عودته الى البيت ، كان هينك يبدو في صحة جيدة ، بأفضل مما كان منذ وقت طويل .
وأخذ يحدث نفسه :
"كل هذا بسبب الفروة ، لو كنت عاقلا، كان علي أن أحصل على فروة بالتقسيط ، بها كان بإمكاني أن أقوي من ثقتي بنفسي، وأكسب احترام الناس ، لا يشرف امرئ أكثر من دكتور بفروة ، أفضل بكثير من أن يكون الدكتور بمعطف عادي بعراه البالية .
يزعجني أني لم أفكر في مثل هذا من قبل .. الأن ، صار الوقت متأخرا.
وبدأت تثلج من جديد، ولم يتعرف اليه ثانية معارفه الذين قابلوه ".
استمر هينك يحادث نفسه :
– "على فكرة ، من يدري أن الوقت صار متأخرا الى الآن لم أهرم ، ولربما كنت مخطئا في شأن صحتي، إني فقير كثعلب صغير في غابة . وكان أيضا هذا هو حال ريتشارد منذ أمد قصير. لكن الزوجة كانت باردة على غير المعتاد في الأيام الأخيرة ، كان يجب أن تحبني من جديد، لو كان بإمكاني تحصيل مال كثير وفير، ولو تمكنت من امتلاك فروة ، فقد بدا لي كأنها تهوي جون منذ حصوله علي فروة أكثر من زي قبل . صدقا أنها كانت تضن عليه بحبها وهي صبية ، لكنه لم يكن ليعبأ بها. فقد قال لها ولكل الناس أنه لن يتزوج بأقل من عشرة آلاف سنويا ، لكني قبلت ، فقد كانت غيلين فتاة فقيرة وتريد الزواج . لا أعتقد أنها كانت تحبني لو اني أغويتها لو أردت . لكني لم أفعل ذلك مطلقا ، إذ كيف لي أن أحلم بالحب وأنا لم أحاوله منذ كنت في السادسة عشرة ، ومنذ رأيت فاوست لأول مرة في الأوبرا مع أديلسون ، لكني كنت متأكدا من أنها تحبني في أول أوقات زواجنا ، إن المرء لا يخطئ في هذا، لكن لماذا لم تحاول أن تحبني إلا تلك المرة .
في أول أيام زواجنا كانت تنطق بما هو شائن عن جون كلما تلاقيا ، لكن ما إن أسس شركة ، وأخذ أحيانا يدعونا إلى المسرح ، وحصل على فروة ، حتى صارت زوجتي متعبة ، بالطبع مع مرور الوقت من ترديد ما من شأنه أن يسيء اليه ".
كان على هينك أن يعد لبعض الحاجيات قبل الفداء، كانت الساعة قد بلفت الخامسة والنصف عندما عاد الى البيت محملا بكيس مليء، وأحس بكثير من العطف واللطف على مؤخر كتفه الأيسر، غير أنه لم يعد ثمة ما يذكره بإيما شيء بشأن حظه العاثر قبل الظهر، إلا الفروة .
وعاد لمحادثة نفسه :
– "سيكون الأمر مبهجا أن أرى ما ستفعله زوجتي حين تواني متدثرا بالفروة ".
كان مدخل البيت معتما تماما ، اذ ان المصباح لم يكن ليضاء إلا في أوقات الاستقبال ، وفكر هينك .
– "أسمعها الآن تخطر في الصالون بخفة الطائر الصغير. الى الآن أحس بدفء القلب كلما أسمع خطاها في أحدى الغرف ، هذا شأني دائما".
– كان الدكتور محقا بحسبانه من أن زوجته سوف تستقبله بمودة ولطف لانه كان متدثرا بالفروة ، وإلا لما فعلت ذلك ، لقد سعت اليه عابسة أول الأمر وهو غارق في أعتم زاوية في المدخل ، ثم أسبلت ذراعيها حول عنقه وقبلته بحرارة من القلب ، ممرغة رأسها في ياقة الفروة .
– ألم … يأت … جوستاف … بعد…؟
قال الدكتور هينك بصوت متهدج .
– بلى…
ومسد بكلتا يديه شعرها مرددا:
– بلى … إنه في البيت .
وفي غرفة مكتب عمل الدكتور هينك اشتعلت نار عظيمة ، وكان على الطاولة ماء… و… ويسكي.
كان القاضي ريتشارد يستلقي في مقعد كبير مغطى بالجلد ويدفن سيجارا، أما الدكتور هينك فقد جلس مسترخيا في زاوية الكنبة ، وبقي الباب مفتوحا على الصالون ، حيث كانت زوجة الدكتور هينك والاطفال مشغولين باضاءة شجرة عيد الميلاد.
ران الصمت على مائدة العشاء، إلا من كركرات ، الأطفال وغمغمات أفواههم ، حيث كانوا مبتهجين .
– لم تنطق بشيء أيها الصبي العجوز، أتجلس مفتكرا معطفك البالي الممزق ؟
– رد هينك :
– لا .. بل بالفروة .
– ومرت دقائق قبل أن يستمر قائلا:
– فكرت أيضا بشيء آخر، إني أجلس متحسبا ان هذا هو آخر عيد ميلاد نحتفل به معا، أنا دكتور وأعرف أن عدة أيامي قليلة ، لم يق منها الشيء الكثير، إني أتحسس هذا بوعيي الكامل ، لذا أشكرك على كل الذي غمرتني مع زوجتي به . غمغم ريتشارد وألقى بصره بعيدا.
– انك ترتاب بنفسك .
أجاب هينك :
– لا … اني لا أرتاب ، وأود شكرك أيضا لأنك أعرتني فروتك ، فقد غمرتني في الثواني الأخيرة بأفضل سعادة أحسست بها في حياتي.
يلمار سودريبرغ
ترجمة: موسى صرداوي (كاتب من فلسطين يقيم في السويد)