سامي داوود
تكوين الأرواح بواسطة الكلام… هي البلاغة الجدلية (أفلاطون)
الحكاية التعليلية للكتابة
القراءة عادةٌ حديثة قياسًا إلى فكرة العقل التي اعتُمِدت لتصنيف الإنسان. عادةٌ يَثقَلُ إدامتها، ويَسهلُ إزاحتها بالصورة. إذ لم تظهر قراءة النصوص إلا بعد ابتكار الفينيقيين للأبجدية المكونة من 22 حرفا ساكنا في منتصف القرن الـ11 ق.م في المدن السورية التي بدأت تظهر على طرفي الحضارتين السومرية والفرعونية ومتأثرة بهما1. تلك الألفباء التي تأخر وصولها إلى الإغريق حتى سنة 750 ق.م2 أوجدت الكتابة بالصيغة التي نعرفها اليوم. فالثقافة قبل التدوين كانت شفاهية، تندثرُ بالموت وتحفظُ بالتربية.
ومذّاك، بدأ تدوين النصوص الدينية والفلسفية، لتمتين الأفكار بالقراءات المختلفة، ومن صقل المعنى بالصياغة الأدق والأكثر تخصيصا. ولئلا تكون التعابير تمثيلا لأشياء مفارقة ظهرت فكرة السياق الناظم، فقد وجِدت الكتابة لأنّ العقل كان بحاجة إلى تمتين مقولاته بالتدوين الحسي. وعبر جمالية التعبير، انتظم شكل القول، وتجذّرَ بعروقه المتشابكة. وبالتالي، بات بإمكان الكلمة أن تُخصص بسياقها السديد، وتتشابك دلاليا مع كلمات أخرى في سياقات موازية، لتتقاطع وتتوالد عبر الحدث الدلالي لكل فعلٍ أو فكرٍ إنساني، تصوغه الكلمات كمغزى لوجودنا الذي تمثله التعابير بمختلف وسائطها.
الكتابة هي سعيُ الفكر إلى المعنى. والأدب هو معادلته المنطقية. لذلك، يتضمنُ كل نصٍ منطقًا داخليًا يُعلِلُ به شكله، ويعَلِلُ بها الأشياء التي اختارها لتمثيل المعاني التي تحزمها الكتابة. ولكي تكون صيغةُ النص مكافئة لماهية مضامينه، تعددت أشكاله الأجناسية من شعر ومسرح وغيرها.
قد تعطي هذه العبارة انطباعا بالمفارقة، إذ لا يكترث النص المنطقي بالحالة التي يكون عليها قارئ النص، كونها تأخذ الأشياء كمجردات منفصلة عن حالة مضامينها. مثلا: كل (س) هو فان، وبما أن (ب) أو (ن) لديهما خصال (س)، فسيكون لهما المآل ذاته بالفناء. لن تتغير هذه العبارة بتغير الزمان أو المجتمع.
غير أننا هنا نتحدث عن منطق الكتابة وليس عن النص المنطقي، وبالتالي يأتي التماسك العضوي -بتعبير أفلاطون- لأي نص، بما فيه التنافر الجمالي للأوكتاف الموسيقي المعاصر، كتعالق جوهري غير قابل للمساومة. فأن تبني انفعالا دراميا لشخصية روائية أو مسرحية، سيكون من الضرورة بمكان أن ينمو ذلك الانفعال في بيئة ثقافية تعززه كفعلٍ تسري فيه وعبره حياة الإقليم الذي أثمره، وتدمغه بهيئته الخاصة، في الشدة ونقيضها.
فالأشكال اللغوية مرآة متعارضة الأبعاد؛ نحو الداخل، كونها تعكس بنية التفكير ومعالجته للتصورات الذهنية بالمعادلات اللغوية. ونحو الخارج، لأن اللغة في مجالي الأدب والفلسفة، هي مشاركة للوجود مع الآخر/ القارئ. إنها رسالة موجهة بالتبادل بين مُنتج/ مُرسِل، ومُتلقٍ مجهول، تتوقف طريقة قراءته على ما راكمه من قراءات. فيتباين مستوى المعنى للرسالة/ النص بتغير قارئها، دون أن يكون المعنى، إرجاءً ذاتيا لرمزيته. لذلك تصطبغُ اللغةُ بمؤثراتها الحسية المكافئة. وابتداءً من هذه المسلَّمة، يقوم النقد بتشريح النصوص. وهي أيضا ركيزةٌ لا يمكن الحياد عنها إلا بخسارة اللغة لكل ما يمتُّ إلى الأدب أو الفكر. فلغةُ الأدبِ تنمو في التكوين الحسي لأفكارنا المجردة وانفعالاتنا الغامضة. وبها تتمايز عن الثرثرة الحمقاء.
لتوضيح ما تقدم، سأقارب الفكرة الآنفة بموضوع الزيف والرداءة في بعض أعمال الفنون البصرية. فقضية المظهر أو الهيئة في العمل الفني، هي عمليا تجلٍّ لفكرة الصورة. حيث لا فاصلة تمايز المحتوى عن الحاوي، لذلك، يفترض أن يكون كل شكل موافقًا للتاريخ الحسيّ للفنان المنتج. أي علاقته بداية بالضوء الذي يفرض عليه تحسسا محددا لأطياف لونية دون غيرها، وتشتغل في لغته اللونية كإكراه داخل تفضيلاته اللونية، كعلاقة تيرنر Turner بالطقس اللندني، وتفضيل روثكو Mark Rothko للألوان الجليّة على المشرقة، وذلك رغم هروبه المبكر من روسيا إلى أمريكا. وثانيا علاقته بالفراغ، أي علم المسافة الذي ينّوع بالضرورة صِلاتِنا الحسية بالفضاءات التي يفرزها وفقا لأحجام الكتل التي تأرشفت بها حواسنا.
لذلك، عندما يأتي شخص من مدينة جبلية لا تعرف زيت الزيتون ولا أي نوع من أنواع الصبار، ولا يوجد في مطبخ المدينة أي استخدام للمطربانات الزجاجية لتخزين أغذية الصيف، ويقدم عملا فنيا مركبا من صبار موضوع في مطربان زجاجي مملوء بزيت الزيتون. يكون ذلك العمل مزيفا بالضرورة.
وهذه من القراءات التقليدية التي يقوم بها علم الجمال لدراسة الحواس، كنبرة الصوت المرتفعة للرجل الريفي الذي تسكنه المسافة الشاسعة حتى لو كان قريبا منك، أو كما في الصحراء حيث تكون الشحةُ قيمة تعبيرية، وفي المدن المكتظة، يكون الكولاج المُبقع بتأثيرات متنافرة أثرا حتميا للتعددية الثقافية.
إذن هناك دائما شكل من أشكال المنطق يشتغل في أبسط وفي أكثر أساليبنا ابتداعا وتفريدا لقول الأشياء بطرق مغايرة وجديدة. إنه الهيكل المجرد للتعبير، الذي يشتغل كقانون في تماسك حدود الأشياء/ الكلمات التي نشحنها بأفكارنا وانفعالاتنا. ويتمفصل في قولنا كشكلٍ للقول. ويجعل العناصر التي تعرضها النصوص، متماسكة كأنها توالدت بفعل المصير الذي وضع تعبيرا أمام الآخر، ليتأسس النص كمعادل أدبي للحياة.
تقدم تقنية التحوير الجمالي في التأليف الموسيقى مثالا معقولا. فالصوت النشاز ليس دخيلا، بل مشاركا في التكوين كإنهاك في الصوت، أو كانحراف طبيعي في الثقل أو الضعف النغمي وفقا للفاصلة الزمنية التي تليه، لتجعله مطلوبا في التكوين بما يجعل هذا الأخير أجمل مما لو استمرت الجملة الموسيقية وفقا لقاعدة الهارموني العادية.
من جهة أخرى، تشتغل النصوص الأدبية والفلسفية كرسالة وسيطة بين طرفين يتشاركان المسعى ذاته، ويختلفان إجرائيا في أوالياتهما لبلوغ المعنى، الأول، هو المؤلف الذي تشترط فيه الكتابة ببساطة، أن يكون قارئا دائما قبل أن يمارس الكتابة. والثاني، هو القارئ الذي تشترط فيه القراءة أن يكون قد امتلك عبر القراءة أدوات تفكيك النصوص، بالاستدلال والمبادلة الفكرية بين المفاهيم، ليحفظ للنص أفقه النقدي. وبالتالي، تدخل التحولات الثقافية المتراكمة في بنية كل نص أدبي، وتؤصله في بنية القول، ممغنطةً بذلك اللعبة اللغوية لكل ثقافة مجتمعية، وتتيح لهذه الأخيرة أن تطبع مخيلتها وقيمها في تعابيرها، وبالتالي، تغدو الكتابة وثيقة وجودها الإنساني.
لقد منحتنا اللغة سببا ناقصا للزهو بتفوقنا المتوهم على بقية الكائنات3. والكتابة تَكشفُ اللغة سواء بإظهارها معطلة بالفائض من الكلمات وغير المترابط منها، أو بإظهارها كنشاط حيوي وشرط لعقلنة الخطاب الإنساني. هذه إحدى الخلاصات التي سيرسخها شاييم بيرلمان ولوسي أولبرخت تيتكا في عملهما المشترك” أبتسمولوجيا البلاغة والحجاج” الذي نشراه سنة 1950، إذ يلحُ بيانهما على ضرورة أخذ الخطاب كجسد قابل للتشريح، عبر تقديم التمايزات الضرورية لمنع الخلط بين الزخرفة الأدبية و بين البلاغة كعلم في الحجة المقنعة. فكل خطاب، يُكتب، أو يُقال، يسعى إلى حمل فكرة لأجل إقناع شخص آخر، وبالتالي هو خطاب مُرسل بالجدل.4 وستتكرر هذه الخصلة في مؤلفات لاحقة، لتقارب بين المنطق وفلسفة اللغة في بناء العبارات. محولة هذه الخاصية إلى ثيمة لكل نص مكتوب. إنها الفكرة ذاتها التي عمل رولان بارت على تبسيطها من خلال عرضه لمبادئ البيان الإغريقية، محاولا إظهار الفرق بين علم صياغة الكلمات وبين “السيكاغوجيا” أي البلاغة الجدلية التي وصفها أفلاطون بـ: “تكوين الأرواح بواسطة الكلام”5
ظهرت مقاربة مشابهة لما تقدم في الفلسفة، طرحها كل من دولوز وغوتاري، اللذين سَعيا إلى توضيح صورة الفكر عبر تحليلهما لبنية المفهوم الفلسفي. فأظهرا من بين خصال كثيرة، أثر الحدث في استقطاع الدلالة الخاصة للكلمات والأشياء، وأهمية ما سمّياه بـ مسطح المعنى لتجلي الأفكار كاستقطاعات ثقافية خاصة ومتراكمة، مشدودة إلى جذورٍ غير مرئية، قادرة على استشراف أفكار أخرى في الكتابة التي تجيز للمعاني أن تتقاطع. أو بتعبير حسي أمثل، أهمية المجال الذي ستظهر فيه المفاهيم، مُخصبة بغيرها، ومحددة بنطاق تمثلها الظرفي، ومنفتحة عبر المجال الفكري على دلالات أخرى في الاحتياط.6 إنها الترسيمة ذاتها لكل خَلقٍ فني.
ثمة صيغة إذن، كلمةً كانت أم شكلًا. نحاول بها أن نرمز إلى المعنى بكامل كثافته، وشساعته، وتحوله الحقبي والمجتمعي، ويحاول القارئ أن يصل إلى المعنى وفقا لقدرته على الرؤية، وكلما تراكمت قراءاته، تعمقت أكثر علاقته مع المعنى. وهكذا تختلف قراءتنا للنصوص مع تطور مقدرتنا على قراءة النص ذاته خلال فترات متباعدة، يتخللها فعل القراءة لتنمية عملية القراءة.
يضرب ألبرتو مانغويل مثالا على ما تقدم عبر شهادته الشخصية في مؤلفه ” تاريخ القراءة” لتبسيط الفكرة التالية: أن القراءة عملية تراكمية7، ومؤكدا بداهة أجهل سبب عدم استيعابها: أن بعض الكتب لا يمكن قراءتها في مقتبل تاريخ قراءاتنا، فهي تتطلب القدرة على تفكيك النص بجهدٍ معرفي بطيء الترسّب. ويجب أن يكون جليًّا أنّ المتعة الجمالية للتكوين التعبيري لن تتحقق بمجرد القراءة الآلية للنصوص، فالجمال مُعطى قبلي نعم، لكنه كذائقة يتمُّ تنميتها بالتعلم المكتسب حصرا.
القراءةُ إذن سبقت الكتابة وأسست لها في آن، وقد أتاحت الكتابة للفكر أن يُراكم تصوراته، وللغة أن تتأمل ذاتها وتنتقي مفرداتها، ليظهر علم صياغتها، ولتأتي لاحقا البلاغة كعلم في النسق وتنظيم الأفكار، ناهيك عن إسهام البلاغة في تأصيل الجدل في الخطابات بمختلف مستوياتها، بدءا بالمرافعات القانونية، أو صكوك الملكية التي يؤشرها مؤرخو البلاغة كعلامة فارقة في تاريخها الذي يبدو أنه رافق تطور الكتابة لدى الإغريق حوالي سنة 485 ق.م حينما سقط حكم الطاغية جيلون وهيرون، اللذين وزعا على مرتزقتهما الأراضي التي استوليا عليها، فتضاربت الحقوق العقارية بعد عودة الناس إلى مدنهم. مما دفعهم إلى كتابة خطاب/ مرافعة لإثبات ملكية أراضيهم8. هذه البداية التي يصفها رولان بارت ببلاغة الملكية، ستتطور خلال قرون طويلة، بداية عبر الفلسفة، ومن ثم الأدب، لنصل بالكتابة إلى سؤالها التعليلي الأزلي:
لماذا نكتب.؟
الإجابة معقدة بالضرورة لأن الصور اللغوية تحاول عبر الكتابة أن ترادف نظائرها العقلية والنفسية، وبالمبادلة بينهما، تصبح الكتابة فنًا لإظهار المغزى من الأشياء.
نكتب إذن، لأنه ثمة حاجة موضوعية إلى تمتين الفكر بالحس، ولتنمية المخيلة البشرية بالمراكمة التي ستثمر آلية الحذف؛ إزالة كل ما هو فائض، وغير مترابط، لتكون العلاقة بين كلماتنا والأشياء تمفصلا للترميز الأرهف، بما يجعل الكتابة حاجة كونية للتعبير عن معنى الوجود، المعنى الضروري لتأسيس التفاهم وتعميق منظورنا للرؤى المختلفة. الكتابة كضوء يسلطه العقل على الخارج، محملا بجوانيته الفريدة. إنها اللحظة التي ستغدو فيها الكتابة مشاركة في الوجود لأنسنته أكثر.
وهكذا وجد العقلُ لنفسه مفتاحا أكثر ترميزا من الصور؛ الكتابة/ الفارماكون التي حددها أفلاطون في محاورة “فيدرو” باللوغوس/ العقل الذي يجب أن يكون متماسكا عضويا كجسد الحيوان. فمن خلال الكتابة يمارسُ العقل أولى عملياته الإدراكية كتشكلات حسية: الفرز والحذف والتركيب، منتقيا من الوفرة الهائلة من الأشياء، ما يجعلها تترابط وتمنح المعنى عليته ونسقه ولغته. وإحدى النقاط الجوهرية في هذه المحاورة التي سيستمرُ الفكر النقدي في استعادتها، هي تجذير الارتباط بين الكتابة والأنسنة، عبر التشديد على الاصطفاء النوعي للتعابير، والتنظيم النسقي للأفكار في عمليتي الكتابة/ القراءة. وقد استعاد جاك دريدا في مؤلفه “صيدلية أفلاطون” هذه المحاورة، لتقريظ مفهوم الكتابة/ اللوغوس، وليرسخ من خلالها جوهرا لا يتقادم في كل نصٍ أدبي أو فلسفي، أي رصانة التركيب الفكري للكتابة9. والتي بدونها ستؤول الكتابة إلى نقيض ما يفترض منها أن تكونه. وبما أن كل نص يفترض لنفسه قراءة ما، إذ لا يمكن لأي نصٍ أن يُكتب دون علة نقدية، والتي هي القراءة. تكون القراءة/ الكتابة بالتالي جسدًا واحدًا. فكل كتابة تستدعي إليها القراءة التي تكافئها في الجودة والرداءة.
غير أن الكلمة لم تكن أصلًا للتدوين، بل وإنما الصور. لأن الأبجدية تأخرت على التدوين لقرون طويلة. وقد وفرّت لنا صناديق القبور تركة بصرية ثرية لقراءة جزء من أفكار الموتى وتاريخهم المدون كصيغ بصرية محدودة الأفكار، فكانت القبور هي المتاحف والأوابد الثقافية للحضارات التي تحدثت إلينا عبر الزمن بالأشكال وحسب. وسيندثر الكثير منها قبل أن يدخل الكتاب عالمنا. ولن تتحول المعرفة من امتياز للنخب المهيمنة، إلى ملكة متاحة للجميع، حتى تبدأ المدارس في الظهور، أي المدارس العامة، قبل أن تتنبه الأنظمة السياسية إلى أهمية التعليم لضبط ما يجب أن يُقرأ وما لا يجب قراءته.
ثمة تضافر حتمي بين البعد البلاغي والبعد الأنثروبولوجي للكتابة، لأن وجودنا برمته يتوقف على اجتياز المعنى أو خسارتنا له. وكل نص هو مكافئ موضوعي لكينونتنا، لذلك، سيكون النص الرديء تمثلا لكينونة نكوصية. فالأدب ليس هو اللهاية pacifier المناسبة لدرء السأم في وقت الفراغ، بل وإنما هو سؤال المغزى الذي يتطلب تركيبه مقدرة فريدة على انتقاء المفردات المكافئة لظهوره، كونه يجيب على سؤال الوجود: لماذا ثمة حياة بدلا من العدم.
فالكتابة تعيننا على استخلاص الشيء كمغزى، من الوفرة الهائلة من الكلمات، وعقده بروابطه العميقة والضرورية لاستحضار المتشابهات، والدخول في علاقة تخصيب مع الشيء الذي نؤسسه بتراكيب الكلمات ونسقها الناظم. لذلك فالكتابة والقراءة هما بالضرورة مفاتيح لأنسنة العقل وتحريره من النسق الآلي، ومن بين أفضل شُراح هذه الفكرة، هو شاييم بيرلمان الذي كثّفَ ما تقدم في التالي:
” إن شكل المعنى لا ينفصل بتاتا عن مضمونه….. لأن آفاق البلاغة تفسح لها المجال لإعادة تعريف الفلسفة وفق كل ما هو مُعقلن”10
هذه إحدى الشيمات التي تضع الكتابة الرديئة على المحك، وبتخصيص أدق، في النصوص الروائية المعاصرة، لأن الحاجة إلى سرد الحيوات أدبيا، لا يعني أن تجعل ما هو مقروء في الواقع الخام، نسخة نصية مطابقة له، فالواقع محكوم بنقاط عمياء قهرية وكذلك بالغفلة عن المصادر غير المرئية لتكوين الأفعال. وعند هذه النقطة، يتدخل الأدب ليجعل الحياة مقروءة كحكاية لفكرة ما، أو كما كان يقول فوكو بأن الأدب يظهر البنية الباطنة للعالم في اللغة و:« يعوض العمل الدلالي للغة، لهذا يبدو الأدب أكثر فأكثر ما يجب أن يكون مفكَّرا به، ولكن أيضا، وللسبب نفسه، ما لا يمكن أن يكون مفكَّرًا به انطلاقا من نظرته للدلالة.”11 أي بسط المفاهيم في حسيتها الكاملة، بما يعين أفكارنا المجردة، وانفعالاتنا المعقدة، والشدة أو الرخاوة في ردود أفعالنا، وفي اختلافها الثقافي، أن تظهر معللة بصيرورة الأشياء إلى أشياء أخرى.
ولأن القراءة نشاط معقد كالكتابة، فإنها تشترط أن تكون الحياة كنص، معروضة بأسبابها الغازلة لمصائر الناس، والمعللة لأفعالهم المختلفة ثقافيا وتاريخيا ونفسيا. لذلك سنجد أن جزءًا كبيرًا من العمل المشترك لـ شاييم بيرلمان ولوسي أولبريخت تيتكا، في بحثهما التأسيسي حول إبستمولوجيا البلاغة، مكرس لإظهار الأبعاد النفسية والجمالية والأخلاقية في الحجاج البلاغي، سواء أكان نصا أدبيا، أم مرافعة قانونية، أم نصا فلسفيا، مع الأخذ في الاعتبار اختلاف الجمهور/ القارئ الذي يتوجه إليه كل خطاب، حيث كان التحدي الأكبر أمامها، هو إظهار الجدل الذي يكونه ويؤسسه كل نص، فبخلاف النصوص المنطقية والرياضية المبنية على تجريد موضوعي عام، يأخذ النص الأدبي والفلسفي القارئ في حسبانه، وعبر هذه المبادلة بين الكتابة والقراءة، تبدأ العناصر الأخرى في الاشتغال، جماليا في الأسلوبية الفردية، وأخلاقيا في الميل إلى إقناع القارئ بصوابية قيم ما دون غيرها، ونفسيا، عبر بناء الأفعال وفقا للمشاعر والانفعالات التي تعززها كل ثقافة تاريخية بشكل مختلف عن ثقافة أخرى.12
مفارقة أدب السوق…
حالة (هاروكي موراكامي)
من نافل القول أن تاريخ الكتابة يبتدئ بعملية تمييز مفصلية: فرز الجيد عن الرديء، هذا التمييز الذي وضعه أفلاطون في ثنويته المتعارضة: البلاغة الجيدة والبلاغة الفاسدة، سيستعيدها رولان بارت لتنظيم قراءته الجديدة للبلاغة القديمة، والتي يعتقد -بارت- بأن البلاغة بعد أن تداخلت مع الفلسفة وتمايزت عنها، واختلطت بعلم صياغة الكلمات دون أن تكونه، قد فقدت مكانتها لأسباب يعزوها بارت على غرار بيرلمان إلى ظروف مركبة سياسية ودينية. أي التحول من المناقشات الجدلية إلى تلقي الناس لخطاب النخب المهيمنة دون مساءلة الوقائع التي يرسخها ذلك الخطاب. تماما كما هو حال آلية الدعاية الثقافية التي تروج لأسماء -سلمان رشدي مثالا- وتخلق لها هالة تبجيل تسبق ظهور النص، وتوهم القراء بأهمية بلاغية وفلسفية لنصوص ما، كونها صدرت عن مؤسسات تهيمن على سوق الدعاية، في حالة مشابهة لصناعة الأفلام في هوليود، حيث تكلفة الحملة الترويجية للأفلام أكثر من كلفة إنتاجها.
ولأن أفق البلاغة هو تنشيط الجدل، كان التحول السياسي في المدينة الإغريقية الرومانية سببا في ميل الناس إلى التسليم بالأفكار التي قدمها الخطاب المهيمن، كمسلَّمات معللة بقداسة مصدر الخطاب، وبالتالي انحسر تأثير البلاغية عن عملية إنتاج وتداول الأفكار.
ههنا إحدى الركائز الفارقة في قيمة كل نص، أن يؤقلمَ أفكاره ويجعلها جدالية، لماذا؟ لأن أبسط فكرة عن الوجود هي صيرورته، وبالصيرورة يأخذ الاختلاف الثقافي تعليله، حتى داخل كل مجتمع، لا يبقى الحال على حاله، وبالتالي، تضطر الأفكار إلى تأصيل ذاتها وتعديلها بالمؤثرات الجديدة، ليكون لكل جماعة ثقافية نظرتها الخاصة، ومخيلتها الخاصة، التي تجعلها موجودة ككيانات خلاقة.
فما حاجتي مثلا إلى روايةٍ تجترُ الأفكار التي تتسلى بها المحادثات اليومية أو الثقافية، كالثلاثية التي قدمها خبير التسويق الثقافي الياباني هاروكي موراكامي، في نصه الذي يستجدي عبر عنوانه تماهيا مستحيلا بين روايته الصبيانية (1Q84)، وبين رواية (1984) لـ جورج أورويل.
لم يكن أورويل مكترثا بالفكرة البليدة والمملة: ” إنتاج عالم موازٍ”. فذلك متروك لموظفي الأدب البضائعي، لأن أورويل أنتج المعادل المعجمي لسلطة الرقابة، والتي هي بنية عميقة قائمة بالفعل، وتشتغل كأواليات وسيطة بين الناس والسلطة، لذلك انتقي أورويل أدق المفردات لإنتاج لغة وسيطة بين روح التسلط وجسده، فأتت عباراته كأنها قوانين في الكيمياء الحيوية للسلوك السياسي والاجتماعي، ودخلت مفاهيمه في الفكر السياسي الحديث الناقد للأنظمة البوليسية.
بينما لم يقم موراكامي بشيء، سوى في استعمال آليات التسويق ضمن فئة القراء المتحمسين لأرقام المبيعات. مكررا ببلادة فاحشة، أفكارًا مرمية في حواشي نصوص كثيرة لا تنتهي، معتقدا بأن الفن يمكن إعادة إنتاجه بالمنتجة السهلة للأحداث، وبمصائر متقاطعة لشخصيات غير متماسكة، هو الذي لا يفتأ يعلن رغبته في أن يكتب الرواية المعاصرة للإخوة كارامازوف، ويكون مفكرا كجورج أورويل ومنزويا مثل كافكا، بينما معظم من يقرأ أعماله في اليابان هم المراهقون، وروايته الآنفة أتت منافسة لرواية هاري بوتر في طوكيو.
موراكامي نموذج دقيق لأدب السوق، فَهِمَ لعبة التسويق ولغتها في آن، لذلك تظهر صياغاته كأنها شعارات أكثر من كونها منافذ حسية للحياة، وتأتي الموسيقى والنظريات العلمية في نصوصه بأردأ الصيغ الممكنة، لكنه ليس الوحيد في هذه الخدعة التي تنطلي على القراء المعاصرين، أولئك الذين شبههم دولوز بالذين يقرأون الكتب بالطريقة ذاتها التي يستمعون فيها إلى أغنية إذاعية أو مسلسل تلفزيوني.
من جهة أخرى يجب التنويه إلى مناخ أو مزاج القراءة في الغرب، إذ ثمة “ترخيص بالعبور” لتفضيلات فكرية صوفية، وتعزيز للتصورات النمطية عن الشرق عموما، تجيزها سلطة الطباعة في سوق القراءة الأوروبي، وسيكون مرحبًا بكل كاتب غير أوروبي، يقرأ مجتمعه وفقا للمنظور الغربي الذي يختزل الثقافات الأخرى، إلى الحكمة الشرقية، والذكورية الشهوانية، والحريم المغوية.. إلخ من التصورات الصلدة في المخيلة الغربية، والمتحكمة بطريقة استجابتها للنصوص القادمة من العوالم الأخرى.
لذلك، لا تحتاز نصوص موراكامي القيمة التي تُروج لها، لكنه قادم من اليابان، بلد الدقة التكنولوجية والسيارات المتينة. لذلك ثمة تحضير مسبق للقيمة من خارج مجال الأدب، تحصل عليه نصوصه ونصوص غيره من الكتاب اليابانيين في السوق الأوروبية، بافتراض أن الأدب القادم من اليابان، سيكون متينا كأجهزة سوني وغيرها من الاختراعات المؤثثة للبيت الأوروبي، بينما يحصلُ النقيض، وبشكل مبالغ فيه، للكتب التي تأتي من العالم العربي، حيث يسبقها أيضا تحضير لتصنيف نمطي في الرمزية النمطية التي بات العالم العربي يمثلها، كمُصدِّر للعنف والنفط فقط.
سمحت هذه المفارقة لموراكامي أن يماهي نفسه دون جهدٍ كبير، بمن يشاء من الكتاب العباقرة، وتكفي حيلة العنونة أن تحتال على قراءة البسطاء، لكنه غفل عن أمر جوهري، هو الدقة والرؤية التي جعلت أورويل نافذا في بنية الطبع البشري، وأكبر متأمل في نواة السلطة، تقريبا بالطريقة ذاتها التي تعمق بها ماركس في مفهوم السلعة، كلاهما -ماركس وأورويل- كانا على غرار الفيلسوف النمساوي ليبنتز، خبيرين في حذف الفائض من المفردات، وفي انتقاء الأكثر سدادا. والقارئ لماركس، سيرى بوضوح تأثير الأدب على بلاغة “رأس المال”، ومدى استخدام ماركس للشخصيات الأدبية/ روبنسون كروز، فاوست، شايلوك والكثير من شكسبير/ لتوضيح أفكاره الناقدة للاقتصاد السياسي.
فيما يمثل موراكامي النقيض النقي لكاتب من طراز روبرت موتزيل الذي كرس ثلاثين عاما من عمره لكتابة كتاب واحد؛ إنسان بلا خصال. كان موتزيل ضد الثرثرة، كأنه إرث نمساوي، بادله مع مواطنه فتغنشتاين النبيه ذي الكتاب الوحيد المنشور في حياته “رسالة فلسفية- منطقية”، بالتوافق مع حرب كارل كراوس ضد الثرثرة. غير أنّ التسليع تَمكّنَ من المعايير وحورها إلى بضائع، ولا أبلغ من مفهوم ماركس حول “صنمية السلعة” للبحث في تسليع الكتب.
هل الكتاب سلعة ثقافية؟
المفردات الآتية هي لماركس حتى وإن قمتُ بصياغتها اليوم، فبمجرد استخدام عبارة “سلعة” في أي مجال، يكون ماركس بالضرورة مرجعا مؤسّسا، لأن المفهوم الذي ابتدعه حول صنميّة السلعة commodity fetishism، يؤسس الموناد/ الجوهر الأزلي للتمييز بين الشيء كمنفعة والشيء كقيمة. فالنص الأدبي في ماديته المفرطة لا يرتبط بالحبر والورق المكرس لطباعته، وبالتالي، لن يرتبط مطلقا بحوامله الرقمية المعاصرة. لذلك لا يمكن تحديد الكتاب كشيء نافع، هو فقط شيء قيمة، ولأنه كذلك، تظهر الكتب مشروطة بالمعرفة التي تمنح النظائر العقلية والنفسية للمعاني وجودها المحمول بالكلمات.
غير أن السوق بإمكانه أن يتدخل ويحول الكتب إلى أشياء للتسلية، وذلك بانتخابها لما تريد إحاطته بهالة قيمية متخيلة. لا تصدر عن الكتاب بحد ذاته، بل و إنما تأتي إليه من خارجه؛ من نمط إنتاج الأسماء في العلاقات العامة. من الترويج القائم على أبسط آليات التخدير النفسي، أي تكرار مصادفة الاسم ذاته مرارا. الدعاية، التي تشدُّ علاقة البشر مع قيمة الشيء إلى الذُهان. استشرف ماركس هذا المآل قائلا: «إن وجود منتوجات العمل بشكل سلع، وعلاقات القيمة بين هذه المنتوجات التي تجعل منها سلعًا، لا صلة لها البتة بالطبيعة الجسمانية للسلعة أو بما ينتج عنها من علاقات بين أشياء، فهي هنا، ليست سوى علاقة اجتماعية محددة بين البشر، تتخذ في نظرهم، شكلا خياليا بصورة علاقة بين الأشياء”.13
يستفيض ماركس في تبسيط هذه الفكرة عبر أمثلة عدة، منها الفرق بين الحديد والذهب. اللذين لا يقيمان بسياق استخدامهما، بل وفقا للعلاقات الاجتماعية التي تتفق فيما بينها على تبني قيمة مختلفة لكل منها. وهذا ما حدث لاحقا مع معدن الماس الذي قرر تجاره رفع قيمته دون أن يكون المعدن نادرا، إذ يُنتج منه سنويا أكثر من 32 طنا. ثم تعاقد تجاروا الماس مع السينما -اليابانية والأمريكية- لتصويره كشيء مفرط القيمة، فأصبح لهذا المعدن قيمة منفصلة عن جسمه، متمثلة في العلاقات المحركة لتداوله كشيء ذي قيمة. وقد حذت شركة السجائر (مارلبورو) حذو معدن الماس، بالاستقرار في مخيلة المستهلك كرمز لفروسية الكاوبوي، فقامت بتمويل أفلام الكاوبوي التي وفرت لمستهلك السجائر تماهيا متخيلا مع أبطالهم.
وهكذا دواليك بدأت هيمنة الرموز الثقافية لشركات الدعاية، في تحويل عملية التلقي إلى مسرح للظل، والمكافئ بالضرورة لتوجهاتها. والتسمية الساخرة التي أطلقت على الاقتصاد الأمريكي “اقتصاد الميكي ماوس” سيقلب العالم الثقافي المعاصر بتصديره لأكثر منتجات التسلية واللهو ذات الصبغة الثقافية عبر السينما، وتحويل الكتب إلى ممثلين ضمن عملية المسرحة الدرامية المرافقة لظهورها14. بعد أن بات خبراء التسويق أهم من محرري النصوص الإبداعية.
وستجد مقاربة إيرفينغ كوفمان تحققها في مسرحة السلوك الاجتماعي وسبل استهلاكه للمنتجات الثقافية، لنكون أمام أداءات متماشية مع لعبة السوق، أفكار وقصص تجيزها الصرعة الإعلامية أو السياسية بما يخدم التجارة، وأخرى يحظرها السوق، ويعزلها، لأنها قد تُحدث اليقظة المناقضة لكل ما هو هيمنة. وستدخل النقود لتحدد قيمة المنتجات الثقافية، مدعومة بالآراء الفنتازية للصحافة، ومطمئنة إلى ما فعله رأس المال في سوق الفن التشكيلي، حيث السعر يخطف العقل النقدي، ويكرس الحماقة للجماهير المنومة بأرقام المبيعات وسعر اللوحات.
ولتحرير الفنون من مقاربة (قيمة التداول)، ولعدم اختزال الأدب والفن إلى شيء نفعي. ابتكر بول فاليري مفهوم “اللامتناهي الجمالي”.15 الذي حلل به استقلالية الخَلق الفني عن الحالة العملية للأشياء المادية. فالإنتاج الابداعي يؤسس إدراكات تؤدي إلى تقوية أحاسيسنا بموضوعات الإدراك. وبالتالي هو شيء نافع بطريقة معاكسة، قيمته رمزية، محددة بالتكوين الحامل لرؤاه الفكرية، وليس له استخدام مادي.
بناءً على ما تقدم، فإن شكل قيمة الكتاب يأتي منزها عن قيمة التداول، محض قيمة استعمالية تتجدد باستمرار الحاجة إليها، دون أن يكون هناك فائض لمبادلته بشيء آخر، فلا تدخل الكتب في مجال التداول كسلع منفصلة عن مُنتِجها والذي هو هنا عمل مشترك للمؤلف والقارئ معا. وكنتيجة منطقية، سيخرج الكتاب من سوق الأسهم الذي يقاس بعدد النسخ المباعة. ولن يقوى أي كتاب على الدخول في مضاربة مع كتاب آخر. فالكتاب ليس بشيء، بل وإنما هو ما يتضمنه من معان. والمعنى كما يعرفه ويلارد كواين هو:
” ما تصيره الماهية بعد فصلها عن الشيء المرجعي المادي وشدّها إلى الكلمة بإحكام”.16
فالكتاب كيانٌ مجرد، منفصل عن الورق. أفكاره مُدركة بتخصيص معرفي لا قياسي، قد يُستوعب في ثقافة دون غيرها، دون إمكانية إمساك المحتوى المجرد للكتاب. قد يقول قائل، بأن ألعاب الفيديو أيضا تدر أموالا دون أن تكون ملموسة ماديًا، كما وتتوفر خدمات كثيرة في المجال السايبري تشتغل كسلع دون أن تكون كتابا. نعم، ولكن الفارق الجوهري، وغير القابل للبرمجة، هو طبيعة الفكر والحياة الإنسانية ذاتها. إنها في تحول ذاتي وتراكمي، تؤسس الفرادة المناقضة لكل ما هو محزوم كخوارزمية متجانسة، لذلك تسقط عنها إحدى ركائز التسليع، أي العمومية.
تمهد هذه الفكرة للقاء متخيل بين والتر بنيامين وماركس، وذلك بالرغم من أن بنيامين لا يشير إلى الفكرة التي أجمعهما حولها، أي صنمية السلعة وتحول الثقافة إلى سلعة. غير أن الموقف النقدي لبنيامين حول مآل الأدب و التحول الخطير الذي حدث في الفنون، بالانتقال من صنمية الفن إلى صنمية اسم الفنان، تظهر لدى بنيامين كتفرع معاصر لفكرة ماركس حول صنمية السلعة، وبالتالي هو جهد متمم، إذ رأى بنيامين بأن الصحافة قد ألغت تدريجيا، الفارق بين الجمهور القارئ وبين المؤلف. فـ: «القارئ على أهبة الاستعداد في كل وقت لأن يصبح كاتبًا… حيث إن رخصة الدخول إلى الأدب لم تعد تقوم على التدريب التخصصي ولا على التدريب التقني الرفيع، بل أصبحت ملكًا مشاعًا”.17
وقد مهدت هذه الخاصية، لتتدخل السينما، وتقدم التسلية لجمهور عريض، سيشكل عدده معيارا لتقييم السلعة التي تحظى بأكبر قدر من الجمهور المتسلي.
مطبوعات و ليست كتبًا
عبر هذه البوابة، دخلت الكتابة الرديئة السوق الثقافية، وهيمنت على توجهات القراءة بحكم اعتمادها على خط العلاقات العامة لإنتاج الأدباء محدودي المخيلة، وبحكم غياب النقد كفاعل جوهري في تعميق عملية القراءة، خصوصا في العالم الناطق باللغة العربية. وتغلل المال الفاسد في المساندة المتبادلة للعصبيات الشللية في الوسط الثقافي. بدأ الخلط بين المطبوعات التي تفشت بحكم ظهور صناعة الطباعة، وبين الكتب المكتنزة للروح الإنسانية بالكلمات، فتماهت لغة الروايات بأحاديث الشارع، البوستات على المنصات الرقمية بالأدب، حلّت الدردشات الثرثارة محل الحوارات المؤسسة للحدث.
وازدهرت هذه النوعية من الكتب كنفايات ثقافية مركبة الضرر: من جهة ساهمت في تصوير الكتابة كعملية مشاعة لكل متحذلق في المجال العام، ومن جهة أخرى عطلت تنمية القراءة، ووفّرت للسلطة السياسية الذريعة لتصوير الثقافة كشيء فائض عن الحاجة، وقد اكتملت المسرحية، بتكريم الرداءة بالجوائز.
لا يجوز أن نصف كل ما يتم طباعته بأنه كتاب. لأن هذا الأخير يعكس احتيازا للمعنى بالتأمل والمعرفة، ويمكننا ملاحظة منشورات دور النشر في العالم العربي، باستثناء كتب الوعظ الديني، هي أقرب إلى أن تكون، إما مؤسسات للترجمة، أو مطابع لكل شيء: روايات، منشورات حزبية، قوائم الطعام، تعلم اللغات في دقائق.. إلخ.
والأسوأ مما تقدم، هو تعزيز وتعويم موقف معادٍ للفكر النقدي تحت قوس وباء العصر: السأم المزمن تحت تأثير إدمان البوستات السريعة لمواقع التواصل الاجتماعي، فالناس هلعة دائما، حتى أولئك الذين لا يعملون، يمضي وقتهم ممتلئا بالثرثرة، وتمرير السبابة على شاشة الموبايلات، لتصفح البوست الأكثر إثارة لحفيظة الناس.
إغراء الفضيحة
ثمة بُعد آخر متمم لما تقدم، هو الإغواء الذي تمثله الفضيحة بالنسبة إلى قيمة النصوص في مخيلة القراء، فالفضائح تشتغل كدارة منتجة للقيمة الأدبية، بأدوات ليست لها علاقة بالنص في حد ذاته، والفضائح مدرةٌ للشهرة التي تستهوي أولئك المهووسين بها بأي ثمن. لقد شكلت حالة سلمان رشدي مثالا مغريا لأن يدفع الناس حياتهم لقاء ما حصده رشدي من مكانة غير مقترنة أبدا بعمله الأدبي، بل وحصد شهرة تفوق مستوى مؤلفاته حتى لو أنتج أضعاف ما أنتجه. والغريب في حالة سلمان رشدي هو صفاقة موقف الصحافة وتضليلها لقراءة رشدي الذي هو قطعا ممثل لحرية التعبير، كونها دعت إلى الخلط بين ما تعرض له من جرائم يجب إدانتها بحزم، حُرمةً لحرية التعبير، وبين قراءة نصوصه، وذلك بعد محاولة اغتيال رشدي في أغسطس 2022، حيث دعت جريدة النيويورك تايمز لجنة نوبل إلى أن تستعيد إرثها في “الاختيارات الخاطئة” على حدّ وصفها، من أجل منح الجائزة الأدبية لرشدي، وذلك -وفقا لكاتب المقال- لرد الصاع صاعين على رجال الدين، ولمناصرة حرية التعبير في العالم.18
يستحق رشدي جائزة مناصرة حرية التعبير Four Freedoms Award مثلا، ويحق للصحافة أن تطالب بذلك، فهذا ملعبها الأثير، لكن عليها أن تخرس في مجال الأدب، فمنحه نوبل الأدب، يشبه منح محمد علي كلاي بطولة العالم للملاكمة على الأعمال التي قام بها خارج الحلبة، وليس على أدائه الرياضي المحض.
فما أكثر الكتب التي استفادت من الفضائح، خصوصا تلك المتعلقة بقضايا الدين في المجتمعات الجاهلة، حيث لا يوجد في الفضاء العام التمايز الجوهري بين الشعوذة وبين روح الدين، القائم على الفضيلة الأخلاقية للمعاملة الحسنة، فالفضيحة تخدير الفكر النقدي، وتؤسس لاستجابة قطيعية داخل جمهور من الغاضبين، الذين يهتفون بأشياء لا يفقهونها. إنها إحدى آليات التحكم في استجابة الناس، وفي إنتاج رغباتهم. لذلك على النظريات الموجهة إلى القارئ أن تعيد النظر في أدواتها، إذ لم تعد توجهات القراء محددة بالكتب التي يقرأونها، بل بالدوافع التي تشدهم إلى المسارات المحددة مسبقا لهم.
جذرُ الكتابة – الأنسنة
ربما لم يكن يقصد ألبرتو مانغويل إظهار العلاقة بين التمدن والتدوين عبر دراسته لتاريخ القراءة، غير أنني سأستدعيه لتجسير القراءات المتضافرة حول معنى الكتابة/ القراءة، وبالتالي إظهار تلك النصوص التي لا يجوز أخذها في حسبان الكتابة.
عندما وجد مانغويل نفسه في متحف بغداد أمام ألواح من الصلصال التي كانت قد اكتشفت سنة 1984 في مدينة “تل براك” القريبة من مسقط رأسي في شمال شرق سوريا، اعتقد مانغويل بأن تلك النقوش الحيوانية المحفورة على الصلصال منذ الألف الرابع قبل الميلاد19، كانت أقدم شواهد الكتابة التي تتحدث إلينا مذاك، لكن ما الجدوى من الإشارة إلى لوح صلصال يحمل نقش عنزة منذ 6 آلاف عام للحديث عن أزمة الكتابة وما آلت إليه اليوم بفعل التسليع الثقافي الذي حوّل الكتب إلى مطبوعات مادية.
ثمة تعليل شاسع لهذا الاستفهام، سأتدرج في البرهنة عليه، وسأستعيد الحجة التي يتوسع فيها مانغويل حول ماهية فعل القراءة، والتي تمكننا من الربط بين النقوش السومرية والنصوص الحديثة، وذلك بإعادة الاعتبار لتمييز دقيق قدمه ابن الهيثم حول “الحس العادي الذي يحدث تلقائيا، وبين الإدراك الحسي الذي يتطلب قدرة على التعرف بالاستدلال والاستنتاج”20. وقد أدرجَ مانغويل القراءة في الخانة الثانية. مكملا بذلك فكرة ابن الهيثم عبر ربطها بالأبحاث الفيزيولوجية الحديثة، والتي تبرهن أن القراءة تساهم في تنشيط الحقل الإدراكي، وفي مقابل ذلك تأتي النصوص التي ستؤدي على نحو معاكس، إلى تكريس البلادة الذهنية، في النصوص التي تقول الشيء ذاته بثرثرة أقرب إلى التعذيب.
ثمة تقاطع بين مانغويل، وريجيسي دوبريه في قراءتهما للقبور المتحفية، فقد وجد هذا الأخير أن كلمات كثيرة أوجدتها في الأساس الصور الطقسية المرتبطة بالموت والخلود، سواء لدى الفراعنة أو لدى الإغريق، فكلمة image والتي تعني القناع الشمعي الذي كان يوضع على وجه الموتى، تعني اليوم شكلا، بينما كلمة Figura المرادفة لـكلمة صورة، فهي شبح الموتى، بينما اشتقت كلمة علامة Signe من séna أي شاهدة القبر.21
من بين ما تعنيه هذه الإشارة إلى الموت ودوره في إنتاج المخيلة عبر تمثيل حضور الموتى بالصور والأشكال، هو أن التدوين كفعل حاسم في تمدين الإنسان، لم يحدث لمجرد الرغبة في تخليد طبقة ذي امتياز دون غيرها، بل وإنما كرغبة في مراكمة الفعل البشري لتنميته، وقد كانت القراءة كفعل لتفكيك الرموز مدخلا لولادتنا ككائنات عاقلة.
يتراوح تاريخ التدوين بين الـ 5 و6 آلاف سنة ببداية غير أبجدية؛ حاولت تمثيل الأفكار بالأشكال الرمزية السردية، ناهيك عن الفوارق الزمنية العريضة التي فصلت الحوامل التقنية والثقافية لعملية الكتابة/ القراءة. فقد ظلت هذه الأخيرة لقرون طويلة امتيازا للنخب الدينية، ومحاطة بسرية مقدسة، خصصت نَسخَ الكتب بالرهبان في الأديرة، فتأخرت عملية دمقرطة الكتاب إلى القرن الخامس عشر، عندما تمكن غوتنبيرغ من اختراع آلة الطباعة سنة 1454، والتي أصبحت ركيزة أساسية لعصر النهضة والإصلاح الديني في أوروبا، دون أن يساهم ذلك في جعل القراءة ملكة عامة، علما أن البيانات المتوفرة حول مكتبة “دار العلم” التي أسسها الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في القاهرة سنة 1004 22، أتاحت للناس قراءة مجموعته الشخصية من المخطوطات الفلسفية والعلمية، دون أن تعكس لنا مدى انتشار القراءة حينذاك بين الناس.
فالسلطة الهجينة للعرش/ المذبح الأوربي، وظّفت تلك الآلة، كما فعلت مع الفنون البصرية، في الدعاية لسرديتها حول كل شيء، حيث اتخذ الفاتيكان من الكاتدرائيات لوحا لتلقين الناس أسفار الإنجيل. ولأن الناس لم يكونوا يجيدون القراءة، تنبه الفاتيكان إلى قوة الصورة لتزويد الناس بالحكاية التعليلية التي ارتأتها مناسبة، إذ كان الفاتيكان سباقا إلى التعاقد مع الفنانين لتصوير القصة الدينية على جدران الكنائس. وكان مايكل أنجلو من أوائل الذين تعاقدت معهم عائلة ميدسيس Médicis لرسم الحكاية الدينية على سقف كنيسة سيستين الإيطالية سنة 1508 ـ231512. وهي الخصلة التي اعتمدها “أرنست غومبريتش” لإظهار التحول بين فن المعبد الإغريقي وفن الكاتدرائية القوطية، حيث انصرف الفنان منذ القرن الثالث عشر وحتى أواخر القرن السادس عشر، إلى تقديم أكبر قدر ممكن من الحكاية الدينية في لوحاته. استثني منهم الفنان الإيطالي كارفاجيو الذي كان يقدم للكنيسة نسختها من الرواية، ويرسم سرديته الخاصة في لوحةٍ أخرى، وذلك لأن الفنان حينذاك، كان يسعى إلى: «رواية القصة المقدسة رواية مثيرة ومقنعة… من أجل أن يستمد الناس منها العزاء والفضيلة».24
فظلت الصورة الحكائية حتى وقت قريب، تفعل ما تفعله الدعاية مع السلع الثقافية اليوم. أي تعميم الإيمان بفكرة ما.
ثمة ركيزة تهملها الدراسات الثقافية المتعلقة بتاريخ القراءة والكتابة. وهي المدرسة. إذ ما قيمة الكتب في مجتمع لا يقرأ؟، ستنتظر الأفكار ظهور المدرسة حتى تتمكن من التأثير في الحياة العامة، فقد كان التعليم حكرا على الصفوة الدينية والسياسية حتى مجيء الملك الفرنسي شارلمان Charlemagne في القرن الثامن، الذي فرض على الكنيسة الفرنسية فتح مدرستين في كل منطقة توجد فيها كنيسة، ومن ثم بعده بألف عام، حدث التحول الأكبر في العلاقة بين اللغة والأفكار التي تحفظها الكتب، وبين الحياة العامة، وتحديدا مع قرار وزير التعليم الفرنسي جول فيري سنة 1883، الذي أقرّ إلزامية التعليم ومجانيته وعموميته، فباتت القراءة متاحة لعموم الناس.
الأمر الذي سيساهم لاحقا في تعويم الأدب الفرنسي كحامل للنظرية السياسية في القرن الثامن عشر، ومصدر مرجعي للناس الذين بدأوا بصياغة مطالبهم وحقوقهم بالاعتماد على الصياغات التي وفرها الأدب للمجتمع الفرنسي حول تحولاته العميقة التي تكللت بالثورة الفرنسية سنة 1789. الأمر الذي وضع الكُتّاب في مكانة منافسة لمكانة النبلاء، وذلك لأنه عبر الأدب الفرنسي وفقا لـ توكفيل: “قد أصبح كل ألم عمومي يتنكر في الفلسفة واحتمت الحياة السياسية بقوة بالأدب، فوجد الكتَّاب أنفسهم باعتبارهم موجهين للرأي العام، يحتلون في مدة معينة المكانة التي يشغلها عادة زعماء الأحزاب في البلدان الحرة… وقد أعطى ذلك إشعاعا للكتاب وسلطة للأفكار”.25
يحدث اليوم تحول معاكس لأثر الكتابة في أنسنة وجودنا، هذا الغزو المفرط للتسلية باسم السلع الثقافية، تفشيّها الكوني بحكم تداخلها مع وسائل التواصل الاجتماعي، حيث القيم مُثبطة المعنى، واللغة، بمختلف تجلياتها، مجتزأة السياق، متوافقة مع السياسات الثقافية التي ترسم لها مساراتها القهرية.
ههنا تتضاعف مسؤولية الأدب، بتدخله كمُنقذ للمخيلة البشرية من الصور النمطية الجاهزة. ليس أدب السوق طبعا، فهذا الأخير جزء من حيلة التسليع الثقافي، بل وإنما الأدب المتمرد على البلادة العامة، المستقل أمام جبروت الصحافة الجماهيرية، الأدب الذي يحمل وجودنا إلى بعضنا لتخصيب الحياة باحتمالاتها.
الهوامش
1 – توينبي، أرنولد. تاريخ البشرية. ترجمة : نقولا زيادة. الأهلية للنشر. بيروت 2004. ص170.
2 – توينبي، أرنولد. تاريخ البشرية. نفس المصدر السابق ص180.
3 – أشارك دعوة عالم الأساسيات الهولندي/ الأمريكي، فرانس دي فال، إلى إعادة التفكير في مفاهيمنا حول الفضيلة والتفوق المحصور بفكرة اللغة.
4 – راجع بهذا الصدد على الرابط التالي : شايـيم بيرلمان – لوسي أولبرخت-تيتكا: بَيَـانٌ من أجل إبستمولوجيا البلاغة الجديدة.. ترجمة: أنـوار طاهــر | الأنطولوجيا (alantologia.com)
5 – بارت، رولان. قراءة جديدة للبلاغة القديمة. ترجمة/ عمر أوكان. اصدارات أفريقيا الشرق. الدار البيضاء 1994. ص 17
6 – راجع بهذا الصدد. دولوز جيل وغوتاري فليكس. ما هي الفلسفة. ترجمة مطاع الصفدي. مركز الإنماء القومي. بيروت 1997. ص 56
7 – مانغويل ألبرتو. تاريخ القراءة. ترجمة : سامي شمعون. دار الساقي. بيروت. 2001. ص 32
8 – بارت، رولان. قراءة جديدة للبلاغة القديمة. ترجمة/ عمر أوكان. اصدارات أفريقيا الشرق. الدار البيضاء 1994. ص18
9 – دريدا. جاك. صيدلية أفلاطون. ترجمة: كاظم جهاد. دار الجنوب. تونس 1998. ص:31
10 – بيرلمان، شاييم. في جدلية الفلسفي والبلاغي والكوني. ترجمة: أنوار طاهر. مؤسسة مؤمنون بلا حدود. ترجمات. أكتوبر 2017. ص7
11 – فوكو.ميشيل.الكلمات والأشياء.فريق الترجمة: م. صفدي. سالم يفوت. عرودكي. أبي صالح. كمال اسطفان. مركز الإنماء القومي.بيروت 1991. ص 59.
12 – راجع بهذا الصدد: بيرلمان شاييم وتيتا أولبريخت لوسي. إبستمولوجيا البلاغة الجديدة. ترجمة أنوار طاهر، مجلة الكلمة اللندنية. العدد 146 حزيران 2019.
13 – ماركس. كارل. رأس المال/ نقد الاقتصاد السياسي. ترجمة: فالح عبد الجبار، دار الفارابي.2013. ص 106.
14 – راجع في هذا الصدد: ريفكن، جيرمي.عصر الوصول/ الثقافة الجديدة للرأسمالية المفرطة. ت. صباح الدملوجي. المنظمة العربية للترجمة. بيروت 2009 ص 299 وما بعد.
15 – راجع بهذا الصدد. فاليري. بول. الخلق الفني، ترجمة: بديع الكسم. دار طلاس. دمشق 1998. ص 62/65
16 – كواين . ويلارد فان أورمان. من وجهة نظر منطقية. ترجمة: حيدر حاج اسماعيل.المنظمة العربية للترجمة. بيروت 2006ص 82
17 – بنيامين، فالتر. العمل الفني في عصر النسخ التقني. مجلة نزوى العمانية. يناير 2012 على الرابط التالي :
https://www.nizwa.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%80%D9%80%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D9%80%D9%8A-الأفضل.%D9%81%D9%80%D9%80%D9%8A-%D8%B9%D8%B5%D8%B1-%D8%A5%D8%B9%D9%80%D9%80%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A5%D9%86%D8%AA%D8%A7%D8%AC/
18 – مقال لديفيد ريمنيك/ إنه الوقت لمنح رشدي جائزة نوبل: على الرابط التالي:
https://www.newyorker.com/magazine/2022/09/05/its-time-for-salman-rushdies-nobel-prize
19 – مانغويل ألبرتو. تاريخ القراءة. ترجمة : سامي شمعون. دار الساقي. بيروت. 2001. ص 39
20 – مانغويل ألبرتو. تاريخ القراءة. نفس المصدر السابق. ص46 .
21 – دوبريه، ريجيسي. حياة وموت الصورة. ترجمة فريد الزاهي. إصدارات أفريقيا الشرق، الدار البيضاء 2007. ص 17و18.
22 – مانغويل ألبرتو. تاريخ القراءة. ترجمة : سامي شمعون، مصدر ذكر سابقا. ص 44.
23 – كارلين فانس، مايكل أنجلو، بيوغرافيا نحات ورسام. باللغة الفرنسية على الرابط التالي :
https://www.linternaute.fr/biographie/art/1775128-michel-ange-biographie-courte-dates-citations/
24 – غومبريتش، أرنست. قصة الفن. ترجمة : عارف حديفة. هيئة البحرين للثقافة والآثار.المنامة 2016.ص 195
25 – ألكسي دي توكفيل. الأدب والثورة الفرنسية. ترجمة:إدريس بنيحي. موقع الجابري على الرابط التالي :
https://www.aljabriabed.net/n61_10benyhya.htm