أشرعة الضوء حلم جميل كان يراود "بدر الشيدي” منذ زمن – كما يقول مبارك العامري على غلاف المجموعة التي تقع في 110 صفحات من القطع الصغير.
ويضيف العامري:
حلم ينسل من بين خبايا الروح وجراح الأيام الغابرة.
كوميض نيزك
وحين تفتح المرافيء أذرعتها
كأجنحة النوارس المنفية الى أصقاع بعيدة
تلك النوارس التي يحبها الشيدي كثيرا
تنقلت اللغة من عقالها
لتعانق فضاءات رحبة
وتسلك دروبا
ما تزال تحتفظ بآثار خطوات حفرتها أقدام الاجداد
كتبوا قصائدهم الأخيرة على صفحة الماء
هنا تحترق أطراف الأنامل ليأتلق المشهد
معلنا بؤس الواقع
وهزيمة كل الرادارات
نعم.. هذا صحيح ”أشرعة الضوء” كما يقول العامري.. هي حلم ولكنه حلم غير مكتمل في ظني واذا كان العامري متحيزا تماما لبدر الشيدي فإنني على العكس متحيز تماما لفن القصة الجميل ولفعل الكتابة الموازي للحرية بكل معانيها وللحياة في بعدها الأصيل.
إن أغلب قصص هذه ا لمجموعة ”أشرعة الضوء” – عودة مكللة بالفراغ – تجليات حلم جميل – مشاكسة – مشاهد من يوم مجتر تناوش وتشاكس هما أساسيا هو الاغتراب والصراع بين البقاء في الوطن بكل ما قد يتمشي فيه من مساوي، وهموم وأزمات وحلم الهجرة الى عوالم أرحب وآفاق أكثر اتساعا وأحلام أكبر – لعلها أكبر مما تحتمله حتى تلك العوالم – ولكنها دائما قصص غير مكتملة.
وقصة أشرعة الضوء التي تتناول في هدايتها – وهي قصة طويلة تشغل وحدها أكثر من نصف مساحة المجموعة 60 صفحة بالتفاصيل – أزمة راشد الذي يعاني في وطنه اغترابا مزدوجا من فقده لأمه وأبيه في صغره وحياته برفقة مرزوق الذي يعرف بعد وقت طويل أنه الخادم الذي اشتراه أبوه قبل موته واعتبرته أم راشد أحد أبنائها، ثم يعاني من الاغتراب مرة أخرى بسبب ضيق أفق القرية وضيق ذات اليد ويبدأ في التفكير بالسفر وما يواجها من مصاعب حتى يسافر يفاجئنا الشيدي بأنه فقد صبره فجأة واضعا نهاية سريعة لا تتناسب مع طول القصة ولا مع مدلولها.
وليت الشيدي تأمل ما كتبه قليلا.. ليفسر لنا مثلا كيف ان ”مرزوق” الخادم الذي ربي راشد وادعى انه أبوه لا يكبره إلا بخمس سنوات فقط هي عمر مرزوق حين اشتراه أبو راشد، ولو تأمل الشيدي ما كتبه قليلا لأعاد النظر في كثير من ا لصياغات التي لا تليق بفن القصة الذي لا يحتمل الاستسهال من مثل ما جاء في صفحة 14:
”راشد يتكلم والدمع يتساقط من عينيه على خديه، والشايب مرزوق في أشد الاستغراب والحيرة من الشيء الذي يسمعه ولا يتصور بكل هذه السرعة كيف عرف راشد هذا السر الكامن منذ سنين وبدأت علامات الاستفهام ترتسم على جبينه انه حقا في حيرة ”.
وتسير بعد ذلك باقي قصص المجموعة على منوال واحد وهم واحد وهو هم الاغتراب.
وإن بأساليب مختلفة فيما عدا قصة ”مشاكسة” التي تتأمل الهزائم الصغيرة للانسان في وطنه والتي تجعله يصارع وحوش الوهم الليلية التي تهاجم أحلامه بالكوابيس كل ليلة.
وتأتي قصة ”مشاهد من يوم مجتر” وقد تخلصت من هنات كثيرة أصابت باقي المجموعة، فاللغة فيها مكثفة تعتمد على الجمل القصيرة الموحية ومن خلال المقاطع الأربعة التي تتكون منها يتشكل عالم من مجموعة علاقات الراوي بالأماكن والناس وكل ما هو موجود في تلك المدينة التي يندس مغتربا في عوالمها يصارع وحدته وأحلامه وشهواته وآلامه منهيا يومه بتحقيق حلم راود الكثيرين ولكنه حتى به لا يحقق نفسه الحقيقية فيختفي في الظلام في اشارة الى عدم تحققه وعدم اكتمال هويته في واقع بائس يحتاج الى الكثير من الحب والجهد لازال لتغييره أو على الأقل للتخفيف من حدة رداء ته وقسوته.
ورغم هنات ومشكلات هذه المجموعة فانه يحسب لها محافظتها على هويتها القصصية دون الانجذاب الى اللغة الشعرية التي تجعل الكثيرين يخلطون ما بين القصة والشعر ويفقدون القصة هويتها وهذا لا يتعارض مع مصطلح أدوار الخراط الشهير – الآن – ”الكتابة عبر النوعية” لأن هذه الكتابة لها خصائص لا تفقد القصة أساسياتها.
وهو ما يشير الى ان الشيدي يمتلك كثيرا يجعلنا نأمل – مع قليل من التروي- أن يحقق أحلامه الجميلة كأجنحة النوارس – تلك التي يحبها كثيرا.
المؤلف: بدر الشيدي (قاص عملني)