تبدأ الحداثة بوعي اللغة،لا من حيث هي وسيلة أداء، بل من حيث هي منظور رؤية، أو مادة طبيعية -ميتا فيزيقية ، كالحجر، والشجر، والروح .تبدأ الحداثة بتنامي وعي لغوي إلى الأوج يحيل اللغة إلى فاعل من الفواعل في العالم ،في إطار القصيدة، النص ، وفي اطار علاقة الشاعر بالعالم ، وعلاقة النص به .
واذا لم تبدأ الحداثة بوعي اللغة، فانه سرعان ما ينبثق ويتنامى ليتطابق مع صيرورة الحداثة ثم في غاية المطاف يتماهى معها، وفي الأغلب أن تنحسر الحداثة ويبقى وعي اللغة. تتحول اللغة إلى مادة للعمل الإبدأعي تنتقل من كونها نظاما صوتيا سمعيا إلى كونها نظاما بصريا. ثم تستغل أبعاد اللغة الأخرى ووظائفها المتعددة الصوتية، الدلالية، البصرية، التواصلية، الابهارية ،الزخرفية.. الخ . وبكل ذ لك تتحول اللغة من ظاهرة متجذرة في الزمان ، وفاعلية زمنية، إلى ظاهرة تنخرط في المكان وفاعلية مكانية.
وغرضي في هذا البحث أن أبلور ظاهرة جذرية الأهمية في قصيدة الحداثة هي تحول اللغة من نظام صوتي إلى نظام بصري ، من جهة، وتحولها، من جهة أخرى، من وسيلة تعبير عن عالم إلى مكون عضوي للعالم الذي يجسده النص الشعري . وسأبدأ التوضيح الفكري ،بمثلين اثنين أستخلص منهما سبل البلورة النظرية التي تبقى على قدر كبير من الغموض دون استخدام الأمثلة التوضيحية :
نتأمل النص التالي لأدونيس (( الشاعر (( العالم يشجب ، والكلمات نساء يقرؤهن ، يراودهن كموت : مايقتله ،يحييه يصنع من كفن التاريخ سريرا آخر، يولد فيه
(1) أو النص التالي :
الأطفال
"قرأ الأطفال كتاب الحاضر، – قالوا :هذا زمن يتفتح في رحم الآشلاء، – كتبوا هذا زمن شاهدنا فيه كيف يربي الموت الأرض ،وكيف يخون الماء الماء." (2)
أو، أخيرا مؤقتا ، النص التالي :
أبو تمام
"يحدث أن يأتي ليل وأن يقرأ للضوء كتاب الظلام يحدث أن يصغي شعري ، وأن يقول للشمس هناعهدنا صرنا دما فردا، وصار المدى في وجهنا ، مستقبلا للكلام" (3)
02
ليس من قبيل الصدفة أن النص الأول الذي اقتبسته نص عن الشاعر، في المطلق، وأن النص الأخير عن شاعر بعينه ، أبي تمام ، وأن النص الذي يتوسطهما عن
الأطفال ، أعظم الشعراء كما صرخ رامبو. الطفل شاعر، توسط بين العالم والشعر على الأقل . التلآثة يسم عالمهم عشق الكلام ،وطراوة اللغة، والافتتان بالهشاشة والطزاجة والجدة في كلا اللغة والعالم التلأثة يبتكرون عوالم بكرا، وتسحرهم بكورة العالم . الثلاثة يتعبدون في محراب اللغة، لامن حيث هي وسيلة أداء كما هي لعالم الفيزياء ألذي يصف تجربة في مختبر -كما هو شائع في الظن عر الأقل -بل من حيث هي جسد يفور بالحياة ترسل لمسته رعشة الشهوة والخور في أنامل الشاعر والطفل ، ويكشف عوالم السحر والغواية، ومن حيث هي بخور الهيكل الذي لا هيكل من دونه ، ومن حيث هي المنطوق السحري الذي يخلق العالم الآخر الذي تغيب فيه الروح بتكويناته الصوتية وجرسه الإيقاعي وتشابكات مخارجه ومداخله وفيضه الخرافي . اللغة من حيث هي ما هي لي وأنا أكتب الآن لغة، لا وأنا أكتب الآن باللغة. آو وآنا آلغو الآن ، لا وأنا أكتب لغة، أي من حيث يتحول سلوكي ، فعلي في العالم . إلى لغو: أي إلى فعل باللغة، فعل اللغة، فعل لغوي .
لم يكن ام لأمر صدفة إذن ، لأ، بل كان ،غير أنني لاحظت فور كتابة النصوص على الورقة البيضاء آن بينها ترابطات وتواشجات عل الصعيد الذي وصفته لكن سواء أكان الآمر صدفة أو لم يكن فإن نصوصا أخرى ستظهر آن الخصائص التي سأقتنصها في هذه النصوص وآنسبها إلى كونها نصوصا عن ألشاعر والطفل وشاعر فرد عظيم , تبرز أيضا في نصوص لاعلاقة لها، من حيث الموضوع، بالشاعر آو بالطفل وعندها سيكون الدليل قد اقترن فيه الجانبان أو هكذا آمل على الأقل.
03
في نص الشاعر يبدو العالم بكرا تماما، كل ما فيه غير ما هو مألوف ، كل مافيه تقمص ذأتا أخرى وكذاعالم الشاعر وهو، الشاعر، يتعامل مع المتقمصات ،يعامل ألآشياء في وجودها المتحول الجديد، جاهلا تماما، آو متناسيا تماما اذا لم يكن جاهلا، الآصول ألتي عنها تحولت النساء نساء، في عالمنا نحن ، الذين لا نعرف كيف نقرآ غابات آشجاره أو أشجار غاباته السيمائية أما في عالم الشاعر، فالنساء لسن ألنساء الكلمات ليست الكلمات ، الكلمات نساء ولأنها كلمات ولأنهن نساء ولانها – لآنهن الكلمات نساء فهو يقرؤهن و لايقرآها بل أروع من ذلك إنه يغويهن، تنهشه الشهوه لإسقاطهن في الشرك فيفتضهن آه ما ألذ أفتضاص الكل آعني النساء ومن مراودته لهن، من القتل والاحياء . يصنع من الكفن سريرا. لا لموته، بل لولا لأدته ، كل شيء إذن اخر . كل شيء نقيض لماهو هو هكذأ عالم الشاعر ألكلمات في هذأ النص ليست وسيلة للتعبير – كما تعلمنا النظر ألتقليدية للغة انها مادة التجربة، إنها، عفوا، التجريه إنها، عفوأ عفوا، العالم الشاعر في العالم هو الشاعر في اللغة، لا الشاعر باللغة والشاعر في اللغة لا ينتج نصا يعبرفيه عن مشا عر وا نفعالات وأحداث وتجارب كلها تحدث في العالم الأشياء، والسماء، والبشر بل يبدع نصا اللغة فيه هي المشاعر والانفعالات والاحداث
والتجارب التي تحدث في العالم . الشاعر لا يستخدم اللغة ليعبر الشاعر يجاسد اللغة أو يفتح أبواب العالم بها على الأقل أو يفعل بها السحر أو يحفر بها طريقا آو يقرأ العالم أو. .. العالم ، آيضا, يكون لغة . نظاما، أو فوضى لا فرق , من غابات سيمائية . والشاعر في اللغة يفعل بالعالم كما يفعل بالكتاب يقرؤه ، يطويه ، يمزقه ، يفهمه ، لا يفهمه , يد رك رموزه وأسراره التعبيرية أو يرأه أصم طلسميا ,لغة مغلقة مقفلة موصدة سرية العالم نظام من الرموز ، نظام ترميزي ، والشاعر يفكفك هذا النظام تماما كما يقرأ ألنص الشعرفي ويفكفكه هل قلت يفكفكه,ويفككه آيضا،بل ويكفكفه كذلك . " ها أنذا أكفكف العالم كالدمع " .
1-3
ما في نمص الشاعريصبح في نص شاعر فرد هو "أبوتمام " (الشاعر أيضا) لا نصا راهنا تفكك رموزه وحسب ، بل مستقبلا للكلام كشفا لقرأءة الآتي . كل شيء جزء من نص والنص هو في أيضا فعل وفاعل . حضور أسطوري آو مادي . الآن الشعر يصغي ويعلق مستحسنا الشعر أو مستقبحا إياه . غدا الشعر يضرب الشاعر بعصا على قفاه ويقول له (ط + ز) لماذا تتوقعني أن أمنح هذه الدربزة؟ لكن لا بأس . الشعر، الكلام اللغه ، القراءه تصبح هي مادة النص الفعلية , تصوريا ولغويا : هي سطح النص وبطنه ظاهره وباطنه ،جليه وخفيه لم تعد وسيلة، كما هو اللون في لوحة كلاسيكية , هكذا يقرأ (هو. من .، أبوتمام ،، لا لليل الذي يحدث أن يأتي . حقا، لا أعرف لا يهم تابع) كتاب الظلام للضوء الضوء آعمي أمي لا يعرف القرأءة او لا يعرف أن يقرآ كتاب الظلام . لذلك يأتي هو الساحر ليقرأ للضوء كتاب الظلام . يجعله يفهمه .الفهم يخلق الألفة . الألفة المحبة ، المحبة المضاجعة. المضاجعة ولادة الولادةهي الشمس شعري يقول للشمس، بعد أن أصغى لقراءة الضوء لكتاب الظلام هيه أيتها الشمس الوليدة . جميلة آنت ، عهد لي ولك ، لقد صرنا دما واحدا لماذا، كيف ، تسأل الشمس. لا يهم أن تعرفي تابعي . فقط . ينهرها شعري . لكنه يستمر: المدى في وجهنا. انظري ما أجمله . هذا المدى الذي ينام (عفوا، يتنامى) في وجهي ووجهك هو مستقبل للكلام الذي سيكون ، حتما ، جميلا ، جديدا ، طريا ، بارعا ، حلوا ، مكتشفا ، بكرا . تحبين البكورات ، أعني البكارات ، عفوا يسأل شعري . حين لا تجيب الشمس يهمس :لا بأس . أنت تفتضين العالم كل صباح . أنا أعشق البكو.. كارات. أنا الشعر. ما الشعر. ما نفع الشعر بلا بكاكورات يهدأ شعري . لا تجيب الشمس أفيق أنا آبوتمام وأوقظ الكمات وأركبها الى قصر الخلافة لألقي قصيدتي الجديدة (ط + ز) جعنا منذ اسبوع لم نقبض شيئا من مولانا. لكن هذا شيء وماكنت أقوله قبل قليل شيء آخر. كت أحكي هناك عن الشعر الآن يبدأ العمل الوظيفة كتابة. أحم .أحم. ((ألا هبي 00)).
3-2
في النص التوسطي ، ألآطفال . كالشاعر و كشاعر يقرأون العالم . والعالم الآن هو الزمان لا الأشياء. لكن الزمان كتاب أيضا، فهو في العالم ومنه . أو العالم في الزمان ومنه لافرق. المهم كلاهما كتاب . يقرأ الاطفال كتاب الحاضر يقولون: هذا ا لزمن يولد في الموت . الموت يصبح ((نانا)) الأرض. الماء يخون الماء. كل شيء مقلوب على طائه +يائه + زينه. نسيت هاءه. لا بأس.. أو على رأسه. ما الفرق . الرأس والأولى آصبحا واحدا (لأحظ أنني لم أقل أصبحتا) لكن ما الفرق. ا ، تا ، كله واحد. نحن في الزمن الذي قرأ الأطفال في كتابه انقلاب ألقيم والمفاهيم والزمن والموت والولادة كل شيء اللغة، اذا انقلبت ،لابأس .. هي جزء من هذا العالم.
04
في هذه اللنصوص الثلاثة، العالم نص والشاعريقرأ النص ذلك لصن معطيات الرمزية والصوفية الأولى هنا يصبح العالم لغة كتابا. لكن قصيدة الحداثة تستمر في التنامي على هذا المحور لتصبح اللغة هي كتاب لغة النص، أو اللغة لغة كتاب النص أو اللغة نص كتاب النص – لا فرق . كل مايفي نتوء اللغة في النص ،على سطح النص ، سطوعها، بروزها، لا كوسيلة، أو ككتاب فقط ، بل كعطيات فاعلة , فعلية، كأي عمليات أخرى تصبح اللغة. النص، قارئا، بعد آن كانت (كان) كتابا يصبح النص اللغة العالم كاتبا، بعد أن كان كتابا أي أن العمليات اللغوية الأساسية التي يمارسها الانسان: الكلام ،القراءة، الكتابة، الفهم ، السماع ، تغدو عمليات أساسية تمارسها اللغة ويمارسها العالم على الإنسان .
هدوءا . دعوني أوضح في النصوص السابقة، في التراث الرمزي الصوفي لدينا العلاقة التالية:
1- الانسان — يمارس – اللغة
2- الانسان — يمارس — العالم
— كلغة أو لغة — في النصوص التي ستتلو، أي في تطور قصيدة الحداثة.
تتشكل الصورة التالية
1- اللغة — تمارس — الانسان .
2- "تمارس" تعني: تكتب . تقراء. تسمع . تفهم . تنطبق . الخ.
أي: اللغة فاعل الانسان – اللغة تفعل الانسان وتفعل به..
05
في وجه أولي من وجوه تحول اللغة من وسيلة أداء تعبيري ، أي وسيلة افصاح عن ..، إلى وسيلة أداء فعلي ، أي وسيلة ممارسة العالم ، تحل اللغة محل أدوات ووسائل أخرى يستخدمها الإنسان في نشاطه اليومي أو في نشاطه الوجودي مكتسبة بذلك دورا جديدا في علاقة الفاعلية التي تنشأ بين الانسان والعالم وفي مثل هذه الحالة، لا تعود اللغة ظاهرة صوتية – دلالية، بل تكتسب طبيعة أخرى مغايرة تماما، كما يحدث في النمر التالي لعبدالعزيز المقالح :
اللوحة الثانية :
(( كم مدن خائنة، للجوع . . وأخرى لليل استوطنها الرآس المقطوع كم خارطة للشمس استلهمها دربا وسريرا زيتا .. مصباحا وأخيرا صار الشعر مدينته في الكلمات يسافر نحو الشرق يسأل عن غانية في لون الشمس في شبق البحر عانقها يوما في مدخل آبوإب الصحراء فاحترقت عيناه انفصل الرأس عن الجسد
العاشق . .)) ( 4)
اللوحة الثالتة :
"أشجني يا هذا الشجر النابت في آودية القلب أسقيك دمي فلتفتح بالكلمات جدار السجن ولتجعلني من رواد مدينة أهل الكشف اجعلني نخلة حب في مدن الشعر وفانوسا قي أقطار الكلمات الخضراء " (5)
وفي وجه آخر، تتحول اللغة، أو الفاعليات والنشاطات المتصلة بها، مثل القراءة والكتابة، إلى منابع لرؤية العالم أشد تعقيدا وإلى ممارسات فعلية تقوم بها أشياء ومكونات للوجود الطبيعي والانساني لا علاقة لها أصلا باللغة. هي ذي أيضا نماذج من شعر المقالح "وشربنا نبيذ الأحاديث ، تكتبنا وتحاورنا قبل ومواعيد "
(6)
"يكتبني دمي … تكتب الدماء اللحظة – العصر يسجل الزمان يقرأ العالم في التراب ساعة الوداع تحفظ الآفاق ما يكتبه دمي" (7).
"أظمأ إن هجرتني القصائد تقرؤني في النهار الرياح ويقرؤني في المساء البكاء"
)8). "شارع واحد ظل يغمرني بالضياء الملون يقرأني " (9) وفي وجه أكثر تعقيدا بقليل من تجلي هذا الوعي الحاد للغة، تتحول اللغة إلى رمز آساسي مولد لفاعلية الانسان في العالم ومحرقا لتجربته وتأسيسه لقيمه الخلاقة، لا على مستوى اللغة والابداع الفني ، بل على مستوى الابداع الفعلي لحياة جديدة وتكتسب اللغة الوجه النقيض ايضا: أي انها تصبح رمز انهيار العالم والقيم وفقدان الإبداع لحقيقته ويتجلى ذلك كله أيضا في المقاطع التالية من نصوص لعبدالعزيز المقالح: "أيها الشعراء اللملوك: اخرجوا من كاتبكم تأسن الكلمات اذا لم تكن من دم القلب طالعة وتموت العصافير في ظلها ويموت الشجر" (10) "ادخلوا جسد الكلمات ، اركضوا في مياه الحروف ، ولا تتركوا ثغرة لعبيد الخليفة إن العبيد أذ ا دخلوا الكلمات تخثرت الكلمات تصير المعاني دما، والحروف حروقا، فلا تعجبوا إن تخثر ماء الكلام ، وان ظهرت كل أشجارنا رخوة ومجوفة ونوافذنا في الظهيرة مسكونة بالظلام .." (11).
ولنتامل الآن هذه المجموعة من النصوص ولنر كيف يتم فيها التحول من (1) الى (2) بحيث يغدو ضروريا آن أقول في نقطة ما:
لنتأملها الآن ، أنتم وأنا، هذه
النصوص ، ولنر كيف تفهم + نا + ها
1 – قاسم حداد :
"ليمحو لغة ويرسم لغة يعلمها سر الله والفتح وباب الله شهى …
يصير كلاما يخرج من نثر الخالق يتدفق في شعر المخلوق ،وجنسا يطلع كالمعجز في فردوس الآرض ، يصير كلاما أشقى، لغة أجمل سيشعل قنديل الجنة والنار" (12) "أصطفي سورة خرجتها التآويل والشك قلت للماء، قال افتحوا طاقة الحرف للروح ما تشتهي" (13)
"لتقرأ. لك الموت والمجد فاقرأ لك النعش عوشا لتقرآ ألف باء جيم جاءوا من البحر والبحر مستنفر يتهجي ويهجو"(14)
"تلك نساء عذبهن العشق وشهق أللغة الفصحى" (15)
"إن آعطوك لأ تآخذ سوى لغة تحاور نفسها تمحو وتنسى ثم ترسم شكل مغتصبيك" (16)
"مرخية لغتي على ماء العناصر" (17)
"كنت في أضيق من الوحدة، وآكثر غربة من ألكلمة، آتداخل قي أنوثة اللغة آقول لمخلوقاتي كوني ، فآرى أكوأخا. ليست لي.. ولست لسقيفة تشتبك فيها النهايات وتفتح الصديد والصدى" (18)
"ما أعطيك أقواسا، ملفقة لئلا تهتدي للماء لو أعطيتني لغة تحارب نفسها" (19)
"أتمترس بشرئك الموج وغواية الزبد، محاربا كجيش في جسد، أكلم الأرض بكلام الغسل فتختجل .ساعديني . لكي يبدأ الترميم افتحي خطيتة اللغة وكلمي الله" (20)
من كل ذلك
"من وجع النوافذ التي تطل على سريرة النا س من التربص للحلم وحلمة الرضيع
من ألشهقة الاخيرة لبداية الخلق من الرسائل التي انتظرتها وكانت لم لا تصل من تضرع الخبز وقصعة الجوع من الذي لم يمت والذي قتلوه والذي سوف والذي لم لا يزال والذي صديقا لي والذي لا أعرفه والذي لا اسم له من الزجاج الصادق الذي لا يشف عن شيء غير البرد والشظايا من ألخوف الذي لأ يذهب مع القمصان و لا الغسل ولم لأ يصيير ذكرى من الخطوة التي وراء قدمي من الحقائب المشحونة حصارا من كل ما ليس في الظن والمحتمل ولا يصدق أتكون كتابا يتحول إلى فرة السنابل و رقة ورقة وعلى أن أتشبث بما ليس يأسا" (21)
الكواسر
"أسع المدى وتضيق بي طرقات آرضي آيتما أمضي تطاردني ألكواسر خيمتي مهتوكة، ولغات أهلي تحتفي بنهايتي وتجس نبضي كلما آرخيت أحلامي على حجر مشى وبقيت في سر المدى وبقيت وحدي كلما أرخيت شدوني على خشب المدينة شاردا تهتج بي ساحتها وبقيت في لغة الصدى وبقيت وحدي" (22)
"أقذف مخلوقاتي نحو مضيق متسع أمسح عن لغتى ويدي الطحلب وألطمي وآطهو كلماتي أسمي لغتي شجرأ، وأسميها طرقا و مسافات واسميها احصنة، وأساوم بلاد الليل على كفن يدفىء أرض تسحب خرقتها الملصوقة في أللحم فتخرج آرغفة وعصافير تغني قبل الكلمات وقبل الخلق تعرف مخلوقاتي لغة لغتي شجر الأراك يضيع الغافل فيها ويحاورها الضائع يغلبها لغتي تنسى بهجتها الأولى تخلع أقنعة الكلمات الأولى تفتح تاريخا كتبا . انسابا كاذبة لغتي تطليم من فضح العار وثلج الغار لغتي تبتأ بالأحجار السوداء لغتي . هذا ألماء" (23)
ماء المعنى
"آخيت فوضاي ، واستسلمت يداي للغواية جعلت جسدي آنية للغة، ورسمت غموضي فضحا للأرض لأخبارها، لصورة تمزح الماء بالكلام سميت الكتابة خطيئة القول ، وهيأتها لجموح المعنى أرخيت الهذيان الهادر، روضته مرة، كنت ريفا من الكلمات القديمة، رممت قبرا وتكلمت كلام البحر الغادر، غيرت كلاما يخرج من كتب النوم . كسر النوم ففاضت آحلام الفوضى المحبوسة في الليل ،فتحت الليل وآخيت يدي لتغوي لغة في جسدي وتخالطت بماء المعنى تطاير في أعضائي سرب الكلمات القادمة من يقرآهذه الكأس ويعشق مخلوقاتي يطير"
(24)
2 – محمود درويش
"آنا من رعاة الملح في الأغوار ينقر طائر لغتى، ويبني عش زرقته البعثر في خيامي "(25)
"وآنا بعيد عن كلامي " (26)
"لم نكن مخطئين لأنا ولدنا هنا … … ولامخطئين .. الأن رواة كثيرين جاءوا إلى ابجديتنا لكي يصفوا أرضنا، مثلنا مثلنا، تلك أصواتنا وآصواتهم تتقاطع فوق التلال صدى وأحدأ للصدى" (27)
" أأرحل من جديد ما دام لي عنب وذاكرة، وتتركني الفصول بين الإشارة والعبارة هاجسا؟ ماذا تقول؟ لا شيء ياريتا، أقلد فارسا في أغنيه عن لعنة الحب المحاصر بالمرايا.. عني؟ وعن حلمين فوق وسادة، يتقاطعان ويهربان ، فواحد يستل سكينا، وآخر – يودع الناي ألوصايا لا أدرث المعنى، تقول ولا أنا، لغتي شظايا كغياب امرأة عن المعنى، وتنتحر الخيول في أخر الميدان." (28)
"أعد ، لأرثيك ، عشرين عاما من الحب ، كنت وحيدا هناك تؤثث منفى لسيدة الزيزفون" وبيتا لسيدنا في أعالي الكلام .تكلم ، لنصعد أعلى وأعلى. على سلم البئر، يا صاحبي ، آين أنت؟ تقدم ، لأحمل عنك الكلام . .وأرثيك (29)
" لم يبق في الأرض متسع للقصيدة، يا صاحبي فهل في القصيدة متسع ، بعد، للأرض بعد الفراق؟" (30)
"لنا ما علينا من النحل والمفردات . خلقنا لنكتب عما يهددنا من نساء وقيصر..
والأرض حين تصير لغة" (31)
"لم يبق في صوتنا طائر واحد للرحيل الى سمرقند أو غيرها، فالزمان تكسر واللغة انكسرت" (32))
"القطار الأخير توقف عند الرصيف الأخير وما من أحد ينقذ الورد. ما من حمام يمط على امرأة من كلام وانتهى ألوقت لا تستطيع القصيدة أكثر مما استطاع الزبد" (33)
" أريد مزيدا من الآغنيات لأحمل مليون باب.. وباب وأنصبها خيمة في مهب البلاد، وأسكن جمله "(34)
"ألا تستطيعين أن تطفئى قمرا وإحدا كي أنام ؟ آنام قليلا على ركبتيك ، فيصحو الكلام ليمدح موجا من القمح ينبت بين عروق الرخام؟" (35).
"تذكرت أني نسيتك ، فلترقصي في أعالي الكلام " (36)
"مسي بأطراف ظلك جن الأناشيد يصح الكلام على عسل الشهوات" (37)
" سأحيأ كما تشتهي لغتى أن أكون ساحيا لقوة هذا التحدي" (38)
3 – أحمد مدن
"وتقذفني عتبات المدينة هل ها هنا ساحة أم سطور؟ مرت الكلمات بطاء على جسده هل يداري أساه ،حروفا وتسقط بين يديه عصافير هذا البكاء أم تكابر رأس الطفولة . والكتب البادئة ؟!" (39)
"هل يكملني حد هذي الكتابة ؟! أم يراوحني صفحة من ورق ؟!" (40)
"ما حيا صورتي من غبار يحوطني صائرا شكل هذا الكلام " (41)
كان لابد أن أتقصى . .كلماتي التي سمرتني على جنبات الور ق لم تعد كلماتي لكلما دخلتني التفاصيل دهشة عمر الحروف وشكل المدى كلما فقدت وجهها المتقادم في جهة باتساع ?لسطور وهذا الجنون / الأفق كلماتي التى ابتدأت ، تكتسي لحم هذا الختام " (42)
06
تصل اللغة واحدة من ذرى صيرورتها الى مكون من مكونات رؤية المبدع للعالم ،لذاته وللانسان وللطبيعة وهما وراء، ولعلاقته المنخرطة الحميمة بها جميعا في شعر أدونيس ، وهي تمر بمراحل تطورية ومقصل انقطاع معرفي جوهري في هذا الشعر حيث تقفز من كونها وسيلة أداء الى جزء من نسيج الرؤية / الرؤيا، غير آنني ، إيجازا، لن أتتبع هذه العملية تعاقبيا وتوالديا، بل سأركز على صورتها الذروية التي تتمثل في آخر قصائد آدونيس المنشورة وفي قصيدة لم تنتشر بعد في "شهوة تتقدم في خرائط المادة / 1987" ينفتح الوعي الذي يخلق القصيدة على اللغة (الكتابة والكتب ) فور انبثأقه في الوجود:
1- "حدث هكذا -سكاكين تنزل من السماء الجسد يركض إلى الأمام ، والروح تتجرجر وراءه "(43)
ففي لحظة الانبثاق "حدث هكذا)ثمة "أشياء" هي مكونات العالم التي تنخرط في الحدث ، واللغة أداة العملية التعبيرية، أداة الأداء. أما المكونات فهي لم (السكاكين + الجسد + الروح) وفجأة يندفع النص ، أو تندفع الشهوة لا باتجاه مزيد من الأشياء المادية بل باتجاه اللغة، بحيث يبدو الوعي المبدع وعيا متشكلا كلية في ماء اللغة، يعاين العالم ووجوه فيه من خلال هذا الماء المغلف المحيط "حدث هكذا – مطارق حدادين يعملون داخل الجمجمة/ خرس وانقراض سلالات ،- الكتابة حمض إيديولوجي والكتب زيزفونيات "( 44)
هكذا يكون العالم مؤلفا من "السكاكين + الجسد + الروح + المطارق + الخرس +انقراض السلالات + الكتابة + الكتب "فاللغة هنا ليست أداة للتعبير عن عالم ، انها مكون جزهري من مكونات العالم والتجربة والرؤية /الرؤيا وتكوين النص . ما يحدث للعالم يحدث على مستوى اللغة كما يحدث على مستوى الجسد والروح والسكاكين والمطارق ويتقدم النص ، وتتقدم الشهوة في خرائظ المادة كاشفة شيئا عميق الدلالة:
هو أن خرائط المادة تصنعها عدة مواد بين أهمها اللغة:
2 – "أين سأحفظ أعيادي التي لم تمت بعد كيف آحرر أجنحتي التي تنتحب في آقفاص اللغة؟ وكيف أسكن في ذاكرتي ، وها هي خليج من الأنقاض العائمة ؟"
(45)
وتصبح المعركة الوجودية – المعرفية في حياة الانسان لا معركة ضد اسرائيل بل معركة مع اللغة وفي اللغة، معركة مع التاريخ الآنقاضي المتجسد في اللغة معركة مع الذات التي هي ذأكرة تختزن اللغة -الآ نقاض، ومعركة لخروج الرو ح من الاقفاص – اللغة" وثمة في هذه المعركة الوجودية – المعرفية أبعاد ماتزال ملك الأنسان تعينه عل خوض المعركة من أجل أن ينجو بآعباده التي لم تمت بعد وبأ جنحته ، بما تبقى لديه من قدرة على الفرح والغبطة والانطلاق في هذا السجن الرحيب الهائل الذي تصنعه اللغة الأنقاضية للانسان . لكن المعركة لا تجدو سهلة أو قابلة للربح ببساطة، وتنشحن الذات بقلق الأسئلة المغتالة التي تصدر عن
هاجس يغري بالاستسلام والقبول والنكوص عن المعركة فيما تزدحم أيضا بالأسئلة التي يحركها حلم الخلاص وامكأنية النجاة للحيوانات الحبيسة في الروح:
"هل سينمو بين كتفي حجرأو جذر خشخاش ؟، هل الحيوانات السجينة، في ستعرف أخيرا طريق الهروب ؟هل علي أن أدخل في سبات وأن أخون أعضائي ؟ هل علي أن أصنع من الرمل سدادات لرئتي ، وآنا آستلقي حجرا أسود في أبدية الطاعة؟ هل على أن أدهن جسدى بزيت الآلة وأن أملأ حنجرتي بنعم نعم ، لا. . لا ؟ "(46)
ومقابل هذه الأسئلة الطاعنة، أسئلة حلم الهروب والصيغة التي يفرضها واجب الاستسلام للغة الأنقاض والتاريخ المتراكم الميت باسم .. باسم . باسم لا أعرف ، مقابل ذلك واحتمال الخضوع المطلوب لطاعة آبدية وببغاوية مطلقة ينتصب الجواب . لا. لن آفعل ما علي أن آفعله من أجل أي شيء ، حتى من أجل تاريخ ووطن فأنا ليس لي وطن سوى…
سوى اللغة :
"كلا، ليس لي وطن إلا في هذه الغيوم التي تتبخر من بحيرات الشعر"(47)
وإنه لوطن لم لا يقايض بوطن انه الملاذ والخلاص والموئل والاخلاص والحب والفعل هكذا "آويني ، احرسيني آيتها الضاد الضاد – يالغتي ، يا بيتي آدليك تميمة في عنق هذا الوقت ، وآفجر باسمك آهوائي لا لآنك الهيكل لا لأنك الآب أو الأم بل لأنني أحلم آن آضحك وأبكي فيك"(48)
هكذا تصير اللغة ألملاذ والمأوى والحارس البيت والتميمة، تصير السحر الذي باسمه يفجر المبدع آهواءه ويمارس وجوده- وتصير كل ذلك لأ لآنها معبد مقدس تملأه الأصنام والآلهة التي (علي الإنسان آن يتعبدها) لم لا لانها آم آو آب ، لأ تقديسا لوجودها ا التاريخي في الإخر، بل لآمر واحد : لآنها "الشيء " الذي يحلم الشاعر الفرد، الإنسان الواحد، أن يحيا فيه أنفعالإته ومشاعره، هواجسه
ونزوعاته إلى أقصى درجات الحرية والكينونة حد الضحك والبكاء ويبدأ الضحك والبكاء في هذا "الشيء "الحلم ، في اللغة. تصير أول ما تصير فعلا، ممارسة للفعل ، لتغيير الأشياء عن ماهيتها وتحويلها، لابتكار وجود جديد للعالم:
(أ)
(سمى اللغة امرأة والكتابة حبا، وأخذ يبحث عن أصداف المحيطات في كلمات الهدهد،- (والاشارة هنا الى شيء آخر غير بلقيس وغير سليمان )(49)
بل يصبح فعل التحول الذي تدخله الذات ، تحولها هي في صيرورتها الوجودية فعلا لغويا، من أفعال الممارسة اللغوية ثم تصبح الذات بذلك كله فاعل الخلق الحقيقي المكرر المجسد للخالق الباري في فعل الخلق الأول:
"أن أترجم أحشائي أن ألتصق بك وأرتعش وتصطفق أنحائي كمثل نوافذ بين يدي ريح خرجت لتوها من أصابع الله ،- هكذا أتحول فيك إلى نفس يهبط من فم السماء وينفخ في فرج الأرض هكذا أحضنك وأقول – من جديد أنت الجسد الذي يسمى الغد وعلى هذا الجسد يرمى نرد التاريخ (50)
باللغة تصير الذات فاعل ابتكار جديد ألوهي ، طرية، طازجة، خارجة التو من أصاب الله مستعيدة في هذه العملية الابداعية الآولى الخلق ألآول الذي فيه علم آدم إلأسماء كلها ،وتحضن الذات الجديدة الأسماء – اللغة ألجديدة وتهتف أنت الجسد وأنت الغد آنت لست تاريخا ماضيا، لست موروثا، وأنقاضا. بل انت اللحظة الجسد الجديد الذى أبدعه المبدع والغد وانت أنت محك المصير ومقامرة الصيرورة : إما أن تكون الحياة بك ، ويكون ا لتاريخ ، نضرا، حيا، زاهرا، مؤتلفا أو يسقط التاريخ في الجب عليك آيتها الجسد الغد ترمي النرد، ويا للهول أذ
نرمي فلقد تكون دوشيش ويكون الغد الألق ولقد تكون إكي دو وصفر القيعان الانقاضية المدمرة.
هكذا تخرج أللغة من كونها وسيلة تعبير الى كونها مقامرة ابداع الوجود الكبرى المغامرة الاعظم التي الاتضاهيها حتى مغامرة خلق آدم وحواء وآكل التفاحة. اذ ألم يرد قي الكتب انه "في البدء كان الكلمة" و أنه "علم آدم الأسماء كلها" ولم يعلمه الأشياء لماذا لم يعلمه ألأشياء؟ ولماذا لم يكن في البدء الشيء أو الفعل ؟ أو الانسان ؟ أما وراء ذلك كله من حكمة؟ أوليس فيه من دليل لنا نحن التائهين في لجة ألحداثة ؟ بلى بلى ، و والله ، ألف بلى . ولقد ، أي والله ، تعلمناهما وأتبعناهما، ولقد إنهما الهاديان .
كذا يقول الصوت ، منذ بداية اتشراخات الحداثة، أعني الانشراخات التي تولدت بفعلها الحداثة، إلى هـذه اللحظة التي تحولت فيها الانشراخات إلى أخاديد ومهامه ومهاوي ومفازات تفصل عموديا وأفقيا بين عوالم وهواجس ومفاهيم وتصورات لم يعد ما بينها علاقات تنام وتناغم ومغايرة ضمن الشيء الواحد، بل صار تنافرات وتناتؤات وانقطاعات .
أجل صارت الحداثة سلسلة من ا لا نقطاعات ترى المفارقة المبكية ؟ " سلسلة " من " الانقطاعات "النقيض يشكل نقيضه "الانقطاع" تحديدا هو انعدام التسلسل وامتناع تشكل السلسلة . مع ذلك أقول "سلسلة" من الانقطاعات هل أحتاج إلى تفسير ما آعنيه بأكثر مما فعلت ؟ لكأني بك تريد أن تقول "نعم " لكنك ترى المتاهه المقبلة فاغرة فتصمت أه ؟ كذلك أفعل آنا فالمتاهة فاغرة فاغرة وها آنذا أتد لي.. نهايات 1988صنعاء صيف1994 اكسفورد
إشارات :
ا – كتاب القصائد الخمس تليها المطابقات والأوائل د ار العودة . بيروت ، 1980 . ص162
2 – سا .161 ?3 – سا 1770،4 -الكتابة بسيف الثائر علي بن الفضل ، دار العود ة ، بيروت ، 78 19 ، ص 2 8
5 – سا 840