العجوز الأولى، جالسة خلف طاولة في مطعم للوجبات السريعة. كانت صغيرة الحجم.
تقترب منها العجوز الثانية. الكبيرة الحجم. تحمل في يديها وعائي حساء، وعلى كلّ واحد منهما صحن فيه قطعة من الخبز. بحذر، تضع الوعاءين على الطاولة.
العجوز الثانية: هل رأيت ذلك الشخص الذي جاء ليكلمني وأنا خلف الكونتوار؟
ركزت الوعاءين على الطاولة كما صحنيّ الخبز، من ثم سحبت ملعقتين من جيبها لتضعهما بدورهما على الطاولة.
العجوز الأولى: لقد استطعت الحصول على الخبز إذاً؟
العجوز الثانية: كنت أتساءل عن الطريقة لكي أحمل ذلك كله. في نهاية الأمر، وضعت الصحنين فوق الحساء.
العجوز الأولى: أرغب في قطعة خبز كي آكلها مع حسائي.
تبدآن بالأكل. تسكتان.
العجوز الثانية: هل رأيته، ذلك الشخص الذي جاء ليكلمني وأنا على الكونتوار؟
العجوز الأولى: من هو؟
العجوز الثانية: جاء نحوي وألقى عليّ تحية الصباح، من ثم سألني:«كم الساعة معك؟» يا للوقاحة! كنت أنتظر حساءك.
العجوز الأولى: هذا الحساء مطبوخ بالطماطم.
العجوز الثانية: «كم الساعة معك؟» سألني.
العجوز الأولى: أراهن أنك وبخته.
العجوز الثانية: من هذه الناحية، يمكنك الاطمئنان: «ارحل من هنا، قلت له، اذهب رأسا لتدخل إلى مجرورك، قلت، اتركني قبل أن أنادي الشرطي».
تصمتان.
العجوز الأولى: لقد وصلت لتوي.
العجوز الثانية: هل جئت بالباص الليلي؟
العجوز الأولى: نعم، استقليت الباص الليلي، إلى هنا؟
العجوز الثانية: من أين يأتي؟
العجوز الأولى: من «ماربل أرخ».
العجوز الثانية: أي واحد؟
العجوز الأولى: الباص رقم 224، ذاك الذي يقوم بدورته الكبيرة حتى «فليت ستريت».
العجوز الثانية: الرقم 221 يقوم بذلك أيضا.
تصمتان.
تتابع العجوز الثانية)
حين وصلت وجدتك تتكلمين مع شخصين مجهولين. متى ستتوقفين عن ذلك؟ على حذاء بالٍ مثلك أن ينتبه مع من يتكلم.
العجوز الأولى: لم أكن أتكلم مع أشخاص مجهولين.
تسكت. تستدير نحو النافذة وتتابع باصا بنظرتها.
هناك باص ليلي آخر يهبط.
تسكت.
يصعد في الاتجاه الآخر. نحو فولهام.
تسكت.
إنه الرقم227
تسكت.
لم أصعد إلى هناك بتاتا
تسكت.
لاحظي، لقد نزلت حتى شارع ليفربول.
العجوز الثانية: إنه الباص الذي يصعد من الجانب الآخر.
العجوز الأولى: لا يعجبني كثيرا أن أنزل هناك، بالقرب من فولهام لكي اصعد في ما بعد لغاية هنا
العجوز الثانية: مممم – ممممم
العجوز الأولى: لم أحب يوما هذا الخط
تسكت
العجوز الثانية: كيف وجدت خبزتك؟
تسكت.
العجوز الأولى: ماذا؟
العجوز الثانية: خبزتك.
العجوز الأولى: طريّة قليلا. وخبزتك؟
تسكت.
العجوز الثانية: لا يقبضون ثمن الخبز إن طلبنا الحساء.
العجوز الأولى: ندفع ثمنه إن لم نشتر سوى الشاي.
تسكت.
تكلمي بعد مع الغرباء وسيلقون القبض عليك. اسمعي جيدا ما أقوله لك. ستلقي الشرطة القبض عليك.
العجوز الأولى: لا أتكلم أبدا مع الغرباء.
العجوز الثانية: لقد أخذوني مرة في شاحنتهم.
العجوز الأولى: هذا صحيح، لكنهم لم يبقوك عندهم.
العجوز الثانية: لم يبقوني عندهم، لأنني رقت لهم فقط. بالكاد صعدت الشاحنة، حتى تبين لي أني أروق لهم.
العجوز الأولى: وأنا، هل تظنين أني سأروق لهم؟
العجوز الثانية: لن أراهن على ذلك أبدا.
العجوز الأولى: انظري عبر النافذة.
نستطيع، من هذه الطاولة، أن نرى كل ما يجري.
تسكت.
هذا المكان، في أي حال، أفضل من ذاك المكان الآخر، هناك، على الرصيف.
العجوز الثانية: حقا، الضجة هنا خفيفة.
العجوز الأولى: ثمة ضجة خفيفة دائما.
العجوز الثانية: بالفعل، ثمة حياة ما هنا.
تسكت
العجوز الأولى: سيقفلون بعد قليل، من أجل التنظيفات
العجوز الثانية: الريح تهب في الخارج
تسكت.
العجوز الأولى: أنا سأبقى هنا.
العجوز الثانية: لن يتركوك أبدا.
العجوز الأولى: أعرف ذلك.
تسكت
في أي حال، إنهم يغلقون لساعة ونصف. أليس كذلك؟
تسكت
ليست فترة طويلة.
تسكت
يمكننا أن نتجول قليلا ومن ثم نعود.
العجوز الثانية: أنا سأذهب ولن أعود.
العجوز الأولى: سأعود حين يطلع النهار. كي أشرب الشاي.
العجوز الثانية: أنا سأذهب، علي الوصول إلى البارك.
العجوز الأولى: لا أحب السير في هذا الاتجاه كثيرا
تسكت
سأذهب من ناحية واترلو، لغاية الجسر.
العجوز الثانية: ثمة حظ قليل في أن تري آخر قطار خط 226 وهو يمر من فوق النهر
العجوز الأولى: أريد أن أراه وهو يمر فقط. حان وقت الرحيل.
تسكت.
إنه لا يشبه أبدا باص الليل حين يكون الضوء لا يزال مشرقا، هل لاحظت ذلك؟
ستارة
هارولد بينتر ترجمة: اسكنــدر حــبش
شاعر وكاتب مسرحي حاصل على جائزة نوبل 2005 شاعر ومترجم من لبنان