يلكز الفجر القرية بعصاه لتخلع اسمال الاحلام, بالنسبة لمثلها كانت حدود قريتها هي حدود العالم مجبولة بترابها، والمدينة لم تكن حلما لها لانها تعرف أن اضواء النيون العالية قد تسرق بصرها مثلما سرقت عمره.
تقرأ الحزن في الذاكرة..دمها سوف يراق في تلك الغرفة الكابية ,تهاجر بين الزفرة والوخز ,دمها الشاحب نافورة نسله ,الريح تمزق فخذيها ,والوخزة.. خنجر.
تضيق الدار، لا تجده بين الوجوه الضبابية, تتشبث في صدر الفراغ, تزرع أظافرها بقوة. الصرخة.. خنجر، يأتي الصوت وتغيب عن نفسها. تتوغل في الغياب, تبحث في نزف المسافة عن رائحة رجل اسلم وجهه للطريق, عبثا كانت تسحب رجليه, تغيب أمامها الاشياء، وينهزم اللون في سديمية السواد.
كان يصرخ.. "الاشياء تعيد ذاتها.. النهار، الليل, وأنت ".
جفلت وانحنت على الارض لاهثة, اندلقت من عينيها كيل سخي من الدموع كفكفتها بظهر يدها الملطخة بالطحين. "عيون المدينة لا تشبه عيون قريتنا الصغيرة". ربطت جأشها واردفت: "من سيولج في منافذ الجسد قطع الفلين؟". ابتلعته الآلة, وباعت جسده المنقوع بتراب القرية للبرد والرصيف. تنبثق أغنية تعانق الطريق, والليلة تخفق بالغياب.
"صدر الايام رحى..
حضن الليل حجر
الجسد منخل الوحشة, والخطيئة نثار الغربة.
جف ثدي البقرة, والنهار ينسج حلمته للطفل الذي لا يحمل وجه أحد.. في اليوم الاول… رأته يطير بلا اجنحة, يقبلها كل مساء ويتدلى ثغره قطعة لحم على جبين القمر.
اليوم الثاني.. رأته يطير بلا اجنحة, ينظر اليها والى الطفل بحنق, فتجد عينيه على صدر الطفل.
اليود الثالث… رأته يطير بلا اجنحة, يمسد شعرها بدفء، ويترك اصابعه في العتمة.
اليوم الرابع… رأته يطير بلا أجنحة, يسكب في عنقها أنقاسه الساخنة وينسى أنفه شامة النهار.
اليوم الخامس… رأته يطير بلا أجنحة, يلفها بين ذراعيه, ويسرق الغطاء.
اليوم السادس.. رأته مطير بلا أجنحة, كان ثقيلا، لكنه دافئ.. أخذ يبحث عن غيابه ويسكب رائحته, ينظر الى الطفل, ويبصق في وجهها.