تقديم وترجمة الحبيب الواعي
كاتب ومترجم مغربي
«يجب أن نكون متأكدين من أن العالم كما هو لا يستحق الحفاظ عليه، يلزمنا أن نجدده».
جون رايس
بالرغم من أن تجربة Black Mountain College استمرت لأربعة وعشرين عامًا فقط، فقد كان لها تأثير عظيم على المشهد الفني الأمريكي في منتصف القرن العشرين. كانت بوتقة للفن والموسيقى والشعر الطلائعي، وتأسست على مبدأ الموازنة بين العلوم الإنسانية والفنون والممارسة العملية ضمن بنية مجتمعية ديمقراطية تصبو إلى خلق إنسان متكامل. استقطبت مجموعة من الأساتذة البارزين المؤثرين على الساحة الفنية، بما في ذلك فنانو مدرسة باوهاوس جوزيف وآني ألبرز، والملحن جون كيج، والرسام ويليام دي كونينغ، والشاعر تشارلز أولسون. وبفتح المجال أمام فكرة التجريب الذي يدمج بين مجالات معرفية متعددة فقد خولت لمجموعة من طلابها أمثال روبرت راوشنبرغ، وإدوين باركر سي تومبلي، وري جونسون، وكينيث نولاند، وروث أساوا أن يطوروا تقنيات ومفاهيم فن طلائعي ستجعل منهم فنانين ذائعي الصيت على المستوى الدولي. لعبت روح التكافل الاجتماعي التي ميزت الكلية دورا كبيرا في تطوير الفنون والثقافة المناهضة للأعراف المحافظة والنماذج السائدة في النصف الثاني من القرن العشرين وربما كان ذلك أحد الأسباب الرئيسة التي جذبت أنظار مكتب المباحث الفيدرالية الذي زار مرارا الحرم الجامعي واحتفظ بملفات سرية عن العديد من الأساتذة أمثال باكمنستر فولر والشاعر تشارلز أولسن. تقول الفنانة دروثي روكبرن بأن خلال الوقت الذي قضته بالكلية «كان يأتي رجال FBI في كل الأوقات. كانوا دائما يرتدون معاطف وتستطيع أن تتعرف عليهم من بعيد»1. هي بالطبع لم تكن تجربة سهلة فقد كانت مدرسة بلاك ماونتن سباقة إلى التنبؤ أيضًا بالعديد من التحديات التي كانت تتربص بالجامعات الأمريكية في الستينيات كما أشارت إلى ذلك مؤرخة الفن ماري إيما هاريس، تحديات من قبيل غياب إشراك الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في العملية الإدارية وصنع القرار واعتماد نظام تعليمي قائم على النجاح والفشل وغياب مناهج تعليمية أكثر مرونة.
بوادر إنشاء مدرسة بلاك ماونتن
شكلت ثلاثينيات القرن العشرين بقلاقلها الاجتماعية والسياسية فترة مشؤومة في تاريخ المشهد الثقافي الأوروبي فقد أدى الصعود السريع للنازية إلى التعجيل بإغلاق مؤسسة حركة باوهاوس للفنون والتصميم بألمانيا عام 1933 بعد سبعة أشهر فقط من انتقالها إلى برلين بذريعة أن المؤسسة تشكل «أرضية خصبة للبلشفية الثقافية»، وذلك بعد أن اكتسبت اعترافًا دوليًا بفضل مناهجها المجددة، مما دفع بالعديد من الفنانين والمثقفين الألمان الذين شكلوا القوة الإبداعية الطلائعية في القارة الأوروبية آنذاك إلى الفرار من مطاردات ومتابعات الشرطة السرية (الجستابو) بحثًا عن ملاذ آمن في البلدان الأخرى. لا عجب إذن أن يربط بعض مؤرخي ودارسي الفن والنقاد الأدبيين بين موت حركة «الباوهاوس» في ألمانيا وانبعاثها في شكل جديد بأمريكا اتخذ اسم «نيو باوهاوس» الذي كثيرا ما يذكر عندما نتحدث عن كلية بلاك ماونتن باعتبارها المدرسة التي وفرت وسطا ملائما لترجمة أفكار الباوهاوس وبداغوجيتها وأهدافها السياسية اليوتوبية التي سعت إلى الدمج بين الحركات الفنية الحداثية والبنيات الاجتماعية والمؤسسات. من بين فناني ومصممي حركة الباوهاوس الذين فروا باتجاه أمريكا نجد ترود غيرمونبريز، كسانتي شاوينسكي، والمدير المؤسس للحركة والتر غروبيوس، وأستاذ الفنون جوزيف ألبرز وزوجته الذين كانت تربطهم أيضا علاقات بيداغوجية بمعهد التصميم بشيكاغو الذي أسسه الرسام والفوتوغرافي الهنغاري لازلو مهولي ناج والذي كان عضوا سابقا في مدرسة الباوهاوس. في غضون ذلك، وفي الجهة الأخرى من المحيط الأطلسي، أقحمت الأزمة الكبرى سكان الولايات المتحدة الأمريكية في اضطراب اقتصادي لم يسبق له مثيل، وفي خضم هذه البلبلة والاضطراب الدولي، كان أربعة أساتذة مطرودين من كوليج رولينز بسبب مواقفهم الثائرة يخططون لتأسيس وتنظيم نوع جديد من مدارس الفنون، هؤلاء المفكرون الثوريون هم جون أندرو رايس وثيودور درير ورالف ريد لونزبري وفريدريك ريموند جورجيا.
مدرسة بلاك ماونتن تفتح أبوابها
في عام 1933 وبعد طرده من كلية رولينز في وينتر بارك بولاية فلوريدا بسبب احتجاجه على إدخال تغييرات على المناهج وانتهاك الحريات الأكاديمية، أسس جون أندرو رايس وثيودور درير وأعضاء آخرون سابقون في هيئة التدريس كلية بلاك ماونتن التي اتخذت مقرا لها في مباني جمعية بلو ريدج الواقعة جنوب قرية بلاك ماونتن بكارولاينا الشمالية قبل أن تنتقل إلى ليك إيدن حتى إغلاقها. يحيل المبنى الرئيسي المكون من ثلاثة طوابق بأعمدته الخشبية وشرفته الواسعة والمطلة على الجبال المحيطة وبقاعته الكبيرة المخصصة للاجتماعات وغرفه العديدة على الرؤية المجتمعية التي طمحت الكلية إلى تجسيدها. قام كل من رايس، المتخصص في الأدب الكلاسيكي، وجون درير، مهندس وابن شقيق الفنانة والمربية كاثرين درير التي ساهمت في تأسيس الشركة المجهولة إلى جانب مارسيل ديشون ومان ري، بتشكيل هيئة التدريس وتنظيم الحياة المؤسساتية في الكلية خلال السنوات الأولى وسعوا لبناء كلية للفنون الحرة تستند على مبادئ جون ديوي الذي سبق أن التقى به رايس عام 1931 عندما دعي لرئاسة مؤتمر حول المنهاج المدرسي الخاص بكلية الفنون الحرة وذلك لصياغة نموذج تربوي متحرر يركز على الخبرة الشخصية وتطوير المهارات داخل وخارج الفصل بدل تلقين أكاديمي للمعرفة. من ديوي، الذي زار مرات عدة بلاك ماونتن كوليج، سيستلهم رايس أفكاره وطرقا تخول له أن يربط بين قناعاته عن البيداغوجيا والتزامه بالديمقراطية. في رسالة بعثت لرايس عام 1935 يؤكد ديوي بوضوح أهمية العمل الذي تقوم بها كلية بلاك ماونتن: «مهما كانت نتيجة الأزمة الحالية فإن العمل الذي تقوم به كلية بلاك ماونتن لا يمكن تجاهل أهميته في العملية الديمقراطية على المدى الطويل. الكلية متجذرة في صلب القاعدة الشعبية من أجل طريقة ديمقراطية في العيش». رحب المؤسسون ترحيبا حارا بالفنانين والمثقفين الذين أجبروا على التخلي عن مناصبهم السابقة بسبب الظروف السياسية أو الاقتصادية في كل من القارتين، وبدأت أخبار مدرسة بلاك ماونتن تنتشر كالنار في الهشيم باعتبارها مدرسة مختلفة اختلافًا جوهريًا عن الكليات والجامعات الأخرى لكونها تضع الفنون في لب التجربة التعليمية.
في البداية، كان عدد الطلاب اثنين وعشرين طالبا والتحق بهم آخرون، كان أغلبهم من أسر فقيرة لا تستطيع تحمل رسوم الدراسة الجامعية، وحسب المؤرخ مارتن دبرمان فبحلول منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، أتى معظم الطلاب المسجلين (حوالي 50 أو نحو ذلك) من ولايات الشمال الشرقي. تلقى الطلاب دروسًا في الفلسفة واللغات والاقتصاد وعلم النفس والرياضيات والفنون وغيرها من العلوم. ولانعدام التركيز على مواد محددة سلفًا، فقد ابتكر الطلاب مناهجهم الخاصة بالتشاور مع مستشاري هيئة التدريس. وبالرغم من غياب اعتماد نظام تنقيط قسري (على الرغم من تسجيل نقاط الطلاب لأغراض الانتقال)، فإن الترقية من مستوى المبتدئ إلى مستوى أعلى، وكذلك التخرج، كان يعتمد جزئيًا على أداء الفرد في الاختبارات الشفوية والكتابية، والتي غالبًا ما تُقيم تقييمها من قبل خبير في هذا المجال من خارج الكلية. لم تمنح شهادة الاعتماد للكلية على الإطلاق، الأمر الذي ربما أبقى معدل التسجيل منخفضًا خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي.
فلسفة ومبادئ مدرسة بلاك ماونتن
أنشئت كلية بلاك ماونتن لتكون تجربة تربوية ديمقراطية أو للتجريب مع فكرة «التربية على الديمقراطية والمساواة»، فقد كان للطلاب وأعضاء هيئة التدريس والأمناء صوت في إدارة المدرسة، وكان الطلاب وأعضاء هيئة التدريس على حد سواء يعيشون في الحرم الجامعي، ولم يكن أي طالب يشغل أي وظيفة في الكلية ولكن الجميع، أعضاء هيئة التدريس والطلاب على حد سواء، كانوا يشاركون في العمل في المزرعة التي تديرها الكلية، كما أنهم شيدوا المباني، وقاموا بأعمال الصيانة، وقدموا وجبات الطعام، وما إلى ذلك من الأنشطة. لم تكن كلية بلاك ماونتن تتوفر على مجلس إدارة ولذلك فقد كان الطلاب والأساتذة يمتلكون المؤسسة، ولأن الموارد المالية كانت هزيلة فقد اضطر العديد من أعضاء هيئة التدريس إلى قبول المسكن والمأكل كتعويض على مجهوداتهم. كانت معظم الفصول تدرس ليلا ولم تبرمج أي منها في فترة الظهيرة لكي يتمكن الجميع من المشاركة في العمل داخل الحرم الجامعي. لم يكن هناك برنامج رياضي منظم حيث كان يعتقد أنه لا ينبغي أن يكون هناك تمييز صارم بين العمل واللعب. كانت المدرسة تؤكد على فكرة أن الفنون الإبداعية والمسؤوليات العملية أو الوظيفية متساوية من حيث أهميتها في الرقي بالفكر، أي بعبارة أخرى أن التعلم والعيش مرتبطان ارتباطًا وثيقًا ولا يجب الفصل بينهما. اعُتبر المسرح والموسيقى والفنون الجميلة جزءًا لا يتجزأ من حياة الكلية وسعت إلى التركيز على فكرة التوازن بين الحيز الممنوح للوسائط الأكاديمية والفنون والعمل اليدوي وعززت بيئة ديمقراطية يتم فيها تكوين أشخاص «كاملين» لتحقيق الاكتفاء الذاتي للمدرسة.
آمن جون أندرو رايس بأن الفنون ضرورية لتكوين الفرد للمشاركة في بناء الديمقراطية وذلك من خلال الخبرة الفنية، والتي لا تكون بالضرورة مماثلة للتعبير عن الذات، تمكن الطالب من تحقيق النظام في العالم من خلال وعي يستقيه من الحركة والشكل والصوت، والوسائط الأخرى للفنون. يقول رايس عن الفنون بأنها «الأقل خضوعا لتوجيهات خارجية بالرغم من أنها تتسم بانضباط صارم خاص بها في الباطن»2 مما يجعل منها تجربة تكتشف أدواتها وتحترم نزاهتها من خلال الملاحظة والحكم والفعل. بذلك يصبح الفنان في نظر رايس عنصرا فعالا في العملية الديمقراطية لأنه «يفكر فيما سيفعله، ويقوم به بنفسه ثم يفكر في الشيء الذي أنجزه بنفسه»3 مما يساهم في ترجمة الأفكار إلى أفعال تساهم في بناء مجتمع ديمقراطي. ولتوفير القدر الكافي من الترفيه نُظمت حفلات للرقص بعد العشاء خلال الأسبوع كما قُدمت عروض مسرحية وحفلات موسيقية خلال عطلة نهاية الأسبوع، ونُظمت رحلات استكشافية في جبال بلو ريدج ذات الطبيعة الخلابة. ساد نوع من التلاقح بين الفن والتسلية، بين العمل والمرح لأن ذلك كان يساعد على تبادل الأمكنة وزوايا الرؤية بين الفنان والجمهور، ويشير هذا النوع من المرونة والسلاسة إلى أن الفن ليس نشاطا منفصلا وليس الانتساب إلى جمهور معين وضعًا مستمرًا، بل يبين أن التأرجح بين هذين الوضعين،الفاعل والجمهور يشكل النسيج الاجتماعي الذي يرتبط فيه الأفراد بنفس الواجبات المتساوية والمتعاقبة تجاه بعضهم البعض. وبالإضافة إلى تركيزها على أهمية الفنون، تلقى الطلاب دروسًا في الفلسفة واللغات والاقتصاد وعلم النفس والرياضيات وغيرها من العلوم، وابتُكرت مناهج خاصة بالتشاور مع مستشاري هيئة التدريس. وبالرغم من غياب اعتماد نظام تنقيط قسري (على الرغم من تسجيل نقاط الطلاب لغرض الانتقال)، فإن الترقية من مستوى المبتدئ إلى مستوى أعلى، وكذلك التخرج، كان يعتمد جزئيًا على أداء الفرد في الاختبارات الشفوية والكتابية، والتي غالبًا ما تُقييم من قبل خبير في هذا المجال من خارج الكلية.
لعبت مدرسة بلاك ماونتن دورا رياديا في التصدي للميز العنصري والعرقي وكان تأثير أحداث الحرب العالمية الثانية على الكلية كبيرًا، فقد وفرت مدرسة بلاك ماونتن ملاذًا لمضطهدي أوروبا الذين واجهوا تهديدات في ظل حكم هتلر، وللأمريكيين من أصول يابانية الذين تعرضوا للاضطهاد بعد أن هجمت اليابان على قاعدة بيرل هاربور. بعد دخول الولايات المتحدة الحرب، غادر معظم الطلاب الذكور، وظلت الكلية تسير من خلال جهود النساء لكنه بمجرد انتهاء الحرب ودخول قانون G.I حيز التنفيذ شهدت كلية بلاك ماونتن طفرة في التسجيل حيث عاد الطلاب الذكور وتدفق طلاب جدد على الكلية.
يمثل صيف عام 1944 لحظة تاريخية تميزت باتخاذ الكلية قرارًا مهمًا يسمح بدمج الجسم الطلابي وذلك بدعوة طالبٍ أفروأمريكي (ألما ستون خريجة كلية سبيلمان في أتلانتا) للالتحاق بالمدرسة على نفقات منحة روزنوالد. حدث هذا القرار التاريخي قبل 10 سنوات من قرار براون ضد مجلس التعليم الذي يحظر الفصل العنصري في المدارس العامة، مما جعل مدرسة بلاك ماونتن واحدة من أولى الكليات أو الجامعات ذات الغالبية البيضاء في الجنوب يحكمه نظام جيم كرو Jim Crow تصبح مؤسسة تندمج وتختلط فيها الأعراق. خلال السنوات القليلة الموالية، استمرت الكلية في دعوة الطلاب وأعضاء هيئة التدريس السود للانضمام إلى المجتمع، بما في ذلك روث أساوا، الطالبة اليابانية الأمريكية التي وصلت عام 1944، وجاكوب لورانس، مدرس الرسم الأمريكي من أصل أفروأمريكي.
استقطب المعهد الصيفي الأول للموسيقى قائمة مثيرة من الموسيقيين والمغنين وعززت الدورات الصيفية في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي طاقم أعضاء هيئة التدريس في الفنون والموسيقى والرقص بدعوة ويليم وإلين دي كونينج وروبرت ماذرويل وليو أمينو وميرس كننغهام وجون كيج وفرانز كلاين وكاثرين ليتز ولو هاريسون وبيتر فولكوس وجاكوب لورانس وجويندولين نايت لورانس وباكمينستر فولر، وهاري كالاهان وآرون سيسكيند وبن شاهن وجاك توركوف وبومونت ونانسي نيوهول ووالتر غروبيوس وغيرهم الذين ضخوا أفكارا وخبرات جديدة مثيرة في الإقامات الصيفية. ولصياغة برنامج الفنون، جند رايس جوزيف ألبرز، الذي كان قد طرد للتو من باوهاوس في ديساو بألمانيا عندما أغلق النازيون المدرسة، ليكون أول مدرس فنون رسمي، وقام هذا الأخير بدمج منهج باوهاوس للجمع بين الفنون الجميلة والحرف والعمارة والمسرح والموسيقى. ركز ألبرز تعليمه على الرسم واللون والعمل بمواد مختلفة، وكلها أساسية للفنانين الناشئين كما توضح هيلين مولسورث، «كان الشكل والعمل اليدوي والتقييم النقدي العمود الفقري لطريقة ألبرز التربوية» وكانت أساليبه ذات نهاية مفتوحة وأثرت بشكل عميق على العديد من طلابه.
نهاية وتداعيات تجربة
كوليج بلاك ماونتن
مع اقتراب الأربعينيات من نهايتها، واجهت جماعة بلاك ماونتن كوليج اضطرابات ومشاكل عدة وتحول الخلاف المستمر إلى نزاع فظيع طرح مصير الكلية للنقاش. في أوائل عام 1949، غادر مدرسو الفنون والشخصيات المركزية في بلاك ماونتن، أمثال جوزيف وآني ألبرز، وتيد درير، أمين صندوق الكلية ورئيس جمع التبرعات، بالإضافة إلى أعضاء هيئة التدريس والطلاب الآخرين، وهكذا دخلت الكلية فترة انتقالية أخرى حيث كافحت جماعة ماونتن كوليج بلاك لتعويض هيئة القيادة وحل الخلافات المتأججة، كما تمت دعوة العديد من الطلاب المتميزين أمثال جوزيف فيوري، وإرين «بيت» جينيرجان، وبيتي جينيرجان، وهازل لارسن آرتشر لتدريس الفنون، وقام كل من روبرت تورنر وديفيد وينريب وكارين كارنس بتدريس الخزف ودرست كاثرين ليتز الرقص، وتمكنت الكلية من الاستمرار وتجاوز إحدى أسوأ أزماتها.
في عام 1951، عاد الشاعر تشارلز أولسون الذي دأب على إلقاء درسه في نهاية آخر كل شهر بين عامي 1948-1949 من يوكاتان للتدريس من جديد وظل الشخصية المهيمنة في بلاك ماونتن كوليج، واستدعى كلا من روبرت كريلي وروبرت دنكان إلى الكلية كمدرسين كما أسس مجلة بلاك ماونتن ريفيو بمساعدة روبرت كريلي الذي اشتغل محررًا لها. خلال الخمسينيات، تضاءل عدد الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، وأصبح جمع التبرعات مضنيا، وتدهورت شروط السلامة داخل الحرم الجامعي المترامي الأطراف، وفي عام 1955، اتفقت هيئة التدريس على شراء الجزء السفلي من الحرم الجامعي بحثًا عن وسيلة للخروج من الفقر وبذلك ضخت فيه دماء جديدة كمعسكر للطلاب، ومكنت الأموال المكتسبة من تسديد الديون التي تراكمت على الكلية، وسُددت في المقام الأول تسديد القروض ودفع الراتب المتأخر لأعضاء هيئة التدريس. في عام 1956 بيعت المزرعة وفي خريف العام نفسه قرر تشارلز أولسون وويسلي هاس، من بين أعضاء هيئة التدريس القلائل المتبقين، إغلاق الكلية. صاغ أولسون خطة جديدة لمواصلة تجربة بلاك ماونتن كوليج كجامعة ريفية تابعة لكن التمويل لم يكن متاحًا لتحقيق حلمه، وخلال الأشهر القليلة الموالية، اتخذ أولسون الترتيبات الأخيرة لبيع الكلية، وتسوية جميع الديون النهائية، وأغلقت كلية بلاك ماونتن رسميًا في عام 1957.
قبل إغلاق بلاك ماونتن كوليج ، كانت جماعة جديدة متأثرة بشدة بمبادئ وأفكار بلاك ماونتن كوليج تتشكل في مقاطعة روكلاند بنيويورك. عرفت تلك الجماعة باسم تعاونية غيت هيل Gate Hill Cooperative أو الأرض The Land، وقد أسسها طلاب كوليج بلاك ماونتن السابقون بول وفيرا ويليامز اللذين انضم إليهما كل من م س ريتشاردز، وديفيد تيودور، وكارين كارنز، وديفيد وينريب، وجون كيج، وباتسي لينش، وستان فاندربيك، وآخرين. وتستمر هذه الجماعة المتنورة حتى يومنا هذا بأعضاء مختلفين.
هذا، وبالرغم من إغلاق كلية بلاك ماونتن، فقد تم أنشئ متحف Black Mountain College ومركز الفنون في عام 1993 بتشجيع من الطلاب والمدرسين السابقين للاحتفال بالمبادئ الثورية للمدرسة والحفاظ على تراثها. تسهر هذه المَعلمَة الموجودة بآشفيل (والمدعومة من قبل مجلس نورث كارولينا للفنون، وإدارة الموارد الثقافية بولاية نورث كارولينا، وجامعة ويسترن كارولينا، ومجلس الفنون بمدينة آشفيل وغيرهم من المنتسبين إلى بلاك ماونتن كوليج) على ترسيخ إرث هذه المدرسة وذلك بتنظيم مناظرات ومعارض وعروض ومؤتمرات سنوية كل خريف. خلال السنة الجارية سيحتفل المتحف بالذكرى السنوية التاسعة والعشرين لتأسيسه.
الهوامش
دروثي روكبرن في حوار لها مع كوني بوستك نشر في مجلة دراسات بلاك ماونتن عام 2002.
جون ديوي، الفن كتجربة، ج ب بوتنام، نيويورك، 1934.
مقتطف من تقديم كتالوج كلية بلاك ماونتن (1933-1934)، ص3.
المراجع:
Anonymous, Black Mountain College: “The Grass-Roots of Democracy”, Radio Open Source [Sep 21, 2017].
Diaz, E., The Experimenters: Chance and Design at Black Mountain College, University Of Chicago Press; 1st Printing edition, 2014.
Duberman, Martin. Black Mountain: an Exploration in Community. New York: E.P. Dutton, 1972.
Harris, E. M., The Arts at Black Mountain College, The MIT Press; Reprint edition, 2002.
Katz, V., Brody, M., Creeley, R., Power, K., Black Mountain College: Experiment in Art, The MIT Press, 2013.
Lyle, E., 2016, Back to School: Re-creating Black Mountain College, Art In America Magazine [Sep 21, 2017].
Molesworth, H., Erickson, R., Leap Before You Look: Black Mountain College 1933–1957, Yale University Press, 2015.