حين ينشر بعض الشعراء يخالجك أن الشعر بألف خير وهذه هي الحال مع اصدار الشاعر بول شاوول مجموعتين شعريتين جديدتين هما «دفتر سجارة» و«بلا أثر يذكر» وكان آخر إصدار للشاعر منذ سنوات تحت عنوان «شهر طويل من العشق». شاوول المتعدد الشاعر أولاً ثم الكاتب المسرحي وأيضاً الناقد المسرحي والأدبي وكذلك الكاتب التلفزيوني «مسلسلة السنوات الضائعة» كانت أجمل ما كتب لتلفزيون لبنان منذ نشأته وأخرجها الراحل المخرج الرائع سمير نصري. وشاوول أيضاً مترجم نشيط للشعر وكان أصدر السنة الفائتة مختارات من شعر «بابلو نيرودا».
يبرع شاوول في حجم اهتماماته بيد أن الشعر يتقدم دوماً لديه لكونه هاجس حياته ومعناها الأساسي إلى هذا تختلف إصداراته الشعرية وتتحول، كتب القصيدة النثرية بشكلها التقليدي في البدايات لينعطف بعدها إلى قصيدة البياض ثم القصيدة النص وإلى أشكال أخرى حرة وغير شكلية في إصداريه الجديدين. الشاوول المنتمي إلى النص المتحرر الحر الذي يؤثر أولاً بأول الاختبار والتجريب في اللغة وفي الشكل ليعلن في إصداريه الجديدين أرجحية التداعي ضمن الفكرة الواحدة، الهم الواحد. «دفتر سيجار» هذه المجموعة الماتعة تخطف الأنفاس كسيجارة صباحية وتعلن اندلاع الموضوع الهوس والمتعة وملاحقة الاختلاجات حتى آخر دخانها واندثاره. وفي «بلا أثر يذكر» يحتفي شاوول بخواء الذات والسكنات واللامعنى الأبدي للكائن والوجود. حول إصداريه الجديدين كان هذا الحوار الشيق مع الشاعر شاوول في مقهاه المفضل في بيروت وهنا التفاصيل.
l لم تكن يوماً كاتباً غزيراً مكثراً وفجأة تنشر معاً أربعة كتب وقد كتبت جميعها أيضاً في فترة واحدة متقاربة ودفعة واحدة، كيف تفسر هذا التبدل؟
v صحيح هذا ولكني منذ 5 سنوات لم أكتب كلمة واحدة، وتهيأت عبر ذلك بقراءات شعرية فكرية والتجارب والحروب والموت والحياة، بحيث اختزلت أمور كثيرة داخلي وأمور متناقضة حتى جاءت اللحظة وطلعت كلها باتجاهات متعددة. وحاولت للمرة الأولى في حياتي أن أكتب خمس تجارب في الوقت ذاته. في اليوم الواحد أحياناً أكتب في ثلاثة كتب. وتقريباً التجارب الخمس مختلفة اللغة وهذا أمر صعب جداً. طبعاً استمريت في الكتابة سنتين ونصف بدأتها كلها معاً وانتهيت منها كلها تقريباً معاً. مغامرة ولا أعرف إن كنت نجحت أو فشلت أو نجوت من الغرق. الإكثار هنا تفجر بعد صمت ثقيل، ففي السنوات الخمس الأخيرة الكثير حصل على الصعيد السياسي والانساني والحروب والاغتيالات والموت والأمل واليأس وتضارب الهويات في داخلنا واختلاط القسمات. كل هذه السنوات الأخيرة من 2003 إلى اليوم ربما ساعدت على احتقان هذه الاعتمالات وتفجرها ولكن وكما عادتي كتبت وراجعت ونقحت مرات كثيرة هذه الكتب. إذاً المعطيات كثيرة ولكن العمل عليها التجريبي كان دؤوباً صعباً. المهم في كل ذلك برأيي وما أتمناه أن يكون ما كتبته مختلفاً عما سبقه من شغلي. هذا هو المهم تدمير الذات ونفيها. بحيث تصبح القصيدة أو النص أمامك لا وراءك، هذا هو هاجسي الأساسي، أن لا أصبح ببغاء ذاتي، باعتبار أن تجارب شعراء كثيرين متشابهة منذ عقود فلا هي ضجرت منهم التجارب ولا هم ضجروا من تكرارها.
l بداية مع كتابك «دفتر سيجارة» وهي فكرة مميزة وكأنها احتفاء بسيرة مرحلة وحياة طويلة من خلال مديح لفافات شكلت في حقبة ما رمزاً للثورة، للحرية، أو لهوية ثقافية، كيف ترى إلى هذه التفسيرات؟
v انها رمز عمر، سير السيجارة في سيرتي والعكس صحيح، في عمر الرابعة عشرة بدأت أدخن ومنذ ذلك الوقت لم أنقطع ولم تغادر السيجارة في كل الحروب وفي الخوف. رافقتني في كل شيء في المدرسة نجحت معي في البكالوريا واغرمت معي وشيعت أصحاباً لي وأهلي. كانت ملاكي الحارس بكل معنى الكلمة. هذه السيجارة هي في النهاية فكرة الزوال والمتعة والانتحار والموت واللذة، انها تحمل كل هذه المذاقات دفعة واحدة وفي مجة واحدة تختزل كل هذه المذاقات. هذه السيجارة هي برأيي رمز حضارة كاملة تعود إلى قرون. هي جامعة الناس في كل العالم من كل الطبقات والأعمار. وكأني أتذكر قول لينين يا عمّال العالم اتحدوا أوقلها يا مدخني العالم اتحدوا. لأن المدخنين يتعرضون لاضطهاد تافه لا انساني لأن السيجارة تهدد بمخاطر وسرطانات ومن يقول ذلك، أولئك الذين سمموا الهواء والبحر والطبيعة وأصبح شتاؤها صيفاً وصيفها شتاء، وصلت أعمال أولئك الوحوش إلى القطب والأمازون واذ يحملون السيجارة كل المآسي والمآثم التي ارتكبوها فيا ليتهم يمتنعون هم عن تخريب العالم وتلويثه بمثل ما يمنعوا التدخين ويضطهدون المدخنين.
l ثمة ما يوحي في هذا النص بالذات بالأنسنة، وكأنها السيجارة تصبح لديك كائناً حياً امتداداً لذاتك لجسدك؟
v طبعاً هناك أنسنة، السيجارة بقيت معي حين غادر الجميع. غادرت بيتي وأهلي والأصدقاء وكل هذا ذهب وبقيت هذه السيجارة. كأنها من جلد شفتي وأصابعي ودخانها كأنه يطلع من عيني من أنفي صدري، لدرجة أحياناً لا أعرف من يدخن الآخر أنا أو السيجارة. عندما تتحمل السيجارة تتحملك تمعسها عندما تكون عصبياً تبصقها عندما تكون قلقاً تتركها وحدها تموت وحدها عندما تنساها كما تهمل امرأة. من الطبيعي بعد حوالي نصف قرن على هذه المساكنة الكوكبية والأرضية مع السيجارة أن تصير جزءاً من انسانيتك ومن حضورك ومن شكلك وربما لون شعرك تشبه انت السيجارة وهي تشبهك. بهذا المعنى السيجارة أحياناً هوية، طريقة التدخين، إشعال السيجارة، طريقة وضعها في الفم، كل هذا ينم عن الشخصية، بل هي الأماكن، المقاهي تأخذ من ملامح السيجارة. في السبعينات كان «الهورس شو» يشبه سجائر «الغولواز والجيتان»، لأن الفنانين كانوا من المدخنين. مقهى «الأوتوماتيك» في البرج كان يشبه «اللاكي سترايك» لأنها كانت أجمل السجائر عندها مع «الكرافن» قبل مجيء «الكنت» في 1958. أيضاً لم يكن هناك فيلتر في السيجارة فهو ظهر مع السيجارة الأميركية. في السينما حضور كبير للسيجارة وكأنها جزء من شخصيات الممثلين همغري بوغارت أو يحيى شاهين وكمال الشناوي وشادية واليزابيت تايلر كانت السيجارة ماركة كل شخصية أو نجم وتدفع كل العصر. كان عصر السيجارة. في الأفراح يقدمون السجائر وفي البيوت. مع العولمة الجديدة بدأ ينقرض عصر السيجارة، واليوم وكأن هناك بداية حضارة جديدة يريدون أن لا تدوم السيجارة فيها.
l يمتاز كتابك «دفتر سيجارة» إلى أمور أخرى بسخرية أو حتى فكاهة غالباً ما كنت تتحاشاها في شعرك مع أنها تميز شخصيتك، كيف حدثت هذه الانعطافة في أسلوبك؟
v ربما لأن المدخنين أحسوا أنني أدافع عنهم. الموضوع جديد وعمومي وهنا صعوبته. ومن ناحية كتبت ببساطة مفخخة يمكن أن يقرأها أي كان. كان رهاني أن أكتب ببساطة من غير أن أقع في السهولة. ثم اعتبر بعضهم أن يكون موضوع كتاب كامل عن السيجارة أمر ملفت بحد ذاته. انها سخرية تراجيدية. مثلاً أمي أصابها السرطان وقبل موتها بساعات أشارت لي أنها تبغي سيجارة، سحبت سيجارة من جيبي وسط احتجاجات اخوتي وأعطيتها سيجارة وضعتها بفمها وابتسمت ابتسامة ممحية وكأنها آخر أمنية لها تحققها. عدة محكومين قبل تنفيذ الحكم بهم تكون أمنيتهم أن يدخنوا سيجارة وحسب ولا شيء آخر، لم يطلب إمرأة بل سيجارة يودع فيها العالم.
ثمة شغف عالمي بها.
l كتابك الثاني «بلا أثر يذكر» وكأنما حجبته إلى حد ما جاذبية «دفتر سيجارة» في حين أنه كتاب أكثر عمقاً وشمولية. كيف تحدد أنت ما يفرق بين الكتابين أسلوبياً؟
v ثمة اختلاف بالتأكيد «دفتر سيجارة» هو عالم الهشاشة «بلا أثر يذكر» هو العالم المنقسم إلى ذاته إلى الهويات الجارحة، الإلتباس، الموت، الخراب، والحروب. كل هذا إلى حد ما كما كتبته بحاجة إلى لغة مختلفة وعرة متشظية متضاربة. الإيقاع ينفي الإيقاع والصورة تنفي الصورة، الجملة تنفي الجملة. كتاب وعر جداً لأن كل واحد لديه وعورة داخلية وبدنية حتى. كل واحد منا اليوم على الأقل يحمل عشر هويات أو أكثر تشتبه أحياناً تتعارض أحياناً وتتمزق. الهوية هي اليوم جروحنا، الهويات الطائفية العلمانية العربية القروية الفنية العنفية العدوانية الحنونة كل هذه هويات تصنع كل واحد وتشكل نوعاً ما غنى لكل ما فيها من نزف وجروح. هذا الرجل الذي يريد أن يكون نفسه كأنما بصورة واحدة بقسمة واحدة يعجز عن ذلك. هناك وكـأنما عدة أشخاص فيه أحياناً يعرفها وأحياناً يود التخلص منها أحياناً وأحياناً يبحث عنها. كأننا نبحث دائماً عن قريننا أو عن ظلالنا المعدنية والمائية الغيبية والدنيوية. الرجل هذا هو داخل مسرح ذاته يلعب على مسرحه شخصيات عديدة يجلس في المقهى يهمّ في المغادرة فيجد أن الآخر سبقه رجل قبله. كل هذا نوع من الخوف في الرعب الذاتي والعزلة. السعي إلى العزلة والخوف منها. كلنا نسعى اليوم إلى هذا ونعيشه. الآخر الذي هو أنا يعرف أكثر منّي. المقاطع في الكتاب وكأنها موصولة وكأن القطع بين الفصول جزء من الشخصية وهذا يمثّل عذابنا كلنا. السردية وكأنها لنفي السردية، المسرح لنفي المسرح، اللقطة السينمائية في النهاية لنفي النص السينمائي ولخدمة هذا النص المتوتر الذي لا ينتمي لأي تصنيف.
l تبتعد في الكتابين عن شكل القصيدة التقليدية التي كنت قد استخدمته في كتبك الأولى. هل هجرت هذا الشكل نهائياً؟
v إنه ابتعاد من حيث اللغة، إنما ليس من هاجس أن ينفي كل كتاب ما سبق. تذكر «وجه يسقط ولا يصل» أو «الهواء الشاغر» وحتى «نفاذ الأحوال» هذا أمر جيد إذا قلت لي كناقد أو شاعر أن هذا ينفي هذا. كل كتبي تختلف عما قبلها، أتمنى أن تكون المسألة كذلك. الشاعر يظن أنه قام بهذا وأحياناً يكون العكس. إنه هاجس الحرية، الواحد عندما ينتقل من تجربة إلى أخرى مختلفة فإنه يمارس حريته الشاسعة. عندما يكتب الشاعر قصيدة واحدة طوال 20 سنة يكون فقد طريقته ودربه . إنها ربما طريقة لإبعاد الضجر كي لا تمل ذاتك وكأنك في بزة واحدة أو عسكرية طوال حياتك. عموماً من يكتبون الشكل ذاته يريدون الراحة والامتلاء بالذات وهذا أحياناً مقتل حتى عند شعراء كبار. طبعاً أريد هنا أن ألاحظ أن هناك تجارب وشعراء كتبوا قصيدة واحدة وفي مثل «سان جون برس» وغيره لكنهم عمّقوا تجربتهم اللغوية على صعيد اللغة والتجربة مع هذا حتى بعض الكتاب وقعوا في الطريق المسدود. صارت كتاباتهم نوع من العادات الرتيبة وكأنها مجرد تمارين. طبعاً «هنري ميشو» كتب في كل اللغات من الزن إلى الهيكو إلى السياسي إلى الهلوسة إلى الغنائية، بينما «رينيه شار» وكأنه سنديانة راسخة لكن عندها فروع وورق كثيف وكثير. بين السنديانة وبين الغيمة وكأن «سان جون برس» بلا جذور بين الازمنة. «هنري ميشو» وكأن غيومه تحت الأرض.
l أعلنت في فهرس نهاية «دفتر سيجارة» عن اصدارين جديدين قريبين أولهما بعنوان «حجرة مليئة بالصمت» ثم «حديقة المنفى العالمي» كيف تقدم لنا باختصار مناخهما العام؟
v ثمة ثلاث مجموعات آتية أو أربع أو خمس. لم أكتب قبلها طوال خمس سنوات. الانقطاع عن الكتابة تواصل جوفي بها ينبوعي. الانقطاع عند البعض تصحر. العزلة هي الانفتاح السري العميق على العالم. هذه المجموعات الآتية منها «حجرة مليئة بالصمت» أو الموت. انه نص غريب. ثم نص آخر «حديقة المنفى العامي» حول حديقتي الخاصة في منزلي على السطح، انه منفى واحد لحديقتي وآخر لي. أكرم حديقتي بالمعنى العميق للكلمة حيث الكلام عن الحروب والتجارب. ما يجمع بين كل هذه التجارب هو الهشاشة من السيجارة إلى الموت إلى الحدائق. تجربة وعرة جداً. الأصعب وأخشاها جداًً بحق، لأني أحياناً وكأني أضيع أبواب النص، أصطدم ببابه أو انزلق. انها من أصعب الكتابات التي كتبتها. أحاول أن أصدر هذه الكتب لأرتاح لأعود إلى القراءة لأنها أمر عظيم جداً. لأني أثناء كتابتي تقريباً توقفت عن القراءة. لدي كتب أخرى عن المسرح عن الشعر. كتاب مسرحي من ألف صفحة وترجمة 500 قصيدة لرينيه شار وكتاب دراسات شعرية سأعود للالتفات إلى الأشياء الأخرى.
l هذا كثير وغزير، هل أصبح النشر قضية بحد ذاتها، لم تكن يوماً مهتماً بهذه المسألة؟
v لو كان الاصدار هو القضية لكان لدي الآن أكثر من خمسين كتاب. كنت قلدت مثلاً «وجه يسقط ولا يصل» في أربعة أو خمسة دواوين وغيرها من الدواوين. أسهل الأمور أن يصبح الواحد ببغاء ذاته. الأفضل لربما أن يقلد الآخرين ولا يقلد نفسه. ربما يقل ضجره لأن تقليد ذاته أشد مللاً. الشعر أصبح عالماً واسعاً جداً ولم يعد له مفهوم محدد. صرنا ابعد من الشعر بالمفهوم القديم وأبعد من قصيدة النثر بالمفهوم القديم. لم يعد هناك شعر بالمفهوم الجاهز والقصيدة وحدها لم تعد كافية بالمفهوم التنظيمي القديم. فهناك اليوم شعراء في العالم وصلوا إلى أماكن غريبة وشاسعة جداً وغريبة وكسروا كل المدارس والنظريات القديمة، وحلت الورشة مكان النظرية القديمة وايديولوجيتها. وهذا أمر صعب جداً وليس سهلاً أبداً. لو ثمة مجال لاصدار مجلة شعرية لن يكون مفيداً على الطريقة القديمة، مطلوب مجلة ورشة تجريدية «أتيليه» قائمة على الارتجال والبحث. حلمي مجلة من هذا النوع متقشفة تجرب كل شيء كل الشعراء في كل الأجيال القديمة والجديدة ويوضعوا في مساحة تجريبية متنوعة ويكون العمل على الرواية والشعر والحاسوب وكل ما هنالك. المطلوب قصيدة جديدة قائمة على مفهوم الورشة، مطلوب مجلة قبيحة بالمعنى الجميل للكلمة بالمعنى التجريبي. والساحة ملائمة الآن لأن ما كان يقيد التجارب هو الايديولوجيا، لقد انقشعت الأمور الآن وأصبح الشاعر أكثر حرية. وهناك صعوبة في هذا، في الأمس كان يمكن أن تستند إلى الثورة أو الأيديولوجيا لتصبح شاعراً. اليوم لا يمكن أن تستند سوى إلى الشعر. اليوم لا يعنيك أي شيء سوى الشعر والتجربة. انتهى كل الماضي.
l وكأني بك صرت متفائلاً بمستقبل الشعر في حين أن كل من هنالك لا يحكي سوى عن زواله وانكماشه؟
v الشعر يعيش اليوم عصراً ذهبياً، أولاً انتهينا من الأصنام التي صنعتها الايديولوجيات أو الأحزاب أو المدارس. ربما للمرة الأولى يعيش الشعر حراً بدون اصنامه إنما بعزلته واحساسه وحريته. لم يعد عندنا مرجعيات شعرية ثابتة. صارت مرجعياتنا في المستقبل في ما لا نعرفه. أجل أنا متفائل بالشعر. يتنفس حريته من كل الجهات والدليل أن الشعر في لبنان مثلاً انتصر على كل شيء ويكاد يكون الوحيد الذي نجا من الحرب ومعه أيضاً بعض الروايات. بينما المسرح والسينما والرسم تراجعت لأنها استهلكت بالعولمة لأن الشعر ظل على الهامش ولم يكن المركز. مثل عشبة لا يحتاج أحد إليها نجت لأنها نبتت في صخر خلف الصخر. الشعر نجا لأن المجتمع لا يحتاج إليه. العولمة لا تحتاج للشعر. العولمة تجارة، أكبر شاعر في فرنسا يبيع مائة نسخة وهذا ما أنقذ الشعر لأنه خميرة. أنقذ لأن كل موجات الاستهلاك لا تريده. لا يربح. أعظم ما في الشعر أن لا قصيدة أضحت «بست سيلر» تصبح القصيدة «بست سيلر» حين تصبح تافهة.
حاوره: شارل شهوان ورضوان الأمين
كاتبان من لبنان