سميرة أنساعد
باحثة جزائرية
يزخر الأدب العربي قديما وحديثا بنصوص تندرج ضمن أدب الرحلات، وهي نصوص اقترنت في بداية ظهورها منذ القرون الهجرية الأولى بالفتوحات الإسلامية، واتخذت طابعا جغرافيا وتاريخيا عرّف بتلك البلدان المنضمة تدريجيا إلى البلاد الإسلامية، ولكنه توسّع لاكتشاف مناطق لم يكن وصلها الإسلام، واعتمد مؤلفوها عادة على الأسلوب النثري، غير أن هذا الأدب لم يعرف استقرارا في الأساليب، والموضوعات، فاكتسب على مر الزمن أنماطا جديدة للكتابة، وتداخلت في نصوصه شتى الأجناس الأدبية، النثرية منها والشعرية، مثلما اختلطت الرحلة بوصفها نشاطا إنسانيا مع الكثير من النصوص الأخرى في السيرة والمذكرات وفن المقامة والشعر، … وغيرها من الفنون.
وتندرج ضمن هذا الأدب تلك القصائد والمنظومات التي تحكي أحداث السفر والتجوال في البلدان، وتعتمد الأسلوب السردي ذاته الذي تعتمده الرحلات النثرية، لكنها تظل محكومة بالإيقاع الشعري الموزون والمقفى، كما تختص ببعض الصفات التي تقرّبها من الشعر أكثر، كالتركيز، والتكثيف، والاستعانة بالبيان، والبديع، وحيوية التراكيب وخفتها، فضلا عن ارتقاء اللغة، وانتقاء المفردات من قبل الشعراء، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرحلات الشعرية نوعان: منها الرحلات الواقعية التي تتمحور حول سفر حقيقي أنجزه الشاعر، ومنها الرحلات الخيالية وهي إما أن تكون معبرة عن شوق، وأمنية في السفر، كالذي نجده في القصائد الحجازية، وفي المدائح النبوية، أو تكون نابعة عن مخيلة الشاعر الخصبة والبعيدة، كالرحلة إلى عوالم خيالية، أو غيبية.
وتأتي هذه الدراسة المتواضعة لتسلط الضوء على «رحلة المصعبي»1 إحدى المنظومات الحجية المنتمية إلى أدب الرحلة الجزائري في العهد العثماني أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وهي من فرائد المنظومات لأحد كتاب وأعلام منطقة ميزاب بغرداية جنوب الجزائر، تضم إلى مكتبة معتبرة من الرحلات المنظومة في الجزائر ألفت قبل المصعبي، ومن أشهرها منظومة الحج للفقيه يوسف بن إبراهيم الوارَجْلاني المتوفى بعد عام 571 هـ- 1175م سنة عودته من الحج2، وقصيدة «الشوق» للشيخ الحاج بلقاسم القوراري3 (ت. 995هـ- 1588م)، ورحلة عبدالرحمن بن محمد بن الخرّوب المجاجي الذي أنجزها عام 1063هـ- 1652م4 ورحلة عبدالله محمد بن الحاج بن منصور العامري التلمساني مولدًا ثم التازي دارًا، والمتوفى حوالي عام 1170هـ- 1756م.5
وعليه، سيتم التعرض إلى مسار الرحلة وأحداثها، ثم خصائص الافتتاحية والخاتمة، وأساليب الخطاب والتنبيه في المتن، ثم نعرّج على بعض جماليات لغة الشاعر وأسلوبه، لنصل إلى أهم الدلالات غير المعلن عنها في النص الرحلي، وقبل الانطلاق في تناول هذه المحاور، لا بد من التعريف بالرحال الشاعر تعريفا موجزا؛ يقربنا من شخصيته.
1. إبراهيم المصعبي في سطور:
هو الشيخ إبراهيم بن بحمان (بن عبدالرحمن)6 بن أبي محمد بن عبد الله بن عبدالعزيز الثميني اليسجني المصعبي، ولد حوالي 1133هـ- 1720م، أديب وفقيه ونحوي، من علماء بني يسجن البارزين، درس على يد خاله ضياء الدين عبدالعزيز بن الحاج إبراهيم بن عبدالله بن عبدالعزيز الثميني (ت. 1808م)، وعلى يد الشيخ أبي زكرياء يحيى بن صالح الأفضلي، الملقب بـ»عمي يحيى» (ت. 1788م)، فتعلق بهما حتى ألّف عنهما قصائد مدحية، عاش في كنف أسرة علم ودين، وعمل عندما شبّ على الوعظ والإرشاد، ومواجهة الخرافات في بلدته ميزاب، كما كان مكلفا بكتابة مراسلات المجلس الأعلى للعَزَّابَة،7 الذي كان يديره شيخه «عمي يحيى».
قام برحلة إلى الحج عام 1196هـ- 1781م، فدوّن أخبارها في نظم من بحر الطويل، بلغ مائتين واثنين وعشرين بيتا8، ومن مؤلفاته الأخرى: «شرح موازين القسط»، وهو مخطوط في الفقه، و»قصيدة البردة في مدح خير البرية» أتمها قبل سفره إلى الحج بأشهر، و»مختصر المناسك ومهذب المسالك» في الفقه، و»شرح الأجرومية» في النحو9، و»المعدن المصون على سورة الكنز المدون» في تفسير سورة الفاتحة، و»مراسلات مختلفة مع داي الجزائر حسن باشا الدولاتلي..»، و»بيان جملة التوحيد»، توفي عام 1232هـ- 1817م ببلدته يسجن.10
وتعد رحلة المصعبي من الرحلات المتميزة ببدايتها ونهايتها النثريتين، فتبدأ بقوله بعد البسملة، والصلاة على رسول الله: «الحمد لله الذي بلّغ مرادنا من زورة بيته الحرام، ومنّ علينا برواء نزعة سيّدنا ومولانا محمد عليه الصلاة والسلام…»11 أما خاتمة الرحلة فهي قوله: «انتهى ما قلته والسلام، من عبيد ربّه كاتبه إبراهيم بن عبدالرحمان بن أبي محمد الثميني اليسجني المصعبي -لا صعّب الله عليه المرام، بجاه سيّدنا محمد عليه الصلاة والسلام- بتاريخ أوائل ربيع النبوي من سنة 1197هـ (1782م) وتأخر نقلها إلى ذي الحجة من سنة 1217هـ (1802م).»12
وفي الجزء المنظوم من الرحلة يبدأ على منوال المقدمة النثرية بحمد الله تعالى على توفيقه إياه في إتمام الحج، والثناء على الرسول الكريم. يقول من بحر الطويل:
«فَنَحْمَدُكَ اللَّهُمَ حَمْدًا مُوَافيَا عَلَى نِعَمِ مِنْهَا بـُلُوغِي مُرَادِيَا
وَنَشْكُرُ مَوْلاَنَا كثيرًا مُسَلِّمَا عَلَى سَيِّدِ خَيْرِ الخَلاَئِقِ هَادِيَا
.. وَقَدْ كَانَ فِي يَوْمِ الخَمِيسِ خُرُوجُنَا لَدَى نِصْفِ رَجَبٍ مِنْ شُهُورِ الإِلَهِيَا»13
بينما كانت خاتمة الجزء المنظوم قوله:
«وَنَاظِمُهَــا عَــبْــدٌ فَــقِيــرٌ لِـرَبِّهِ أَسِيـرُ الذُّنُوبِ إبْراهِيمُ مُزَابِيَا
وَمِنِّي صَلاَةٌ بـَعْـدَ أَلْـفِ تحِيَّةٍعَلَى سَيِّدِ خَيْرِ خَلْقِ الخَلاَئِقِ هَادِيَا
دَوَامَ الذِي قَدْ قُلْتُ حَمْدًا مُوَافِيَا عَلَى نِعَمِ مِنْهَا بُلُوغِي مُرَادِيـَا»14
2. أحداث رحلة المصعبي ومسارُها:
استطاع المصعبي عرض مجريات رحلته وحكايتها عبر تمفصلات زمنية واضحة، ملتزما فيها الترتيب الزمني الكرونولوجي للأحداث، فقلَّت بذلك المفارقات الزمنية من لواحق وسوابق، وهو ما يجعل القارئ يتتبع بيسر خطوات الرحال، ويتلمس بسهولة أكبر مراحل الرحلة، والتي يمكننا تقسيمها إلى أربع وهي: (بني يسجن- طرابلس)، التي تعرّف بمسار الرحلة وبأحداثها في بلاد المغرب العربي (الجزائر، تونس، وليبيا)، ثم مرحلة (طرابلس- مصر)، الممثلة لمرحلة السفر في أول بلاد المشرق العربي، ومرحلة (مصر- الحجاز) التي تزخر بأماكن خاصة مقدسة، فضلا عن كونها المقصد الرئيس من سفر الرحال، بينما تأتي المرحلة الأخيرة (المدينة– مصر- بني يسجن) وهي مرحلة تقل فيها تفاصيل العودة من المدينة المنورة إلى مصر، وتنعدم تماما بعد خروجه من مصر في اتجاه موطنه وبلدته بني يسجن، حيث أتم سرد رحلته بتذكر حادثة طلب حاكم مصر «إبراهيم بيك خان» المكس مرة أخرى من سكان وكالة الجاموس، وتهديدهم بالإساءة لهم لو ظلوا مقيمين في مصر، وهي الحادثة التي أثّرت في المصعبي كثيرا، وأزعجته، حتى جعلته يتوقف عن حكي المزيد مما جرى أثناء العودة، وإن كانت هذه الظاهرة في رحلة المصعبي ذات خصوصية، ومتعلقة أكثر بالحالة الشعورية للكاتب الرحال، فإنها ظاهرة ليست غريبة عند بعض المؤلفين في أدب الرحلات، حيث يتخطون مراحل العودة لأنها لم تبد لهم مفيدة، أو أنها مكررة لا تحتاج لإعادة التفصيل فيها، أو أنها مراحل زمنية قصيرة، وسريعة كالتي نجدها في الرحلات الحديثة الجوية، حيث يتجاوز أكثر الرحالين ذكر تفاصيل الذهاب والإياب عبر الطائرة ليحكي مباشرة أحداث الوصول والإقامة في البلد المقصد.
بني يسجن- طرابلس:
أخبرنا المصعبي بيوم خروجه من بلدته بني يسجن في منطقة مزاب، وهو الخميس منتصف شهر رجب، غير أنه لم يحدد السنة (1196هـ- 1781م)، التي نستدل عليها اعتمادا على تأريخه اللاحق عند وصوله إلى بلدته بعد الحج في خاتمة الرحلة أوائل ربيع الأول (1197هـ- 1782م).
وكعادة الحجاج قام المصعبي بتوديع أهله، وأقربائه في موقف مهول، محزن، ليتوجه بعد ذلك مع رفقائه وجماعة الركب إلى أولى المحطات في رحلتهم، وهي محراب ومقام الشيخ حمو وَالحْاَجْ أبي القاسم الغرداوي المصعبي (ت. 1129هـ- 1716م) في غرداية، وهذا للتبرك بالزيارة، وفقا للعادة والعرف في الجزائر.15
وتستمر الرحلة في اتجاه الشمال الشرقي من بني يسجن، فكان المرور على مدينة أغواطن16 التي على الرغم من وصفها بكونها كثيرة المعاصي، لكن الحجاج نعموا فيها بضيافة شيخ من وجهاء الأغواط وكبير أحلافها المدعو الطاهر بُراس، ومنها سار الحجاج نحو خارج مدينة الأغواط في البرّيّة، التي أقاموا فيها أياما في ضيافة شيخ الركب الجزائري علي الفلالي أحد زعماء الأغواط، الذي ذكر الشيخ المصعبي فضله في أنه كان يدفع عن الركب شر أعراب المنطقة المغيرين من أولاد صولة، وأولاد بوعكاز17، وغيرهم.
ومن برّيّة الأغواط جدَّ الركبُ السير نحو مدن الشرق، فمروا على قرية دمّد18 ذات واد ماؤه عذب زلال كما أشار المصعبي19، ثم قرية واد خالد20 وفيه استراح الركب، وتزود أفراده بالمياه، لكن الركب الفلالي تعرض للمطاردة من أفراد قبيلة بني جلال، ولم يخبرنا الرّحال عمّا إذا كان قد أضر المغيرون بهم، أم نجوا منهم، ومن وادي خالد إلى مدينة بسكرى21 التي لم تسلم من نقد المصعبي حيث نعتها ببلدة يكثر فيها الطغاة، والأعداء، ولا شك في أنه يشير إلى انتشار السرقة والإغارة على الحجاج في هذه المنطقة، حيث شكر الله على نصرته للحجاج عند اجتياز هذه المرحلة، ومن بسكرة انتقل الركب إلى قرية عقبى الجريد22، وتليها قرية الزرائب23 كانت كثيرة النخل، واحاتها واسعة، ثم وادي غسران المالحة مياهه.
ومن هذا الوادي تبدأ الرحلة في البلاد التونسية ابتداء بعين الشبيكة، كان بها مياه ذات مرارة24، ثم حامة الجريد، فوادي الجريد25 الغزيرة مياهه حتى شبهه المصعبي بالبحر الطامي، وفيه نعموا بضيافة حجاج من القرارة (منطقة مزاب) كانوا سبقوهم في الطريق، ومن وادي الجريد إلى حامة قابس، وهي قرية كان بها واد مياهه طيبة، وهذه القرية هي حد البلاد التونسية تليها قرية الزوارة، التي قال عنها المصعبي أنها تقع بأرض مستوية، واستغرب مخالفة أهلها للمذهب الإباضي، على الرغم من اشتهار المنطقة به، ومن الزوارة اختصر المصعبي ذكر طريق الواحات المؤدي إلى طرابلس قائلا:
«وَكَمْ فَوْقَهَا مِنْ قَرْيَةٍ بَعْدَ قَرْيَةِ ذَوَاتِ السَّواقي والنخيل الحسانيا»26
وتنتهي الرحلة من بني يسجن إلى طرابلس بالوصول إلى هذه الأخيرة، وقد حظي الحجاج في طرابلس كذلك بكرم أهلها، وخاصة آل بارون من العثمانيين، وقد كانت للمصعبي وقفة في مدحهم، وذكْر فضائلهم وأفضالهم عليه، وقد تغنى بطرابلس وبأهلها حتى اشتاق لعهدهم [كونه دوّن الرحلة بعد سنوات من إنجازها]، وقد تجلت له الذكرى وكأنه شاهد إياها في حاضره، قال:
«فَعَجَبٌ بَلِيغٌ مِنْ طَرَابُلْسَ حَاصِلٌ إِلَيَّ فَيَا لَهْفِي بِعَهْـــدٍ أَمَامِيَا
وَفِيهَا مِنَ الدلَّاَّعِ مَا لَوْ وَصَفْتُهُ لَأَكْذَبَنِي الوجودُ كُنْ لي مُساويَا»27
طرابلس- مصر:
تتوالى المراحل من طرابلس، فيعددها لنا المصعبي، ويصفها، منها مصراتة28 التي سماها مصرة، ووصفها بأنها ذات سواني (سواقي وناعورات) قصيرة، وكان بها سوق عامرة بالسلع كالبقول الجيدة، وقد تسوّق الحجاج فيها، وتزودوا بما احتاجوه لأيام، وبعد مصراتة كان المسير في أرض مجانبة لساحل البحر من يسار الذاهب إلى المشرق، فمر الركب على مراحل من إقليم برقة29 منها: عرعر30، والزعفران31، ونعيم32، والسلوك33، وهذه الأخيرة تزوّد فيها الركب بالماء الطيّب، ثم اجتاز الركب مفازة صعبة تفاديا لمعطن السروال لأنه أصعب منها34، وتأتي مرحلة صحراوية قاحلة لا تنتهي إلا بالوصول إلى واد التميم (التميمي)35 التي صلوا فيها صلاة عيد الفطر.
ويجدد أفراد الركب العزم على مواصلة الطريق نحو مصر، فمروا على واد أطرَفاوي (الطرفاوي)36، ثم آبار صغرى وهي: أحذر37 ومقرب38 وجرجوب39 مياهها كلها طيبة حلوة كالعسل مثلما أفاد المصعبي، لكنه حذّر من مياه وادي الشمام40، بيد أنهم استطاعوا السّقاية من وادي عفون الذي كان يرتاده رهبان مصر41، وتنتهي المرحلة السابقة لمصر بالرحلة عبر سهول مفتاح برقة الواسعة والطويلة، التي تحتاج خبيرا يساعد على قطعها.
مصر- الحجاز:
كان الوصول إلى مدخل مصر وهو كرادس كما جاء في المنظومة وهي كرداسة (المنصورة)، وأخبرنا المصعبي بأن الركب سقى من النيل، وقد وافق وجودهم في مصر فترة فيضانه، وهي ظاهرة كثيرا ما أثارت تعجب الرحالين، ودعتهم إلى وصفها، وبسبب الفيضان وصل المصعبي إلى بولاق عبر سفينة، ومنها سريعا إلى وكالة الجاموس42 بحي طليون43، (طولون) نسبة لابن طولون44، وقد ذكر المصعبي أحد شيوخ الوكالة وهو سلمان من جربة، وقد لقي ركب الميزابيين الترحيب والكرم من أهل الوكالة، لكنهم لم يخفوا عن الشيخ المصعبي معاناتهم في تلك الأيام من ظلم الوالي أمرد بيك45، وحبسه لسلمان ثم طلب فدية، وكل هذا كان بسبب أحسن النويري من مستر قرب تونس الذي كاد مكيدة لسلمان، ولطلبة الوكالة وتجارها، ولم يسلم حتى الحجاج من حاكم مصر؛ إذ فرض عليهم مكسا كبيرا، اضطروا لدفعه كي يتمكنوا من الخروج، ومواصلة الرحلة إلى الحجاز.46
زار المصعبي معالم القاهرة، وحظي بضيافة المدعو علي بن عمر بن عياد سليل عائلة بن عياد من جربة47، أحد سكان القاهرة الذي تعرّف عليه المصعبي، فأصبح صديقا له، وقد استمرت علاقتهما حتى بعد رجوع الشيخ إلى بلدته؛ حيث كانت لهما مراسلات مدونة، وبعد تسعة أيام من الإقامة في القاهرة انطلق الركب في اليوم الثاني من شهر ذي القعدة من بركة الدرب (بركة الحجاج) متوجهين إلى الحمراء القفرة، ومنها إلى ساحة عجرد (عجرود)، ثم نابعة التي وجدوا فيها واديا به ماء عذب، ومنه إلى التيه (سيناء)، وبلدة النخيل، والزعلوك، فسطح جبل عقبة الطويل الذي وصلوه في التاسع من ذي القعدة، وصولا إلى رأس الجبل بعد مشي يوم كامل، وأفادنا المصعبي بوجود قلعة قديمة في العقبة وسوق عامرة شبيهة بسوق بولاق.
وتبدأ مراحل السير في الأراضي الحجازية بعد تجاوز درب العقبة، وهي كثيرة عدّدها المصعبي، مركزا في أغلب الأحيان على وجود المياه بها أو انعدامه، وطبيعة المياه صالحة للشرب، أو غير صالحة، سهلة الورد أو غائرة، كما بيّن الموقع الجغرافي بالنسبة لقرب المرحلة من البحر أو وجودها في الداخل، ومن المراحل الحجازية ذكر موضع ظهر الحمار الواقع على ساحل البحر الأجاج48 جهة اليمين، وأشار إلى أم العظام الرميمة وكان موضعا خاليا من المياه، ثم أمغرة الرسول التي يقصد بها مغارة النبي شعيب عليه السلام، كانت كثيرة النخل، وبها موارد مياه عذبة، وواد، وبعدها مرَّ الركب على عين القصب49 وهي كذلك ذات مياه عذبة، وأميلح50 التي خففوا فيها أحمال عيرهم، وأبيار سلطان51 غزيرة المياه، ثم زلم (الأزلم) وجد المصعبي مياهه غير صالحة للشرب، وإصطبل عنتر ليس به ماء52، ثم موضع سماه «وش» (الوجه)53 وهو الموضع الذي أفادنا بصلاح مياهه، ونصح الحجاج بعدم التهاون، وإغفال ملء القراب من آباره، لأن المراحل التالية للوجه غير صالحة للشرب، أو نادرة، فأخبر بفساد مياهه عكرة (الأكره، أو أكرا)54، وانعدام الماء في حنك (الحنك)، أما الحوراء فقد أوصى المصعبي بالحرص فيها على التزود بالزاد والعلف والماء55، وفي النبط56 روى الحجاج جمالهم، لكن بعده تأتي الخضيرة (الخضراء)57 قد كانت في عهد المصعبي خالية.
ومن المراحل البارزة في هذا الجزء من الرحلة داخل التراب الحجازي نجد ينبع (ينبع النخيل) التي كانت عامرة بالأرزاق والخيرات، وبها سوق أسعارها مرتفعة، حتى حاول بعض الحجاج سرقة بعض السلع منها، لكنهم طوردوا من قبل تجارها، ولم يخْفِ المصعبي استنكاره من فعل الحجاج، حتى هجاهم، وعرّض بهم في المنظومة.58
ومن الينبع توجه ركب الحج إلى بندر بدر الذي كان به عين تسمى زرقاء، مياهها صالحة شافية لشدة عذوبتها59، واتجه الركب نحو قرية بزوة60، وبعدها موضع ربى(الربا)61، التي أحرم فيها المصعبي مفردا للعمرة، ومن الربا تابع ركب الحجاج السير نحو مكة، تاركين قديد62 على يسارهم، فوصلوا بركة خليص63 ليلا، وكانت ذات ماء عذب، وتتسارع الخطى لشدة قرب اقتراب الركب من مكة المكرمة64، إذ ذكر المراحل الثلاث البارزة في السير بعد بحرة وهي على التوالي: عسفان، وأبيار دفلة (تصحيف والصحيح تفلة)65 والوادي (وادي فاطمة)، والتنعيم الذي عبّر فيه المصعبي عن وصوله إلى مراده أي الوصول إلى البيت العتيق الكعبة المشرفة، بعد صعوبة كبيرة لقيها الركب؛ فالكثير منهم هلك ومات، ومنهم من ضيّع رواحله.
كان الوصول إلى الحرم المكي يوم السابع من ذي الحجة من عام 1196هـ، فأدّى مناسك العمرة، ثم حلّ منها وأحرم مرة أخرى بنية الحج بميزاب الكعبة في اليوم الثامن66، فأدى مناسك الحج وهي: الطواف، والمبيت بمنى، والوقوف بعرفة التي تعجب فيها المصعبي من كثرة الخلق، وقد دعا فيها الله تعالى بالوقاية والعافية، ورمي الجمرات، وذبح هدي التمتع، وبعد الرجوع من منى قصد المصعبي سوق مكة، لكنه لاحظ غلاء الأسعار فيها، ولم يغفل زيارة بعض الأماكن المقدسة منها: مكان ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومولد فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت رسول الله، ومولد صديق رسول الله أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه وداره، ثم قبر خديجة بنت خويلد رضي الله عنها زوجة الرسول عليه الصلاة السلام، وقد استشعر المصعبي قدسية هذه الأماكن وغيرها مما زاره.
ويلتفت الرحال إلى تسجيل ما ساءه في مكة المكرمة وفي الحرم المكي، حيث هاله وأحزنته الحالة المزرية التي كان عليها الحرم، بالمسعى وبأبواب المسجد الحرام؛ حيث كان مليئا بالأوساخ والقاذورات، ورجّح أن يكون المسببون في ذلك الفلاحون والجهلة من العامة، وأفادنا بكون الظاهرة لم تكن في السنوات الماضية، ولم يشهد الحرم من قبل مثل هذه الحال67، لكنه استطاع تسلية نفسه وتجاهل استيائه مفوّضا الأمر لله، معترفا بقصور علمه إزاء علم الله تعالى، قال في ذلك:
فَهَذَا الذِي قَـدْ زَادَ لِلرَّأْسِ شَيْبَةً
وَغَيَّرَ شِيمَتِي وَبَدَّلَ حَالِيـَا
وَأَوْرَثَنِي شَجْوًا طَوِيلاً وَحَسْرَةً وَأَحْزَنَنِي حتَّى بَكَيْـتُ دِمَائِيَا
وَصَيَّرَنِي ذَا حَيْرَةٍ مُتَعَجِّبًا بِسِرِّ الحَكِيمِ الفِعْلِ قَدْ كَانَ خَافِيَا
رَجَعْتُ عَلَى نَفْسِي مُلِيمًا وَقَائِلًا لَهَا سَلِّمِيهِ لِلَّذِي كَانَ قَاضِيَا
دَعِي الخَوْضَ فِيهِ وَاتْرُكِيهِ فَإِنَّهُ كَنَاظِرِ عَيْنِ الشَّمْسِ يُصْبِحُ عَامِيَا
تَسَلَّيْـتُ هَـمَّ القَلْبِ مِنِّي بِكَعْبَةٍ وَمَنْظَـرُهَا المُنيفُ قَدْ كَانَ زَاهِيَا»68
وكانت آخر المشاعر التي أنجزها المصعبي طواف الوداع ثلاثة أيام، وعشر ليال، وفي اليوم 23 من ذي الحجة توجه الحجاج إلى المدينة المنورة لزيارة قبر الرسول الكريم ومنزله، وكانت للرحال وقفة خشوع، ودعاء وبكاء، كما زار قبور الصحابة كالصدّيق أبي بكر، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وزار في يوم عاشوراء مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولخص زياراته التي دامت أربعة أيام في قوله:
«فَكَمْ مَشْهَدٍ جَلَّ بِطَيْبَةَ زُرْتُهُ وَكُنْتُ بِهِ مِنَ المُهَيْمِنِ دَاعِيَا»69
غادر المصعبي المدينة المنورة كئيبا، مكرها على تركها، وخرج أفراد الركب ميممين وجوههم نحو مصر، لكنهم قابلوا خارج المدينة في البرية جماعة تطالب الحجاج رشوة70، لكن المصعبي لم يوضّح كيفية تعاملهم معهم، ويرجح أنهم رفضوا الدفع واستغنوا عن مرافقتهم، وتأمينهم.
مرحلة المدينة – مصر- بني يسجن:
وتأتي المرحلة الأخيرة قليلة التفاصيل كما سبق ذكره، وهي مرحلة العودة من المدينة المنورة إلى مصر، ولم يذكر المصعبي سوى موضع تحت قلعة المويلح عند الوادي الذي تزودوا فيه بالماء فقط، لكنهم شهدوا هناك فيضان الوادي، فهلك عدد من الحجاج، ونجا المصعبي بصعوبة فعبّر عن تلك الواقعة قائلا:
«فَجَرَّ ذُيُولَ السَّيْلِ بَعْدَ صَبِيحَةٍ عَلَيْنَا فَصِرْنَا هَـارِبينَ بِلاَ رِيَا
فَكَمْ لَوْيَةٍ بَعْدَ لَوْيَةِ قَطَعْتُهَا بَعْدَ لَوْيَةٍ مِنَ الوَادِ كُنْتُ قَبْلَهَا غَيْرَ رَاضِيَا
نَجَوْنَا وَرَبِّ البَيْتِ مِنْ بَأْسِ شَرِّهِ بِعَوْنِ عـَظِيمِ الفَضْلِ لِلْخَلْقِ بَارِيَا
فَمِنْ سَابِقِ القَضَاءِ أَغْرَقَ سَيْلُهُ مِنَ الرَّكْبِ بَعْضِ النَّاسِ نَفْسًا وَمَالِيَا»71
وبعد قلعة المويلح وصل الركب إلى قرية المويلح التي توفي فيها أحد رفقاء المصعبي المؤذن ابن قاسم سعيد من قرية القرارة بميزاب، وقد أخذ سيرهم من المدينة إلى القاهرة حوالي شهر من زوال يوم عاشوراء إلى اليوم الحادي عشر من شهر صفر 1197هـ، ولم يكن المصعبي بحاجة إلى توضيح الطريق المتّبعة، ما دام قد ذكر المويلح وهي التي مرّ عليها في الذهاب، مما يجعل القارئ يستنتج سريعا باتباع الحجاج الطريق ذاتها، مع اختلاف في الزمن المستغرق؛ حيث كان أطول في الذهاب منه في الإياب، بسبب التعوّد على الطريق، وجدّ أفراد الركب السير، والعزم على الوصول بسرعة إلى ديارهم لشدة اشتياقهم لأهلهم.
وعلى الرغم من رغبة المصعبي في الإيجاز، فلم يتخل عن الإشارة في آخر الجزء المنظوم إلى حادثة ضرب حاكم مصر إبراهيم بيك72 المكس على سكان وكالة الجاموس مرة أخرى، فهي من القضايا الأساسية التي دفعته لكتابة نص رحلته، واعتبر دفع ذلك المال غصبا قطعة من جهنم على قلوب من فُرض عليهم ممن كانوا ميسورين، وهو أشد على الفقراء، والمرضى، والمهمومين، ولم يكن من المصعبي إلا دعوة من يتعرض لمثل هذا الابتزاز إلى الصبر والرضى بقضاء الله تعالى.
3. خصائص الافتتاحية والخاتمة في المنظومة المصعبية:
جمعت منظومة المصعبي بين خطاب نثري أطّر وأحاط بنص الرّحلة الشعري، أي استخدم الناظم الرحّال النثر في المقدمة والخاتمة، وهما قسمان يدخلان في زمن التأليف، لا في زمن الأحداث، ويكون المرسِل في هذا الزمن هو الناظم، وليس الرحّال وإن كانا في الواقع شخصا واحدا، وقد يكون سبب هذا الاختيار وعي الناظم من أن أدب الرحلة فن نثري بالدرجة الأولى، كما أن ما أراد شرحه، وتفسيره يصلح له النثر أكثر، أما اختيار المصعبي النظم أسلوبا لسرد أحداث الرحلة الفعلية فقد يردّ إلى تأثره بسلفه الإباضي يوسف بن إبراهيم الوارجلاني، صاحب الرحلة المنظومة الشهيرة، وإلى رغبته في الإسهام مثله في هذا الفن الذي سماه بالحجازية الموضوعة لطريق الحجّ، ولا نغفل موهبة المصعبي الشعرية التي أنها من المؤكد دفعته لخوض هذا الموضوع الديني نظما؛ فقد أتم قبل عام من انطلاقه في الرحلة قصيدة في معارضة البردة لمحمد بن سعيد البوصيري.
جاء في المقدمة النثرية البسملة، والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم حمد الله على بلوغ مراده وهو زيارة بيت الله الحرام، ومشاهدة مآثره، وآياته، مما يفيد بأن هذه المقدمة كتبت بعد العودة من الحج، وتتكرر بعد حمده الله الصلاةُ على الرسول الكريم، ومدحه، والصلاة على آله وأصحابه، لينهي هذا التقديم بقوله: (وبعد) هذه العبارة الدّالة على أنه كان في خضم تقديم، وأنه سيدخل في الموضوع الأساس وهو تبيان أسباب تأليفه ونظمه لهذه الرحلة، والذي جرّه إلى سرد ما ساءه في مصر ثم الحرم المكي، ليختم مقدمته المنثورة بالفخر بمنظومته التي هي بمثابة: «اللآلي في عقد من الفرائد، موشِّحا به نحر غانية بعض الأيام والليالي، فقلت بعد التبرّك ببسم الله الرحمن الرحيم في نظمي حجازية موضوعة لطريق الحج الكريم.»73
وبدا المصعبي في عمله الافتتاحي هذا ممنهجا؛ حيث بيّن دوافعه من تدوين الرحلة الحجية، ومنها الدافع الموضوعي، وهو تبيان الفِرَق المخالفة للدين، والضالة المفسدة له، وأظهر فضل أسلافه الذين وقوه من الانحراف، وعلّموه الدين الصحيح، والدّافع الذاتي وهو الإسهام في فن الرحلة الحجازية، والتعريف بمجرياتها الإيجابية والسلبية، مع الإشارة إلى ما أثار حفيظته وغضبه، لإشراك المتلقي في هذه التجربة، والتغيير من الحال والواقع.
أما افتتاحية الجزء المنظوم في رحلته الفعلية، فلا تختلف عن المقدمة النثرية عدا وزنها وقافيتها، فبعد البسملة والحمدلة ومدح الرسول الكريم، وذكر بعض صفاته استخدم عبارة: (وبعد) في آخر افتتاحيته المنظومة وهي الدّالة على أنه كان في خضم تقديم، ويعدّ هذا تقديما كلاسيكيا، يتكرر في أغلب المؤلفات التراثية، بمختلف العلوم يقول فيها:
«فَنَحْمَدُكَ اللَّهُمَّ حَمْدًا مُوَافَا عَلَى نِعَمٍ مِنْهَا بُلُوغِي مُرَادِيَا
وَنَشْكُرُ مَوْلَانَا كَثِيرًا مُسَلِّمَا عَلَى سَيِّدِ خَيْرِ الخَلاَئِقِ هَادِيَا
نَبِيًّا مُمَجَّدًا شَرِيفًا مُحَمَّدًا رَسُولاً مُكَرَّمًا إِلَى الرُّشْدِ دَاعِيَا
…وَبَعْدُ فَقَدْ خَرَجْتُ لِلحَجِّ قَاصِدًا إِلَى الكَعْبَةِ البَيْتِ المـُحَرَّمِ عَالِيَا»74
واستخدم المصعبي خطاب الذات الفردية من جهة، بما يناسب حديثه عن أهله، وإشراك الجماعة من جهة أخرى عند الشروع في سرد مراحل التنقل وأخباره، يقول:
«وَبَعْدُ فَقَدْ خَرَجْتُ لِلحَجِّ قَاصِدًا إِلَى الكَعْبَةِ البَيْتِ المـُحَرَّمِ عَالِيَا
فَفَارَقْتُ فِي حَقِّ الرَّحِيمِ قَرَابَتِي وَشَيْخِي وَوِلْدَانًا عَـزِيزًا وَمَالِيَا
فَأَبْكَى فِرَاقِي إِخْوَةً لِي أَعِـزَّةٌ وَمَنْ كَانَ دَانِيَا وَمَنْ كَانَ قَاصِيَا
.. وَقَدْ كَانَ فِي يَوْمِ الخَمِيسِ خُرُوجُنَا لَدَى نِصْفِ رَجَبٍ مِنْ شُهُورِ الإِلَهِيَا»75
كما نلمس في الافتتاحية صفة التنوع في كل ما قدّمه المصعبي: التنويع في الأسلوب بين النثر والشعر، والحمد والمدح، والتنويع في الضمائر ما بين المتكلم المفرد، والمتكلم الجمعي والغائب العائد على الشخصيات المرافقة، وعلى الشخصيات المقابلة في الرحلة ممن أحسنوا إليه، أو أساؤوا، كما تخص بعض الشخصيات الحاكمة، أو ذات سلطة وجاه بين قومها. كما نلمس المنهجية الدقيقة المعتمدة في التأليف، والاعتناء بالتأريخ للأحداث، وتتبع زمن الرحلة الكرونولوجي.
وينهي المؤلف رحلته بخاتمة منظومة كذلك وأخرى منثورة، فدعا الله أن يرزقه الستر وغفران الذنوب له ولأشياخه ولوالديه ولكافة المسلمين، ليلتفت إلى غرض الفخر، إذ عدّ منظومته الرحلية هاته درة ثمينة مزينة باللآلئ، تتبختر كالشابة الناعمة في سطورها، مثل الذهب والمرجان في نحر الغواني، تلهي السامع عن اللهو، وتنفع من قرأها بإمعان ونظر، وكعادة ناظمي الشعر في عصره ثبت اسمه وختم شعره بالصلاة على النبي المختار.
وألّح المصعبي على التفصيل في حادثة ضرب إبراهيم بك المكس على طلبة الوكالة فكررها في الجزء الأخير المنثور، وفصّل في حيثياتها، فدعا على الحاكم إبراهيم بك، وبيّن المبلغ الذي فرضه على طلبة وكالة الجاموس وتجارها، الذي وصل أربعة آلاف ومائتي ريال بعد التفاوض، فتعاونوا على دفعها له اتقاء لشرّه، كما أفاد القراء بتهديد هذا الحاكم لأهل الوكالة، وأمرهم بمغادرة مصر، ليختم كامل رحلته بتبيان تاريخ إنجاز الرحلة، ثم تاريخ إتمام نظمها.
4. خصائص اللغة والأسلوب:
خاض المصعبي بحر الطويل وهو مما يناسب النفس الطويل للشاعر، ويلبي غرض الإخبار والسرد ضمن أشطره، كما اختار قافية مطلقة بألف المد مع حرف الروي الياء، وهذه القافية توحي بحالة الشاعر المتغني برحلته، والمعتد بها بصوت عال، وهي تتكئ على ياء النسبة للشاعر، وألفاظ معتلة الآخر، مع المد الذي يزيد الحرف قوة ويعطي إيقاعا موسيقيا ممدودا منفتحا.
وتنطوي الرحلة المصعبية على بعض الخصائص الفنية والتقنيات الأسلوبية التي نوجزها في الآتي:
– يتبدى لقارئ الرحلة اطّلاعُ المصعبي على نماذج ونصوص سابقة في الحجازيات الواقعية، لكنه تميّز بتجديده في مزجه بين الشعر والنثر، والحرص على التزمين في مراحل الرحلة البارزة، حتى إنه أخبرنا بتاريخ إتمام التأليف في الخاتمة، وهو ما يجعل القارئ على هداية بتمفصلات الرحلة الزمنية، وبالمرحلة التاريخية التي يعايشها مع الرحال، و بهذا التزمين اقتربت المنظومة أكثر فأكثر من الرحلة النثرية.
– عدم تعيين المصعبي الشخصيات المرافقة أو المقابلة تعيينا دقيقا، وعدم اعتنائه بالمرجعيات التاريخية للأشخاص، فاقتربت فنيا من الشخصيات القصصية المتخيلة، ويعود هذا إلى أن هم الناظم كان التعريف بالقرى والمدن المجتازة، وبوارد المياه والأسواق، والأماكن المقدسة في الحجاز، حتى إنه تميز عن سلفه الوارجلاني في عدم وصفه لمعالم تونس وليبيا ومصر، واكتفى بوصف المسجد الحرام والكعبة المشرفة، وذكر بعض المزارات الدينية في البلد الحجازي، ويؤكد هذا المسعى سكوته عن سرد مراحل العودة من المدينة المنورة إلى وطنه، لأنه سبق التفصيل فيها في مرحلة الذهاب، فلا حدث يستحق حكايته عدا التعريف بالطريق إلى الحج، وبكل ما يساعد على تحقيقه.
– رتب المصعبي أحداث الرحلة ترتيبا زمنيا دقيقا إذ تندر الاستباقات أو اللواحق، وهو ما يؤكد على تمكن الناظم من هذا اللون القصصي، وخصوصا الشعري منه والذي لا يسمح بالخروج والاستطراد، ومن ثم العودة إلى المقصود، كما أظهر براعته في ترتيب مواد رحلته من مقدمة حوت أغراضه في التأليف، ورحلة منظومة هي صلب العمل، وخاتمة مؤرخة للسفر وللنظم.
– يبدو المصعبي شخصية سياسية ناقدة، صريحة، حيث نبّه على وجود الظاهرتين الخطيرتين، وهما الظلم الذي كان الحجاج يتعرضون له من حكام مصر، ومن قطاع الطرق وبعض قبائل البدو الرحل، وظاهرة تكدس الأوساخ في الحرم المكي، ولعله أراد تنبيه أولي الأمر للسعي في القضاء على الظاهرتين، وإصلاح الحج، بالسهر على راحة الحاج، والحفاظ على روحه وماله، والحفاظ على شعيرة الإسلام الخامسة، وجعلها ممكنة، وقد لمّح منذ بداية رحلته على خشيته من توقف الرحلة إلى الحج بعد تزايد المخاطر والآفات، فقال: «الحمد لله الذي… وأفاض علينا سجال زيارة غالب مشاعر البيت الجميلة قبل انسدادها، وأوردنا من مناهل رؤية مشاهده الجليلة وما حولها من الآيات البيّنات قبل انغلاقها.»76 ونحمد الله على تيسير الحج على المسلمين في هذا الزمان، وعلى تطور وسائل النقل والخدمات والمرافق.
– على الرغم مما وجده في الحرم المكي من إهمال للنظافة، لكنه تجاوزه لوصف بدائع المسجد الحرام، وجمال كسوة الكعبة المشرفة، وذكر المسعى، والركن اليماني، وأبواب المسجد، وسكت المصعبي عن وصف الكعبة من الداخل لعدم جواز ذلك حسبه، وحسب الكثير من الناس قديما.77
– يظهر المصعبي معتزا بالدين الإسلامي، محترما ومحبا لجميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم، فلم يتعرّض بالإساءة لهم أبدا في هذه المنظومة.
5. قراءة فيما ما وراء النص:
يمكن القول إن رحلة المصعبي وإن تناولت عدة موضوعات، ووقفت عند ظواهر حساسة مؤثرة بالنسبة للرّحال، لكننا نستطيع الإحساس بما لم يرغب الرحال الإفصاح والتعبير عنه لاعتبارات أخلاقية ونفسية، وفنية، لكن هذا المخفي يحكم كل أجزاء الرحلة المنظومة، ومن بين المسكوت عنه نذكر الآتي:
محاولة المصعبي إثبات ذاته بعدم التصريح بتقليد، أو الاعتماد على مؤلفي الرحلة السابقين عنه، كالوارجلاني في رحلته المنظومة، والورثلاني في رحلته النثرية.
يمكن عدُّ الرحلة كذلك تجسيدا للصراع الداخلي بين الحياة والموت إذ كان الأهم في هذه الرحلة هو إيجاد آبار ووديان، وماء عذب حلو، وهو ما يضمن للرحالين مواصلة السفر وإنهاء التجربة في سلام، وفي المقابل لم يشر الرحال كثيرا إلى الزاد، ولم يعبّر عن هاجس الجوع مثلما عبّر عن هاجس العطش، لأن هذا الأخير إذا أصاب الإنسان أسرع هلاكه خلاف الجوع فإن موته يطول، أما الموت فيتجلى في ذكر وفاة خاله منذ بداية الرحلة، وعدم إهمال ذكر كل متوفى من الحجاج خلال السفر في مختلف مراحله.
وكذلك سكت عن ذكر محاسن البلاد المصرية الكثيرة من علماء وعمارة وآثار قديمة، ومآثر إسلامية، وبدا شحيحا في وصفها نظرا لمقته لحكامها، وما جرى فيها للحجاج وللطلبة الإباضيين من البلاد المغاربية في وكالة الجاموس، خاصة أن الفترة التاريخية التي كان فيها المصعبي بمصر شهدت اضطرابات سياسية وعسكرية.
كما تجسد المنظومة بكاملها صورتي الحضور والغياب في ظهور النثر ثم الشعر وعودة النثر مرة أخرى، وحضور مسار السفر في مرحلة الذهاب وغيابه في مرحلة الإياب، وحضور الماء أهم العناصر الحيوية في الرحلة وغيابه خلال مراحل السير، وحضور الأمن والصلاح والكرم وغياب هذه النعم بوجود السرّاق والظلّام الفاسدين والمشي في القفار الخالية من السكان، وفي المستوى السردي نجد حضور ذات الرحال الحاج عند غياب ذات السارد، أي تداول الأدوار بين الذاتين.
في الأخير، تمثل منظومة المصعبي فنيا مرحلة من مراحل تطور أدب الرحلة في الجزائر، وهي كذلك صورة حية عن أحوال العصر، وبعض حوادث التاريخ في القرن الثاني عشر الهجري (18م) التي قل التدوين فيها، حيث سجّلت تقاليد السفر والمسارات المتبعة، وأسماء الآبار التي كانت موجودة آنذاك، وأشارت الرحلة لحوادث حكم أمرد بيك وإبراهيم بك المملوكين، وما صاحبه من صراعات وحروب، انتهت بحملة نابليون بونابرت على مصر، كما شكّلت كتابة المصعبي لهذه المنظومة تحدّيا صعبا وهاما؛ إذ سعى بها إلى الإصلاح والتنبيه على مخاطر وصعوبات واجهت الحجاج أثناء رحلتهم إلى الحجاز.
الهوامش
أولا: المصادر:
الجبرتي، عبد الرحمن بن حسن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، دار الكتب المصرية القاهرة، ط. 1، 1998، ج. 2، ص. 492.
ياقوت الحموي، معجم البلدان، دار صادر، بيروت، لبنان، 1977، مج.3، ص. 100.
العياشي، عبد الله بن محمد:
الرحلة العياشية للبقاع الحجازية، ماء الموائد، تحقيق أحمد فريد المزيدي، دار الكتب العلمية، بيروت، 2010، ج. 1.
المجاجي: عبدالرحمان محمد بن الخروب:
رحلة، مخطوط، المكتبة الوطنية، الجزائر، رقم 1564 و1565، وقد حققت الرحلة ضمن عمل أكاديمي لنيل شهادة الماجستير، من قبل الطالبة: حميدة زعيتر، تحت إشراف: الشريف مريبعي، جامعة الجزائر، 2008- 2009، مخطوط.
المصعبي، إبراهيم بن بحمان:
رحلة المصعبي، تحقيق يحيى بن بهون، سلسلة من الرحلات الحجازية لعلماء المغرب2، وزارة الثقافة، الجزائر، 2007، ص. 122.
الوَارَجْلاَني، أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم السدراتي الوارجلاني، رحلة الوارجلاني، تحقيق يحيى بن بهون، الجزائر، ط.1، 2007.
ثانيا: المراجع:
بوزياني، الدراجي:
عبدالرحمن الأخضري العالم الصوفي الذي تفوّق في عصره، دار الأمل للدراسات، الجزائر، ط. 2، 2009، ص. 340.
بوسعيد، أحمد:
ركب الحاج الجزائري خلال العهد العثماني (1518- 1830م)، «رسالة دكتوراه»، تحت إشراف محمد حوتية، جامعة أحمد دراية، أدرار، الجزائر، قسم العلوم الإنسانية، 2017- 2018م.
الجاسر، حمد:
المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية، شمال المملكة إمارات: حايل والجوف وتبوك، دار اليمامة، مركز حمد الجاسر، المملكة العربية السعودية، مج. 1، 1977.
الجزيري الحنبلي، عبد القادر بن محمد:
الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة، تحقيق محمد حسن إسماعيل، دار الكتب العلمية، لبنان، ج.2، ط.1، 2002، ص . 505.
جلبي، أوليا:
رحلة إلى مصر والسودان والحبشة، تح. محمد حرب،تر. حسين مجيب المصري،دار الآفاق العربية، ط. 1، 2006، ج. 2، ص. 159.
السبحاني، جعفر:
بحوث في الملل والنحل، مؤسسة الإمام الصادق، إيران، ط. 1، 1428هـ، ج. 5.
عبد اللطيف، عبد الشافي:
مكة المكرمة في الجاهلية وعصر الإسلام، دار الفكر العربي، القاهرة، 2007.
الفاطمي، محمد:
الرحلة الحجية القورارية من خلال أنموذج قصيدة الشوق (مجهولة المؤلف)، «مقال»، مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية، جامعة الوادي، الجزائر، مج. 06، ع. 03/ 12/ 2020.
مبارك، علي باشا:
الخطط الجديدة لمصر القاهرة ومدنها وبلادها القديمة والشهيرة، الطبعة الأميرية، بولاق، القاهرة، 1305هـ- 1888م، ج.13، ص. 460.
مجموعة أساتذة:
موسوعة العلماء والأدباء الجزائريين، منشورات الحضارة، الجزائر، 2014.
محمد، صادق باشا:
رحلة مِشعل المَحمل، دار هنداوي، المملكة المتحدة، ط.2، 2022، ص. 285.
المسعود، بن سالم:
قصور بلاد أولاد نايل بين الماضي والحاضر قصور حاضرة مسعد، «مقال»، الجلفة إنفو، جريدة إلكترونية وطنية معتمدة، 15- 06- 2017،تم الاطلاع على الصفحة يوم 02/11/ 2022.
المنوني، محمد:
من حديث الركب المغربي، مطبعة المخزن، المغرب، 1953.
الهوامش
إبراهيم بن بحمان المصعبي، رحلة المصعبي، تح. يحيى بن بهون، سلسلة من الرحلات الحجازية لعلماء المغرب2، وزارة الثقافة، الجزائر، 2007، 122ص.
ينظر: أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم السدراتي الوارجلاني، رحلة الوارجلاني، تح. يحيى بن بهون، الجزائر، ط.1، 2007.
هو أبو القاسم بن الحسين القوراري، ولد ببلدة أوسيف عام 925هـ، درس فيها على يد والده الحسين، وارتحل إلى فاس طلبا للعلم، ثم عاد على قريته لقيادة حركة علمية أحدثت ثورة بالمنطقة، خلف الشيخ آثارا جليلة وأدعية وقصائد في التوحيد ومدح الرسول عليه الصلاة والسلام، واشتهر برحلته المنظومة من قورارة إلى أرض الحرمين الشريفين، توفي عام 997هـ ودفن بزاويته قرب مدينة تيميمون في الجنوب الجزائري.
ينظر: محمد الفاطمي، الرحلة الحجية القورارية من خلال أنموذج قصيدة الشوق (مجهولة المؤلف)، «مقال»، مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية، جامعة الوادي، الجزائر، مج. 06، ع. 03، 12/ 2020، ص. 95.
عبدالرحمان بن محمد بن الخروب المجّاجي، رحلة، مخطوط، المكتبة الوطنية، الجزائر، رقم1564و1565، وقد حققت الرحلة ضمن عمل أكاديمي لنيل شهادة الماجستير، من قبل الطالبة: حميدة زعيتر، تحت إشراف: الشريف مريبعي، جامعة الجزائر، 2008- 2009، مخطوط.
وهي منظومة سميت بالهمزية نسبة لرويها الذي هو الهمزة، من 335 بيتا أتمّها سنة 1152هـ، توجد نسخة منها في المكتبة الأحمدية بفاس، ونسخة في المكتبة الصبيحية بسلا، ونسختان في مكتبة محمد المنوني، ونقل المنوني الرحلة المنظومة في كتابه: من حديث الركب المغربي، مطبعة المخزن، 1953، ص- ص. 88– ص. 104.
بحمان تهجية دارجة مخففة عن عبدالرحمن، شائعة في غرداية، ومثلها دحمان في الجزائر العاصمة.
نظام العزابة هو عبارة عن هيئة محدودة العدد تضم خيرة أهل البلد علما وصلاحا، وهي تشرف على شؤون المجتمع المزابي الدينية والاجتماعية والسياسية، وهي مثل مجلس الشورى، ويقودها شيخ العزابة هو أعلم الأعضاء وأكثرهم كفاءة، ولا يشترط فيه أن يكون أكبرهم سنا. ينظر: جعفر السبحاني، بحوث في الملل والنحل، مؤسسة الإمام الصادق، إيران، ط. 1، 1428هـ، ج. 5، ص. 291.
إبراهيم بن بحمان المصعبي، رحلة المصعبي، تح. يحيى بن بهون، سلسلة من الرحلات الحجازية لعلماء المغرب2، وزارة الثقافة، الجزائر، 2007، ص.47، 48، 49.
مجموعة أساتذة، موسوعة العلماء والأدباء الجزائريين، منشورات الحضارة، الجزائر، 2014، ص. 576.
تم الاعتماد في ترجمة المصعبي على:
إبراهيم بن بحمان المصعبي، رحلة المصعبي، ص. 10- 52 (مقدمة المحقق).
إبراهيم بن بحمان المصعبي، رحلة المصعبي، ص. 69.
المصدر نفسه، ص.90.
المصدر نفسه، ص. 74.
المصدر نفسه، ص- ص. 89- 90.
نقرأ في الكثير من رحلات الحج المنجزة في الجزائر قيام الرحال بزيارة قبور شيوخ المنطقة وصلحائها، كالحسين الورثلاني الذي تجول في منطقة القبائل وزار عددا من قبور الصالحين قبل التوجه إلى الحج.
الأغواط: ولاية جزائرية تقع على بعد 400 كم عن العاصمة ، في قلب البلاد، وهي مدينة قديمة ومنطقة فلاحية مشهورة بنخيلها وبساتينها القديمة، كان يسكنها سكان من مغراوة، وبني هلال الوافدين على المنطقة.
أولاد صولة عشيرة كانت تقطن الأغواط، اختلف في نسبهم، فمنهم من يرجعهم إلى الكاف التونسية، ومنهم من ينسبهم إلى صولة بن يعقوب، وهو الرأي القليل.
هي أحد قصور حاضرة مسعد وأقدمها، واسمها مأخوذ عن الاسم الروماني لحصن كاستيلوم ديديدي، أصبحت دمد محطة ومستراحا للحجاج المغاربة والجزائريين، ذكرها كل من اليوسي، والعياشي والناصري، وغيرهم. ينظر: المسعود بن سالم، قصور بلاد أولاد نايل بين الماضي والحاضر قصور حاضرة مسعد، «مقال»، الجلفة إنفو، جريدة إلكترونية وطنية معتمدة، 15- 06- 2017، تم الاطلاع على الصفحة يوم 02/11/ 2022.
إبراهيم بن بحمان المصعبي، رحلة المصعبي، ص. 75.
وادي خالد، وقرية سيدي خالد نسبة للولي الصالح خالد بن سنان العبسي، قاض وأديب من أدباء العرب وحكمائها، كان حنيفا على ملة إبراهيم عليه السلام، وقد ذهب بعض العلماء من البلاد المغاربية إلى القول بنبوته قبل بعثة الرسول محمد عليه الصلاة السلام، وزعم بعضهم أن الشيخ عبدالرحمن الأخضري هو من أظهر قبره بقرية مسماة باسمه في الزاب الجزائري بواسطة الكشف والتربيع، ونسبت كذلك للأخضري قصيدة لامية في مدح النبي خالد بن سنان، وحث الناس على زيارة قبره.
ينظر: الدراجي بوزياني، عبدالرحمن الأخضري العالم الصوفي الذي تفوّق في عصره، دار الأمل للدراسات، الجزائر، ط. 2، 2009، 340ص.
كذا في المنظومة والصحيح بسكرة.
وهي قرية عقبة بن نافع رضي الله عنه، بها مسجده المشهورة المنطقة به.
تسمى زريبة الوادي وهي إحدى دوائر ولاية بسكرة الجزائرية، سميت كذلك نسبة لوادي العرب الذي كانت تسكنه القبائل العربية، ومنه كانت تسترزق حيث كان ملجأ الطيور كالكدري والسمان والقطا، والحيوانات كالغزال، وبها آثار رومانية.
واحة الشبيكة قرية في الجنوب الغربي لتونس تابعة لولاية توزر حاليا.
شط الجريد يقع في صحراء تونس، يمتد من مدينة قبلي شرقا إلى مدينة حزوة غربا، وهو معروف من بين شطوط البلاد التونسية تتفجر منه المياه في فصل الشتاء، ويجف مظهرا طبقة من الملح في فصل الصيف.
إبراهيم بن بحمان المصعبي، رحلة، ص. 77.
المصدر نفسه، ص. 78.
مصراتة ومسراتة من محطات الحجاج المغاربة البارزة لوجود قبر الشيخ أحمد زُرّوق الفاسي، من صلحاء المنطقة وعلمائها، ومن ضواحيها الشرقية تنقطع العمارة، وتأتي مرحلة مفازة برقة القاحلة والشاسعة، ولا يصادف فيها أركاب الحج إلا بعض البدو الرحل، وآبار مياه راكدة.
ينظر: أحمد بوسعيد، ركب الحاج الجزائري خلال العهد العثماني (1518- 1830م)، «رسالة دكتوراه»، تحت إشراف محمد حوتية، جامعة أحمد دراية، أدرار، الجزائر، قسم العلوم الإنسانية، 2017- 2018م، ص. 134.
إقليم برقة يشمل الجهة الشرقية من ليبيا خلال العهد العثماني، يمتد من الساحل إلى الصحراء، وهو يفصل بين مصر وإفريقية، تكثر فيه السبخات، والمفاوز الصعبة من مرتفعات ومنحدرات، وصحاري، على الرغم من وجود بعض المدن العامرة بالسكان في الشمال كأجدابيا وبني غازي ودرنة وطبرق.
ينظر: أحمد بوسعيد، ركب الحاج الجزائري خلال العهد العثماني، المرجع نفسه، ص. 135.
أو العريرة هو معطن يه سبخة في ساحل البحر، وفيه مياه عذبة.
وصفها الورثلاني فذكر أن بينها وبين النعيم معاطن على شاطئ البحر، وأرض الزعفران ربوة طيبة خصبة، قل نظيرها في برقة. ينظر: الرحلة الورثلانية، ص. 263.
ماؤه عذب بارد، يسقي منه الحجاج لأنفسهم ولدوابهم.
وهو معطن عظيم ماؤه عذب وآباره متقنة لا تكاد توجد في غير هذا الموضع. ينظر محمد الحسين الورثلاني، الرحلة، ج. 2، ص. 262.
مفازة السروال تقع بين السلوك والتميمي على شاطئ البحر، وهي لا ماء فيها، وكانوا ينتظرون ماء السماء، أو ماء الغدير، قال عنها الورثلاني أنها أشد مفازة في طريق الحج إذ سبعة أيام لا ماء فيها، والقادم على هذه المفازة كالقادم على القبر. ينظر: محمد الحسين الورثلاني، الرحلة الورثلانية، ج. 2، ص. 256.
تميم أو التميمي قرية صغيرة في ليبيا، كانت تابعة لإقليم برقة، واقعة على شاطئ البحر بها آبار وحسيات مياهها ليست طيبة.
الطرفاوي موضع ببرقة بها واد وبئر يسميان بالاسم ذاته.
موضع به بئر حلوة، قريب من مقرب.
تسمى كذلك أم أقرب، عرفه أحمد بن ناصر الدرعي في رحلته بأن تمره أحسن التمور. ينظر: محمد الحسين الورثلاني، الرحلة الورثلانية، ج. 2، ص. 253.
جرجوب أو جرجوف كما ذكره الورثلاني، وهو موضع على شاطئ البحر تابع للتميمي في برقة.
هو الشمامة وصفها الرحالة الورثلاني: «ماؤها قبيح من أقبح مياه برقة يشوي الوجوه بئس الشراب إلا بعض الآبار فإن ماءها قريب من العذب.»
ينظر محمد الحسين الورثلاني، الرحلة، ج. 2، ص. 252.
يعرف بوادي الرهبان طويل فيه قصور للعباد النصارى ينعزلون فيه للعبادة.
ينظر: محمد الحسين الورثيلاني، الرحلة، ج.2، ص. 292.
اشتهرت هذه الوكالة باستقبال حجاج البلاد المغاربية، وتضم الوكالة طلبة مغاربة بجامع الأزهر، وتجار.
سوق طليون هي من أسواق القاهرة الكثيرة، تقع في درب خرطة الوالي، قريبة من خرطة الخليفة وسوق المغاربة وسوق الحنا وسوق قبر الطويل وطريق هذه الأسواق وغيرها يطول ثلاثة آلاف وخمسمائة خطوة تصل إلى جامع الأزهر ينظر: أوليا جلبي، رحلة إلى مصر والسودان والحبشة، تح. محمد حرب، تر. حسين مجيب المصري، دار الآفاق العربية، ط. 1، 2006، ج. 2، ص. 159.
هو أحمد بن طولون (ت. 270ه- 884م)، أمير مصر ومؤسس الدولة الطولونية، استقل عن الدولة العباسية، وتمددت سلطته حتى بلاد الشام، دام حكمه 26 سنة.
أمرَد بيك هو مراد بيك (1750- 1801) وهو أحد المماليك الجراكسة بك سلاح الفرسان والحاكم المشترك لمصر مع إبراهيم بك، عرف بحبه للهو وجمع الأموال من الرعية المصرية مقابل حمايتهم. توفي بالطاعون أثناء عودته لمصر بعد إبرام اتفاق مع الفرنسيين، شهد عليه الخيانة لحكامه، والتفاوض مع الأعداء لمصالحه الشخصية. ينظر: عبدالرحمن بن حسن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، دار الكتب المصرية القاهرة، ط. 1، 1998، ج. 2، ص. ط- س.
عادة فرض المكوس على الحجاج من قبل حكام الأمصار المجتازة كانت تؤرق كل رحالة جرّب السفر الحجازي في القديم، وقد أشار العديد من الرحالين إلى هذه الظاهرة فضلا عن معاناة الحجاج كذلك من الأعراب المغيرين وقطاع الطرق آنذاك.
عائلة عياد مشهورة بجزيرة جربة.
قد يكون القصد من قوله البحر الأجاج أنه البحر المالح، وليس النهر، وقد يكون القصد أن المسافر يتمكن من رؤية الأمواج العاتية من الطريق.
سماه الرحالة الحضيكي بعيون الأقصاب، قريبة من مغارة سيدنا شعيب عليه السلام، تسمى عينونة، أو عين أونة، وهي واحة تقع في شمال غرب المملكة العربية السعودية على شاطئ البحر الأحمر.
المويلح: وهي النبك، أو تبوك، الديسة.
وردت في الرحلة الورثلانية باسم دار أم السلطان، ووردت باسم دار السلطان في كتاب علي باشا مبارك الخطط الجديدة لمصر القاهرة ومدنها وبلادها القديمة والشهيرة، الطبعة الأميرية، بولاق، القاهرة، ط. 1، 1305هـ- 1888، ج.13 ص.21.
آبار إسطبل عنتر هو من منازل الحاج المصري هو مكان متسع محاط بالجبال، في وسطه ثلاث أبيار إحداها مردومة، والأخريان فيهما مياه قليلة مرة، يبعد عن الوجه شمالا حوالي 47 ميلا. ينظر: محمد صادق باشا، رحلة مِشعل المَحمل، دار هنداوي، المملكة المتحدة، ط.2، 2022، ص. 55.
لعله موضع الوجه، وقد يكون قد سمعه من العامة وش أي وجه، أو حدث تصحيف في النسخ. والوجه هي ضبا حاليا.
وصفها أكثر كتاب الرحلات بأن ماءها يطلق البطن، وهو أجاج، غير صالح حتى للإبل والحيوانات، تبعد عن الوجه بـ 51كم جنوبا، قال محمد البكري: «بركة أكره هي أرض بها حفائر ماء يكره ماؤها من المذاق، من تقيّدَ بشربه حصل له الإطلاق، فهي مرحلة لا ترتاح بها النفوس ولا يضحك بها العبوس. ينظر:
حمد الجاسر، المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية، شمال المملكة، دار اليمامة، مركز حمد الجاسر، المملكة العربية السعودية، 1977، ص. 119.
الحوراء هي أملج، وهي ساحل بحر (القلزم الأحمر)عرفت باسم الحوراء في زمن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، ذكرها الجزيري الحنبلي فوصفها بكونها تباع فيها العجوة، وهي على ساحل البحر، يمارس أهلها الصيد إضافة إلى الزراعة والتجارة. ينظر:
عبد القادر بن محمد الجزيري الحنبلي، الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة، تح. محمد حسن إسماعيل، دار الكتب العلمية، لبنان، ج.2، 2002، ص. 155.
النبط: هي بين أملج وينبع، ولا يزال هذا الموضع معروفا اليوم.
وردت في الرحلة المحققة حضيرة، ولعله تصحيف وقع في النسخة المعتمدة، أو خطأ من المحقق، والخضيرة من أعمال بندر ينبوع. ينظر: عبدالله بن محمد العياشي، الرحلة العياشية للبقاع الحجازية، ماء الموائد، تح. أحمد فريد المزيدي، دار الكتب العلمية، بيروت، 2010، ج. 1، ص. 229.
إبراهيم بن بحمان المصعبي، رحلة المصعبي، ص. 83.
لم يخبر العياشي صاحب ماء الموائد باسم العين، وإن كان أشار إلى أن ببدر بركة كبيرة تكفي الأركاب كلّها، ومادتها من عين هناك. ينظر: الرحلة، ج. 1، ص- ص. 230- 231.
البزوة:اسمها الحالي البزواء، وهو موضع في طريق مكة قريب من الجحفة .
موضع بين الأبواء (عسفان) والسقيا من طريق الجادة بين مكة والمدينة ذكرها الشاعر كثيرا في قوله:
«وكيف ترجيها ومن دون أرضها جبال الربا تلك الطوال البواسق»، ينظر ياقوت الحموي، معجم البلدان، دار صادر، بيروت، 1977، مج.3، ص. 23.
وادي قديد من أشهر أودية الحجاز تابع لمنطقة مكة، وهو خصب يعرف بكثرة العيون والمزارع فيه.
وادي خليص حصن بين مكة والمدينة، ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، ج.2، ص. 442.
مكة المكرمة، هي أم القرى، والبلد الأمين، الذي أقسم به الله تعالى في كتابه العزيز، قامت حول أول بيت وضع للناس في الأرض لعبادة الله وحده، وهي أحب بلاد الله.
ينظر: عبد الشافي عبد اللطيف، مكة المكرمة في الجاهلية وعصر الإسلام، دار الفكر العربي، القاهرة، 2007، ص. 1.
بئر التفلة تقع بجوار المزارع في عسفان، وهي أشهر آبارها، ماؤها حلو وعذب بارد حتى في أشد أوقات الصيف، ولعل هذه معجزة من معجزات النبي محمد عليه الصلاة والسلام حيث تشير الروايات أنها كانت شديدة الملوحة فتفل فيها الرسول الكريم عندما مر بعسفان فتحول ماء البئر ماءً عذبا.
عمل المصعبي بالرأي القائل بجواز الإحرام للحج في الكعبة وليس الخروج إلى التنعيم.
أشار الحسين الورثلاني إلى ظاهرة كثرة الأوساخ والأزبال في الحرم المكي، وهو غير بعيد زمنيا في رحلته عن المصعبي، حيث لخص الورثلاني أحداث حجاته الثلاث في الأعوام: 1163هـ، 1166هـ، و1179هـ وكانت رحلة المصعبي بعد أقل من عشرين سنة من الحجة الأخيرة للورثلاني.
إبراهيم بن بحمان المصعبي، رحلة، ص. 86.
المصدر نفسه، ص. 87.
اعتبر المصعبي ما كان يطلبه بعض الأعراب في الطرق الخالية على الحجاج من أموال وأملاك رشوة لحرمة مالها، وعدم أحقية أخذها منهم، فهم لم يطلبوا الحماية، ولا يوجد تبرير لدفع تلك المكوس، وهو استغلال منهم الحجاجَ وظلم لهم.
إبراهيم بن بحمان المصعبي، رحلة، ص. 88.
إبراهيم بك (1735- 1817م) أحد المملوكين من جورجيا للأمير العثماني محمد أبو الذهب، الذي أعتقه وزوجه أخته، ثم ورثه، وقد حظي بمناصب كثيرة آخرها حاكم لمصر للشؤون الإدارية بالاشتراك مع مراد بيك المولى على الشؤون العسكرية، فر من مصر بعد فشله في مواجهة الفرنسيين بقيادة نابليون، وعاش في دنقلا السودانية إلى أن مات بالملاريا.
إبراهيم بن بحمان المصعبي، رحلة، ص. 73.
إبراهيم بن بحمان المصعبي، رحلة، ص. 73.
إبراهيم بن بحمان المصعبي، رحلة، ص. 70.
إبراهيم بن بحمان المصعبي، رحلة، ص. 69.
لم يثبت حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يوجد دليل عن عدم جواز وصف داخل الكعبة.