1- الغريب هنا: افتحوا الأبواب
وجدوه يعزفُ الِقيثارةَ في صَحراءٍ تبحثُ عن رَملها.. في انتظارِ قَافلةٍ ينتظرهُا من ألفِ عامْ… كانت الراعيةُ تكتب النجومَ تحت النخيلِ وتبحث عن وَجهِها في الكُثبان
صَافحَ الدنيا لأولِ مرةٍ في صباحٍ ليس ككلِ المَواسمِ، لا يشبهُ الفَرحَ ولا النَشوةَ
يومٌ غائمٌ ممطرٌ .. وكأن الأفقَ كانَ ينتظرُهُ بِحنينِ البحرِ للنَوارسِ
تحوّل وَجههُ إلى مطرٍ من أول لحظةٍ، من أولِ ارتعَاشةٍ
أصبح دمُهُ مطراً .. قلبُهُ مطراً .. روحهُ مطراً …
ولأن المطرَ غريبٌ .. أصبح غريباً يرتدي الحبَّ والوطنَ وعباءاتِ الدهشةِ
يلبسُ الغيمَ قِناعاً شفَّافاً لا تخترقُهُ الريحُ ولا عُيونُ الجِدرانِ
تَجسّدهُ الغيمُ منذ بكائهِ الأولِ وليس الأخيرِ
يرافقهُ الغيمُ أينما يَمَّمَ قلبَه …هو الغيمُ
هو السماءُ بطيورِها الُمتغربةُ في مَلكوتِ الذُهولِ
هو الشتاءُ الذي يعشَقهُ والمطرُ الذي يتناسلهُ
هو الغريبُ ..الغريبُ الذي كان قدره غربة وجودية ومعشوقةٌ لا تأتي
حبيبة تطيرُ كفراشةٍ حولَه ولكنها تَستعصي
على اللمسِ، مثل حُورياتِ البَحرِ
غيمةٌ بخيلة لا تولدُ غيثاً
جَاءَ الغَريبُ يتقمَّصُ رداءَ العرَّاف
يَعدو عَلى حِبالٍ رَفيعةٍ صَنعَهَا السحرةُ في ليلةٍ قَاتمةِ مثل قَلبِ الغُبارِ.. ولم يَسقطُ بعدُ
ويبدو أنه لن يسقطَ لأن قلبَه مصنوعٌ من رَمادِ العَاشقينَ الذين مَضوا وما زالوا ظَامئينَ لعشقٍ يُشبهُ نَكهةَ الضَوءِ وَطعمَ النَشوةِ المُستحيلةِ
جاء يحملُ مصباحَ ديوجين ليحوًل
السماءَ وهجاً والقلوبَ أقواس قزح
يُحيلُ البحرَ إلى فيروزاتٍ وقطرات ندى
أتى يزرعُ الأرضَ شَمساً
وطيور كَناري وسيمفونياتٍ للكادحينَ
للفقراءَ والمعذبين في الأرضِ
ومن لا يزورهم الفَرحُ حتى في مًساراتٍ الرُؤيا والأحلامِ
هو العشقُ المستحيلُ/الممكنُ
جاءَ كالوهجِ …وربما يمضي كالوهجِ
ولا يتركُ وراءهُ سِوى سَديمٍ عَابرٍ
يَحملُ عناقيدَ من القصائدِ
وعشقاً يُحاكي الأساطيرَ وَربما الخُرافةَ
الغريبُ حضرَ
الغَريبُ يَهطلُ
اكسروا المَصَاريعَ
افتحوا الأبوابْ
هامش:
في الليلةِ مَا بعد الألفِ من الخَيبةِ
انبثقتْ من رماد الأزمنةِ إمرأةٌ قَبَّلتْ شِفةَ
الغريبِ بحبرٍ سِرَي
تقودُ قوافلَ تَحملُ فَيروزاتِ الحُلمِ وبَاقات
قَصائدَ مُعجِزةً
هي القديسةُ/الرَاعيةُ القَادمةُ من مُدنِ الغَيمِ
تَحملُ لهُ مَاءَ الحَياةِ زُهورَ اوركيدٍ … بنفسجْ
وسَماءً شاهقةً تظللُ ظَمأ طُيورِ الغريبِ
وكرنفَالاتٍ وَفراشَاتٍ وَعوسَجْ
2- اغتصاب الورد
أن تجدَ نَفسَكَ في مَهبِّ الرِيحِ ولا تَستطيعَ أنْ تَنزَاحَ …يَختَطِفُ القَدرُ مِنكَ في كل يومٍ لُؤلؤةً ثمينةً كتلكَ التي حَلمَ بها جِلجامش يَوماً … يُخرِجكَ من قَمِيصِكَ وَسرَاويلكَ حتى تُصبحُ شِبهَ عَارٍ وكأن القَدرَ يَجهِّز جَسَدكِ للموتِ غيرَ المُعلنِ ثُم لا تشبعُ الريحُ وتحتلُ رَأسكَ لتَجعلكَ تحارب طَواحِينَ الهَواء التي لا تتوقف عن السُخريةِ مِنكَ ..ضَوضَاءٌ ..دِوارٌ …والعاَلمُ يَسعونَ حَولكَ ويَطوفُونَ… مَشغُولونَ عنك بالبِحثِ عن الهالةِ او الهُلامِ.. الكلُ غَارقُ فِي تِيهِ الخَيبَاتِ المُتسلسلةِ كَحبالِ السِحرِ…وأنتَ تقفُ بِعيونٍ مَشدوهةٍ… مَذهُولةٍ … آلافَ الكُتبَ التي قَرأتَها … آلافَ النُصُوصِ التي كَتبتَها عِشقاً وَدماً مَا عَادت تُعينكَ فِي اللحَظاتِ العَبثيةِ التي تَنسكِبُ كَالشَلالاتِ.. ثم لا تكتفي الرِيحُ وترسلُ عَاصِفةٌ هَوجاء تَقتلُ أجملَ مَا فِي قَلبكَ من فِراشاتٍ وأنهارٍ ومُوسيقى وَتغتصبُ وُرُودكَ البكرِ وتغتال اعشَابكِ الجَميلةَ التي زَرعتَهَا حَول قَلبكَ لتَحميهِ مِن جُنون الأمْواجْ…… وَتسقطْ في لحظَةٍ في قِمَّة الدُراميةِ والسِرياليةِ من اللامكانِ سِكينٌ حَادةٌ تَنهشُ الطُفولةَ التي كَانت أجملَ كَنزٍ تَبقى لَديكَ… مَا عَادَ في المَدى فحمٌ او خشبٌ يَقيكَ من بَردِ الشتاءَ القَارسِ …. مَا عَادتْ أسَاريرُ وَجهكَ قَادِرةً على رِسم ابتِسامةٍ او حِكَايةٍ تفرحُ لهَا العَصافيرُ المغتربةِ في رُوحكَ….أصبحتَ تَنوراً …بُركاناً لا يَنتظرُ غيرَ الانفِجارِ …مَا عَادَ شَيءٌ يَهمُ … الشَمسُ اصبَحتْ وَحيدةً في الأُفق البَعيدِ … والغَريبُ مَا زَالَ يُلوِّحُ لِسُفنٍ نائيةٍ .. وَاقفاً على رَصيفِ المَرفأ يَنتظرُ مِيلادَ ألوَانٍ جَديدةٍ ليَزهي بِها قوسَ قُزح القادمَ مع الحنينْ.
3- العشب
العشبُ كان ظامئاً حتى البكاءْ
رموا زجاجةَ ماءٍ مقفلة ٍفوقهُ
تسلقَ العشبُ الزجاجةَ
حاولَ …حاولَ اختراقها دُون جدوى
لا ماءَ في الفضاءْ ..
لا ماءَ في الماءْ
لا ماءَ يُروي ..لا ماءَ يغنّي
ما زالَ في انتظارِ مطرٍ شريدْ
4- ملل
جالسٌ على صَفيحِ الجمرِ
أنتظرُ قدومَ الندى
على صهوةِ فرسٍ ذهبي
قلتُ سُأحصِي النجومَ
في السماءْ
أو أُعدُّ حباتِ الرملِ
في الصحراءْ
لأقتلَ خناجرَ المللِ
المغروسةِ الليلةَ
في جَسدي
فُربما يطلُّ وجهكِ
من بين ألوانِ القُزحْ
يبزغُ مَا لا يَأتي
في فَوضى الفَوضى
وأنا النِسبِيّ المُطلقِ
سأنتظرُ الفُلكَ فِي الأفلاكْ
أخيطُ موجَ البحرِ بالأسماكْ
أنا الناظرُ المنتظرُ
أنا صَدى الكونِ المَلعونْ
لا أنتظرُ معجزاتِ السلاحفِ
لا أنتظرُ ….سواكْ
عبدالحميدالقائد
\ شاعر من البحرين