لن يكون علي – عليكم الا معاينة هكذا جنون, أبعد ما يكون عن أقرب عبارة ملفقة قد تصادف أيامنا لتتخذ مكانها بكل وهنها وارتباكها في سياق قصيدة لا تحقق أي شرط من شروط القصيدة سوى صدقها واتساقها مع ما تقوله لتقوله جيدا.
قصيدة تشارلز بوكوفسكي (1920- 1994) تتكئ على الرداءة, فهي على إلمام مفرط بالحياة ساعة بساعة, مع اصراره اصرار قصيدته على ايجاد متكئ آخر غير الرداءة, والتي بنفس الوقت لم يجد إلاها لتوصيف حياة آثر الالتصاق بها والترنم بلعناتها صارخا في واحد من أصواته: »أنا كاتب ردئ« ومضيفا في آخر: »ذات مرة سجلت صوتي وأنا أقرأ قصائدي على مسمع أسد في حديقة الحيوان فزأر بعنف, وكأنه يتوجع, والشعراء كلهم يستمعون لهذا التسجيل ويضحكون عندما يثملون«.
شاعر, قصاص, روائي, كتبه التي تجاوزت الخمسة والأربعين كتابا, جنون لا ينضب, أو عزف منفرد على آلة كاتبة تحرص على إخماد روح شفافة لاتني تتسرب من بين السطور وتنتقم من كاتبها لكاتبها, بنصوص تلوح وتعانق بدل أن تصفع, تتضرع بصرخات سرعان ما يتبدى رنينها.
انهم , جميعا, يعرفون
أسأل رسامي الأرصفة في باريس
أسأل نور الشمس على كلب نائم
أسأل الخنازير الثلاثة
أسأل موزع الصحف
أسأل موسيقى دون زيتي
أسأل الحلاق
أسأل المجرم
أسأل الرجل المتكئ على حائط
أسأل المبشر
أسأل صانع الخزن
أسأل النشال أو المرابي
أو نافخ الزجاج أو بائع السماد
أو طبيب الأسنان
أسأل الثائر
أسأل الرجل الذي أقحم رأسه
في فم أسد
أسأل الرجل الذي يظن نفسه المسيح
أسأل العصفور الأزرق الذي يعود الى بيته
في الليل
أسأل المتلصص توم
أسأل المحتضر بالسرطان
أسأل رجلا بحاجة لحمام
أسأل الرجل ذي الساق الواحدة
أسأل الأعمى
أسأل الرجل ذي اللثغة
أسأل مدمن الأفيون
أسأل الجراح المرتجف
أسأل الأوراق التي تمشي عليها
أسأل مغتصبا أو قاطع تذاكر في تراموي
أو رجلا عجوزا ينتزع العشب الضار من حديقته
أسأل مصاص دماء
أسأل مروض براغيث
أسأل رجلا يلتهم النار
أسأل أتعس رجل تصادفه
في أتعس لحظاته
أسأل معلم الجيدو
أسأل راكب الفيلة
أسأل مريض الجذام, المسلول, المحكوم بالسجن المؤبد
أسأل بروفيسيرا في التاريخ
أسأل الرجل الذي لم يقلم أظافره أبدا
أسل مهرجا أو أول وجه تصادفه
في وضح النهار
أسأل أباك
أسأل ابنك وابنه القادم
اسألني
اسأل ؛لمبة« متوهجة في كيس ورقي
أسأل المغوي, الملعون, الأحمق
الحكيم, النخاس
أسأل بنائي المعابد
اسأل رجالا لم ينتعلوا أحذية في حياتهم
اسأل المسيح
اسأل القمر
اسأل الظلال في المرحاض
اسأل الفراشة, الراهب, المجنون
أسأل من يرسم كاريكاتير جريدة النيوركر
أسأل سمكة ذهبية
أسأل ورقة سرخس تتمايل لدرجة الرقص
أسأل خريطة الهند
أسأل وجها طيبا
أسأل الرجل المختبئ تحت سريرك
أسأل أكثر رجل تكرهه في العالم
أسأل الرجل الذي خرم قفازات جاك شاركي
أسأل رجلا يشرب القهوة بوجه حزين
اسأل السمكري
اسأل الرجل الذي يحلم بالنعامات كل ليلة
اسأل جامع التذاكر في حفل استثنائي
اسأل مزور النقود
اسأل الرجل النائم في زقاق
تحت جريدة
اسأل فاتحي الأمم والكواكب
اسأل الرجل الذي قطع إصبعه للتو
اسأل الدالة في الانجيل
اسأل الماء ينقط من حنفية بينما يرن الهاتف
اسأل اليمين الكاذب
اسأل الأزرق الغامق
اسأل المظلي
اسأل رجلا يؤلمه بطنه
اسأل العين الالهية اللامعة جدا والمغرورقة بالدموع
اسأل الولد الذي يرتدي بناطيل ضيقة
في الاكاديمية الباهظة
اسأل الرجل الذي تزحلق في حوض الحمام
اسأل الرجل الذي التهمه سمك القرش
اسأل من باعني زوج قفازات مختلفة
اسأل هؤلاء وكل أولئك الذين تركتهم
اسأل النار النار النار-
اسأل حتى الكاذبين
اسأل أي واحد تشاء في أي وقت
تشاء في أي يوم تشاء
سواء كان الجو ماطرا
او مثلجا
أو كنت تخطو خارج مدخل
مصفر من التدفئة
اسأل هذا اسأل ذاك
اسأل الرجل الذي على شعره خراء عصفور
اسأل معذب الحيوانات
اسأل الرجل الذي شاهد الكثير من مصارعات الثيران
في اسبانيا
اسأل مالكي سيارات الكاديلاك الجديدة
اسأل المشهور
اسأل الجبان
اسأل الأمهق
والموظف الحكومي
اسأل اصحاب البيوت ولاعبي البلياردو
اسأل المحتالين
اسأل القتلة المأجورين
اسأل الصلعان والبدناء
والرجال الطوال والقصار
اسأل الأعور, الشبقين
والباردين جنسيا
اسأل الرجال الذين يقرأون
كل افتتاحيات الصحف
اسأل رجالا نسلهم ورود
اسأل الرجال الذين لا يشعرون بألم يذكر
اسأل المحتضر
اسأل جزازات العشب ومشجعي
كرقة القدم
اسال أي واحد منهم أو جميعهم
اسأل اسأل اسأل
وجميعهم سيخبرونك:
زوجة مزمجرة على الدرابزين
أكثر مما يحتمله رجل.
فاقة
يحثك على المضي
ولم تره أبدا
رجل قد يصل في يوم ما
لن يكون في الشوارع
أو المباني
أو الملاعب
او ان كان هناك
فقد أضعته بطريقة ما.
ليس واحدا من رؤسائنا
أو رجال الدولة أو الممثلين
أتساءل ان كان هناك
مشيت في الشوارع
مارا بالصيدليات والمشافي
مارا بالمسارح والمقاهي
ثم تساءلت ان كان هناك
لم ير
وقد بحثت ما يقارب نصف القرن
رجل حي, حي بحق,
يقال انه عندما ينزل يديه
بعد اشعال سيجارة
ترى عينيه
عيني نمر في المهب
لكن متى أنزل يديه
دائما تكون
هناك عيون أخرى
دائما دائما..
وعما قليل سيكون من المتأخر جدا علي
وسأكون قد عشت حياة
مع الصيدليات, القطط, الملاءات, البصاق
الصحف, النساء, الأبواب وتشكيلة أخرى
لكن لا وجود
لرجل حي
في أي مكان.
ماما
ها أنا
على الأرض
فمي
فاغر
و
لا أستطيع قول
ماما,
و
الكلاب تمر بجانبي تتوقف وتتبول
على شاهدتي, نلتها تماما
عدا الشمس
وبدلتي بدت
رثة
والبارحة
ما تبقى من ذراعي
الأيمن اختفى
بقي القليل, تماما مثل قيثارة
دون موسيقى.
على الأقل ؛سكرة«
في السرير مع سيجارة
قد تسبب خمس سيارات
اطفاء و
ثلاثة وثلاثون رجلا
لا استطيع
القيام
بشيء
ملاحظة – هيكتور ريشموند في
القبر المجاور الذي لا يفكر الا بموزارت وحلوى
اليرقات
صحبة
سيئة جدا
حب
الحب, قال, غاز
قبلني قبلة الوداع
قبل شفتي
قبل شعري
أصابعي
عيني
عقلي
اجعلني أنسى
الحب, قال, غاز
كان لديه غرفة في الطابق الثالث
رفض من قبل دزينة من النساء
خمسة وثلاثون ناشرا
ونصف دزينة من مكاتب التوظيف,
لا اقول الآن انه كان على ما يرام.
فتح كل عيون الغاز
دون اشعالها
ومضى الى السرير
بعد ساعات
شخص في طريقه الى الغرفة 309
أشعل سيجارا في الممر
ثم أريكة لفظت من النافذة
حائط تداعى مثل تراب رطب
أربعون قدما في الجو تموج لهب ارجواني
الفتى في السرير
لم يعرف أو يهتم
لكن علي القول
بانه كان على أحسن حال
ذلك اليوم
خارج الذراعين
خارج ذراعي حب
بين ذراعي آخر
أنقذت من الموت على الصليب
بمساعدة سيدة تدخن الحشيش
تؤلف أغاني وقصصا,
وأكثر لطفا من الأخيرة
أكثر لطفا بكثير
والجنس بلطفها أو أكثر
ليس ممتعا أن توضع على الصليب وتترك هناك,
الأمتع بكثير أن تنسى حبا فشل
كما كل حب
في النهاية
يفشل.
الأمتع بكثير أن تمارس الحب
قرب الشاطئ في »دل مار«
في الغرفة 42, وبعد ذلك
تجلس في السرير
تشرب نبيذا جيدا, تثرثر وتمسك الدخان
منصتا للأمواج…
مت مرارا
مؤمنا ومنتظرا, انتظر
في غرفة
أحدق في سقف متشقق
بانتظار مكالمة, رسالة, نقرة على الباب, نأمة..
ازداد وحشة من الداخل
بينما ترقص مع الغرباء في النوادي الليلية
خارج ذراعي حب
بين ذراعي آخر
ليس ممتعا ان تموت على الصليب
الأمتع بكثير أن تسمع اسمك يهمس
في العتمة.
زياد عبدالله شاعر ومترجم سوري