المهلهل : واسمه عدي بن ربيعة ، وسمي: مهلهلا لهلهلة شعره كهلهلة الثوب ، وهي رقة نسج الثوب ، وقيل : المهلهل : المرقق للشعر، وقيل: لاضطراب شعره واختلافه ، وقيل : هو: (1) أول من قصد القصائد وذكر الوقائع . . (2) وأول من رويت له قصيدة بثلاثين بيتا، ولم يقل أحد قبله ، قصيدة بعشرة أبيات . (3) وأول من رقق الشعر وتجنب الكلام الغريب الوحشي. (4) وصاحب أول كذب يسمع في الشعر، أو انه صاحب أول أكذب بيت قالته العرب ، وهو قوله :
فلولا الريح أسمع أهل حجر
صليل البيض تترع بالذكور
فقد كان منزله على شاطئ الفرات من أرض الشام ، وحجر هي اليمامة ، وقيل إن قوله هذا أشد غلوا من قول امرىء القيس في النار:
تنورتها من أذرعات ، وأهلها
بيثرب ، أدنى دارها نظر عال
لأن حاسة البصر أقوى من حاسة السمع ، وأشد ادراكا.
(5) وقيل إنه أول من لقب (بالزير) لقبه بذلك أخوه كليب ، إذ كان في شبابه ، وقبل مقتل كيب ، يقضي أوقاته في اللهو ومعاقرة الخمر ومصاحبة النساء. و(زير النساء) هو الذي يخالط النساء ويحب زيارتهن ومحادثتهن ، ولم يكن ينظم من الشعر إلا بعض أبيات في الغزل والملاهي حتى قتل أخوه، فأهابت به عاطفة الحزن والثأر، فنظم القصائد الطوال في رثاء كليب وفي الحرب التي نشبت بين بكر وتغلب ابني وائل والتي عرفت (بحرب البسوس).
وبالرغم من هذه (الأوليات ) أو (الأواليات )- كما يقول بعضهم – و(مهلهل الشعراء ذاك الأول لم – كما فخر الفرزدق – فهناك من شك في شخصيته ، ومن أن شعره أقدم شعر قالته العرب : (فللشعر والشعراء، أول لا يوقف عليه ) كما قال صاحب (المزهر: 2/477)، ومن هؤلاء المحدثين طه حسين الذي قال : إن شعر المهلهل مضطرب وفيه اختلاط وهلهلة . ولا يمكن أن تكون قصيدته : (أليلتنا..) أقدم شعر قالته العرب .. والدليل على ذلك : استقامة الوزن وإطراد القافية ومواءمته قواعد النحو وأساليب النظم التي لا يشذ في شيء ولا يظهر عليه شيء من اعراض القدم ، أو مما يدل على أن صاحب هذا الشعر هو أول من قصد القصائد وطول الشعر.. هذا مع سهولة اللفظ ولينه وإسفاف الشاعر فيه الى حيث لا يشك أنه رجل من الذين لا يقدرون إلا على مبتذل اللفظ وسوقيه .
هذا، بينما ، احتلت قصيدته (أليلتنا..) الرقم (53) في الأصمعيات ، وعده صاحب (الجمهرة ) من أصحاب المنتقيات مع المسيب بن علس ، والمرقش، والمتلمس، وعروة بن الورد، واريد ابن الصمة ، والمنتخل بن عويمر ، لكن الأصمعي ذهب الى أن المهلهل ليس بفحل في الشعر، وقال : لو قال مثل قوله: (أليلتنا بزي حسم أنيري) خمس قصائد لكان أقحلهم .
هذا، وقيل: كثير من شعره محمول عليه، وقد نحله القصاصون ديوان شعر، ورواية تعرف (بقصة الزير )
تقع القصيدة في ( 30بيتا) حسبما أوردها صاحب (الأمالي) الأبيات الثمانية الأولى: هن المطلع : (أليلتنا بذي حسم أنيري..) الى (كواكب ليلة طالت وغمت ..) يصف فيها معاناة طول ليلا (بذي حسم ..) و(بالذنائب )- وإن سبق له أن بكر قصر ليالي السرور- وهو في وصفه طول الليل ومعاناته تلك ، لا يتميز في شيء عن أخلافه من الشعراء كامرىء القيس والنابغة مثلا، حيث يتمثل هذا في ثبات الكواكب وأبراجها في مواضعها وكأن حركة الزمن والكون قد تجمدت ، أو أنها بطاء تزحف زحفا ، أو مشدودة بحبال. وفي الأبيات السبعة من: (وتسألني بديلة عن أبيها..) الى البيت الخامس عشر: (وهمام بن مرة قد تركنا..)، ثم الأبيات الثمانية التي تبدأ من البيت
(32): (فدا لبني الشقيقة يوم جاءوا..) إلى البيت (30) وهو الذي وصف بأنه أكذب بيت قالته العرب :
فلولا الريح أسمع أهل حجر
صليل البيض تقرع بالذكور
في هذه الأبيات جميعا ، يفخر المهلهل بنفسه وبشجاعة قومه ، بما ألحقوه بالعدو من تقتيل ثأرا لدم كليب ، وهو أيضا في هذا لا يختلف عن سائر شعر الحرب والحماسة وذكر الوقائع : مكانا ، وزمانا، وأفعالا.
تبقى لدينا الأبيات السبعة التالية من (16) الى (22) وهي موضوع اهتمامنا:
على أن ليس عدلا من كليب
إذا طرد اليتيم عن الجزور
على أن ليس عدلا من كليب
إذا رجف العضاه من الدبور
على أن ليس عدلا من كليب
إذا ما ضيم جيران المجير
على أن ليس عدلا من كليب
إذا خيف المخوف من الثغور
على أن ليس عدلا من كليب
غداة بلابل الأمر الكبير
على أن ليس عدلا من كليب
إذا برزت مخبأة الخدور
على أن ليس عدلا من كليب
إذا علنت نجيات الأمور
وفي هذه، تطرح قضيتان: الأولى: تكرار الشطر
طراد الكبيسي (شاعر وناقد من العراق)