رحيق الفندام:
في اليوم الرابع أفاقت تماما، حاولت أن تطأ الأرض بقدميها، ساعدناها لكن فشلت، فازداد حزننا.. ارتكنت الى ظهر السرير، طلبت قطعة جبن قريش ونصف رغيف، طالعتنا جميعا، نطقت باسم كل واحد منا واضحا، وابتسمت وهي ترفع الشكر لله وتدعو للغائبين بالستر ناولت أمي جنيهات خمسة وقالت:
– اطبخوا لرجل البيت، فاليوم.. يوم عاشوراء.
وطبخوا.
وطلبت أن تستحم وبعدها أحكي لها حكاية.
خرج جدي الى الصلاة، وضعت أمي الطشت النحاسي في منتصف الغرفة والابريق الى جوار، وزنجة الماء فوق النار… رأيت أن أذهب لأشتري لها الفندام الذي تحبه من القروش التي منحتنيها، وبالمرة أجهز حكايتي.
بيد مطبقة على حبات الفندام عدت سريعا، منعتني يد أمي عند باب الغرفة المقفولة من الدخول، وارتكنت الى حائط الصالة باكية كل الراحلين.
أتذكر.. فيمور داخلي بحكاية ذلك اليوم الذي لم نكن نعلم أنه يوم عاشورا،، الا حين أفاقت من غيبوبتها في بداية اليوم الرابع ودعت لنا بالستر.
المشهد الأخير:
لم كنت تعلم أن أحدا لن يتغير، مع:لك ظللت تطرق الأبواب، وهاهو أول باب يفتح لك).
جسمه الممصوص يتوسط السرير، شيء ما يحاول أن يخرج من فمه، الاسنان لا تلبث أن تفترق عن بعضها حتى تتلاقى تحشر اللسان بينها أحيانا وأخرى ينزلق الى الداخل. بأظافره ينبش في الحائط نبشا رقيقا، يداعب أطفالا بشعور مذهبة، يمرحون حول محفة فضية مثبتة على قوائم أربعة مرمرية.
(في البدء قلت: المعرفة.
وظللت تتكيء على حروفها سنوات طويلة، ولم يجاوبك أحد).
التف حوله من بالبيت، اتفقوا هامسين على أنها النهاية، انتابهم الفزع من حركات فصه المقاومة، وقالوا: إنها الروح تنازع. أتت زوجته بايشارب وأحكمت رباطه حول وجهه، فزمت الشفتين ولم يعد شي ء يحاول المقاومة. سحبوا الغطاء على رأسه وأطلقوا صراخهم واثقين، فيما طفله الصفير كان يحملق في صعود وهبوط بطنه الخفيفين.
رغبة:
كان ضجرا، متنقلا بحديثه من أسى الى أسى مستاء من زحمة الهواجس في الرأس والناس في الشوارع، لاعنا عجزه عن مل ء بطن العيش، وعن ايجاد موضع لقدميه وكان أكثرنا ضجرا لها أشرف بركبنا سائق السيارة على وضع النهاية، منحرفا عن امتداد الطريق الأسفلتي، منزلقا الى حافة ترعة.
وكان أول القافزين من الشباك صائحا بي:
– شهل خلينا نرجع لعيالنا.
ولم يكن لي عيال، ولم تكن بي رغبة.
فؤاد مرسي (قاص من مصر)