«لَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ هَدَفُنَا شَامِخًا
وَنُخْطِئَهُ، اْلَأَنْكَى أَنْ يَكُونَ بَخْسًا وَنَنَالَهُ.»
[ميكيلأَنْجُِلو]
يُعَدُّ مِيكِيلََْأنْجُِلو بُونَارُّوتِي Michelangelo Buonarroti [1564-1475] مِنْ َأكْبَرِ مُبْدِعيِ النَّهْضَةِ الُْأوْرُوپِّيَّةِ، فِي قَامَةِ دَانْتِي .Dante
فَنّان نابِغَة، ثَائِر، نَحَّات، رَسَّام، مِعْمَارِيّ، شَاعِر، وَمَجْنُون بِجَدَارَة، بَرَعَ فِي تَعَقُّبِ الوَلَع الإِنْسَانِي وَاكْتَشَفَ الوَصْفَةَ السِّحْرِيَّةَ لِْلَفنّ، كان يَعْتَبِرُ نَشَاطَهُ بَحْثاً مُسْتَرْسَلاً عَنْ أُمُْثوَلَةِ البَهَاء.
يَصْنَعُ تُحَْفتَهُ، بِمِزاجِهِ السَّاخِر، بِقَامَتِهِ اُلمتَراصَّة، وَبِرَأْسِهِ اْلتي كُلُّهَا عِظَام، التي سَتَقْوَى بِاللَّطْمَات المُتَوَالِيَّة. كَانَ بُونَارُّوتِي فَادِحَ السَّجِيَّة، يَأْكُلُ َقلِيلاً، يَتَحَدَّثُ قَلِيلاً وَيَنَامُ قَلِيلاً جِدًّا، وََلكِنْ دَائِمًا بِكَامِلِ مَلاَبِسِهِ. وفِي نَفْسِ الآن، وَحِيدًا وَغَامِضًا، كَكُلِّ عَبَْقرِيّ.
ذَات أَحَدٍ، يُوَافِقُ 6 آَذار (مارس) 1475 ، فيِ الثَّامِنَة مَسَاءً، يُوَلدُ َقبْلَ الأَوانِ، عَِقبَ سُقُوطِ أُمِّهِ مِنْ عَلَى صَهْوَةِ حِصَانٍ وَهْيَ مُتَرَحِّلَة نَحْوَ كَاپْرِيزِي Caprese حَيْثُ عُيِّنَ وَالِدُهُ مُحَافِظًا.
تَمُوتُ أُمُّهُ وَهْوَ فِي السَّادِسَة وَيُعْهَدُ بِهِ لِحَاضِنَةٍ فُْلورَنْسِيَّة، ابْنَةُ وَزَوْجَةُ نَحَّاتٍ؛ يَقْضِي بُونَارُّوتِي مُعْظَمَ وَقْتِهِ مُتََأمِّلاً الحِجَارَةَ وَهْيَ تَتَشَكَّل حَتَّى سَكَنَهُ هَوَسُ النَّحْتِ وَالرّسم.
رُغْمَ تَعْنِيفِ الأَب، َ ظلَّ الطِّفْلُ يُمْضِي وَقْتَهُ فِي الرَّسْم حَتَّى اعْتَرَفَ الْوالِدُ بِهَزِيمَتِهِ وَسَجَّلَهُ فِي مَدْرَسَةٍ لِلرَّسْم في الأَوَّلِ مِنْ نِيسَان (ابريل) 1488 .
سَيَتَمَيَّزُ مِيكِيلََْأنْجُِلو فِي الحال، فيِ حِصَصِ الدِّرَاسَةِ الَّتيِ كَانَتْ تُقَامُ فيِ اْلَأدْيِرَةِ، بِنَسْخِهِ البَارِع لِرَسْمَات الأَبَالِسَة
Demoni وَرَسْمَات جُوطُّ Giotto ؛ وَبَدَلَ أَنْ يُعِيدَ الرَّسْمَات الأَصْلِيَّة الَّتيِ كَانَ يُسَلِّمُهَا لَهُ َأسَاتِذتُهُ وَالْقَيِّموُنَ عَلىَ الَْأدْيِرَةِ، كَانَ يُعِيدُ رَسْمَاتِهِ الخَاصَّة؛ وََلمْ يَْلحَظ ذَلِكَ أَحَد!
عِنْدَمَا سَيَسْتَنْسِخُ مِنْ فِنَاءِ المِدِيتْشِي Medici تِمَْثاَلهُ الرُّخَامِيَّ الأَوَّل رَأْسُ إَِلهِ الرِّيف الرُّومانِي القَدِيم Faun ، سَيَزِيدُ عََليْهِ غُضُونًا، وَسَيُبْرِزُ ضِحْكتَهُ الهازِئَة بِحَيْثُ تُبْدِي اللِّسَان وَالأَسْنَان، حِينَمَا سَيَْأتِي اُلمعَلِّم فِي زِيَارَةٍ لِفَنَّانِيه الصِّغَار سَيُدْهَشُ لِعَمَلِ الصّبِيّ، وَسَيُعَلِّقُ سَاخِرًا بِأَنَّ العَجَائِز نَادِرًا مَا يَحْتَفِِظُونَ بَِأسْنَانِهِم كَامَِلةً. َ لا بَأْس! سَيَكْسِرُ مِيكِيلََْأنْجُِلو سِنًّا لِتِمْثَالِهِ إِلَه الرِّيف…، عِنْدَ عَوْدَةِ المُعَلِّم سَيَنَْفجِرُ مِنَ الضَّحِك، وَبِطرَبٍ سَيَُقبِّلُ اللَّوَْذعِيّ الصَّغِير.
قَبْل سِنّ الخَامِسَة عَشْرَة سَيُنْجِزُ العَدِيد مِن التَّماثِيل وَالرَّسْمَات..وَفِي سِنّ السَّادِسَة عَشرة، وَبِسَبَبِ مِزَاجِهِ الهازِئ، سَيُثِيرُ عََليْه َأحَدَ زُمَلَائِهِ الذي سَيكِيلُ لَهُ َلكْمَةً تَكْسِرُ أَنْفَه، هَتِهِ اللَّكمَة سَتَزِيدُ رَأْسَهُ صَلَابَةً وَعَنَتًا.
شَابٌّ بَِأنْفٍ مَائِلٍ، هَذا َأمْرٌ َ لا يُغْتَفَر. وََلكِنْ، َأيْنَ يُمْكِنُ أَنْ تَعْثُرَ عََلى نَظْرَاتٍ نَارِيَّة وََقسَمَاتٍ نَبَوِيَّة كَالّتي لِمِيكِيلََْأنْجِلُو؟
مُسْتَأْنِفًا جُنُونَهُ المُفْرِط، سَيَبِيعُ لَِأحَدِ قَسَاوِسَةِ الكَنِيسَةِ الكَاثُولِيكِيَّة تِمَْثالَ إَِلهِ الحُبّ عَلَى َأنَّهُ تُحْفٌَة قَدِيمَة، لَمْْ يَكُنِ التِّمَْثالُ سِوَى صَنِيعَتَهُ، نَحَتَهُ وََأسَنَّهُ َ كيْ يَبِينَ عَتِيقًا. اسْتَشْرَى نَبَأُ الصَّفقَة وَاشْتُهِرَ مَعَهُ مِيكِيلََْأنْجُِلو َ كَأكْبَرِ الفَنَّانِينَ فِسْقًا.
سَيَتَمادى بِنَحْتِ إَِله الخمْرَة الرّوماني بِذُعْر َ لاَ يَخْطُرُ عََلى بَال، مَا سَيَزِيدُ مِنْ اعْتِبَارِهِ آثِمًا.
عام 1504 سَيَخُوضُ ضَرْبًا مِنَ المُباَرَزَة التَّصْوِيرِيَّة مَعْ لِيُونَارْدُو دَا ?ِينْتْشِي Leonardo da Vinci وَسَيَجْعَلُ ْفُلورَنْسَا Firenze تَنَْقسِمُ إَِلى مِيكِيْلََأنْجِلِّيِين وَدَا انْتْشِيِّين.
سَيُنْجِزُ هَذَا النَّابِغَة السَّرَابِيّ تِمَْثال الرَّْأَفة(1) La pietà التي سَتَغْدُو أَشْهَرَ تَمَاثِيل العَاَلم اَلمسِيحِي! وَعَلَى الذين سَيُذْهِلُهُم الشَّبَاب اللاَّيُصَدَّق لِلْعَذْرَاء فِي مَنْحُوتَتِهِ هذه، سَيُعَلِّقُ بِذُرَارَةِ مَكْرٍ: «النِّسَاءُ العَفِيفَات مَنْذُورات لِلنَّضَارَة َأكْثَرَ مِنْ غيْرِهِنّ».
كَانَ مِيكِيلََْأنْجُِلو يَكْتُبُ قَصَائِدَهُ عَلَى ظَهْرِ رَسْمَاتِهِ التَّخْطِيطِيَة. مُجَايِِلُوه لَمْ يَطَّلِعُوا إِلاَّ عََلى نَزْرٍ مِنْهَا –لِحُسْنِ حَظِّهِ– وَإِلاَّ كَانَ سَيَتََلقَّى َلكَمَاتٍ أُخْرَى عََلى َأنْفِهِ اُلمهَشَّم.
قَصَائِدُهُ كَانَت تَمْتَزِجُ بِأَعْمَالِهِ الَفنِيَّة، وَسُونِيتَاتُهُ كَانَتْ لَِأجْلِ ?ِطُّورْيَا ُ كُلونَّا Vittoria Colonna، حُبِّهُ العُذْرِيّ الوَحِيد.
نُشِرَ دِيوَانُهُ َقوَافِي Rime بَعْدَ وَفَاتِهِ بِسِتيِّنَ عَامًا وَاتُّهِمَ نَاشِرُهُ بَِأنَّ َأغَْلبَ الَقصَائِد مِنْ وَضْعِه…
إِذَا كَانَ الُْأسُْقفُ الأَعْظَمُ قَدْ تَمَكَّنَ مِنْ كِسَاءِ عُرْيَانِ رَسْمَاتِهِ الفَاضِحَة، َفَلمْ يَكُنْ لِيُفْلِحَ فِي َذلِكَ مَعَ قَصَائِدِهِ.
ملحوظة: رَقَّمَ مِيكِيلََْأنْجُِلو قَصَائِدَهُ وََلمْ يُعَنْوِنْهَا. وَاسْتَنَدْنَا، فيِ تَرْجَمَتِنَا، لِلطَّبْعَةِ الْإِيْطَالِيَّةِ التاَّلِيَّةِ:
Rime, di Michelangelo Buonarroti, Ed. Universale Laterza, Bari, 1967.
– 1-
فَيْضُ الغِبْطَةِ، كَمَا الوَجَع
مَهْلَكَة لِإِنْسَانٍ مَنْذُورٍ لِمَشَقَّة مَحْتُومَة.
– 2-
أَبْصَرْتُ مَلاَكًا فِي الرُّخَام
وَلَمْ أَفْعَلْ شَيْئًا
سِوَى أَنْ نَحَتْتُ وَنَحَتْتُ
إَِلى أَنْ خَلَّصْتُه.
مَنْحوُتٌَة لِمِيكِيلََْأنْجُِلو [ 1519-1536 ]
– 3-
مِنْ أَثَرٍ َفتَّانٍ وَعَابِر
مِنْ نَبْعِ الرَّْأَفة
تُولَدُ كُلُّ شُرُورِي.
تِمْثاَل الرَّْأَفة [1499-1498]
– 4-
بِمَوْتِي أَحْيَا
وَإِذْ أَتَفَكَّرُ؛ أُلْفِينِي
بِحَظِّي التَّعِس أَسْعَدُ
مَنْ يَعِشْ دون أَنْ يَخْبَرَ الغَصَّةَ
يَهْلَك
وَأَنَا
لِأَنّي أنصهِر في النّار
أَسْتَفْحِلُ.
– 5-
أَيَّةُ فَوْرَة غَضَب، أَيُّ بُؤْس، أَيَّةُ مَنَعَة
مَنْ يَتَدَجَّجُ بِالحُبّ
يَقْهَرُ كُلَّ قَدَر.
– 6-
تَهِبيِنَنِي مِنَ المَجْدِ مَا يَفْضُلُ عَنْكِ
وَتَروُمِينَ مِنِّي مَا َلسْتُهُ.
مَنْحوُتَةُ إَِله الحُبّ [ 1530]
– 7-
مَنْ لاَ يَتَوَخَّى الأَوْرَاق
لاَ يُشْرِقُ فِي أَيّار.
– 8-
لَوْ أَنَّ ثَمَّة عِشْقًا صَادِقًا، فَائِقًا، فَوْقَانِياً، َثرَاءً مُتَكَافِئًا
بَيْنَ عَاشَِقيْنِ، َلوْ َأنَّ نَفْسَ الَقدَرَ الغَاشِمَ الذي يُصِيبُ أَحَدَهُمَا
يُصِيبُ الآخَرَ، لَوْ أَنَّ نَفْسَ الكَلَف، نَفْسَ العَزْم أَلْيَحْكُمُ َقلْبَ هَذَا يَحْكُمُ َقلْبَ ذَاكَ،
لَوْ أَنَّ نَفْسَ الرُّوح تَسْكُنُ الجَسَدَيْن، وَتَخْطِفْهُمَا
عَالِياً بِنَفْسِ الأَجْنِحَة؛ لَوْ أَنَّ الحُبّ
فَجْأًة وَبِنَفْسِ السَّهْمِ اْلمُذَهَّبِ وَنَفْسِ الإِشْرَاقَة،
يَلَْفحُ بِنََفاذٍ نَفْسَ الَقْلبَيْن،
لَوْ يَهِيمَانِ بِبَعْضِهِماَ، حَتَّى يَمَّحِي
أَحَدُهُمَا فِي الآخَر؛
لَوْ َأنَّ الآلاف وَالآلاَف مِنَ الأَشْياء
لاَ تُعَادِلُ شُعَيْرَة مِنْ رِبْقةِ الحُبّ هَته
أَسَيَقْدِرُ َأيّ كَدَرٍ عََلى حَلِّهَا؟
– 9-
إِذْ مِطْرَقَتِي الصَّمّاء وَالأَحْجَارْ الصّْلدَة
تُسَوِّيَان مَجَالِي بَشَرِيَّة
حِينًا بِهَذِي
وَآخَرَ بِتِلْك،
………………………..
بَيْنَا ذاكَ (…) يُقِيمُ هُنَاكَ فِي السَّمَاء
وَالذي بِرَحِيلِهِ الخَاص
سَيَغْدُو أَجْمَل
………………………..
فَلِأَنَّ الضَّرْبََة مُفْعَمَة
إِذْ تَنْضُجُ فِي مِصْهَرِ الحَدِيد .
– 10-
عَزِيزَةٌ عَلَيَّ السَّكِينَة، وَأَعَزُّ عَلَيَّ أَنْ أَكُونَ مِنْ حَجَرْ
بَيْنَا يَدُومُ العَنَاءُ وَالأَسَف
أَلاَّ أَرَى وَلاَ أَسْمَع حُظْوٌَة ُ كبْرَى لِي.
سَأَكُونُ مُمْتَنًّا لكَ إِذْ لاَ تُوقِظُنِي
أَرْجُوك، تَحَدَّثْ هَمْسًا.
– 11-
لمَاََّ بَرَزْتُ لِْلوُجوُد كَقُدْوَة
فَبِهِبَةِ الجَمَالِ
َأْليَدُلُّنِي كَشُعْلَة
إِذْ يَخَال شخص ما غيْرَ هَذا، فهو مُخطِئ.
وَحْدَهُ الجَمَالُ
يَسْمُو بِالرُّؤْيَة حَتَّى تِلْكَ الذُّرَى
التي َأكِدُّ لِبُلُوغِهَا
بِالنَّحْتِ وَالرِّسَامَة
تقديم وترجمة: أَحْمَدْ لوُغْليِميِ
شاعر ومترجم من المغرب مقيم في إيطاليا .