(1) البيضة
استفقت من النوم ،فاستفاق في رأسي لحن لأغنية طالما بحثت عنه ، رميت الغطاء الجاثم طوال الليل فوق صدري.وأخذت أغني بأعلى صوتي مستعينا بضرب الطاولة والجدران. مرددا وثباتي بين المطبخ والحمام. فقست بيضة وسكبتها فوق النار.ثم دخلت الحمام. قبل أن أرجع الى البيضة لأجدها ساقطة فوق الأرض. لملمتها ورميتها في جوف الكيس الأسود. ثم فقست بيضة أخرى ووضعتها فوق المقلاة.
– ترررررررررن
– الو – اتصلت بك طوال الليل لقد وقع لي حادث خطير
– كنت نائما بعيدا عن جهاز الهاتف
-(سرد طويل لتفاعيل حادث مرور أودى بسيارة المتكلم )
– اللعنة ،البيضة احترقت.
– أي بيضة.وأنا أكلمك عن مأساتي.
-(نقاش آخر وتنتهي المكالمة )
دخلت المطبخ ورائحة الاحتراق تدوي في صدري.حككت المقلاة ونظفتها من كل ما تشبث بها – دون أن أغني بكلمة – فقست بيضة
أخرى بعناية وأشعلت النار. ووقفت أتأمل مراحل نضجها بين عيني والفقاعات الشهية التي اقتربت من النضج.
– تررررررررررن (الباب. وليس الهاتف)
-الحقني يا ابني لقد رأيت شيئا ضخما يترفس في شقتي.
– اسبقيني. وسألحقك بعد قليل.
– أرجوك. إنني خائفة. لا أريد أن أموت.
– حسنا حسنا لن تموتي يا أمي.
كانت تولول بانفعال وهي تشد يدي بقوة. وتجرني الى الخارج دخلنا شقتها. كان الصمت يطبق أسنانه بقوة على المكان. كل شيء مفلق بإحكام. الأجهزة الكهربائية.الحنفيات والنوافذ تمعنا في سماع ما يمكن أن يتحرك. وفجأة ونحن في وقفتنا الحائرة تلك. والعجوز ترتجف من الخوف ولا تعرف أين تقف بجسدها. خرج رأس صغير من تحت أحد الأغطية. لم يلبث وأن اختفى. لم أستطع أن أتبينه بسهولة لكنني تأكدت بأنه لميي ثعبانا. فرأسه يشبه رأس الأرنب. ثم أحدث حركة أقوى من الأولى. ليخرج من بعدها بكامل هيبته. رافعا جسد التحدي في وجهي. عينان تعرقان بالحقد والتمرد. لم يزحزح مكانه منتظرا أي حركة مني ليهجم. هنا تذكرت عيون البيضة وأنفاسها الرخوة وهي تتصاعد في وجهي. وفمي الذي يكاد يخرج من رأسي منقضا عليه. وإنني تركتها بعد ذلك تتلوى وحيدة فوق النار. فحركت يدي جهة ظهري بخفة وتناولت مقشة سمينة ودون أن أحدق بعيني عن هيئته. رفعتها الى الأعلى. فرفع هو واثبته. هنا سمعت صرخة مدوية تخرج من حلق العجوز. فانقضضت عليه جهة رأسه. فقفز متعلقا في يدي. ازدادت صرخات العجوز حدة. فنفضت يدي بسرعة قبل أن يفرز أظافره فيها. فترنح منبطحا على بطنه. وقبل أن يتمالك وقفته كانت العصا تجز رأسه نصفين.وترديه مريعا فوق أرض الرخام..
– لا أعرف بماذا أشكرك يا ابني.
– بيضة. اشكريني ببيضة.
– خذ ما تريد من البيض. إنه في الثلاجة.
– سآخذ واحدة فقط.
وضعتها في جيبي وخرجت. وأنا أتقا فز فوق درجات السلم على عجل. ارتطم جسدي بطفلة مسرعة. لتنفجر البيضة متسربة في أجزاء جسدي خيوطا لزجة وباردة. اجتاحني شعور أن أنقض على الطفلة بأظافري وأقطع وجهها بأسناني لولا أنها انفجرت بالبكاء. فتمالكت يدي مكتفيا بالسباب واللعن.
– لعنة الله عليك وعلى أمك وعلى البيضة.
دخلت المنزل والغضب يخيم على جميع تصرفاتي. أطفأت النار وفتحت النوافذ لتسريح كل الدخان الحائمة في الأرجاء. رميت الملابس الملتصقة بي. أمام المرحاض. وارتديت ملابس لا تقل قذارة عن الأولى. ودون أن أنظر الى المرآة صفقت الباب الخارجي بقوة. موليا وجهي شطر الشارع. دافعا الخطي بدون هدف. الى أن اختفيت.
(2) الرائحة
كنت منغمسا في أكل نصف الخبزة. المحشوة بالبطاطس. عندما صعدت الى أنفي رائحة كريهة. لم أشعر بقوتها في البداية. مواصلا الأكل بنهم ولذة. الى أن استعمرت كامل صدري. مجتثة ما التصق في قيعانه من لعاب ولزوجة. رميت الوجبة من بين قبضتي الجائعة. تلفت في جلستي. ثم قمت واقفا وأجلت نظري بتمهل وخفة في الجوانب وبين الغرف. وفوق أسطح الدواليب. دون أن أعثر على شيء.ثم دحرجت يدي بفوضى وعنف على الأشياء تحت السرير. ووراء الصحون. وبين الملابس المهملة ، وجمعت أكياس النفايات النائمة منذ أسبوع في زوايا المطبخ. ونزلت بها الى الشارع حيث يستلقي برميل مزابل الحي. الذي يظهر من شدة ما تكتل في جوفه من اوساخ أمنل مارد بدأ في تقيؤ ضحاياه. كان الشارع ضاجا وخاليا ذاك النهار. وليس من رائحة غريبة تتجول فوق طرقاته. رجعت الى شقتي. فسحبتني الرائحة بحبالها القوية. التي بدأت تمتد الى خارج الشقة. هنا شعرت بالهياج فسحبت مفارش الأرضيات. وألصقتها واقفة بالجدار. فلم أجد سوى أعواد ثقاب وعلبة حليب فارغة وفاتورة كهرباء قديمة ، لملمت كل ذلك ولوحت به من النافذة ثم دخلت الحمام للمرة الثانية. متأملا جزئياته الرطبة والمسالك التي يتسرب منها الماء خفيفا دون صوت. أحضرت كيسا من النايلون ولففته حول يدي. وأجهزتها في جوف المرحاض. محركا أصابعي في مياهه العفنة. ولكن دون أن أمسك على شيء. سوى بقايا شعيرات طويلة ملتصقة منذ زمن في حوافه كل ذلك والرائحة تعاند الظهور.
ورأسي تحول الى نافورة من الهياج والغضب. دخلت المطبخ فتحت الحنفيات وأقفلتها. ثم دحرجت أنفي عل صفحة الرخام الملوثنة بخيوط جافة. دخلت غرفتي. وخلعت جميع ملابسي من الدولاب مقلبا بعنف في جيوبها واردانها. قلبت كذلك بين صفحات الكتب. وفتحت أغطية الأدوية التي تعاطيت نصفها. ولكن دون فائدة. فالرائحة أطبقت تماما على قلب الغرفة. والهواء يدخل حامضا وثقيلا الى صدري. فتحت زجاجة عطري. وأفرغتها كاملة. ولكنها لم تلبث وأن تسربت.فتحت النافذة. وأخرجت نصف جسدي في ضيق واختناق. ثم دخلت. وأغلقتها بقوة. وأغلقت كذلك جميع الفتحات الموزعة في أطراف المكان. وألصقت جميع المنافذ التي يمكن أن تهرب منها الرائحة. وأغمضت عيني. بعد أن كتلت جميع حواسي دفعة واحدة ثم رفعت يدي متحسسا بعمق الى أن وصلت الى حيث صندوق الحديد المستلقي منذ زمن في صدر الصالة.رفعته فإذا بقطة سمينة وقد نخرت الديدان نصف بطنها. وبتوزيع دقيق واحد أمام الرجل الأولى ، وثلاثة بجانب الأرجل الأخرى. ينام صفارها الذين كذلك بدأ الدود ينخر أطرافها الميتة.
(3) الفضيحة
اقترب من الدخول. ولكنه فجأة سقط متقافزا فوق الأرض. الى أن اختفى نهائيا. أخذت واحدا آخر وطرقت رأسه بقوة أكثر. الى أن سمعت صراخا يتزاحف من جهة الباب. فتراجعت لأفتحه. كان جاري السكير ممسكا في إحدى يديه زجاجة نبيذ تتقافز الألوان من فتحتها، وهو يهزها بعنف في وجهي.
– لقد فلقت رامي. بطرقاتك المزعجة
– كنت أطرق مسمارا.
– أعطيني هذا المسمار. وسأعلمك كيف تطرق المسمار. نزع مني المسمار ودخل تلقائيا.وأخذ يطرق.
– ليس هنا.
وبدلا من أن يطرق المسمار. طرق أصابعه بقوة.حتى انفجر الدم. وسقطت الزجاجة مترنحة قبل أن تتهشم وتصبغ المكان. – إنها الزجاجة الأخيرة. الدم. آه انجدوني يا ناس. حاولت تهدئته.لكنه ركلني بقدمه. وأخرج رأسه من النافذة. وأخذ يصرخ.فدخل اثنان من الشباب. تتبعهم العائلة المجاورة لبيتي.
جريمة.. سكارى يتقاتلون. يجب إبلاغ الشرطة.
– اسمعوني يا جماعة. الموضوع ليس هكذا.
ازداد سعار السكير، وأخذ يدفع الواقفين أمامه. فقفزت واثبا فوق ظهره. محاولا دفعه الى الخارج. لكن الرجال التفوا بنا. ود فعونا الى زاوية الغرفة. وأغلقوا الباب بظهورهم الى أن جاءت الشرطة وأوثقوا أيدينا بالحديد. وأخرجونا من الشقة.كانت رؤوس السكان تتنابش بلغط واندهاش. أمام مداخل الأبواب. وعلى أطراف الدرج. وكان فراغ كبير يعقل رأسي. وكان شي ء يشبه البكاء.
محمود الرحبي (قاص عماني)