تسعى هذه الدراسة، من خلال الدخول في عالم الشاعر الدكتور عبد اللطيف عقل، إلى مقاربة جدل الشعر مع الواقع، والحياة. وذلك ليس من خلال قراءة سطحية لمعنى ومبنى دلالات وشكل القصيدة عنده، وانما من خلال الدخول في جدل معرفي يسعى إلى ارتقاء مقود الحقول والسفر في بنيات ودلالات الطقوس المعرفية لفهم الشعر الذي يسعى روحيته الى تفكيك الواقع والحياة واعادة صوغه من جديد وهذا يحتم علي بالضرورة أن انطلق من نتاج الشاعر كمعطى ابداعي كلي حاول ان يرسم ويؤسس صورة الحياة بكل نزقها.. واشراقاتها.. حزنها.. وفرحها.. المها ومعاناتها استلاب الوطن.. واستلاب الذاكرة.. مجون الروح في طقوس الحزن وبراءة العبث في دهاليز الظلمة تحت الاحتلال. سيما وان شاعرنا عاش وعايش محن شعبه الكبرى.. وانصهر في أتون مجمرها ليتجسد لنا روحا وإرثا.. تراكم على مدى أعوام طويلة، هذا الإرث الشعري القليل نسبيا خمسة دواوين شعرية، (إضافة الى الاعمال الأدبية الاخرى خمس مسرحيات) وهنا ليس مكان التطرق اليها..على اعتبار أن النص المسرحي يكتب أساسا للتجسد على خشبة المسرح والتالي تفترض قراءته قراءة رؤيوية للتجسد من خلال الحركة والصوت والايقاع.
إرث شعري قليل الكم كثير الأبعاد والمعطيات والدلالات التي تثير جدل السؤال المعرفي في مراحل جد خطيرة ومهمة في تاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
وهذا يفترض بالضرورة دمج وعينا بمجرى النص، أي بمعنى أخر كشف حرارة التفاعل بين فعل وبنية، وهذا يقودنا إلى تلمس خيوط "الظاهرايتية" في القراءة "التي هي اكثر أناقة من غيرها لأنها تضم الفعل والبنية في إطار فكرة واحدة: هي القصد"(1)! والقصدية بمعناها النقدي، لا السطحي، هي إثارة جدل الفكرة بين البنية والفعل، من هنا، سأنطلق في بحثي هذا من محاولة استكشاف الهوية الثنائية للنص الشعري عند د.عبد اللطيف عقل، باعتبارها معنى القارئ ومعنى الشاعر دونما أي لبس ليتسنى لي مجال أوسع وفضاءات ارحب لجهة التفسير التي يندرج في إطارها شعر شاعرنا وتجر بته على حد سواء. وأراني هنا متفقا تماما مع فيري يوليه الذي يوضح أن وعي القراءة ما إن ينغمس في النتاج الأدبي ويتحرر من قيود الواقع الملموس حتى ينتابه العجب لانه يجد نفسه مليئا بأشياء تعتمد على هذا الوعي".(2) والنتاج الإبداعي مهما كانت صلته بالمبدع، إلا أن له حياته الخاصة به يعيشها كل فرد في قراءته لذلك النتاج. وشاعرنا يقذف نصه في وجوهنا في برهة الصخب، والصفاء، على السواء دون دراية منا طوال السنوات التي خلت انه نص محفوف بالمخاطر والمفاجآت، نص يفتح الأوردة إلى أخر مدى، ويشذب أطراف المعرفة رادا إياها إلى مصادرها الأولي ومنابعها النظيفة "الأرض" لذلك اندرج خيط طويل من مفرداته الشعرية في إطار المحكي في الإرث الشعبي محاولا تطويره والعلو به إلى مصاف لغة تستقي أبعادها ومعانيها المفتوحة إلى التفاسير ليرضي شهوة شقية في العيش على ارض حرة، وخزت خاصرته فيها حراب جنود الغزاة صباح مساء.
لم يقف نصه محايدا. لذلك أدرك جدل العلاقة المتفجرة بين الروح الإنسانية في اتكائها على اريحيات الحنان والحب للأنثى- المرأة وبين الأرض تلك العشيقة في بيتها المسحور الذي كلما اقتربت منها ازدادت بعدا. وازدادت الجراح اقترابا من جسدك وروحك..أليست هي معادلة الصراع الصارخ الذي نعيشه منذ مائة عام تقريبا؟!. هذا مع العلم أنني لا اعد كنتيجة لهذه الدراسة اليتيمة أن ادرج شاعرنا تحت خانة تؤطر في منهج جدلي نقدي، ويكذب من يدعي ذلك، إلا أنني أحاول جاهدا أن أتلمس خيوط ايقاع روحه في النص، وبيانات ايقاعات النص في حياته من خلال استبطان ما يكمن وراء الكلم أو الكلمات إن شاء راغبو واضعي اللغة، ولكن سوف أتعامل مع الألفاظ اللغوية، مرورا بالبنية الإيقاعية، إلى البنية الدلالية ورؤياه الكلية، من خلال الانتقال باللغة من كونها شيئا محددا قاموسيا وثابتا إلى كونها بؤرة احتمالات وطاقة إيمائية وبؤرة دلالية تشع في جسد النص بإمكانات متعددة" (3) لأنه في رأيي من العسير جدا على الناقد وعلى الشاعر في أن إدراجه في إطار مدرسة أو منهج نقدي محدد،خاصة في التعامل مع شاعر فلسطيني.. مثل الدكتور عبد اللطيف عقل. لذلك سأحاول تجذير بنية النص معرفيا ونقديا، وشعريا وفتح انغلاقاته وخيوطه ليتسع اكثر..فأكثر على مداه الأرحب الذي يكتن في ألوانه صخب الحب وجدل الثورة والتمرد، في استهلا لات عقلنة المعطى التراثي والسمو به وفيه إلى مصاف الفعل الحضاري وهذا ما سأبينه لاحقا.
لم يرتكز شاعرنا، وذلك بالفطرة، على الإرث الشعري الفلسطيني، الذي تتلمذ عليه وحسب، وانما استفاد من ثيمات وفنية الشعرية العربية منذ المعلقات وحتى ستينات هذا القرن وهي المرحلة التي شب وصلب عوده فيها، لذلك نجده في خطابه الشعري أشبه بسباك احترق بنيران اللغة، وموسيقي عارك صخب وحنو النغم ليخرج الينا بإرث شعري متميز ومتفرد انعكس من خلاله عبد اللطيف عقل الإنسان المبدع البارع. ومنذ بداياته المنشورة انطلق نصه الشعري مؤسسا على هذا الإرث المديد وكذلك، على التحولات التي طرأت على القصيدة الشعرية الحديثة في الستينات، بعد انطلاقتها الأولى وتجذرها على يد الخالد بدر شاكر السياب ومن ثم نازك الملائكة، الذي أبحر ضد التيار وكسر السائد، وفكك المعطى الموروث وأعاد بناءه على نحو يتساوق مع الذائقة الروحية والنفسية والشعرية والحياتية الحديثة للانسان العربي الذي يعيش في منتصف القرن العشرين.
إلا أن التحولات البينة التي طرأت على حداثة الشعرية العربية في الستينات والذي استفاد منها شاعرنا وحاول تطويرها تكمن في تحولات ايقاعية وتحولات لغوية وتصويرية وتقفوية إضافة إلى التحولات التي طرأت في مضمونية جسد الشعرية العربية والتي تساوقت مع ايقاع الاغتراب.. والتغرب التمردي الذي طرأ وعاشته الروح العربية في قرننا الحالي. وهذه المعادلة الجديدة نسبيا، والتي طرأت على الشعرية العربية في الستينات ورسمت الذائقة بصفاتها لا تختلف في بنياتها الدلالية عما قاله فيلسوف الأدبا،، وأديب الفلاسفة أبو حيان التوحيدي: "ومن استشار الرأي الصحيح في هذه الصناعة الشريفة، اعلم انه الى سلاسة الطبع أحوج منه الى مغالبة اللفظ، وانه متى فاته اللفظ الحر لم يظفر بالمعنى الحر، لانه متى نظم معنى حرا ولفظا عبدا، او معنى عبدا ولفظا حرا، فقد جمع بين متنافرين بالجوهر، ومتناقضين بالعنصر".(4)
ومن استقصاءات الجدل النقدي في حقولها المعرفية سننطق في دراستنا هذه من رحلة العطاء الطويلة، مع الحروف والكلمات والإبداع، دامت اكثر من ثلاثين سنة، قدم خلالها الدكتور الشاعر عبد اللطيف عقل للمكتبة الفلسطينية والعربية اكثر من سبعة دواوين شعرية وخمس مسرحيات وعدد من الأعمال الأكاديمية والعديد من الدراسات والمقالات والابحاث. فمنذ بداية الستينات كانت انطلاقة الدكتور عبد اللطيف عقل شعريا مع مجموعته "شواطئ القمر" (5) الذي استطاع من خلالها ان يجسد صوته المقاوم للاحتلال، والرافض للاستلاب متمسكا في الارض الفلسطينية التي تنبض في عروقه.
وفي مجموعته الشعرية الثانية "أغاني القمة والقاع" (6) طرأ تحول هام في سيرته الشعرية وتكوينه الإبداعي بشكل عام، وذلك بسبب تغير الظروف والحياة، ووقوع الضفة الفلسطينية وغزة تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 مع أراض عربية أخرىهن جهة، واشتداد صوته الشعري قوة وحدة بحيث اتسعت الرؤيا اكثر وضاقت العبارة حسب قول النفري. بعدها تتالت أعماله الشعرية في الصدور والانتشار "هي..أو الموت" (7) و"قصائد عن حب لا يعرف الرحمة" (8) و"الأطفال يطاردون الجراد"(9) و"حوارية الحزن الواحد" (10) و"الحسن بن زريق مازال يرحل" (11) و"بيان العار والرجوع".(12)
وسأحاول في هذه الدراسة أن اركز بحثي في النتاج الشعري لهذا المبدع الكبير الذي لم ينصفه النقد الفلسطيني أو العربي حتى مثل الكثير من مجايليه الشعراء أنه صوت خشن أشبه بصوت الشنفرى، يتأرجح بين عذوبة بوح الروح، وبين انفراج المعنى إلى أوسع دائرة في الخشونة والاتهام والتمرد، والتمسك بالحبيبة الواقع، الأم، الأرض. سلمى..وهي ليست سلمى الا خيلية، إنها سلمى الفلسطينية التي تقطر من تحت أظافرها المعاناة بكل نزقها..وهدوئها، بكل قوتها..وحنانها..وهذه هي المعادلة..المفارقة الصعبة التي تأرجحت بين قطبي روح شاعرنا الوثابة، الثائرة العاشقة المعذبة المغتربة.
هي أو الموت فاتحة الخطاب
ومن عنوان المجموعة "هي او الموت" يبدأ عبد اللطيف عقل اعلان التحدي فاتحا ساحاته الى حدودوها القصوى، مقامرا بجسده، وروحه لانه يعلم، ويريد ان يعرفنا كذلك انه دونها لن يعيش، لذلك كان العنوان "هي او الموت" فما جدوى الحياة دونها إذن؟! وبالتالي تبدأ "الفاتحة" من حيث يجب ان تبدأ، في استقصائها وبالتالي تبدأ "الفاتحة" من حيث يجب ان تبدأ، في استقصائها التسميات المحددة الواضحة المرامي والدلالات والابعاد "باسم الحب والاحزان والرفض"(13) وهذا يؤكد ويوضح معادلة التحدي التي يخوضها شاعرنا مبتدئا اولا من المقامرة، في حياته، وصولا الى الحب،الذي دونه الاحزان، ثم ليأتي الرفض ليعطي حياة الانسان / الشاعر جزالة العيش ومعادلة الاتزان. اذ ما معنى حياة الكائن دون الرفض الذي يدور في دواخل الكثيرين، وهل اجدر من الشاعر في اعلانه؟! ففي "الفاتحة" تتأسس معادلة المعنى التحتاني، او الباطني للقصيدة على ارضية التضاد والمفارقة التي يتعامل معها شاعرنا من النقيض.. الى النقيض الاقصي وهذا ما يبرز حدة الخطاب والمعاناة على السواء.
كثيرون من اهلها
اعلنوا الحب بالقول
لكنهم أضمروا قتلها في السريرة
كثيرون قالوا صباحا:
فداها العيون
وداسوا على رأسها في الظهيرة.
كثيرون مثل العجين السمين.
يضخمه الوهم للعين
تعمى، وتنسى فساد الخميرة.(14)
لكن معادلة التحدي ظاهريا، تبدأ في القصيدة، بإحداث المقارنة بين صورتين متعاكستين تماما، او معنيين متناقضين ظاهرا وباطنا في الحياة وفي القصيدة معا.
وبعيدا عن تجلي صورة جدل الحب والوطن في طرح هذا الاشكال المتناقض، يظهر جدل لي العلاقة بينهما عن طريق محاولة استفزاز الواقع وصراخ الصوت كاعتراف بما هو كائن عبر المفارقة الحادة والعجيبة التي تتجلى في عدم التوازن بين الواقع والنفس، بين الشاعر وما هو ماثل. فتارة تأتي على نحو ساخر..وتارة أخرى تأتي محملة بتضاد الروح والعالم في انبهار المواجهة..ولها ايضا عشرات المعاني والمفاهيم.
تنادوا على شعرها الحلو
في السوق، حلوه، باعوه
قصوا جذوره.
وكنت محلى ساحل الموت، وحدي
أذوب حنينا اليها
اموت وألتاج غيرة.
وتتجلى معادلة التحدي صعودا في "هي او الموت" عبر احداث المفارقة التي تنطلق الى مدى ابعد وارحب وذلك في مواجهة الخطب، الماثل، مثلما هو الامر في قصيدة على الحافة:
تتغلغلني داء حسبوني أشفى منه، وكلما
سحقوا عظمي صارت روحي اكثر خشونة (15)
فهذا التضاد في بناء دلالات المعنى لا يشي بمعادلة التحدي وحسب وانما يلج العلاقة الداخلية بين الفعل والمتحدي الذي ينعم بتفلفلها في جسده كالداء ولا يقف الامر عند هذا التغلغل، وانما يتقدم على نحو خلاق في مقابلة الفعل، ففعل سحق العظام لا يميت وانما يبعث روحه اكثر خشونة وصلابة في حين ان المعطى العادي في الحياة ان يؤدي فعل السحق الى تبدد وتمزق الجسد وشاعرنا لا يقف عند الجسد، بل انه ينبئنا بطريقة فنية عذبة ان روحه تخرج اكثر خشونة وبالتالي فإن جسده قائم وماثل واكثر صلابة وهذا سر شموخ لعبة التحدي عند شاعرنا مثلما بالضبط هو سر شموخ ومواجهة الفلسطيني لقدره على ارضه ودفاعا عنها. وتمتد المفارقة النابضة بالحياة عبر دلالات وايحاءات التحدي المتنوع والمتعدد الاوجه ليتواصل في النشيد على نحو اكثر براعة، داخلا في رؤى اكثر بهجة وشاعرية:
حين حرثوا اذني بالفؤوس صارت حبيبتي
اكثر رقة. قصوا شعرها وما اعارته
لاخواتها الناصلات بالقرع. تشهيتها
غرقت في حضنها كالحضور، القمتني
الفجيعة فاحتضنتها بالوعي والتخطي (16)
وهذا التكثيف في البوح الشعري يعطي المفارقة ابعادا اكثر اناقة وكونية واتساعا ويصبح المعنى الانساني بشموليته هدف فنية ودلالات القصيدة التي تتفجر وتنبني بين اقطاب معادلة ما تنفك رافقته طوال حياته مشكلة الحيز الواضح والطاغي في مسار صعودية القصيدة عنده:
في زمن الجوع…
امنحك اساور قمح
أولد طفلا بالجسد المرهوص
يستغرقني حبك دائرة في لون العينين
حسيني في اللحظة طفلا شيخا،
اتودد للصمت
ملعون من يدخلني في سم الابرة كالخيط (17)
فالخطاب هنا مفتوح الابواب والصدى على مختلف الابعاد ولا تحده نهاية يدخل في الاطار الحياتي..الانساني المتعدد الاوجه، والمعاناة، غابت او لنقل تلاشت فيه الذات الجمعية في وجهي الخطاب على السواء (المخاطب) تتجلى المعاني الانسانية الشاملة بكل معاناتها والقها وعذاباتها..التي تمتد من زمن الجوع..وزمن الغلالة او الفرح كما تشي به شطرة (امنحك اساور قمح) ثم الى معاناة الطفولة الشقية، ولوعة الشباب وانعطافاتها العشقية وعذاب الحب فيها لتصل الخيط الممتد من الطفولة الى الشيخوخة ثم تضع واحلتها في فسحة "التودد الصمت" لا استكانة..ولا انهزاما، كما تفعل دائما غربان الصمت وانما من اجل استلاب عمق وكونية للبعد الوطني الانساني في محاولة استلاب الانسان للانسان والسيطرة عليه فتأتي الخاتمة خاتمة المقطع بانجراف التحدي الى أقصى مدى وتتمثل في قوله "ملعون من يدخلني في سم الابرة كالخيط".
والبوح الشعري الشامل هذا، الذي يتجسد في القصيدة على هيئة شلال للمعاني الانسانية لا ينسى ان يقف عند الفروع والاصول..فالحب له ابعاد وارتباطات من العسير الفصل بينهما وهو دائما يكون في القصيدة بمثابة المنقذ والمخلص للشاعر من ازدحام التراكم الهائل للمأساة في روحه:
ياما حممني من يأسي مطر
العينين الساجيتين
اعرف انك في بيت السلطان:
تخيطين ثياب بنيك واعرف انك،
في الحارة يتناهى في جلدل وقع الاقدام (15)
فكلمة "ياما" التي خرجت على سجيتها وبساطتها وعذوبتها من فم قلب الشاعر تنطوي على ابعاد هائلة من الصدق لتفتح فضاءات الحرية المستلبة التي اراد ان ينجزها الشاعر في قصيدة، لقد حاول دائما ان يخلق الفضاء الرحب في طقس الحرية لنصه الشعري وذلك كتعويض عن الحرية المستلبة في الواقع..ياما لا تخرج هكذا نداء، عبثا بقدر ما تخرج من خلال تشابك وتعانق اللوعة والحزن والتمرد والحنان، والحب ليتجسد مفردة يطلقها لتوقظ فينا ما انهار خلف ارتحت بهرجات اللغة وقواعدها المحددة ومثلما فعل فعله المطر في تطهير الشاعر من الياس كذلك فعلت مفردة ياما فعلها في تطهير قلبه من يأس الواقع السياسي المهزوم انذاك (وقت كتابة القصيدة) وهو بداية السبعينات وذلك كي يعطيه توازنا حقيقيا للا قدام على الاعلان عن مصادرة حريتها.. حرية = الأم =الارض =البلاد = الحبيبة في معادلة التشابة والتناسخ والتواصل في التوالد والعطاء "اعرف انك في بيت السلطان"…
ثم يتواصل هذا التداخل ضمن معادلة التحدي التي تصل ذروتها في المجموعة عبر قصيدة "حب على الطريقة الفلسطينية": التي تمثل بحق وجدارة سيمفونية عناق الحب والعذاب، الامل، والانكسار الحرية والسجن بنشيد يحفر في ايقاعات الروح ابعادا ودلالات لا تخرج وصول المعاناة الى ذروتها، المعاناة المحكومة باقطابها الثلاثة التي بنيت عليها قصيدة شاعرنا وهي معادلة التحدى العشق، الوطن،المفارقة، والاغتراب
اعيشك في المحل، تينا وزيتا،
والبس عريك ثوبا معطر..
وابني خرائب عينيك بيتا
واهواك حيا، واحياك ميتا.
وان جعت اقتات زعتر
وامسح وجهي بشعرك
يحمر وجهي المغبر.
واولد في راحتيك، جنينا
وأنمو، وأنمو وأكبر.
واشرب معناي من مقلتيك
فيصحو وجودي ويسكر. (19)
لا تكلف في الالفاظ ولا صنعة، ولا حث للمعني، ولا محاولة اجتراح صورة ببساطة جاءت القصيدة من بطن الواقع الفلسطيني مهنئ ومبنى وشكلا ودلالات لترسم ابعاد واعماق المعاناة الفلسطينية من الخاص الى العام مرورا بالمعادلة سالفة الذكر التي تنبني عند شاعرنا على ثالوثها المقدس التحدي، المفارقة، الاغتراب، لتشكل عبر هذه القصيدة بحق وقفة تأمل عميقة وانعطافة حادة في بنية القصيدة عند شاعرنا اذ بعدها تدخل الطبيعة في جدل الحيرة والتحدي ليس بانفتاح الاسئلة النصية على تضاد ومفارقة الصراع الذي يعيش ابعاده الشاعر وانما في اتساع الاسئلة وحدتها وشموليتها:
واقف يا جبهة الصحراء،
حادي العيش (العيس) في عيني،
مأخوذا بأسراب القوافل،
هنا تتداخل عملية الانفلات من المعنى الخاص في دلالات الصراع لتتجسد في عناق مع محاولة خلق الارضية الصلبة في معنى القصيدة _ وهذا ما يدلنا عليه الجدل الماثل بين سور المفردات (واقف) ..جبهة الصحراء (مأخوذ).. (باسراب القوافل)، في (واقف) تعني الثبات والتأصل في المكان.. في حين تشير مفردة (مأخوذ) الى الانعتاق من الثبات والمكان والزمان على السواء، بالضبط كما هو الحال في الجدل الماثل بين جبهة الصحراء..واسراب القوافل:
وتسولت، شربت الليل فوق الارصفة
قتلتني شهوة الكلمة
غامرت وغازلت الاميرة
وتطاولت على وجه الامام (20)
الا ان الاحساس بالاغتراب، وولوج الرفض الصارم، يفضيان بشاعرنا الى التمرد الذي يأخذ معنيين: الاول: يتجسد من خلال محاورة الذات، بكل ارهاصات الاغتراب والعذاب والحنين الذي ينتابها مما يدنو من مشاكسة الواقع على نحو غير عادي في اطار ولوج المعادلة السياسية، (غامرت وغازلت الاميرة). والثاني: يتمثل في الجراءة العالية: في محاولة مواجهة ارث التقاليد وذلك من منظور حداثي حينما لا يوظف التراث بشكل فعلي وايجابي في معادلة الصراع، معادلة حبه ومعاناته وشقائه ونضاله (وتطاولت على وجه الامام)
وهنا يتركز شأن الجدل السياسي في القصيدة الشعرية..هذا الجدل الذي انطلق من محاولة تعرية الظلم وفضح اشكال الانهزام والاستغلال بفنية عالية وبخطاب شعري واضح كل الوضوح حد الاتهام المباشر:
كثيرون من اهلها
اعلنوا الحب بالقول
لكنهم اضمروا قتلها في السريرة.(21)
وينتقل اعلان الاتهام والتخصيص في فضح ما هو متخلف عن اتون الصراع، والمتمثل في الممارسات الخاطئة في المعادلة الوطنية الى محاولة ادخالها حيز الحوار في النص الشعري. والرفض عند شاعرنا معادلة متكاملة الملامح والابعاد ما تنفك تفصح عن نصها هنا وهناك على نحو خلاق:
لم اجد في شفة القدس ابتسامة.
فنما في خاطري الرفض
وفي ذاكرتي امتدت قيامه
فاذا ما جاء المساء
تصبح الارض – جميع الارض –
وجه القدس او وجه السماء (22)
وهكذا يمتد بنا الخطاب الشعري حتى آخر المجموعة فمن التحدي الصارم الى المفارقة التي تصل حدا عاليا من السخرية والكآبة الى توظيف المكان (كجغرافية وطبيعة واشجار وحواكير وبيوت منسية) الى التمرد الذي يعلن توارثه على نحو متفرد فنيا وموضوعيا في النص، ثم الى الاغتراب حين لا يجد الصوت صداه، ثم الى الرفض ثانية فالتحدي، فالمفارقة فالطبيعة، فالتمرد، وهكذا دواليك.
وفي قصيدة "ملاحظة للغرباء" يتجسد الاغتراب عن طريق اسقاطه على الاخر، فالشاعر يوقف الاخرين مطلقا عليهم اسم الغرباء" ثم يبدأ حوارا معهم..وذلك في محاولة للتوازن من جهة عن طريق الانعكاس الشرطي للمعاناة داخل الفن وكذلك عن طريق تعميم حالة الاغتراب من الذات الفردية..الى الذات الجمعية في صحوة اللبلاب جف الوحل
يا غرباء، لا تتحدثوا عنا
ننام ولا نفيق
زيتوننا يمتص عين الشمس، لكنا
نحاذر عصره، لا تستبدوا نحن نفترش
الطريق.
نبكي على….
نقتات وقع الاحذية
فمنا دم،
وجراحنا رؤيا
هوانا اغنية (23)
وبالتالي تصل حالة الاغتراب مداها الاقصر ليصير في الزمن الماثل اغترابا كونيا يتعدى الانسان ليصل الاشياء والنبات، اذ حين يصحو اللبلاب يجف الوحل "والوحل هو تراب وماء اساسا عنصران مكونان للوجود من اربعة عناصر اضافة الى النار والهواء إذن فشاعرنا رأى الاغتراب يمتد ليشمل نصف التكوين وترك النصف الاخر للتكوين واصل الوجود النار والهواء
للزيتون = (الطبيعة)
(زيتوننا يمتص عين الشمس)
ثم ليصل في النهاية الى اجتراح الولادة من العناصر ذاتها او بعضها حينما يقول ببساطة المعاني الكبيرة في الحياة ومعادلات الصراع فيها
(فمنا دم
وجراحنا رؤيا
هوانا اغنية)
لم اجد اعمق من هذا المقطع الذي يعكس في الان ذاته وقع الخطب وانسراح الامل، اذ تحول المأساة المعاشة كل ما هو في الفم الى دم من هواء وكلام وطعام وشراب، ونداء وبكاء واصرار وصرخات صمود الى دم في حين يضئ الجرح بالرؤيا التي هي للمستقبل صورتان متعاكستان في المعنى والمبنى لكنهما صورتان يجسدان ايما تجسيد واقع الحال الفلسطيني، لتأتي (هوانا اغنية) كتأكيد لتفاؤلية المستقبل عبرالرؤيا-الجرح والتي لابد ان تنبزغ شمسها.
النداء المسترسل للقصيدة
في "حوارية الحزن الواحد" تنبني قصيدة شاعرنا على تعدد اوجه الخطاب الذي يدخل حيز الجدل المعرفي فلسفة وسياسة وامتداد دلالات. على انه لا يحاور الثابت والمعد سلفا في حياتنا الطويلة منذ الطفولة، وحتى الرجولة فحسب، بل وانما يسعى من خلال الحريق الذي يعتري صوته ان يفجر ما هو سائد مع محافظته على ربطنا بالقيم والاشكال الحياتية التي نعيش وتخصنا نحن وذلك بغية الوصول الى قصيدة جديدة وجريئة تتبنى ثورة على سلبية السائد والمألوف لتصل الى كمالها. وتسبح القصيدة عنده في ند ائها المسترسل الهاديء تارة والثائر تارة أخرى لكن هدوءها يحكي كل الممنوعات بصراحة جارحة. ويتدرج الصوغ الشعري عند شاعرنا، بشكل عام، وفي معظم مراحل حياته الشعرية من المحسوس الى المجرد، حيث يسحب التجريد ايقاعاته ودلالاته الى بوح شعري خفيض تارة، متفجر بايقاعات واجراس تارة أخرى عبر امتدادات لجغرافيا حياة تمتد من ملوحة البحر الميت، حتى اطراف اكعاب بحر حيفا.
وهذا الامتداد الجغرافي للصوت في القصيدة وللجغرافيا في النص الشعري وللقصيدة في روح شاعرنا لا ينبع من هلامية ضائعة في الواقع بل على العكس تماما انه متولد من احساس عنيف بالاشياء وبالواقع وبعذابات النفس الانسانية. فالتجريد اللغوي والصوغي يؤدي بالضرورة الى احتمالات متعددة للقراءة النصية وهذا التعدد يمنح النص الشعري لشاعرنا رهافة محببة الى النفس عبر شمولية تطفى على محدودية القول، بل تلفي هذه المحدودية بغية فسح المجال للبرهة الشعرية بالحضور والتجسد لانه كما قال دون كنليف: "على الشعر اليوم الا يذوب فقط بل عليه تفحص العالم من حولنا (…) وان الشعر يجب ان يكون ثوريا مشعا وماهرا متقدما وداعية حب" وهذا ما لقي استجابة كلية في نص شاعرنا كبنية شعرية لها طغيان التصور واشتباك الدلالات في المعطى النقدي لان اللذة المتصلة بالمعرفة والفهم حينما تصل اللفظة الى السمع يصل المعنى الى القلب. ولكن هناك لذة اعمق وأبقى حينما نتلمس ظلال او اطراف هذه اللذة ونبدأ بالكشف عنها بأنفسنا من هنا تبدو العلاقة المؤسسة في نص شاعرنا على عمق تجربة وابحار في دلالات بنية القصيدة التي هي حركة انتقال باللغة من كونها شيئا محددا ثابتا الى كونها بؤرة من الاحتمالات يجعلنا نقف امام مشهد شعري يتساوق مع بنية ودلالات الواقع بل ويتجاوزه في محاورات، وخلق تصورات، وتعبيرات، تجذبه معطى حياتنا حينا، وتنقض معان أخرى حينا أخر، لتؤسس صورتها المتفجرة والمتحركة والوثابة في معطى ودلالات افكار مضيئة أحايين أخرى لنصل بمعنى ما الى تجاوز الذات الفردية الى حوارات مفتوحة على ابواب واسعة مع الذات الجمعية عبر ايغال في معان ودلالات تخرج من المعنى المحدد في اللغة لتشكل لها وحدانية معطى معرفيا جديدا وبريئة في تداعي النص الشعري.عند شاعرنا-عبد اللطيف عقل.
دلالات التناص الشعري
في "حوارية الحزن الواحد" تحمل في طيات صفحاتها قصائد تواصل سيرتها وترتبط ارتباطا عميقا وجدليا فيما ذكرت من محاور تلمست خطوطها العريضة في "هي او الموت" لتتسع دوائر ايحاءاتها على نحو اكثر شمولا وسموا في تعدد أوجه الخطاب الشعري الذي يدخل كما قلت، بداية، حيز الجدل، المعرفي فلسفيا، وسياسيا، واجتماعيا، وفنيا عبر امتداد دلالات القناص الشعري. فالحوارية هي ليست حوارا بين طرفين محددين وليست هي بمعنى ما تجسيدا للحزن الواحد، انه حزن متعدد الأوجه والمعاني والابعاد، حتى اذا اخذنا الحزن كمعطى انساني كوني.. ولكن حتى في هذا، فإنه يحمل خصوصيات الالم والسهر وشرود الخيال عبر خصوصيات كل فرد:
"احمليني عند قرطيك
اشاعوا انني قد قلت للريح
خفايا لغة الطير وما تخفيه
أدراج السياسيين، قالوا انني ساويت
بين البحر والنهر
وقالوا انني اهجو عذارى الغرين الخصب
بوادي النيل،
هذا زمن الشعر الهلامي الذي يحبل فيه
النخل بالصدفة والايام بالاكراه
والريح من الغرب الى الشرق
تسف،الدهشة العمياء من كل الميادين" (25)
فلنتأمل العلاقة التصاعدية في بنية الدلالات التي تتوافر شروطها بين "عند قرطيك" = (التحول الى مكان في الريح) وبين "قلت للريح" = (معنى تصاعديا) بين المكان الذي يتمنى عند القرطين "وبين الكلام الذي اشاعوا انه قد قاله للريح، وكذلك التصاعد في المعنى مع خفايا لغة الطير" انها معان تتأصل وتنطلق من ارضية الجغرافيا التي يقف عليها الشاعر (الارض) وتمنيه الوصول الى فراغ الاقراط "ليتساوق مع ما اتهم به وأشاعوه عنه فيما قاله للريح (والريح في الفراغ) وماذا قال يا ترى: "خفايا لغة الطير" = (كلام في هبة الفراغ) "ولكنه ليس كلاما عاديا انه كلام منسوج بخفة العصافير وهدأة انغامها وصدى اصواتها العذبة، انه كلام يحرك الشجن ليعيد الانسان الى براءته الاولي ولكن هذا الكلام البرئ الطائر مع الريح (القصيدة) لا يكتفي بكل هذه العذوبة، بل وانما يفضح عبر خفايا لغة الطير" ما تخفيه ادراج السياسيين ألم يقل شيلي ذات يوم "ان الشعراء هم مشرعو العالم غير المعترف بهم؟!" لذلك انه صوت الحق الذي يعرف.. ويعترف حينما لا اعتراف وحينما تقدر الادراج بظلمتها المعمرة ان تخفي الحقيقة..الحقيقة التي هي في النهاية أحد اهداف الشاعر الوصول اليها، ولكنها ليست كل شئ بالنسبة له..انها كل شيء بالنسبة للفلسفة وعلى اعتبار ان شاعرنا كان تخصصه في حقل الفلسفة لذلك وجدناها تتسرب الى شعره كمحاولات البحث والتقصي وهذا ما أعطى قصيدته المعنى السياسي المتضمن جرأة وجمالية خاصتين انطوت عليهما اعلاناته الصريحة في البحث عنها.. تلك المولود نصف الغامض ونصف الواضح والمتمثل في سؤال الوجود الاول..سؤال بدء الفلسفة والذي لن ينتهي عند حد الا وهو سؤال الحقيقة.
والفراغ هنا في المقطع سالف الذكر كأرضية للريح غير محدد، والانثى المخاطبة كذلك ليست محددة الهوية، وكذلك الريح، بالضبط مثلما هي لغة الطير ليست محددة، وهذا اللاتحديد يدخلنا في دائره السؤال الشمولي والعميق في آن ويمنحنا لذة التفسير والاسقاط لذلك نجد ان أهم الدلالات في لغة الخطاب الشعري عند كمعطى فردي زي صفة جمعية كمعطى وجودي شامل أي بمعنى آخر ينتقل من خطاب الذات الفرد الى خطاب ذات المجموع – ذات العالم مع تكثيف المقاربة فلسفيا وماديا ورؤيويا. فالأقراط شئ محسوس والريح تندرج من المحسوس الى اللامحسوس لتصل في ذروة المعنى الى خفايا لغة الطير وهي (لا محسوس ولا مرئي) ايضا..ثم تأتي النقلة الاتية من الذروة الى الواقع "خفايا ادراج السياسيين" المحسوس الكلي شكلا الغامض معنى ومضمونا، ودلالة، وهنا تتجسد الجمالية العالية في فتح الخطاب الشعري لاستيعاب متناقضات أسئلة الروح بأقصى درجاتها عذرية، أو مادية. وكذلك مثلما هي المساواة بين البحر..والنهر في تتابع المقطع الشعري (سفر في غموض اللامحسوس) من خلال الانطلاق من المحسوس..انه انتقال تدريجي عذب ليصل الى تحديد المحسوس وهو "هجو عذارى الخصب في وادي النيل" إذن الان عثرنا على التهمة الموجهة الى الباحث عن الحقيقة..الباحث عن الشعر الصافي، الباحث عن الانصاف في كل شئ في الحب كما في الحرب، كما في السياسة، كما في الواقع الجغرافي "المساواة بين البحر والنهر" ثم لتأتي المحاكمة العقلانية في اطلاق الحكم والاهداف والنتائج:
"هذا زمن الشعر الهلامي"
زمن الشعر الذي لا ينكمش باليد المادية، وانما بأيدي الروح وتأسيسا على هذه المعادلة إن جاز التعبير هو ذاته الشعر الذي "يحبل فيه النخل بالصدفة والايام بالاكراه"!!
هنا عادت المفارقة الجارحة..المشدودة بين قطبين متناقضين تماما النخل والصدفة والايام.. والاكراه. إن اهم دفاع عن الشعر وعن الشاعر قرأته حتى الان يتجسد في هذه الكلمات إذ كيف للنخل أن يحبل بالصدفة..والايام بالاكراه. فالسياسي يريد من الشعر الا يقول الحقيقة..ويريد كذلك من النخل أن يحبل بالصدفة متى أراد الادانة، والايام عليها ان تحبل بالاكراه متى اراد أيضا..أراد السياسي..لا الشاعر ثم ليأتي الحكم الاخير في اختلال الموازين وفي تجسيد العماء الطاغي، العماء المدلهم على الروح والواقع أي على المحسوس واللامحسوس في أن (الدهشة العمياء) وتهيج الريح من الشرق الى الغرب، وتسف الدهشة العمياء من كل الميادين ".ليس هناك تحديد واضح ومحدد او اتهام لأحد متجسد على أرض محددة..أو في قضية محددة.. انه الشاعر يقف بصلابة على منعطف التاريخ لينقل لنا طقسا قيما ومعاني ودلالات عبر تفتح الخطاب في الحضور الطاغي للقصيدة وكأنه قرصان البحر، او شريد المدن، او نبي المرحلة.. يحدد.. يتهم.. ولا يتجسد الاتهام انه الشاعر الذي يقف في منعطف التاريخ ليوضح لبس الزمن وهشاشته وظلمه، ومعادلة الحق والفضيلة، والاتهام في فعله السياسي، وفي حدود النهر والبحر..وكذلك في ارتهان الدهشة للعماء لتطل ثانية المفردة الاساس في المقطع الشعري:
احمليني
انها اللوعة الاتية من انصهار معادلات الزمن والجغرافيا والحقيقة في روح الشاعر وضياع خطواته. وتكثيف لغة الخطاب الشعري عند شاعرنا لا تنفجر عن محاورة الذات الفردية..عبر الذات الجمعية فحسب وانما تتعدى ذلك الى تكثيف السؤال عبر المفارقة فلسفيا وسياسيا وروحيا:
أنت من أين؟ وأوشكت أناديك،
المسافات عذاب والمطارات عذاب آخر،
والليل في عتمته يكشفني،
يكشف عن وشمك
ومحدي كنت في الغرفة أستلقي على ظهري
الذي خدده ضرب الكرابيج (26)
الوجه الانساني للحلم الفلسطيني
وتكثيف السؤال عبر المفارقة يدخل الخطاب في تعددية الجدل الفلسفي والمعرفي كامتدادات ودلالات عبر انفلات اللغة والمفردات والمعاني من إرثها التاريخي المحدد لتخرج لنا طازجة في فسحة تعدد المعاني التي تبزغ في القصيدة كجزء من ذات الشاعر المبدعة الى وصف الاشياء والاماكن لا كأماكن واشياء وانما عبر ايحاءات ومعان تتجسد عبر الحوارية التي تمثل خطابا متجددا:
"أنا في القدس، ومن في القدس
يلتف به السور وما من حجر في السور
الا وله صدر موشى
بالرصاص الطائش العمد، واعشاش الحمام
المسجد الاقصي وآلاف المصلين،
وعبد الله في باب الخليل ارتص
كالعلبة
آخ يا هذا الرصاص الطائش العمد،
انا القدس وتغريد، التي يعرفها
الجند،
ولا تعرف الا امها والصبح والدفتر
والموت وروح الشعب والارض،
وفيها تشتهي الانثى الاحاديث
عن الاعراس في الصيف
وتطريز فساتين القصب." (27)
الوجه الانساني للحلم الفلسطيني يتجسد هنا بخصوصيته الوضاءة، تلك التي تحلم وتحس وتعيش كما ينبغي ومثل الناس، ففعل التحدي هنا لم ينجرف ليرتكز على الارث السائد الخاطئ الذي يقول: إن الفلسطيني مارد لا يرهبه شيء وكذلك لا يوجعه شيء وعلى أم الشهيد أن تزغرد لأن الكف الفلسطينية تلاطم المخرز ببساطة، بل على العكس تماما انه ذهب الى تجسيد فعل التحدي من خلال محاولات الانتصار على الحياة وعلى هدم البيوت كسياسة معتمدة وكذلك على الرصاص الطائش من خلال تطريز فساتين القصب كمعنى حاضن لأرث الارض وتغريد هي ليست قائدا عسكريا، انها طالبة مدرسة لا تعرف الا امها والصبح والدفتر لنلاحظ الدلالات الخفية الواضحة لهذه المقررات امها = الارض، الصبح = الانتصار، الدفتر = العلم والمعرفة، وهذه هي المعادلة الحقة لأي انتصار.
ولكن، هل يكتفي الحزن بذلك؟! إذا كنا نستطيع حصر الحزن في حجم وقياس فإنه سيكتفي بذلك، وما أراه وهو بديهي أن الامر فيه استحالة ما أن نحدد حجم ومقاس الحزن، وتأسيسا على ذلك فإن هذا الحزن يتمدد ويتسع ليسعى ابان ذلك الى محاولة رد الاشياء الى أصولها القصوى مع الحفاظ على تداعي المفارقة الجارحة التي ما تكاد تنكفيه وراء الكلمات والمعاني حتى تعود وتظهر من جديد على نحو أرقي وأقوى:
اكتبي لي كيف تبكين،
ومن حولك كل النخل والنفط
اذا فكرت بالقدس وفي موز أريحا العسلي.
والتساؤل هنا لا يحمل صفة أو معنى التساؤل ذاته وانما يعني توضيح كيفية البكاء حينما تمر القدس في الخاطر وحزن القدس هو الحزن الاول.. على أساس انها سرة الارض ومركزها ومنها ينطق الباب الى السماء والى الجنة، وهذا المعنى مفهوم ومعروف منذ الاف السنين عند علماء الميثولوجيا. وفي إطار المحاولة ذاتها إعادة الحزن الى اصوله ومعانيه الاولي قوله:
اكتبي لي
يعشق الكأس الدوالي والمحبون
القوافل
واليتامى يعشقون الدفء
والطير السنابل
اكتبي لي، تعب القلب من الساسة
والتطبيع،
من حرب المراحل.
إن شاعرنا هنا يرد الكأس الى عروق الدوالي الاولي كناية عن حزن عميق يجول في روح الشاعر مثلما أيضا ينبئنا عن عمق وغزارة هذا الحزن بقوله ان المحبين يعشقون القوافل، (والقوافل) هنا تشير الى السفر والهيمان ولكنه سفر وهيمان ليس في طائرة أو قطار يمر عبر ضفتي نهر وبساتين انه سفر في الصحراء حيث عناء السفر الاول..السفر الطالع منذ بدء المسافات. وتمشيا مع حرارة المعنى المخزون في روحية الشاعر يواصل نشيده في اعطاء الدلالات سالفة الذكر أكثر عمقا "واليتامى يعشقون الدفء، والطير السنابل كلها كلمات تعطي المعنى ذاته ولكنها في الان نفسه تؤصل عمقا وبعدا روحيا وماديا في اطار السؤال الاول سؤال البحث عن الحقيقة. ثم لينتقل في المقطع ذاته الى المعادلة السياسية التي لا تنفصل عند شاعرنا عن معادلة الحزن والحب والحياة والسياسة إذ يعيد التأكيد:
اكتبي لى
تعب القلب من الساسة والتطبيع
من حرب المراحل
هنا يريد شاعرنا ان يؤكد تعبه من الساسة وانكسار المراحل طالبا الهروب اليها الى كلماتها، ولكن في الان ذاته اعلان الهروب هذا يؤكد حقيقة حتمية هي فضح هذا النهج السياسي أو ذاك، من خلال الاشارة الواضحة والصريحة إلى التعب من الساسة ومن حرب المراحل، أليسة حرب المراحل وقودها الناس فكيف لا يعلن الشاعر سخطه؟! لكن تعدد اوجه الحزن أو انفجاره من الواحد الى المتعدد من الذات الفردية الى الذات الجمعية يأخذ ابعاده الانسانية الشمولية كما هو واضح هنا:
يغطيك حزن،
على ناره تبصر الدرب، تدرك لون
امتداد المسافات
حين يجوع الهلال الخصيب
ونأكل من بلح كان فيها الجزيرة
تشبثت بالارض حتى لينبض فيك التراب،
وتمسك جذرك خوف السقوط
كأنك صوت ضمير الزمان
الذي قد تغذى ضميره.
رأيت الذي لا يري،
وزعوك على الارض. (28)
تكثيف الحزن وتكثيف التحدي
إن حزن شاعرنا ليس حزنا عاديا، خاصة وأنه ينجبل بحرارة الحلم، انه حزن تكثف ليتحول الى معنيين وشكلين، الاول (رداء) والثاني (النار) أو لنقل رداء من النار ويلاحق شاعرنا المعنى إذ على ناره تبصر(أنت) الدرب وتدرك (أنت) لون امتداد المسافات. وكأني به يريد أن يقول ان حالة تكثف الحزن هذه وتحولها الى رداء من نار تجعلك تبصر الدرب.. دربك بوضوح وتدرك ايضا خطواتك في امتداد المسافات.. ولكن ترى متى ذلك!..إنه "حين يجوع الهلال الخصب" وينبض فيك التراب.رغم ان المعنى المعروف والتقليدي أن يقال وتنبض أنت في التراب.. ولكن شاعرنا كسر سبيل الصوغ التقليدي ليأتينا بصوغ جديد تحول فيه الشاعر الى قلب كبير أكبر من البلاد، وبدأ التراب ينبض فيه وهذا المعنى له تماثلا في الامتداد الملاحظ في قصيدة عبد اللطيف عقل. كأنك صرت ضمير الامان وكذلك "رأيت الذي لا يرى"، "وزعوك على الارض" وهذا التوزيع ليس بالمعنى السلبي إذ تتفتح الالته في "ينبض فيك التراب" إذ حينما هم وزعوك على الارض.. نثروك ليمزقوك ويشتتوك لكنك أنت تحولت الى قلب أوسع من الارض وأصبح التراب ينبض فيك.
يرتفع هنا شعور التحدي الى أقصى مدى ليجد ضالته او التعبير الواضح عنه في طرق المعادلة السياسية بالصوغ الشعري مباشرة ولكنه لا يتخلى أبدا عن حبيبته ليلى، او سلمى، مهما حاول ادارة ظهره لعواطفه يظل مشدودا اليها وفيها. ان من العسير فصل شحنة العاطفة عند شاعرنا عن شحنة التمرد السياسي والتحليل الفكري في معظم نتاجه الشعري:
«وسلمى» كما خبرتها الاجنة فرعاء
كالشجر الغض
تغسل خلخالها في دم المتوسط وهي تغني
لفرسانها الشهداء (29)
هنا تتجسد جدلية الحزن والتحدي في معادلة السياسي والعاطفي، وتعانقها في التجربة الشعرية التي تنفرد على براءتها وحزنها لتشكل إرثا خصبا لشعب. وانفجار الحزن الى أقصى مدى عند شاعرنا يتأتي في دلالات القصيدة التي تسعي الى انزياح المباشرة لتحل محلها خطابات المعاناة العميقة للتجربة الانسانية:
تحزم بالحب
واشتط في عشقه شجر الخوخ والملصقات (30)
الخصوصية الفلسطينية في إرث اله لآلات
إن الخصوصية الفلسطينية لا تغيب في ارثها ودلالاتها ومعطياتها اللغوية والروحية أبدا مهما حاول شاعرنا تجنبها لهذا السبب أو ذاك، إذ تظل تنبض فيه كروحه، انها خصوصية تتألف من تناقضات الواقع وتجربة الارث، وهناك خصوصية للحزن تتسع لتشمل الاشياء والوقت والطير..وفي الحب يتسع الكون وتتسع التجربة والمعاناة الخاصة ليصبح المعطى الحسي في القصيدة اكثر ارهاقا لما تحتمل وهذا شأن معنى الشعر الفلسطيني بعامته وذلك نتيجة المعاناة.
"تذكر سلمى وغص بدمع التوجع، ما كان
يحتسب الفرق بين الحمائم والطائرات
فان الصغار يشاؤون في الحلم الغض
لو تطلع التربة العشب في غير أيامه
الشاتيات ويغلب لؤم الرصاص غناء البلابل" (31)
هنا تنفلت مناقشة أو "حوارية" كما يروق لشاعرنا ان يسميها، مناقشة أو حوارية الهم الوطني في دائرة الرؤى الكونية ويجد الشعر مسيله العريض للانطلاق في حواره مع العالم وشعوبه وهي ميزة الشعر الخالد:
"وأدركه الوقت يربطه حول خصر المراحل
يجمع بعض العصافير يخطب فيها، يدربها
انه لن تعيش الشعوب التي لا تناضل" (32)
لكن تأسيس النشيد الفلسطيني، تظل مفرداته وتفاصيله لازمات أساسية في شعر شاعرنا، بل ونقطة انطلاق من معنى التجربة الحياتية الخاصة سواء الوطنية منها، أو العشقية الى المعاني الكبيرة والانسانية الشاملة في الحياة.
نما في المخيم شيء
وقارن بين الخيام
ووزع ألوانها واالغسيل المعلق والطين
والزنك، ثم اشتهى البحر والسمك الحر
في البحر
خبز الكرامة. (33)
وفي تجذير وتأصيل لهذا المعنى سالف الذكر، رغم ما تشوب لغته من ميراثات شعرية الستينات الا أن معانيه ورؤاه في القصيدة تقدمت على زمنية القصيدة بكثير من السنوات:
تذكر تلك المواويل تجرح خاصرة الليل
هذا زمان رديء
تهاجر فيه المواويل من صوتها
والعصافير من ريشها
والسراج من الزيت
ما عاد يفهم معنى نزيف الجراح
ولا كيف يعشق عربي الثياب العراء (34)
لكن هذه الوثبة لا ينقصها أبدا رجوعات الى منعطفات المعاناة التي تشوش في أحاسيس شاعرنا حتى النخاع، كأن قبيلة من الشعراء تعيش بداخله.وتأصيل المعاناة يأخذ عند شاعرنا ابعادا أكثر اشراقا وذلك من خلال التداعي الى الاصول، والبدء للأشياء والمعاني:
"وجاءت عصافير أحزانه تتلوى من البرد
والجوع
تصرخ ان الصباح يجيء
اذا انفجرت في الخيام الدماء"(35)
والابتداء من الصحو ومن دهاء المخيم الاول، او الاولي هو ابتداء التاريخ الفلسطيني لكن هذا التاريخ إذا ما حاول الشعر تأريخه فإن شاعرية د. عبد اللطيف عقل تنطلق به منذ عيسى بن مريم
(هكذا يريد له الابتداء:
"ينام المخيم
والارز متكأ ويسوع بن مريم في الجوع
قبل اهتزاز جذوع النخيل" (36)
ومن هذا التداخل الزمني في أرضية القصيدة تنطق معادلة اعادة الثقة مع الاشياء بعد فقدها رغم كل الحزن والتشرد والاغتراب واحتدام المعركة:
يقوم المخيم
ان القيامة عشق
وان الحمامات من سور عكا (37)
لكن اشتعال النشيد بهذه الحرارة الصاخبة يستتبعه بالضرورة تماه مع المكان رغم الخروج القسري من الامكنة..وأن الامكنة لا يتحقق شرط وجودها واستمراريتها..الا بالتماهي معها وفيها.
في كل ساعة صدق تصير الخرائط ضدي (38)
وفي معادلة الخروج من الامكنة والتماهي معها كذلك،تتجلى سخرية الوصول عبر زمن صعب تتنافر فيه الاضداد وتنسلخ القيم..ولكن المعنى الشمولي يتواصل في المعنى وفي لغة الضد من جهة أخرى على نحو خشن وحسي ومباشر (أشبه بأسلوب الشنفرى) ثم (معين بسيسو) كتيار كهربائي يعري اتزاننا.. واتزان الخطي في مسالك الحياة:
ان الخليفة
يحفظه الله – طرز بعض قصائدكم
عند كم عباءته الفاخرة (39)
وكذلك:
لك الأجنحة
وتعوي رياح السموم وريشك يحفر صورة
بيروت بالفحم (40)
وفي المعنى الاشد خشونة:
لك الاجنحة
لك الاضرحة
لك الاسلحة
وللآخرين القعود بدار الاذاعة تربكهم
حاسبات المخاوف والمصلحة (41)
الا ان دائرة خشونة اللفظ والمعنى تتسع أكثر لتصبح شاهدا مطالبا بالصراخ والاتهام في وجه الطغيان، الظلم والفساد والنقمة عليها.
كأنك وحدك فيك الطريق السوراء
لك الفقر والفقراء
وللاخرين التجارة في دمك المسباح
والاخرين الثراء (42)
الهيجان الشعري والسفر في المفارقة
وبعد هذه الثورة العارمة من الهيجان الشعري والانتقال التدريجي في القصيدة من الحزن ثم المفارقة الساخرة الجارحة، ثم عجن الحزن العشقي بالحزن السياسي والهم الوطني، ثم انفجاره ضد الظم والطغيان يبدأ الرجوع الى الملاذ الاخير أو النجاة الاكيدة "المخيم" ولن يعطش المتوسط حين يجن الشتاء ثم يتأصل الخطاب ويتخصص على نحو جلي في تواصله المتصاعد لتصوير الاجتياح الإسرائيلي لبيروت في يونيو 1982 ضد الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية:
لقل غافلتك المسافات
حطت على رأسك القاذفات حمولتها.
والكل يعرف مدى شراسة وعدوانية وكثافة القصف العدواني الإسرائيلي على مقاتلي الثورة الفلسطينية وابناء الحركة الوطنية اللبنانية في العام 1982. وبعد تصوير الحصار العدواني هذا يختزله شاعرنا بلمعة فنية ذات مضمون بعيد وعميق في ان عبر كلمات بسيطة لا أجمل:
"ومن عجب أن يطيل المحاصر عمر الحصار"
ثم لايني.. يلتقي النشيد بلحمة الإنسان الفلسطيني الأول بين قطبي الأرض ليستقر هيجانه وتهدأ روحه إذ يقول:
لك العربات تطير بها الخيل
من هضبات الجليل، الى سهل غزة (44)
لكن سرعان ما تنتشر هذه الروح على الجغرافيا، جغرافيا من عواطف واحزان واشجان وألم وفرح ودموع وشوق أمومي..إنه الالتجاء إلى الأرض عبر سبر الجغرافيا، وزرع الارث الخالد فيها على شاكلته في الروح:
تحررت من زمن ضالع في البذاءة
ليس يسمي الطيور بأسمائها
واخلت زمان التجانس بين البحار وروادها
كيف يدخلك البحر (45)
وهذا الالتجاء إلى الأرض يسعى إلى بعثها من جديد بعيدا عن المذابح، وعبر المناجاة والارتباط بذرات التراب من خلال خيوط النسيج الذي يتشكل من الحب وتحطيم نشيد الاغتراب وكل ما هو معاد للانسان من أجل الإنسان وقيمه ومثله وتاريخه وحضارته، بعيدا عن انكسا رات التاريخ، فتارة يتواصل الحب، وتارة تتواصل المحاولة لكل ما هو شاذ وسلبي وعدواني في الحياة وتارة يتواصلان معا عبر انفراد المفارقة الواخزة للضمير وللروح وللوجدان الى أن يصل الأمر في النهاية إلى القرار الأخير بعد محاكمته:
لقد كنت أعرف ان الجماهير
ليست تنام على الظلم
قل كنت أعرف
أن ليس يحكم هذا الوجود الثبات (46).
ويتواصل النشيد هادرا تارة ومشرقا عذبا تارة أخرى ونائحا مرصعا نجوم السماء وبدمعات الوجد والعشق لتكتسب المفارقة عبر كل ذلك انسكابا طفوليا في الطفولة التي يتركها شاعرنا في حالة عناق مع المفارقة الذي يسعى بين فينة وأخرى الى تحليلها فتارة يصور المشهد من الداخل، وتارة أخرى يرى المشهد الفلسطيني من الخارج ثم عودة للتاريخ..الى أن ينتهي به المطاف في نهاية القصيدة على أجنحة ترنيمة الطفولة.
أقول لكم -أيها الصبية الوادعون وقد
هل فى الزمن الصعب -أن تحفروا غرف
الدرس في الصخر
ان تبصروا بعيون البنادق كل المشائق (47)
انتشار في المدى ومعانقة الحزن
وباختصار أن "حوارية الحزن الواحد" تجسد حالة انتشار في المدى المفتوح معانقة الحزن العربي عبر دهاليز الاغتراب ثم اغتراب الاغتراب الذي يصل المفارقة بسخرية الواقع ومحاولة تحليل كل منهما في المعاناة التي لا تنجو، ابدا، من المحاكمة ولعنة الانتقام..تأسيسا على عودة للتاريخ وتجاربه ويتواصل الرفض في منهج جدلية السخرية من الموعود الى ان يدخل حيز الاسطورة والسفر فيها الا ان الرفض والتحدي كلازمة دائمة تظل ترافق هذه المعاني كالإيقاع في اللحن الموسيقي وبعد كل هذا وتعرية الواقع أيضا يتم اللجوء الى فاطمة = فلسطين التي بدورها تقوده من يديه فاردة أغصان روحه الى حيز التنبؤ بثورة أطفال الحجارة.
وحاولت أرسم صورة شعب تشرد
جاع، تعلم طعم الكرامة، حاول
قيد المدللة حتى انكسر
تساقط في لغتي النفط مستلبا من
جياع الخليج، وعاد الى رحم الارض،
تحت الجزيرة يخفي ملامحه خجلا
وهو يشهد طفلا بغزة يقضي
وبين اصابعه زهرة أو حجر (48)
"حب لا يعرف الرحمة"
وتصاعد الدلالات والاحتمالات
في ديوانه "قصائد عن حب لا يعرف الرحمة" يمضي شاعرنا في التأكيد على القيم الانسانية النبيلة وهذا أول ملمح يلاحظ من خلال عنوان الديوان فتقرير يته انه حب لا يعرف الرحمة، كان يشير أولا الى عظمة هذا الحب وطغيانه على انسانية الإنسان. أما خلوه من الرحمة فهذا شرط اضافي يضيفه شاعرنا الى صدق الانسان مع ذاته ومشاعره وقيمه، وما أحوجنا كبشر الى التأكيد على القيم الانسانية النبيلة والتي يجسدها ويلخصها "الحب". ولكن هذا الحب ليس مقطوع الجذور، ولا هو وليد سراب طاف في سماء مخيلة شاعر، انه ارتباط بالأرض..الوطن كجغرافيا..وتاريخ وضياع مدن ودفاع أرواح انسانية عن قيم نبيلة في هذا المعترك. من هنا تأخذ صيغة الحب بوحا واسعا لتعدد المعاني والدلالات للمفردة الواحدة كما نلحظ في قصيدة يوميات عاشق، ثم لايني يعيدها الى المعادلة عن قصد ودراية لتنسجم مع اوجاع وسهر المناجاة تحت خفق الرؤيا، وهذه القصدية بهدف مغايرة المألوف والسائد..حينما يتحول المعنى المألوف الى الضد في المعادلة مثل ما هو ماثل في:
أول الحب،
أن نكون القرابين،
فيلتف بالكوى الزيزفون.
أحمل الحب،
والتراب صليبي،
والهوى سيدي فكيف أخون (49)
وانفراد المعاني للمفردة الواحدة كالحب علئ فضاءات مفتوحة الدلالات أدى بشاعرنا إلى الانتقال الى المحسوس غير المجرد عبر الطبيعة ثم المضى قدما والعودة الى الماضي وتحليله ومحاولة تصويره فنيا عبر اللغة، لغة شاعرنا بكل زخمها وألقها وانفتاحها على المعاصرة والارث المحكي وهذا طبعا قاد الى الاسطورة بمعناها الشامل وابتدأ لغة حوار مع الاشياء الى الاشياء كما هو حاصل في:
ما قام تموز القتيل
ولم يزايلني الجفاف
ولم يجيء عيسي المخلص
لم يجيء يوم الحساب
لم تهرم الاشياء
بعد رحيلك الشتوي
لم تصغر ولم تكبر
وظلت كالسؤال بلا جواب (50)
ويظل ينبض هذا الحب كاحتمالات لحالات وجع وانشداه عبر دهاليز الضياع في الحب، وهو ضياع أخاذ، انه ضياع الوجود ألم يكن قيس موجودا في امر ساعات ضياعه:
بعد ارتحالك لم يمت قيس
وليلى لم تزل في السوق
تستجدي عبور خيامه
وعلى ضفائرها بساطير الجنود
العربي ينغل بالذباب.
لم ينتخ الشرفاء
بعد رحيلك الشتوي
ليلى تستجير ولا تجار
وصدرها العربي يزرع بالحراب (51)
وتتوالى ايحاءات البوح الشعري والصوغ متعدد الاشكال في مجموعة شاعرنا د. عبداللطيف عقل "قصائد عن حب لا يعرف الرحمة" لتشكل اختزالا واضحا لتجربته الشعرية السابقة عنها، وترسم كذلك أفاق وسبل انفجارات أخرى سنلحظها فيما بعد خاصة لجهة تكثيف المفارقة والاغتراب كما في ديوان "الحسن بن زريق مازال يرحل" وفي ديوان "بيان العار والرجوع" بشكل عام. وإذ تتكثف المفردة الشعرية وتخرج عن الاطار التقليدي للمعني المحدد لها فإننا نلحظ هذا متجسدا بوضوح جلي بل وأكثر من ذلك يصل الى درجة الالغاز كما في قصيدة جديدة عن رحيل قديم. انها قصيدة ملغزة..موحية تنتشر كما المطر على أطراف اثواب الرحيل. وهي تجسد كذلك صمود المكان امام تقلب الانسان وقلقه.وينطق فيها من التصوير لحالة غير محسوسة أو مجسمة في الواقع "الألم" ثم ينتقل الى المحسوس، ثم الى صمود المكان:
بعد ارتحالك،
ما تغير شكل قريتنا
ولا شكل الروابي. (52)
ثم يعود الى المحسوس غير المجرد وعبر الطبيعة "الطير" ثم الانكفاء الى الماضي ودرس وتحليل التجربة:
"لم أرتكب اثما
ولم أكفر
ولم اسهر
ولم أحلم بواحدة
وما أنكرت ما بي" (53)
انه حقا حب صاعق، متفجر، مميت، انه حقا حب لا يعرف الرحمة ذاك الحب الذي يترك ضربته كبقع زرقاء وحمراء تحت الجلد وفوق الجلد فوق حاجبي العيون وعلى الحياة، انه حب يصعق كضربة الكهرباء وبرصاصة واحدة.
ما أعذب هذا الحب وما أعمقه واقساه ولكننا نعيشه مع شاعرنا حتى آخر نامة فيه، ربما لم يحتمل قلبه هذا الحب، لذلك وقف قلب شاعرنا فجأة وهو في غمرة عطاشه وهيمانه وهيجانه في هذا الحب الجنوني الأخاذ ولكن قبل أن يقف القلب..وتجف العروق انه أعطانا صورا وملامح وتفاصيل هذا الحب تارة مكتوبة بالخط على جدران القلب، وتارة أخرى مكتوبة بالدم على جدران الروح وتارة أخرى مكتوبة بالفحم الاسود المحروق على جدران الزنزانات. انه حب لا يعرف الرحمة ينقاد فيه المرء، أو يجد نفسه منقادا دونما أدنى تساؤل، انه أشبه بالضربة الصوفية والارتباط الروحي الكلي بحالة هيمان، حالة حب تصل الى حدود النشوة القسوى حتى في سؤال العذاب:
رنخيني بالحب نشفت قلبي
زمليني افتقدت دفء المودة..
انت في يقظتي حضور أريحا
وعلى الليل شط عكا المخدة (54)
فلنتأمل هذه الصورة المشوقة. هذه الصورة التي تخلخل موازين وضعية الجغرافيا حينما يمتد جسد العاشق من اليقظة..الى الليل ومن حضور أريحا..الى شط عكا هنا تتوالد حالة تماهي مادي مع جغرافيا الوطن..مع التراب كمعطى دلالي ووجودي لهوية تمتد من اليقظة بكامل معرفيتها الى الليل بكل احلامه وأماله وامانيه ثم تمتد ايضا من حضور أريحا، أريحا الواقفة بكل ألقها ولمعانها.. الى شط عكة التي هي موضع الرأس "المخدة" هنا اكتمل الجسد من أريحا الى عكا انه بيان واضح وصريح بيان لا لبس فيه ولا يراد له تفسير.
لكن معادلة شاعرنا الابداعية لم تفلت من يده خيوطها أبدا وظل امينا لها وصادقا في رسم معالمها ونسج خيوطها مهما تعددت الافكار والمواضيع المطروحة داخل النص الشعري..فالاغتراب وصل ذروته في النص الشعري لدى شاعرنا واعتقد انه كان كذلك في الواقع، رغم انني لم انل شرف معايشته في الوطن..الامر الذي حتم عليه ان يفرد مجموعة شعرية بكاملها لتصوير حالة الاغتراب هذه "الحسن بن زريق مازال يرحل" وذلك عبر استحضاره الاسطورة البغدادية للحسن بن زريق، ولكن شاعرنا خلق تماهيا بين ذاته وذات الاسطورة تماهيا انتشر من الذات الفردية الى ذوات المجموع وأطرها "أي الاسطورة" وحاكها كما عاشها هو، لا كما عاشها "الحسن بن زريق" وهنا تكمن براعته في توظيف الاسطورة، اسطورته هي التي اخذت معاني ودلالات كان اغتراب الحسن بن زريق البغدادي جزءا يسيرا من اغتراب عبد اللطيف عقل الفلسطيني:
فيا وجه أمي المغمس بالوقت
والطين، قل لي، متى كنت هذي
التجاعيد، كيف أتتك الغوايات
من أين جاءك
هذا الحوار؟! (55)
لقد كان اغتراب الحسن بن زريق البغدادي عن المكان وعن الحبيبة.. ولكن غياب عبد اللطيف الفلسطيني كان عن كل شيء ليتجسد في كل شيء أيضا لنسمعه:
تهاجر بعض العصافير
قبل الصقيع
وتحمل أوطانها في المناقير زهوا
تقول اهازيجها
ويدب الحنين بأهدابها
المتعبات
تعود محملة بالقصائد والنفط
والبلح المز، تصرخ:
أن البلاد السبية، مثل النساء
السبية، حبلى بأطفالها الواعدين. (56)
فالأشياء والطيور والانسان كلها تدخل حيز الاغتراب للتجسد في الواقع..او لمحاولة التوازن في الواقع، الم يقل ارنست فيشر في كتابه "ضرورة الفن" ان الفن يعطي توازنا حقيقيا للإنسان كي يستمر في الحياة. ويؤكد أيضا أن الفيلسوف الالماني جيته لو لم ينحر بطل الرواية "فارتر" في نهايتها، لأنتحر هو فعلا في الواقع.. لذلك عندما تهاجر طيور فلسطين تحمل الاهازيج في المناقير والحنين في الاهداب حتى تستطيع أن تعيش، إذن اغترابها مشروط بالاهازيج في المناقير والحنين. وكأنها فضاؤها الذي تعيش فيه. مثلما أن فلسطين بأهازيجها وحنينها فضاء شاعرنا اولا والاخير.
خاتمة
من العسير بمكان على الناقد استحضار كل الخطوط بتعددها وتشابكها في قصيدة الشاعر د. عبد اللطيف عقل، في دراسة واحدة انه شاعر مسكون بمجموعة شعراء وقصيدته قد هضمت عشرات القصائد في جوفها الا اننا كاستكشاف سريع نلحظ ان البنية الايقاعية لقصيدة شاعرنا مشحونة الى أقصى مدى بأجراس موسيقية قصيرة التفعيلة تلك التي نشأت في نهاية الاربعينات واستمرت حتى يومنا هذا وكانت قد اكتسبت زخما هائلا وكبيرا وتعددا لأصوات الايقاعات في رحلة الستينات التي اعطت النماذج الشعرية العربية الاولي أو ما اصطلح النقد على تسميتهم "لرواد". رغم انه لا ريادة في الشعر لانه وبكل بساطة قد يقول شاعر من خارج دائرة الرواد "إني لآت بما لم تستنعه الاوائل" من هنا يعتبر شعر د. عبد اللطيف قد حمل جديدا وتجديدا في البنية الايقاعية لقصيدة الستينات إذ طورها داخل رؤيويته الشعرية في ملمحين اساسيين.
الاول على الصعيد الشكلاني: إذ انه غذ السير دؤوبا في تنشيط روحية الايقاع
هلا بالغضب
وعصير العنب
والنساء اللعب (57)
فكأنك تحس ان حسا ايقاعيا خاصا في عروق الكلمات، لا هو من ارث الايقاع الستيني تماما ولا هو من إرث العمود الشعري للخليل بن أحمد الفراهيدي تماما، انه في نقطة وسطى بين الايقاعين، وكأنه يتوافق مع الايقاع السماعي الخفيف في الموسيقى. والملمح الثاني هو الذي نما وترعرع في مسيرة د. عبد اللطيف عقل الشعرية داخل بنية المضمون بحيث ان مفردة واحدة مثل "هلا" تأخذ عدة معان وسياقات في ايحاءات الصوغ فـ"هلا" الذي للغضب، هي ليست ذات الـ"هلا" التي تخص عصير العنب وهذه الثانية، تختلف في معناها عن معنى الـ "هلا" التي تخص النساء اللعب. وكأن كل هلا منهن انفردت بمستوى معين من الجدية، هذا المستوى تدرج من مستوى الغضب وهو المستوى العالي، ثم الاوسط في عصير العنب ثم المستوى الخفيف الاقرب للمرح والحذلقة في النساء اللعب. هذا التجديد في اعطاء المفردة الشعرية دلالات غير محددة يدخل النص الشعري، لشاعرنا بعامته في حيز الدلالات التجديدية او التحديثية، تلك الدلالات التي تنفتح على مدى واسع من الاحتمالات والمعاني. وذلك بالضرورة يستتبع جدلا في القراءة وتعدد أوجهها لصالح الانساني، والشعري، والفني بامتياز.
وفي الاطار ذاته حول تعدد الدلالات في الصوغ الشعري عند شاعرنا د. عبد اللطيف عقل سأوضح الامر بمثال، على نحو أكثر جلاء لو أخذنا هذا المقطع:
هلا بالذي نام في شامة الشام
مندهشا بنساء العراق (58)
كيف يمكن أن نقرأ هذا ا؟! للاجابة عن هذا السؤال هناك اكثر من احتمالين للقراءة، فمثلا نستطيع تركيز الصوغ على النحو الأتي، هلا بالمندهش الذي نام في شامة الشام وكان مندهشا بنساء العراق، أو هلا بالذي كان مندهشا بنساء العراق ونام في شامة الشام أو: هلا بالذي نام وكان في شامة الشام مندهشا بنساء العراق….الخ
وهذا التعدد الدلالي للصوغ الشعري يفتح أعيننا على قراءات متعددة ومتنوعة وهذا التعدد والتنوع يفضي بنا أولا وحتما الى متعة التقصي والبحث التي هي اساسا غاية كل أدب عظيم. وتفتح جدل السؤال أمام فضاء الاحتمالات، هذا الفضاء الذي يحاول الشاعر دائما وفي كل قصائده ترصيعه بالنجوم اللألاءة المضيئة، ليترك لنا امكانية درجة ضوئها وتحديد ماهيتها وابعادها. ولتوضيح جدل المعاني في تعدد الدلالات لنأخذ هذا المثال الاخر يقول شاعرنا:
قناديل على الشرفات، غازلها
نسيم الليل، فضت من بكارتها
بكارتها وأغوت شعرها الاشواك (59)
لنرى الى تعدد القراءات والاحتمالات المرئية في المقطع أولا:
قناديل، فضت بكارتها بكارتها
على الشرفات في نسيم الليل،
وأغوت شعرها الاشواك
ثانيا: قناديل غازلها نسيم الليل
على الشرفات التي فضت من بكارتها
بكارتها واغوت شعرها الاشواك
ثالثا: قناديل أغوت شعرها الاشواك
غازلها نسيم الليل، فضت من بكارتها
بكارتها على الشرفات.
رابعا: قناديل على الشرفات
التي فضت من بكارتها
بكارتها في نسيم الليل
واغوت شعرها الاشواك…. الخ
إنها تعددية ناضجة تفتح باب السؤال على مصراعيه ليضم بدوره عددا من الاسئلة المقلقة والمحيرة التي إذا ما أخضعت بالتفصيل عبر دراسات نقدية مطولة، فإنها تفتح السبيل واسعا لقراءة ليس شعر د. عبد اللطيف عقل وحسب – وانما قراءة الشعر الفلسطيني برمته.
لكن هذه التعددية في التناصية الشعرية عند شاعرنا ينسكب في روحها الق التجربة ووهج المعاناة وحرارة الروح تلك الوثابة الى ابعد من حيزها المعطى زمانيا ومكانيا لتفجر الاسئلة الكبيرة والمعلقة بشيء من الفلسفة وشيء من الروح بالاضافة إلى الكثير من المعاناة والشعر لتجسد لنا العالم في شعر عبد اللطيف عقل كما ينبغي ان يكون وليس كما هو كائن.
ثمة شيء أخر على غاية في الاهمية في شعر د. عبد اللطيف عقل وهذا يتجسد في جل نتاجه الشعري وهو انجرافه وانحيازه الى استخدام المفردات العامية هذا الاستخدام، حتى لا يفهم على غير المقصود منه لقد جاء بوجهين. الاول: انه استخدمها لاعطاء المعنى الشعبي المضيء في اللغة المحكية ثوبا لغويا جديدا أو انيقا وبالتالي اكسبا الحياة لأمد طويل قادم. أما الوجه الثاني: فإنه استخدم المفردات العامية لتطوير المعنى والمبنى اضافة لشكلانيتها كلفة في النص الشعري مثل (عفر وجهي) (يدلح العطر) (ادلحي شهواتك في حلقي، وبذلك قد اعطاها دما ونبضا جديدين للاستمرارية والتواصل، لأننا كما نعلم جميعا أن الكثير من المفردات العامية والتي لها أساس في اللغة الفصحى إذا ما أعطيت صوغا خاصا وسبكا جديدا مثل ما هو متوافر عند شاعرنا فإن مفاصلها تتخشب وتقف مع السنين.
الهوامش والمصادر
1- وليم راي، المعنى الادبي من الظاهراتية، ترجمة د. يوئيل يوسف عزيز، دار المأمون للترجمة والنشر وزارة الثقافة والاعلام بغداد. (ط1) ص 17.
2- المصدر ذاته ص 19
3- أبو ديب، كمال، الواحد والمتعدد البنية المعرفية والعلاقة بين النص والعالم، "فصول" المجلد الخامس عشر العدد الثاني صيف 1996- الهيئة المصرية العامة للكتاب ص 43.
4- تجربة الوجود والكتابة عند التوحيدي. سالم حميش، فصول المجلد الرابع عشر، العدد الثالث خريف 1995. ص 63.
5- شواطئ القمر، منشورات مكتبة الحياة، بيروت 1964.
6- "أغاني القمة والقاع" منشورات مطبعة الحكيم -الناصرة 1972.
7- "هي أو الموت" الناصرة 1972 ط1.
8-قصائد عن حب لا يعرف ائرحمة، عمان مكتبة برهومة 1990.
9- "الأطفال يطاردون الجراد" لم أتمكن من الحصول على هذه المجموعة رغم البحث المتواصل، واتصالي بعائلة الشاعر التي وافتني مشكورة بنتاجه.
10- حوارية الحزن الواحد، منشورات مؤسسة العودة، المكتب الفلسطيني للخدمات الصحفية -القدس 1985.
11- الحسن بن زريق ما زال يرحل مطولة شعرية، منشورات الرام القدس 1986.
12- "بيان العار والرجوع" اتحاد الكتاب الفلسطينيين – القدس 1992.
13- مجموعة "هي أو الموت" مصدر سبق ذكره ص 9.
14- مصدر سبق ذكره.ص 11.
15- مصدر سبق ذكره ص 15.
16- "هي او الموت" ص 15.
17- "هي أو الموت" ص 23-24.
18- "هي أو الموت" ص 25.
19- "هي أو الموت" ص (20-31)
20- "هي أو الموت" ص (59-60)
21- "هي أي الموت" ص (11).
22- "هي او الموت" ص (61-62)
23- "هي أو الموت" ص (71).
24- محسن اطميش "مداخلة تأصيلية لرؤية النص الشعري" فصول مجلة النقد الادبي المجلد الخامس عشر العدد الثاني صيف 1996 ص 25.
25- د. عبد اللطيف "حوارية الحزن الواحد" منشورات مؤسسة العوري المكتب الفلسطيني للخدمات الصحفية – القدس ص 19-30.
26- "حوارية الحزن الواحد" المصدر نفسه ص 31.
27- "حوارية الحزن الواحد" المصدر نفسه ص 32.
28- "حوارية الحزن الواحد" المصدر نفسه ص 44-45.
29- "حوارية الحزن الواحد" المصدر نفسه ص 53.
30- "حوارية الحزن الواحد" المصدر نفسه ص 55.
31- "حوارية الحزن الواحد" المصدر نفسه ص 56-57.
32- "حوارية الحزن الواحد" المصدر نفسه ص 62.
33- "حوارية الحزن الواحد" المصدر نفسه ص 57.
34- "حوارية الحزن الواحد" المصدر نفسه ص 68-69..
35- "حوارية الحزن الواحد" المصدر نفسه ص 71-72.
36- "حوارية الحزن الواحد" المصدر نفسه ص 74.
37- "حوارية الحزن الواحد" المصدر نفسه ص 79-80.
38- "حوارية الحزن الواحد" ص 87.
39- "حوارية الحزن الواحد" ص 88.
40- "حوارية الحزن الواحد" ص 94.
41- "حوارية الحزن الواحد"
42- "حوارية الحزن الواحد" ص 99.
43- "حوارية الحزن الواحد" ص 105.
44- "حوارية الحزن الواحد" ص 107.
45- "حوارية الحزن الواحد" ص 112.
46- "حوارية الحزن الواحد" ص 128.
47- "حوارية الحزن الواحد" ص 146.
48- "حوارية الحزن الواحد" ص 165.
49- قصائد عن حب لا يعرف الرحمة، مصدر سبق ذكره ص 50-52.
50- قصائد عن حب لا يعرف الرحمة، مصدر سبق ذكره ص 31
52- قصائد عن حب لا يعرف الرحمة، مصدر سبق ذكره ص 32.
53- قصائد عن حب لا يعرف الرحمة،مصدر سبق ذكره ص 30
54- قصائد عن حب لا يعرف الرحمة، مصدر سبق ذكره ص 55-56.
55- الحسن بن زريق ما زال يرحل مصدر سبق ذكره ص 48.
56- الحسن بن زريق ما زال يرحل مصدر سبق ذكره ص 49-50.
57- بيان العار والرجوع مصدر سبق ذكره ص 40.
58- بيان العار والرجوع مصدر سبق ذكره ص 47.
59- بيان العار والرجوع مصدر سبق ذكره ص 131.،
فيصل قرقطي (كاتب من فلسطين)