الظاهرة الموسيقية بطبيعتها ظاهرة بالغة التعقيد، من حيث تاريخها أو نشأتها، ومن حيث آثارها الاجتماعية والتربوية ودلائلها الحضارية والقومية، ومن حيث تنوعها وارتباطها بغيرها من الفنون. فالموسيقى لم تنشأ كفن مستقل بذاته كالشعر مثلا، ومع ذلك أصبحت أكثر الفنون استقلالا: فقد كانت الموسيقى فنا تابعا نشأ مصاحبا للغناء أو الرقص الذي كان القدماء يمارسونه في احتفالاتهم الدنيوية وطقوسهم الدينية. وحتى في العصر الوسيط كانت الموسيقى عنصرا مصاحبا للأناشيد الدينية التي تمارس داخل الكنيسة، حيث جرى ما جرى عليها من تطور الى أن خرجت الى مجال الحياة الدنيوية لتلقى أطوارا أخرى. ومع تطور الموسيقى – وخاصة مع موسيقى الآلات instrumental music أصبحت الموسيقى فنا خالصا قائما بذاته له وسائله التعبيرية الخاصة التي يستغني بها عن سائر الفنون ولا يستغني أكثرها عنه، فحتى الفنون التي لا تستفيد من الموسيقى أو تستعين بها على نحو صريح مباشر، لم تتحرر من التأثر بأسلوب التعبير الموسيقي الذي أضحى مثالا وغاية لسائر الفنون باعتباره تعبيرا مكتفيا بذاته لا يعتمد على شيء من الواقع أو الطبيعة.
ورغم أن الموسيقى لم تنشأ كفن مستقل بل كفن تابع، فأن مكانتها عند القدماء -مثلما هي عند المحدثين والمعاصرين – ظلت مكانة رفيعة، إذ فطنوا الى عمق تأثيرها النفسي والاخلاقي والاجتماعي، فها هو ذا فيثاغورث – يرى أن "الكون في مجمله عدد ونغم" وأن النظام والانسجام الذي نشاهده في الكون وفي دورات السماء يشبه النظام الذي نشاهده في الموسيقى، فضلا عن ضرورتها لانسجام النفس وتطهيرها. وها هو ذا أفلاطون في محاورة "الجمهورية" يبين لنا أهمية التعليم الموسيقي ودوره في تربية النشء، حتى إنه كان يحث على مقامات موسيقية معينة واستبعاد أخرى مما يكون لها تأثير أخلاقي ونفسي ضار (1) وقد كان هذا واجعا أيضا الى تصور افلاطون للنفس على أساس من مفهوم الانسجام الرياضي. وهكذا يمكن القول بأن التصور النفسي والأخلاقي للموسيقى لدى فيثاغورث وأفلاطون هو تصور مبني على أساس من تصور فيزيقي – رياضي للكون باعتباره نظاما منسجما. وهذا هو ما دعا اليونان الى تأسيس النغمات الموسيقية السبع باعتبارها تماثل الكواكب السبعة (2). أما في عصرنا هذا فقد قطعت الدراسات السيكولوجية والتربوية شوطا بعيدا في مجال الموسيقى وأصبحت لها طرائقها العلمية الخاصة ومناهجها المعقدة.
وتعقد الظاهرة الموسيقية يبدو أيضا في تنوع وتعدد أشكالها: فهناك الموسيقى المصاحبة للكلمات كما في الأغنية والموال، والموسيقى الدرامية Music drama كما في الأوبرا. وموسيقى الفيلم film music، وهي جميعا الأشكال التي يمكن أن تندرج تحت ما يسمى بالموسيقى الوصفية descriptive music. وفي مقابل ذلك، هناك ما يعرف باسم الموسيقى الخالصة أو المطلقة pure or absolute music التي تندرج تحتها أشكال أخرى تعرف بموسيقى الآلات من قبيل: السوناتا والسيمفونية.
وتنوع الموسيقى لا يرجع فحسب الى تعدد أشكالها البنائية. وانما أيضا الى تنوع أغراضها: فليست كل موسيقى مدفوعة بأغراض التشكيل الجمال الخالص، بل إن أكثرها تدفعه أغراض عملية اجتماعية ونفسية: كالموسيقي الدينية التي تعبر عن الشعور الديني لدى شعب ما (3)، والموسيقى الشعبية والقومية التي تعبر عن شعور وطابع قومي، والموسيقى الجنائزية والعسكرية. وقد تؤلف الموسيقى لأغراض عملية ونفسية يتباين حضها من الرقي والوضاعة: فمنها ما يجلب الهدوء والترويح عن النفس. مما دفع كثيرا من المعنيين بشؤون الطب والصحة النفسية الى دراسة تأثيرها على النفس والجهاز العصبي وامكان استخدامها في العلاج النفسي وعلاج الأمراض الجسمية ذات الصلة بالجانب النفسي (4)، ومنها ما يؤلف لأغراض وضيعة كما في الموسيقى الراقصة والايحاءات الجنسية التي تهدف الى إثارة الشهوات والغرائز. وكما في الموسيقى التي تؤلف لأجل الاستمتاع بملذات الحياة والمناسبات الاجتماعية، ومن أهم الأمثلة في هذا الصدد فيما يذكر برتليمي (5): "الرقصات Les Danceries لكلود جيرفاز، وباليه البلاط في عقد لويس الثالث عشر، وسيمفونيات لالاند التي كان يجري عزفها أثناء عشاء لويس الرابع عشر.
وفضلا عن ذلك، فإن الظاهرة الموسيقية من حيث هي ترددات صوتية ومن حيث هي نسب رياضية، يمكن النظر اليها أيضا باعتبارها ظاهرة فيزيائية ورياضية، ولقد قدم لنا الفيثاغوريون أول نظرية في الموسيقى من حيث ارتباطها بالأعداد والنسب الرياضية.
فكيف يمكن لنا إذن أن نفهم ماهية الموسيقى في ظل هذا التنوع والتعدد في طبيعة الظاهرة الموسيقية نفسها؟ وهذا السؤال يمكن أن نسوغه على نحو أكثر بساطة، وهو كيف نفهم الموسيقى جماليا؟ ذلك أن البحث الجمال في الظاهرة الموسيقية هو في الحقيقة بحث في ماهية الموسيقى من حيث هي فن جميل وتعبير جمالي. ولا شك أن البحث في الموسيقى كفن من الفنون الجميلة هو بحث يمكن أن يستفيد من سائر المبحوث الأخرى في الظاهرة الموسيقية من حيث هي ظاهرة تاريخية أو اجتماعية أو تربوية أو فيزيائية أو رياضية، ولكنه في نفس الوقت لا يستند الى أي من هذه المبحوث في صياغته لمفاهيمه، لأنه بحث ماهوي، أي بحث في ماهية الظاهرة نفسها، وهو من هذه الناحية بعد بحثا لا يستمد من غيره أو يتأسس عليه، في حين أن كثيرا من مناحي البحث الأخرى يجب أن تستند اليه أو تفترض مفاهيمه على الأقل.
وهكذا فإن موضوع بحثنا يتحدد في دراسة المفاهيم والخصائص المميزة للموسيقى كفن جميل، أعني كموضوع مبدع لأجل متعتنا وتأملنا الجمالي. فهذا هو الأساس الذي يمكن أن تقوم عليه لا فحسب دراسات أخرى خارج سياق البحث الجمالي الخالص، وانما أيضا اي دراسة أخرى تتعلق بفهم تفاصيل إدراكنا الجمالي للموسيقى وكيف ينبغي أن يكون. وغني من البيان أننا في در استنا للخصائص الجمالية للموسيقى ينبغي الا ندخل في حسباننا أية تصنيفات للموسيقى وفقا لمعايير أخلاقية أو أغراض عملية: فالموسيقي الدينية على سبيل المثال هي – كالقصيدة الدينية – قد تكون ذات قيمة جمالية أو لا تكون، ولكنها لا تكون أبدا ذات قيمة جمالية لمجرد كونها دينية. كذلك فإن الجميل بوجه عام يكون مستقلا عن أية أغراض عملية. ومن ثم فإننا عند دراستنا للجميل في الموسيقى ينبغي أيضا الا ندخل في حسباننا أية معايير أو تصنيفات للقيمة الجمالية للموسيقى وفقا للأغراض العملية التي تؤلف لأجلها في دنيا الحياة الانسانية. وليس معنى ذلك أننا نريد أن نعزل الموسيقى كفن جميل عن مناحي الحياة الانسانية كالديني والأخلاقي والاجتماعي وغير ذلك، فإن ما نريد أن نتخذه موضوعا لبحثنا هو أن نبين الخصائص الجمالية للموسيقى، وكيف تعبر الموسيقى من خلال هذه الخصائص عما تريد أن تعبر عنه أو عما تؤلف لأجله من أغراض مختلفة. وقيما يلي سوف نحاول أن ننظر في خصائص الجيل في الموسيقى من خلال محورين رئيسيين هما الصوت الموسيقي كتشكيل جمالي (أي الموسيقى كتشكيل صوتي يخاطب إدراكنا الجمالي)، والموسيقى كتعبير جمالي.
أولا: الصوت الموسيقي كتشكيل جمالي
أبسط تعريف للموسيقى هو أنها "فن تجميع النغم". ولكن مثل هذا التعريف لن يفيدنا كثيرا إذا حاولنا أن نفهم طبيعة الصوت أو النغم الموسيقي من حيث هو فن جميل، إذ أننا سنجد أنفسنا نتساءل من جديد: كيف يكون هذا التجمع فنا؟ فلنحاول أن نتعرف أولا على طبيعة الصوت الموسيقي في جزئياته، كي نفهم بعد ذلك كيف يتم تشكيله فنيا وجماليا:
مادة matter الموسيقى هي الصوت الذي تنتجه آلات موسيقية هي بمثابة الوسائط المادية materials الموسيقي، تماما عظما أن مادة الحوار أو النص المسرحي هي الكلمات والصوت البشري – مع بدن الممثل – هو الوسيط المادي لنقل الكلمات الى السامع، وعظما أن الحركة هي مادة الرقص والوسيط المادي هو بدن الراقص نفسه وبهذا المعنى فان الصوت الموسيقي ليس هو – كما يقال عادة – الوسيط المادي للموسيقى، وانما هو أشبه بالمادة الخام للموسيقى التي تكتسب طابعا جماليا من خلال التشكيل الجمالي لهذا الصوت باعتباره لغة تنتجها آلات موسيقية. وعندما نقول إن مادة الموسيقى هي الصوت الموسيقي، فليس معنى ذلك أننا نستبعد إمكانية إدراج الصوت البشري (كما في الكورال مثلا) ضمن لغة الموسيقى، فإن ما نريد أن نؤكد عليه هو أن الصوت الموسيقي هو المادة الأساسية واللغة الفريدة المميزة للموسيقى، مادامت الموسيقى يمكن أن تستغني عن الصوت البشري ومه ذلك تظل موسيقى مكتملة البنيان.
ومن ناحية أخرى قد يقال – وهو قول فيه بعض الصواب – إن الصوت الموسيقي نفسه ليس متصورا على الموسيقى وحدها، إذ يشاركها فيه الشعر، من حيث إن الشعر لا يمكن تصوره دون موسيقى ممثلة في الايقاعات والأوزان، بل وحتى في الكلمات نفسها، ومع ذلك فإن هذا القول غافل عن أن مادة الشعر الاساسية تظل هي الكلمة نفسها والموسيقى هنا تفهم باعتبارها مباطنة في السياق اللغوي نفسه. حقا إن للكلمات بمفردها قيمة موسيقية خاصة بها ومستقلة عن معناها، ولكن الكلمات بمفردها لا تخلق شعرا، إذ لابد أن ترتبط معانيها في سياق لفري ما، فبدون هذا الارتباط لمعاني الكلمات تصبح موسيقى الكلمات نفسها أشبه بضوضاء. أما في الموسيقى، فإن ترابط الأصوات الموسيقية أو تشكيلها الجمالي يكون كافيا وحده لخلق مقطوعة موسيقية. ويكفي شاهدا على هذا أن نتأمل حالة الأغنية: فمن المؤكد أننا كثيرا ما نعجب ونستمتع جماليا بأغنية أجنبية ما قد لا نفهم بدقة بعض معاني كلماتها وقد لا نفهمها على الاطلاق، فما الذي يثير متعتنا الجمالية في هذه الحالة ؟ لا شيء آخر سوى تداعي الأصوات الموسيقية داخل إطار أو بناء موسيقي، حتى إننا يمكن أن نستمتع بموسيقى الأغنية حينما يعاد إنتاجها خالصة ومجردة ماز خلال الآلات الموسيقية وحدها. وكل هذا يعني من جديد أن الصوت في الموسيقى يكون كافيا وحده لابداع التعبير الموسيقي دون حاجة لآية مصاحبات أخرى، وتلك قضية سوف نعاودها ؤ سياق آخر من بحثنا هذا حينما نتناول قضية التعبير الجمالي في الموسيقى.
وفضلا عن ذلك، فإن الصوت الموسيقي – من حيث هو مادة للموسيقى – يتميز هو نفسه بطابع فريد،، إذ لا يكون مستمدا هن أي شيء في الطبيعة أو وقائع العالم الخارجي. وبهذا تنفرد الموسيقى عن سائر الفنون الأخرى بطابع استقلالي عن الطبيعة: فمادة التصوير على سبيل المثال – وهي الألوان – مستمدة من الطبيعة، والمصور لا يستقي ألوانه من الطبيعة فحسب، بل إنه هو نفسه يتعلم منها أيضا في مارسته لفنه، حينما يدرس ويتأمل ملمس الأشياء، وماعز صلابتها وعمقها وظلالها وضوئها. وفن المعمار- وكذلك فن النحت – يستمد أحجاره ومواده ذات الكتلة والحجم من الطبيعة. والشاعر أو الأديب على وجه العموم يستخدم كلمات مستمدة من لغة وقاموس شعب ما، وحتى فن الرقص الذي يعد من أكثر الفنون تجريدية ويصنف عادة ضمن ما يسمى بالفنون اللاتمثيلية nonrepresentative arts الفنون التي لا تصور موضوعات في العالم الخارجي) باعتباره تنظيما فنيا بنصب على الحركة، كما هو الحال في تصنيف اتين سوريو للفنون الجميلة، حتى هذا الفن عادة ما يستمد عادته – وهي الحركة – من الطبيعية او الواقع الخارجي وكما هو معروف أن كثيرا من الرقصات الفنية تستوحي حركاتها أو "تيمة" الحركة السائدة فيها من الايقاعات الحركية التلقائية التي يؤديها الناس البسطاء في ممارستهم لحرفهم اليومية (كرقصة البمبوطية في مصر)، بل ومن الحركات الراقصة لبعض الحيوانات والطيور (كرقصة الحمامة في السودان). أما الصوت الموسيقي فلا يستمد إلا من الآلات الموسيقية المصنوعة لأغراض انتاج الصوت الموسيقي نفسه. حقا اننا يمكن أن نحد مقارنات – مثلما فعل القدماء من فلاسفة وعلماء الحضارة الاسلامية وغيرهم – بين الأصوات الصادرة عن بعض الآلات الموسيقية والأصوات البشرية، بحيث يحق لنا أن ننسب جمالا موسيقيا الى الصوت البشري أحيانا، وهي ظاهرة وقف داروين أمامها حائرا لأنها لا تخضع لمنطق الضرورة وقوانين التطور الطبيعي التي نادى بها، إذ كان يكفي أن يكون للانسان صوت غليظ فظ أو أجش ليعبر عن حاجات بدنه ومطالبا الأساسية، ومع ذلك فإن كل هذه الحقائق لا تعني أن المؤلف الموسيقي يستمد أصواته الموسيقية من الصوت البشري لا من الأصوات الموسيقية: فمن المعلوم أن الآلات الموسيقية قد أصبحت الآن على درجة عالية من التعقيد بحيث تصدر عنها أصوات شديدة التباين والتركيب على نحو يتجاوز تماما إمكانيات SI صوت بشري، وعلى نحو يحق لنا معه القول بأن الأصوات البشرية هي التي تحاول أن تحاكي الأصوات الصادرة عن الآلات الموسيقية. ويكفي شاهدا على ذلك أن الأصوات البشرية الغنائية الجميلة يتم صقلها وتدريبها وقياس مدى اتساع طبقاتها وامكانياتها التعبيرية على أصوات الآلات الموسيقية نفسها. ولو كانت الأصوات البشرية تشكل معينا يمكن أن يستمد منه المؤلف موسيقاه، لما كانت هناك حاجة الى اختراع الآلات الموسيقية ومحاولة تطويرها دائما.
ومن ناحية أخرى، قد يقال إن الطبيعة تحفل بأصوات أخرى جميلة تبعث البهجة والمتعة في نفوسنا: كهمسات النسيم التي تداعب أوراق الأشجار أو خرير الماء في جداول الأنهار. وقد تتخذ هذه الأصوات طابعا موسيقيا أو نغميا كما في غناء بعض الطيور. غير أن هذا القول غافل عن أن هذه الاصوات لا تشكل موسيقى و لا هي حتى تمثل مادة قابلة للتشكيل الموسيقي كعمل فني. لأنها لا تنتظم أو تترابط في تشكيل معين بحيث تقدم لنا صورة كلية معبرة وفضلا عن ذلك فانها تتألف من نغمات محدودة للغاية تتكرر على نحو رتيب بحيث لا تصلح كمادة موسيقية، ولا شك أن هذه الأصوات وان لم تكن نتاجا لوعي إبداعي بمفهومنا الانساني للابداع الفني، فإنها نتاج لابداع إلهي قصدي أراد من خلال هذه النغمات البسيطة المتكررة حث وتنبيه حسنا الجمالي الى تقدير قيمة الصوت الموسيقي والاستمتاع به جماليا. وذلك فإن غاية ما يمكننا قوله هنا هو أن هذه الأصوات الجميلة في الطبيعة قد ولدت في الانسان حسا موسيقيا أوليا، تماما مثلما استقى من الطبيعة حسا جماليا أوليا، ولكن في حين أن المصور أو النحات أو المعماري قد وجد في الطبيعة مواد يمكن أن يستخدمها في تعبيرا الجمالي، لم يجد الموسيقار شيئا يستعين به سوى حسه الموسيقي الأولي، وكان عليه أن يبتدع بنفسه أدواته التعبيرية الخاصة.
وعلى هذا الأساس يمكن أن نفهم علاقة الايقاع الموسيقي بالطبيعة العضوية واللاعضوية. إذ يقال – وتلك مقولة شائعة – أن هناك صلة وثيقة بين الايقاع الموسيقي والنظام الذي تسير عليه حركة الجسم وحركة الطبيعة: فللجسم حركات إيقاعية سريعة كالتنفس بما فيه من شهيق وزفير، وحركات بطينة نسبيا، كتعاقب الجوع والشبع، والنوم واليقظة. وفي الطبيعة إيتاع ثنائي يتعاقب فيه الليل والنهار، وايقاع رباعي تتعاقب فيه فصول السنة. ومن هنا قال كثير من الباحثين بأن للموسيقى أصلا عضويا أو طبيعيا، ما دامت الحركة الطبيعية فيها ترديدا لحركات مناظرة لها داخل الجسم الانساني أو في الطبيعة الخارجية م مما أدى الى تكويان ما يسمى بالحاسة الايقاعية لدى الانسان (6)، إن كل ما يعنيه هذا بالنسبة لنا هو أن الحس الايقاعي الأولي لدى الانسان له أصول طبيعية، ولكن لا ينبغي أن فستنتج من هذا أن الإيقاع الموسيقي يستمد من ايقاع الطبيعة أو يكون ترديدا له، وإنما هو لفة فنية ابتكرها الانسان للتعبير عن احساسه بالايقاعات الباطنة لانفعالاته وعواطفه ومشاعره بوجه عام، وبهذا المعنى فإن الموسيقى لا تردد إيقاع الطبيعة، بل الاصح أن نقول إنها هي نفسها تعلمنا كيف نعبر عن حسنا الايقاعي ونتأمله. والنظر في ظاهرة الايقاع الحركي كتعبير فني موسيقي لدى الانسان يقدم لنا شاهدا على ذلك، فلقد تعلم الانسان هذا الايقاع الحركي الراقص استجابة الايقاعات الموسيقى لا العكس، فالرقص والايقاع الحركي الفني غير متصور أصلا بدون الموسيقى، وكأن الانسان يتعلم من خلال الايقاع الموسيقى نفسه كيف يعبر حركيا عن ايقاعات انفعالاته ومشاعره الباطنية، إن الانسان البدائي قد تعلم الاستجابة الايقاعية لا من الطبيعة، بل من دقات الطبول التي جاءت لتنظم حسه الايقاعي الأولي الذي أخذ يزداد تعقيدا على مر الأيام مع تعقد الايقاع الموسيقي نفسه.
ولا ينبغي أن يظن ظان أن تنظيرنا هنا يتناقض مع مسألة تأثر فن الموسيقى وتطوره بالظروف البيئية والحضارية، فتلك مسألة أخرى تعكس حقيقة لا شك في صدقها. فلا شك أن فن الموسيقى – شأنه شأن أي فن آخر – يتأثر من حيث بنائه ومدى تعقده وتطوره بالظروف البيئية والحضارية التي ينشأ فيها. ويعكس مدى ما هنالك من تفرع بيئي وتركيب أو تعقيد بنائي حضاري، وهو ما عالجناه بشيء من التفصيل في دراسة سابقة (7). ولهذا يمكن القول بأن الموسيقى الايقاعية – أعني تلك التي يسودها الايقاع كعنصر منفرد – هي موسيقي مازالت في طور البدائية ولا تعكس بالتالي تطورا حضاريا ما، وهذا ما يفسر لنا الطابع الايقاعي الساذج في موسيقى بعض القبائل الافريقية، في حين أن هذا الطابع يزداد تعقيدا ويتزاوج مع اللحن في أشكال ما من الموسيقى الشرقية ولكن دون أن تبلغ هذه الموسيقى تطورا كاملا، لافتقادها الى عناصر أخرى أكثر تعقيدا في البناء الموسيقي كالهارموني على سبيل المثال، غير أن هذه المسألة – كما أسلفنا – لا تتناقض مع مسألة استقلال الموسيقى عن الطبيعة. ومفاد القول في هاتين المسألتين اللتين قد تختلطان على بعض العقول: إن الطبيعة تمد الانسان بالحس الايقاعي الأولي وبما أسميناه بوجه عام بالحس الجمالي الأولي الذي يعكس مشاعره وانفعالاته إزاء الطبيعة والعالم بأشيائه، غير أن نضج هذا الحس وتطوره يرجع الى مدى ما يبتكره ويطوره من أدوات يتعامل من خلالها مع عالمه ومن بين هذا الأدوات الآلات الموسيقية بصوتياتها التي يبتكرها الانسان ويطورها، وهو أمر يعكس بلا شك تطوره الحضاري بالمعنى الواسع.
ومع هذا كله، فإن دراستنا للصوت الموسيقي كمادة للموسيقى أساسية وفريدة، مازالت بعد ناقصة، فالصوت الموسيقي – كما نوهنا من قبل – لا يخلق بذاته موسيقى إلا حينما ننظر اليه باعتباره لغة تشكيلية أو تشكيلا لغويا، أعني باعتباره سياقا زمانيا تتآلف فيه عناصر الصوت الموسيقي في صورة كلية معبرة. فلنحاول أولا أن نفهم معنى الصوت الموسيقي كسياق زماني، كي نفهم بعد ذلك كيف تتألف عناصر هذا الصوت في صورة كلية معبرة.
إن المقصود بالصوت الموسيقي من حيث هو سياق زماني أنه صوت يتتابع في الزمان ليبلغ هدفا ما، فالصوت الموسيقي يتجه أو يتحرك في الزمان ليوحي بحدث أو فعل ما، كما هو الحال في ضربات الايقاع المتوالية على آلة ايقاعية أو في نغمات اللحن المتتابعة. ولهذا فإن من الأساتذة المتخصصين في الموسيقى من يعرف الموسيقى من حيث عادتها الصوتية على النحو التالي: "الموسيقى تصنع من صوت يتحرك في الزمان متجها نحو نقاط وصول معينة" (8). وهذا التعريف إذن يقدم لنا الأساس الموضوعي اللازم لتحقق الموسيقى من حيث هي بنية زمانية: فهناك أولا: الصوت الموسيقي نفسه , musical sound وهو صوت له كيفياته أو خصائصه من قبيل: مستوى الصوت من حيث الارتفاع أو التوسط أو الانخفاض في الطبقات الموسيقية pitches ومدى حدة الصوت loudness، أي من حيث قوته أو نعومته. ولون الصوت ونوعيته quality من حيث إشراقته أو قتامته، خصوبته وامتلائه أو قلة كثافته، وهي خصائص لكل منها تأثيرها الوجداني والمزاجي الخاص. والصوت الموسيقي يلزمه الحركة الموسيقية musical movement التي تتعلق بدرجة السرعة في النقلة الموسيقية بين النغمات: فالحركات الموسيقية قد تكون سريعة أو بطيئة، وقد تتراوح بين السرعة والبطء، ولكنها في كل الحالات تتميز بالانتظام والتواصل، ويلزم حركة الصوت الموسيقي أن تبلغ نقاط وصول معينة points of arrival وهذه تشبه علامات الترقيم في اللغة، كالفاصلة والفاصلة المنقوطة والنقطة، فعندما نستمع الى الموسيقى – تماما مثلما نستمع الى خطاب – فإننا نتوقع وقفة ما أو تأثيرا ما نتيجة الوصول لنقطة معينة عندما تكتمل جملة ما جزئيا أو كليا (9).
والتحليل السالف للبنية الزمانية للصوت الموسيقي، وان كان يقدم لنا أساسا موضوعيا للموسيقى بما هي موسيقى، أعني لإمكانية قيام أي عمل موسيقي، فإنه في نفس الوقت يمثل أساسا يرتكز عليه البعد الجمالي المحسوس للعسل الموسيقي، أعني البعد الجمال في جانب من جوانبه الحسية المتعلقة بتشكيل مادة العمل، وهي الصوت الموسيقي، والحقيقة ان خاصيتي الحركة ونهايتها – وهما خاصيتان مرتبطتان ارتباطا وثيقا – تشكلان ماهية الصوت الموسيقي من حيث هو سياق زماني له تعبيره الجمالي الخاص. حقا إن الصوت الموسيقي بذاته له تعبيره أو طابعه الجمالي الخاص به، وهو يوحي منذ هدايته بالحالة الوجدانية أو المزاجية التي تسوده، ولكن هذا التعبير والايحاء لا يفهم ويكتمل معناه إلا عندما يتأسس ويتداعى هذا الصوت في سياق حركي ليبلغ نهاية ما. والمتعة الموسيقية تكمن في بعض منها في هذا التوقع للنغمة في السياق الحركي الموسيقي، ولنهاية هذا الحركة. لنتخذ أمثلة على ذلك، قد تكون النغمة أو النغمات الموسيقية الأولى في عمل ما موحية بالخفة والرشاقة، ولكن هذا الانطباع لا يتأسس إلا من خلال حركة موسيقية ملائمة، أعني حركة راقصة فيها قدر معين من السرعة. وهذا الترابط والتجانس بين الصوت والموسيقى وتعبيرا الحركي يشبه ذلك الترابط والتجانس الذي نجدد بين موضوع المشهد السينمائي وايقاع لقطاته داخل السياق الزماني للفيلم. كذلك فإن خاصية نهايات حركة الجمل الموسيقية داخل السياق الزماني الصوتي للعمل الموسيقي، يمكن فهمها عندما نناظرها بنهايات المشاهد واللقطات السينمائية التي تحدث داخل السياق الزماني المرئي للفيلم، فاللقطات السينمائية قد تطول أو تقصر بحسب طبيعة موضوعها الجزئي وبحسب طبيعة موضوع المشهد الكلي الذر تنتمي اليه، فامتداد اللقطة لا يتوقف فحسب على ما يسبقها من لقطات في المشهد السينمائي، وانما أيضا على خصوصية موضوعها. فاللقطة القصيرة – على سبيل المثال – تصلح لابتسامة اللهو، واللقطة متوسطة الطول تلائم وجها غير مكترث، أما اللقطة التي تستغرق فترة طويلة نسبيا فتلائم تعبيرا محزنا، ولكن اللقطة طالت أم قصرت لابد أن تبلغ نهايتها عند لحظة مختارة بعناية. ولذلك يقول لينهارت R. Leenhardt أحد علماء جماليات السينما: "عندما تشاهد فيلما حاور أن تخمن اللحظة التي تكون فيها اللقطة قد استنفدت ذاتها، ويجب أن تنتهي، أي تحل محلها لقطة جديدة، إما بواسطة تغيير الكادر أو المسافة أو المجال" (10). وعلى نحو مشابه، فإننا نتوقع نهاية ما جزئية أو كلية للجملة أو للحركة الموسيقية، ولذلك فإن الأعمال الموسيقية غير المتقنة او ضئيلة القيمة تبدد متعتنا الجمالية عندما نجد – على سبيل المثال – أن مسار جملة لحنية فيها قد انقطع أو توقف فجأة لتبدأ جملة جديدة، أو امتد وطال أكثر من اللازم، دون أن يكون هناك معنى أو منطق – منطق موسيقي بالطبع – يبرر ذلك، وهذه العملية يمكن فهمها على نحو أوضح وأبسط، عندما نناظرها بما يحدث على مستوى السياق اللغوي سواء كان مكتوبا أو مقروءا: لنتخيل نصا مكتوبا قد خلا من علامات الترقيم، فلا نتبين عندئذ أول الكلام من أخره أو أين تبدأ الجملة وأين تنتهي ولا نتبين موضع الجمل الاعتراضية داخل سياق النص، ولا تلك الوقفات الجزئية اللازمة كمتنفس داخل سياق الجمل الطويلة، ولا العلاقات التي تربط بين الجمل.. الخ، فما الذي يبقى عندئذ من النص؟ لا شيء سوى معان مشوشة نحاول ونسعى ما وسعنا السعي أن نقف عليها، ولكننا في سعينا هذا نفقد متعتنا بما نقرأ بسبب الاعاقة المستمرة للفهم وانعدام سلامته، ونفس الشيء يمكن أن يحدث عندما يلقي شخص ما نصا ما، أو يتحدث الينا عن معناه بشكل مباشر، فلكي يتأسس في أذهاننا مخي الكلام الذي يقوله على نحو ملس، فلابد أن يتغير مستوى طبقاته الصوتية بل ونبرات صوته بحسب اقترابه من وقفة جزئية أو كلية، وعلى نحو يجعلنا نتوقع هذه الوقفة، ولذلك فإن الجملة المنطوقة – أو المكتوبة – قد تبلغ تمام معناها، ولكننا نشعر مع ذلك أن سياق الكلام لم يبلغ بلا تمام معناه وأننا مازلنا نتوقع أن نبلغ نهاية فقرة ما وما بعدها الى أن يكتمل مسار الفكر. وعلى نحو مشابه، يمكن أن نفهم أهمية نهايات الجمل الموسيقية، أو ما يسمى بنقاط الوصول، ومدى الانطباع أو الأثر الجمال الذي تحدثه فينا: فنقاط الوصول تعطي انطباعا بالنهاية والغائية يشبه ذلك النوع من الاشباع الذي يتحقق بعد توقع وانتظار قد طال، غير أن هذا الانطباع لا يحدث إلا مع قلة من الجمل الموسيقية التي نسمعها عادة عند نهايات المقاطع الطويلة، في حين أن كثيرا من الجمل تعطى نهاياتها انطباعا بالموصول الى اشباع جزئي كما لو كانت محطات وصول وسطى او مؤقتة، وكل هذا يمهد للوصول الى نقطة نهائية تامة للعمل، ولذلك فإن نقاط الوصول يتم ترتيبها على نحو قصدي في السياق الزمني للصوت الموسيقي، "فالنغمة الأخيرة في اللحن هي ما يمنحنا إحساسا بنهائية الوصول، أما نقاط الوصول الوسطي، فإنها – باعتبارها تولد إحساسا جزئيا بالاكتمال – تساعدنا على أن نبقى متصلين بالحركة الموسيقية، وتؤسس توقعات للنقطة الأخيرة" (11). وفضلا عن ذلك فإن نقاط الوصول تختلف أيضا من حيث طابع الوضوح، ومن حيث تأكيد الوصول:فبعض نقاط الوصول قد يتسم أحيانا بالوضوح، ولكن في أحيان أخرى يتم تجنب الوضوح عن قصد، لأجل تأكيد التدفق – المتواصل للحركة. أما تأكيد الوصول، فإنه يحدث على نحوين مختلفين لكل منه خاصيته التعبيرية، فبعض المقطوعات الموسيقية تبلغ نقطة الوصول بتأكيد قوي نتيجة توقع مستمر لبلوغ أهداف صعبة المنال، وبعض أخر يمس نقاط الوصول بخفة ورشاقة وبهجة متنقلا من نقطة الى أخرى (12).
ومجمل الشروح والخصائص السابقة تهدف الى الكشف عن معنى وطبيعة الصوت الموسيقي من حيث هو سياق زماني، وهو سياق يشبه – كما رأينا – السياق الزماني في الفنون التي تسمى بالفنون الزمانية: كالسينما والفنون التي تعتمد على اللغة بوجه عام، وان كانت هذه التسمية الأخيرة تبدو أحيانا أخلاقية، إذ يقال أحيانا – على نحو ما ذهب سوريو – إن التفرقة التقليدية التي ابتدعها لسنج Lessing بين الفنون على أساس أن هناك فنونا زمانية تتعامل مع أفعال أو أحداث تتوالى في الزمان (كالموسيقي والشعر)، وفنونا مكانية تثبت الفعل في المكان من خلاف لحظة مختارة بعناية (كما في النحت والتصوير)، هي تفرقة غير ملائمة على أساس أن البعد الزماني يدخل في فنون المكان عظما يدخل البعد المكاني في فنون الزمان (كما هو الحال مثلا عندما يكون ترتيب مكان العازفين وبعد الآلات الموسيقية بالنسبة لبعضها بعضا أمرا لازما ومفترضا في عملية الأداء (الموسيقى)، وبالتالي فإنه من الأليق تصفيف الفنون على أساس ما هنالك من ارتباطات وعلاقات متداخلة بينها (13). ولا شك في أن سوريو E. Souriau محق في دعواه بوجود ارتباطات بين الفنون، فضلا عن أن الفنون المركبة (كالسينما والمسرح والأوبرا) تقدم لنا أفضل رهان على تداخل المواد والوسائط المادية للفنون. ولولا هذا الارتباط والتداخل بين الفنون لما أمكن أن نتحدث عن مباديء عامة تصدق على الفنون جميعا، أي على الفن من حيث هو فن أو على منطق الصورة الفنية والتعبير الفني. ولكن ما من مراء في أن الفنون تتمايز أيضا من حيث موادها ووسائطها المادية الأساسية التي تقوم عليها، وأسلوب تعاملها معها أو طريقة استخدامها. فالواقع أن هذه المواد لها امكانيات خاصة في التعبير وتفرض على الفنار. طرائق خاصة من التعبير. ومن هنا فإننا نرى أن العنصر المكاني والعنصر الزماني – بمنأى عن اتخاذهما معيارا وحيدا تعميميا لتصنيف الفنون – يبقيان داخل الفنون على الأقل من حيث عناصرها المادية الأساسية. وحتى بالنسبة للفنون التي تتشابه من حيث إنها يتم عرضها من خلال سياق زماني، نجد أنها تتمايز عن بعضها من حيث طبيعة موادها التي تعرض زمانيا، فنحن حينما نستمع الى الموسيقى نكون مستغرقين في سياق زماني لصوت موسيقي وليس لصورة مرئية كما هو الحال بالنسبة للفيلم، وكما أن للصوت الموسيقي خصوصيات تميزه وحده عن غيره من الأصوات، كذلك فإن له إمكانيات وطرائق تعبيرية تميزه عن غيره من المواد الفنية كما سنرى فيما بعد. والذي يهمنا من هذه التحليلات هو أن ماهية الصوت الموسيقي تبقى في كونه سياقا زمنيا، ولا يغير شيئا من هذه الحقيقة ما يقوله سوريو عن إمكانية دخول العنصر المكاني في الموسيقى، لأن العمل الموسيقي حتى قبل عرضه – أعني حينما يكون مجرد نوتة موسيقية – يظل قائما على العلاقات الزمانية بين الأصوات الموسيقية.
هذا عن الصوت الموسيقي من حيث هو سياق زماني، ولكي يكتمل فهمنا لماهية الصوت الموسيقي، ينبغي أن نحلل الشق الثاني من التعريف الذي قدمناه من قبل حينما ذهبنا الى القول بأن الصوت الموسيقي هو سياق زماني تتآلف عناصره في صورة كلية معبرة. فيبقى إذن أن نبين هذه العناصر وكيف تتآلف في صورة كلية معبرة، وهو ما سنحاول إظهاره فيما يلي من سطور.
وعناصر الصوت الموسيقي باعتباره اللغة الأساسية للموسيقى تصنف عادة الى ثلاثة عناصر رئيسية هي: الايقاع والميلودي (أو اللحن) والهارموني، ويمكن أن نشير بايجاز الى هذه العناصر على النحو التالي:
الايقاع Rhythm
الايقاع هو أكثر عناصر الموسيقى أولية، فالصوت الموسيقي بدأ كصوت إيقاعي، وكما يقول بعض الباحثين: "إن أغلب المؤرخين على اتفاق بأن الموسيقى إن كانت قد بدأت في مكان ما، فقد بدأت مضربات ايقاع ما" (14). فتأثير الايقاع علينا مباشر وفوري على نحو نشعر معه بأصله الغريزي، ولهذا نجده ماثلا عند القبائل البدائية كعنصر موسيقي وحيد. في حين أن الايقاع لا يقوم بوظيفته الكاملة ويحقق ماهيته في الموسيقى كفن جمالي إلا حينما يتجاوز أصله الغريزي – على نحو ما أسلفنا – ليدخل في منظومة موسيقية يصاحب فيها العناصر الموسيقية الأخرى، أو ليصاحب اللحن على الاقل. فالايقاع هو تنظيم لحركة الصوت الموسيقي من حيث حركته ومنتهاه. ولقد مر على الموسيقى دهر طويل حتى أمكن تدوين الايقاع كوحدات قياسيةmusical units للصوت الموسيقي، وهو ما يعرف بالوزن الموسيقي أو الموسيقى الموزونة measured music
وكان ذلك حوالي سنة 1150. على أن الايقاع ليس مجرد قياس لحركة الصوت الموسيقي (كما هو الحال في الوزن الشعري). وانما هو في المقام الأول إحساس بحركة الجملة الموسيقية: "فنحن نفهم الايقاع الحقيقي، فقط عندما نؤكد النغمات تبعا للاحساس الموسيقي بالجملة" (15). وتختلف الايقاعات من حيث زمنها، أي من حيث تتابع الضربات الايقاعية tempo فتتراوح الايقاعات بذلك بين السريع جدا presto والسريع allergoوالبطيء adagio والبطيء باعتدال andanteوالبطيء باستطالة largo.. الخ، كما تختلف الايقاعات من حيث طولها وترتيبها الداخلي.
الميلودي (اللحن) Melody:
أبسط تعريف للميلودي أنه خط من نغمات (على سلم أو مقياس موسيقي) يقود الأصوات أو يوجهها او لحظة ذروة معينة تكون عادة قرب نهاية المقطوعة الموسيقية، وهذه النغمات ترتفع وتهبط على درجات السلم الموسيقي، يتسع مداها أو يضيق، ولكنها في كل الحالات لابد أن تبلغ بالمقطوعة الموسيقية منتهاها، ولأن الميلودي أو اللحن هو أكثر عناصر الصوت الموسيقي قابلية للتذكر، فإن الجمهور العادي من متذوقي الموسيقى لا يتذكرون عادة من العمل الموسيقي سوى اللحن، فهو ما يكون موضع متعتهم واعجابهم. فما الذي يجعل لحنا ما يبدو لأسماعنا جميلا بوجه عام؟ على الرغم من أنه ليست هناك قاعدة عامة يمكن أن نتخذها معيارا نفاضل به بين الألحان أو نميز على أساسه لحنا ما باعتباره أجمل من غيره، فإن هناك مع ذلك خصائص عامة لابد من توافرها في أي لحن لكي يكون له تأثير جمالي: ومن هذه الخصائص أن اللحن ينبغي أن ينشأ من "تيمة"، أي من فكرة موسيقية رئيسية تتنامى وتتشعب عبر مسار اللحن كله. وهذا القيمة التي تولد أحيانا في اندفاعة فريدة، تشبه – فيما يلاحظ الممارسون للابداع الموسيقي – داخلية لحنية توحي بمدلول معين، ثم تنمو وتتكاثر عضويا بفضل القوة الدافعة فيها"(16)، وبهذا المعنى يمكن القول بأن القيمة هي أصل وحدة اللحن،وهي أيضا أصل تنوعه بقدر ما فيها من خصوبة تسمح بهذا التنوع، وخاصية الوحدة – كما نفهمها – تعني أن اللحن ينطلق من مركز لا بد أن يعود اليه ويسمى "بمقام الأساس" tonal center وهو في انطلاقه يتخذ مسارا يتألف من أصوات متتابعة لا تتآلف مع بعضها بعضا فحسب، وانما أيضا مع التراكيب الصوتية المصاحبة لها.Chords وفي هذه الحركة اللحنية لأصوات متتابعة متآلفة يشعرنا اللحن بالاتجاه نحو غاية أو اشباع معين بيلغ ذروته عند العودة لمقام الاساس. ومن هنا أيضا يمكن أن نلاحظ أهم خاصية يتميز بها اللحن، وهي القدرة على التأثير الانفعال والعاطفي، ولذلك يقال: "إذا كانت فكرة الايقاع مرتبطة في خيالنا بالحركة الفيزيقية، فإن فكرة اللحن مرتبطة بالانفعال الذهني" (17). فعندما يرتفع الخط اللحني تدريجيا على السلم الموسيقي فإنه قد يوحي بازدياد الطاقة أو تنامي التوتر، وعندما يهبط تدريجيا فإنه قد يوحي بالاحساس بالارتياح أو الاستقرار، أما عندما يرتفع أو يهبط فجأة فقد يوحي بحركة شجاعة أو عنيفة والواقع أن هذه الخاصية الأخيرة تتعلق بمسألة التعبير الجمال في الموسيقى التي سوف نناقشها بشيء من التفصيل في الجزء الثاني من هذا البحث. ويبقى أن نشير هنا في هذا العجالة الى أن اللحن يتم تأليفه بطرائق متعددة وفقا لقواعد موسيقية مختلفة، ومه ذلك فإن هناك بوجه عام نمطين أساسيين للبناء اللحني هما: اللحن ذو الصوت المتجانس homophonic وهو اللحن الذي يتمثل فكرة لحنية رئيسية واحدة مع مصاحبات لها من قبيل التراكيب الصوتية، واللحن ذو البناء متعدد الأصوات polyphonic أو متقابل الأصوات conuntrapuntal، حيث نجد خطين لحنيين هامين – أو أكثر – يسيران معا في تآلف في نفس الوقت. وهذا الطابع الأخير للبناء الموسيقي يقودنا الى عنصر الهارموني.
الهارموني (أو التوافق الصوتي) Harmony:
الهارموني أكثر عناصر الصوت تعقيدا، ففي حين أن الايقاع واللحن قد انبثقا من الحس الجمالي الأولي لدى الانسان بطريقة طبيعية أو تلقائية، فإن الهارموني كان نتاجا لتصورات عقلية خالصة، فهو ابتكار موسيقي لا مصدر له إلا الموسيقى نفسها. وهو ابتكار لم تعرفه أوروبا على الاطلاق حتى القرن التاسع، في حين أن الموسيقى الشرقية – فيما يرى بعض الباحثين – مازالت موسيقى لحنية، أي تقوم على خطوط لحنية مفـردة، وان كـان يصاحبها عادة ايقـاعات على آلات النقر (18).
والهارموني هو العلم الموسيقي المختص بالقواعد التي بمقتضاها يتم تحقيق توافق صوتي بين صوتين مختلفين أو أكثر يسمعان في نفس الوقت، لكل منهما خصائصه الصوتية الخاصة. ومن هذه القواعد ما يتعلق بالتوافق والتنافر الصوتي consonacne and dissonance، ومنها ما يتعلق بالتراكيب الصوتية (أو الاكورات) chords التي تؤكد الايقاع وتضفي على اللحن عمقا بحيث يبدو مجسما،ومنها ما يختص بمقام الأساس tonal center وعملية تغيير مقام اللحن modulation حينما يحدث تغيير للمقام الأساسي الذي بدأ منه اللحن واتخاذ مقام جديد، ثم عودة مرة أخرى الى المقام الأصلي، ومثل هذا التحول والانتقال يمكن أن يحدث تأثيرا مدهشا كما هو الحال في الحركة الثانية من السيمفونية الخامسة لبيتهوفن حيث نجد أن اللحن بعد مسار الافتتاحية يتحول فجأة متخذا مفتاحا موسيقيا وايقاعات مختلفة. وقصارى القول إن علم الهارموني قد نشأ كضرورة موسيقية لتنظيم الأصوات الموسيقية المتعددة والمتقابلة من حيث خصائص الصوت وحركته ومنتهاه.
ولقد ازدهر العلم فيما يعرف بثورة العلم الهارموني الحديث في النصف الأول من القرن السابع عشر، وأصبح أشبه بنظام عقلي صارم ساد الموسيقى الغربية التقليدية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ومع ذلك، فقد تغيرت قواعد هذا العلم في القرن العشرين، وأصبحت هناك أنظمة هارمونية أخرى لديها إمكاناتها التشكيلية والتعبيرية المختفة كما في المدرسة الانطباعية impressionism التي تطورت عن ديبوسي Cloude Debussy ورافل Maurice Ravelوالتعبيرية expressionism التي تطورت عن الألمان والنمساويين من أمثال شونبرج Arnold Schonberg وآخرين.
ولكن مهما اختلفت أساليب التشكيل الهارموني فإنها تعد جزءا أساسيا وضروريا في كمال التأليف الموسيقي وتعبيره الجمالي، فأنظمة التأليف الهارموني – وان كانت بمفردها لا تعني شيئا إلا نفسها – تؤكد معنى اللحن، وتضفي عليه قوة وخصوبة في التعبير، وعمقا صوتيا يشبه العمق الذي يضفيه البعد الثالث على مشهد مرئي.
هذه العناصر الثلاثة للصوت الموسيقي هي إذن ما ينبغي أن يتم تشكيله في مركب واحد منسجم، حتى يكون للموسيقى تأثير جمالي. على أننا ينبغي أن نعي دائما أن تركيب أو تشكيل الأصوات الموسيقية بما له من تأثير جمالي، لا يكون نتاجا لمجموع نغمات المركب الموسيقي. فدلالة المقطوعة الموسيقية ليست في مجموع أصواتها أو نغماتها، وانما في علاقاتها الزمانية. فكل نغمة ليست لها أي دلالة جمالية بمفردها، وانما تستمد دلالتها من الوظيفة التي تؤديها داخل الكل، أي من وضعها داخل مجال إدراكي سمعي متصل. وهذا هو السبب في أن أي تغير يحدث في العلاقات الزمانية الكائنة بين النغمات (كأن يحدث تغيير في سرعة العزف، أو في تنفيذ الحركة الموسيقية) يكون كافيا لتغيير دلالة اللحن وتأثيره الجمالي. وهذا هو أيضا السبب في أن نفس الأصوات الموسيقية أو النغمات – حتى نغمات القيمة اللحنية البسيطة وحدها – يمكن استخدامها في تركيب وسياق زماني آخر لا يخلو فحسب من أي تأثير جمالي. وانما أيضا يكون أشبه بنوع من الضجيج المنفر.
والواقع أن العامة من جمهور الموسيقى لا يدركونها إلا باعتبارها لحنا، ويكونون غير قادرين على سماع عناصر الصوت الموسيقي بذاتها، وبالتالي على تمييز عناصر الصوت الموسيقي الأخرى كالايقاعات المتنوعة والتراكيب الصوتية الهارمونية داخل المركب الموسيقي. وينبغي أن نلاحظ هنا أن القدرة على سماع وتمييز العناصر الصوتية بذاتها، لا تعني إدراك هذه العناصر على حدة أو بمعزل عن الآخر. حقا أن مثل هذا الإدراك السمعي التفتيتي للعمل الموسيقي هو إدراك يحدث بالفعل، ولكنه لا يحدث في خبرة جمالية وانما في خبرة ميتا – جمالية أعني انه لا يحدث أثناء الخبرة الجمالية نفسها وإنما في خبرة تفترض حدوث الخبرة الجمالية بالعمل من قبل، ولكنها تتخذ طابعا تحليليا نقديا، كما هو الحال – على سبيل المثال – حينما نحاول أن نحدد بدقة سرعة الايقاع والحركة الموسيقية، أو مكونات هذا التركيب الصوتي، أو القواعد الهارمونية التي اتبعها المؤلف.. الخ، وما الى ذلك من ملاحظات تهم المتخصصين في علم الموسيقى أكثر مما تهم المتذوقين، أما أثناء الخبرة الجمالية ذاتها فإن المتذوق يدرك – أو ينبغي أن يدرك – عناصر الصوت الموسيقي باعتبارها متميزة ومتصلة في نفس الوقت، فإدراك العنصر الموسيقي بذاته يعني القدرة على التعرف على الدور الخاص الذي يقوم به داخل الكل. وفي هذه القدرة على إدراك العناصر الصوتية وسماعها في نفس الوقت منفصلة ومتصلة، متميزة عن بعضها ومترابطة معا في وحدة عضوية، في هذه القدرة تكمن ماهية الادراك الموسيقي ومعضلته في نفس الوقت. فالواقع أن مكل هذا الإدراك يتطلب قدرات سماعية خاصة وشيئا من الألفة بتكنيك الموسيقى ودلالات التشكيل الصوتي فيها. وهذا هو السبب في أن العامة من جمهور الموسيقى لا يقبلون على الموسيقى الكلاسيكية وخاصة الموسيقى التي تصاغ في قالب السيمفونية، وهي تلك التي تعتمد بشكل أساسي على الهارموني، ويكون التركيب الموسيقي فيها بالغ التعقيد بحيث تتطلب التأمل والتصور العقلي والانصات المدقق لعناصر التركيب السيمفوني وتوافقاته.
ولكن السؤال الهام الذي يبقى هو: هل الموسيقى مجرد تشكيل صوتي في سياق زماني ؟ أم أنها أيضا تعبير عن معنى؟ واذا كانت تعبيرا، فما هو المعنى الذي تعبر عنه ؟ هل هو مجرد معنى موسيقي، أو أنه يشير الى عناصر لا موسيقية أو فوق موسيقية، أي تقع خارج التشكيل الموسيقي؟ ويتساءل آخر: بأي معنى يكون للموسيقى معنى؟ وكيف يسهم هذا المعنى الى جمال التعبير الموسيقي؟ إن محاولة الاجابة على هذه التساؤلات وأشباهها، هي ما يمثل الجزء الثاني المتمم لموضوع بحثنا، بل ولأي بحث ممكن في جماليات الموسيقى؟
ثانيا: الصوت الموسيقي كتعبير جمالي
ليست هناك إشكاليات حقيقية أو جوهرية فيما يتعلق بتعريف الموسيقى أو العناصر المادية التي تدخل في تشكيلها ومصادرها، فالاشكالية الحقيقية تنشأ عندما نتساءل: هل الموسيقى تحتوي على عناصر أخرى لا موسيقية: كالأفكار والتمثلات والانفعالات أو العواطف ؟ وبوجه عام يمكن القول بأن هناك اتجاهين رئيسيين في هذا الصدد: وأحد هذين الاتجاهين يؤكد أن الموسيقى هي في المقام الأول أصوات في حركة لا تعني أي شيء ولا تشير على الاطلاق الى أي شيء يقوم خارجها، أو – لنقل بعبارة أخرى – إن ما تعنيه الموسيقى يكون معنى موسيقيا خالصا. والموسيقى بهذا المعنى تكون مجرد تشكيل صوتي زماني خالص. ولذلك فإن هذا الاتجاه في الموسيقى يسمى أحيانا "بالمدرسة الاستقلالية" aulonomy school، ويسمى أحيانا أخرى "بالمدرسة الشكلانية الخالصة purist/formalist school، بل يمكن اعتباره بمثابة صورة مبكرة
للنزعة الشكلانية formalism في الفن على وجه العموم. ولقد تمثل هذا الاتجاه في صورة قوية واضحة لدى هانزليك Edward von Hanslick في كتابه "الجميل في الموسيقى" The Beautiful in Music الذي نشر لأول مرة سنة 1854، والذي أخذ عنه اتباع هذا الاتجاه في الموسيقى، فضلا عن أنصار النزعة الشكلانية في الفن بوجه عام. أما الاتجاه الآخر – الذي يسمى أحيانا "بالمدرسة الارتباطية" heteronomy school – فيؤكد أن الموسيقى ليست مجرد صوت في حركة، وانما تشتمل أيضا على – أو تعبر عن – أفكار وانفعالات وحتى فلسفات للحياة. وفي رأينا أن الفيلسوف الألماني شوبنهاور Arthur Schopenhauer أبرز ممثل لهذا الاتجاه في أعمق صوره، وأن هانزليك الذي كان معاصرا له قد كتب كتابه عن "الجميل في الموسيقى" وفي ذهنه نظرية شوبنهاور. ولذلك فإن موقفنا من قضية التعبير الجمالي في الموسيقى سوف يتبلور من خلال مناقشتنا لهذين الاتجاهين اللذين لا يمكن لأي بحث في جماليات الموسيقى أن يغفلهما.
يرى هانزليك أن الجميل في الموسيقى يكون ذا طبيعة موسيقية، وهو يعني بذلك أن الجميل هنا لا يكون متوقفا على – ولا محتاجا الى – أي موضوع خارجي، وانما هو يتألف برمته من أصوات ربطها فنيا. فالأصوات الموسيقية إذن لها جمالها الخاص المباطن فيها، والذي يتبدى في أسلوب تشكيلها: في توافقها وتقابلها، في تحليقها واقترابها، وفي قوتها المتزايدة والمتلاشية، واذا ما تساءلنا: ما الذي يتم التعبير عنه من خلال لغة أو مادة الموسيقى التشكيلية، كالايقاع واللحن والهارموني؟ فإن هانزليك يجيبنا على الفور بأن ما تعبر عنه الموسيقى إنما هو أفكار موسيقية musical ideas،"والفكرة الموسيقية.. ليست فقط موضوعا ذا جمال باطني، وانما هي غاية في ذاتها وليست وسيله لتمثل ´ مشاعر وأفكار" (19). وهذا يعني ان "ماهية الموسيقى هي صوت وحركة "(20).
ولكي يبرهن هانزليك ويضفي قوة إقناعية على نظريته هذه في التعبير الموسيقي باعتباره يكمن في لغة التشكيل الجمالي للموسيقى ذاتها، فإنه يدعونا الى تأمل فن الارابيسك arabesque باعتباره فنا من فنون الزخرفة ابتكره العرب، لا نجد فيه أي تعبير عن انفعال محدد" فها هنا نجد الخطوط الزخرفية تترابط في انحناءات رشيقة، وهذه الزخارف قد تشكلت في أشكال صغيرة وكبيرة في صور لا تحصى، ومع ذلك فإنها تكون متناسبة تماما في كل شذرة منها، من خلال تكرارها وتقابلها في مركب زخرفي جميل منسجم. ولنتخيل الآن أن هذا التشكيل الجمالي الصامت بلا حراك قد دبت فيه الحركة، بحيث تتغير صورته التشكيلية باستمرار أمام أعيننا فها هي ذي خطوطه ترتفع لتهبط مرة أخرى، وهاهي ذي خطوطه العريضة والرقيقة تقتفي إثر بعضها بعضا، تتسع وتضيق لتقترب من بعضها،بحيث يحدث تناوب عجيب أمام أعيننا من الهدوء والحركة. إن الصورة التشكيلية الآن تبدو أنحشر سموا واثارة، فالأرابيسك الآن قد دبت فيه الحياة. والصورة الموسيقية ليست شيئا بخلاف ذلك (21).
والحقيقة أن بعضا من القوة الاقناعية لبراهين هانزليك يكمن في أن توصيفه الشكلاني للجميل في الموسيقى لم يستبعد المبدأ العقلاني، وبالتالي لم ينظر الى الموسيقى على أنها مجرد ظاهرة حسية محضة. ولذلك ينبغي أن نقر – فيما يرى هانزليك – بأن بيتهوفن لم يؤلف موسيقاه ليخاطب أعضاءنا السمعية فحسب، وانما ليخاطب أيضا خيالنا الذي يتأثر بانطباعات سمعية auditory impressions وهي شيء مختلف تماما عن مفهوم القنوات السمعية المعدة لاستقبال ظواهر فيزيقية صوتية، فهانزليك إذن لا يريد أن يقصر الجميل في الموسيقى على ظواهر فيزيولوجية خالصة تخاطب جهازنا السمعي، كأن نقول مثلا: إن الصوت الموسيقي يطرب أو يشنف الآذان، كي نستبعد أي مبدأ عقلاني أو منطق من الموسيقى. ولكن من الضروري هنا أن نعي جيدا أن المبدأ العقلاني أو المنطق في الموسيقى لا يشير عند هانزليك الى أية معان أو أفكار أو تصورات عقلية: فهناك منطق في الموسيقى، ولكنه منطق موسيقي يتمنى في ذلك الترابط بين كل العناصر الموسيقية في نوع من القرابة الطبيعية وهذا الترابط المنطقي لجملة الأصوات أو تنافرها هو أمر يمكن أن تتعرف عليه أية أذن مدربة دون حاجة لصياغة أية تصورات عقلية لنتخذها معيارا للجمال الموسيقي. ومن ثم، فإن المعنى في الموسيقى هو أيضا معنى موسيقي، فالموسيقي أشبه بلغة نتحـدثها ونفهمها دون أن نكون قادرين على ترجمتها في معان وكلمات أو تصورات عقلية (22).
وكما أن الموسيقى لا تعبر عن أفكار وتمثلات أو معان وتصورات عقلية، فإنها أيضا لا تعبر عن انفعالات أو مشاعر معينة. فهذه كلها أمور مستقلة عن التعبير الجمالي للصوت الموسيقي. حقا إن هناك مبررا لدينا حينما نصف الصوت الموسيقي بأنه فخم أو رشيق أو دافيء – الخ، ولكن مثل هذه الأوصاف – فيما يرى هانزليك – تعبر فقط عن الطبيعة الموسيقية لفقرة موسيقية معينة، ولا تبرر لنا أن نصف الموسيقى بأنها تعبر عن انفعالات الفخر أو الكآبة أو الرقة أو الحب… الخ، ولا ينكر هانزليك أن الموسيقى يمكن أن تعبر مثلا عن الهمس، ولكنه ليس همس الحب، ويمكن أن تعبر عن الصخب ولكنه ليس صخب المقاتلين الغيورين، فمثل هذه المشاعر لا يمكن أن يثيرها فن لا يقوم على التمثيل كفن الموسيقى. فهي مشاعر تنتج عن حالات فسيولوجية وباثولوجية تستند الى تصوراتنا وأحكامنا الذاتية، فما يجعلنا نضفي على الأحاسيس المنبثقة من الموسيقى طابعا شعوريا محددا، إنما هو حالتنا الذهنية والشعورية التي نكون عليها (23).
فالحقيقة أننا لو تأملنا طبيعة الموسيقى لما استطعنا أن فتمثل فيها مشاعر محددة، فلا يمكن لأحد أن يستدل على مشاعر معينة في مقطوعة من سيمفونية لموتسارت أو هايدن أو في حركة من حركات الآداجيو لبيتهوفن، أو في سكرنزو Scherzo (*) لمندلسون أو في أحد مؤلفات البيانو لدى شومان أو شوبان.. الخ. "فمن ذا الذي تكون لديه الشجاعة الكافية ليشير الى شعور محدد باعتباره موضوعا لأي من هذه المقطوعات الموسيقية. ربما يشير واحد الى ذلك قائلا: إنه "شعور الحب". وربما يكون على صواب. وربما يظن آخر انه "الحنين". وقد يكون الأمر كذلك. وربما يشعر شخص ثالث أنه "الحماس الديني". فمن ذا الذي يمكن أن يعارضه ؟ فكيف يمكن لنا إذن أن نتحدث عن شعور محدد يكون متمثلا حينما لا يكون أي شخص قادرا في الحقيقة على معرفة ما يكون متمثلا ومن المحتمل أن الجميع سوف يتفقون على جمال أو على صور الجمال في المؤلفات الموسيقية، في حين أنهم سوف يختلفون فيما يتعلق بموضوعها" (24).
وإذا كانت الموسيقى لا تعبر عن مشاعر محددة، أي لا تعبر عن موضوع المشاعر، فما هو ذلك الجانب من المشاعر الذي تعبر عنه الموسيقى إذا لم يكن هو موضوع المشاعر؟ وهنا يجيب هانزليك على هذا التساؤل الذي قد يراود الأذهان مبينا لنا أن ما تعبر عنه الموسيقى من المشاعر إنما هو "خصائصها الدينامية" فحسب، فهي يمكن أن تنتج الحركة المصاحبة لحدث سيكولوجي من حيث السرعة والبطء. والقوة والضعف، والكثافة المتزايدة والمتناقصة. ولكن هذه الخصائص جميعا هي "مصاحبات للشعور" وليست هي الشعور نفسه. ومن المغالطات الشائعة فيما يرى هانزليك – في نقد ضمني لموقف شوبنهاور- القول بأن الموسيقى يمكن أن تمثل الشعور نفسه لا موضوع الشعور، كأن تقدم لنا على سبيل المثال شعور الحب لا موضوع الحب. "غير أن الموسيقى في واقع الأمر لا تمثل أيا منهما. فهي لا يمكن أن تنتج شعور الحب، وإنما فقط عنصر الحركة، وهـذا العنصر يمكن أن يحدث في أي شعور آخر تماما منكما يحدث في شعور الحب.. (25).
وفحوى القول هنا أن الموسيقى عند هانزليك – سواء كانت موسيقى الآلات أو أي موسيقى أخرى – هي فن لا تمثيلي خالص.
ولا شك أن نظرية هانزليك في التعبير عن الجميل في الموسيقى قد حددت كثيرا من المفاهيم والقضايا المتعلقة بمبحث التعبير والمعنى في الموسيقى الذي يمثل محور اهتمام الدراسات المعاصرة في مجال جماليات الموسيقى، وهذا ما دعا بعض الباحثين – من أمثال فيليب البرسون Philip Alperson تقديمه لبعض الدراسات المعاصرة في هذا المجال -الى القول بأننا "لن نكون مبالغين الى حد كبير إذا قلنا أن مصطلحات هذا المبحث قد ارسيت من خلال عمل إدوارد هانزليك عن "الجميل في الموسيقى" (26)، وأن "الكثير من القضايا التي أثارها هانزليك مازالت تشكل بؤرة المساجلات المعاصرة، رغم أن القليلين هم الذين يكونون ميالين مثل هانزليك لاستبعاد التعبيرية الموسيقية من مجال المعنى الموسيقي" (27).
ومن القلة الأوائل الذين تابعوا هانزليك في نزعته الشكلانية، إدوارد جيرني Edward Gurneyفي كتابه "قدرة النغم" The Power of Sound الذي ظهر سنة 1880. وجون هوسبرز في رسالته للدكتوراة عن "المعنى والحقيقة في الفنون" يعرض لنظرية جيرني باعتباره ممثلا للمدرسة الاستقلالية أو الاتجاه الشكلاني الخالص في نظرية المعنى في الموسيقى، رغم أن نظريته لا تخرج عن الأطر والمفاهيم التي رسمها هانزليك.
ومن الحجج التي يلجأ اليها جيرني لتعضيد نزعته الشكلانية: أننا لا نستطيع أن نعزو المتعة الجمالية بالعمل الموسيقي وقيمته الجمالية الى تأثيره الشعوري، فلو أنني وجدت عشرين مقطوعة موسيقية جميلة وغير قابلة للوصف وأن واحدة منها فقط هي التي تكون جميلة وتوصف بأنها مثيرة للشجن، فإنه من غير المعقول القول بأنني أستمتع بهذه الأخيرة أكثر من البقية الأخرى، لأنها مثيرة للشجن. وكما أن الموسيقى لا تعبر عن انفعالات محددة، كذلك لا يجوز القول بأنها تعبر عن حالة شعورية عامة general mood (Gemuthsslimmung) (28) ولهذا ينتهي جيرني الى أنه مهما تعدد تصنيف مستمعي الموسيقى، فإنه يبدو أن هناك صنفين أساسيين منهما: هؤلاء الذين يسمعون موسيقى "خالصة" بدون معان "إنفعالية" أو ارتباطات من الحياة، وأولئك الذين يسمعونها بوصفها تعبيرا عن انفعالات أو مضامين أخرى خارج السياق الموسيقي extra -musical content وكلما كان المستمع أكثر خبرة فإنه يكون ميالا نحو التوجه الأول (29).
ويعتبر كل من ألان فورت Allen Fort وميلتون بابيت Milton Babbit المنظرين المعاصرين السائرين على ضرب هانزليك من خلال إسهاماتهم الأكاديمية العديدة في النصف الثاني من القرن العشرين. وترى كلير ديتيلز Claire Detels (30) – وهي أستاذة باحثة متخصصة في الموسيقى – أن هؤلاء يندرجون في عداد النزعة الشكلانية – الاستقلالية في النظرية الجمالية الموسيقية التي هي جزء من النزعة الشكلانية – الاستقلالية في علم الجمال عموما utonomist/formalist aesthetics التي تعتبرها نتاجا "لثقافة المتحف" “museum culutre” التي عزلت الفن عن سياق الحياة الاجتماعية والخبرة الانسانية، باعتبار أن الفن هو حرفة أو نشاط مميز عن هذا السياق، وأن الأعمال الفنية يمكن دراستها وفهمها من خلال مفاهيم بنائية وشكلا نية ومضامين تنتمي الى سياق العمل نفسه.
واذا خصصنا هذا الكلام على الموسيقى فإن هذا سيعني أن العمل الموسيقى هو عمل مستقل بذاته لا ينطوي إلا على مضامين موسيقية intra-musical contents ومن هنا ترى كلير ديتلز (31) أن هذه النزعة الشكلانية في مجال الموسيقى تنطوي على ما يلي: 1- إن الموسيقى تتألف من أعمال موسيقية منفصلة يمكن – بل وينبغي – عزلها عن السياقات الاجتماعية وتحليلها. 2- إن التحليل ينبغي أن يتعامل مع التنظيم البنائي للطبقات الصوتية pitches داخل "العمل الموسيقي" على نحو ما يتحدد من خلال النوتة الموسيقية. 3- إن هناك مقاييس للقيمة عامة أو هناك على الأقل معيارية يمكن من خلالها الحكم على الأعمال الموسيقية ومقارنتها.
ولو استرجعنا النظر الآن في موقف هنازليك باعتباره أول من قدم لنا عرضا قويا متماسكا ومتكاملا للنزعة الشكلانية في مسألة جماليات التعبير الموسيقي، فإنه لا يسعنا سوى الاعتراف بأن الكثير من الأوصاف التي يميز بها هانزليك طبيعة الجميل في الموسيقى هي أوصاف صحيحة تماما، ولكنها مع ذلك تظل ناقصة أو مبتورة. وربما كان هذا هو ما يقصده الفريد اينشتين حينما ذهب الى القول بأن "تفكير هانزليك ضيق الحدود، ولكنه صحيح تماما داخل هذه الحدود" (32). فالحقيقة أن وجه القصور في نظرية هانزليك – ومن نحا نحوه من الشكلانيين – تكمن في أن نظريته في الجميل الموسيقي تظل محصورة في إطار الشكل الموسيقي المنعزل عن سياق الحياة والروح الانسانية ولا شك أن هذه المسألة تظل بمثابة نقطة الاختلاف الأساسية والحاسمة بين أنصار المدرسة الاستقلالية وأنصار المدرسة الارتباطية، ولذلك فإن هوسبرز عندما يعرض لموقف سوليفان J.W.N Sulivan باعتباره ممثلا للمدرسة الارتباطية في مقابل موقف كل من هانزليك وجيرني، فإنه يبين لنا أن كلا الفريقين يتفقان على أشياء من قبيل تفرد وتميز التعبير الموسيقي وعدم امكانية التعبير عما تعنيه بالنسبة لنا في كلمات، ولكن في حين أن سوليفان يرى أن الموسيقى ليست منعزلة عن السياق الروحي للحياة، فإن هانزليك وجيرني ومن ذهب مذهبهم يؤكدون أنها "أشكال خالصة منعزلة “isolated forms” (33).
ويحاول جون هوسبرز التقريب بين الاتجاهين حينما يذهب الى القول بأن خبرات الموسيقى لها صلة قرابة غامضة بخبرات الحياة، وان كانت المشاعر التي تحدث لنا في الحياة مختلفة عن تلك التي تحدث لنا في الموسيقى، وأننا نستخدم نفس الكلمات لوصف الخبرتين – بسبب الافتقار الى ما هو أفضل منها. وبالتالي فلو أن أنصار المدرسة الاستقلالية وضعوا هذه الحقيقة نصب أعينهم لما تطرفوا في مسألة الفصل بين الموسيقى والحياة (34).
والحقيقة أننا لن نجانب الصواب إذا قلنا أن القاسم الأعظم من فلسفات الموسيقى ينتمي الى الاتجاه الذي يربط بين الموسيقى والحياة والخبرات الشعورية، بل إننا نستطيع أن نتلمس جذور هذا الاتجاه لدى القدماء. حقا إننا نستطيع أيضا تلمس جذور النزعة الشكلانية في صورتها الرياضية لدى فيثاغورث. ولكننا لا ينبغي أن نتناسى أن فيثاغورث – فضلا عن أفلاطون وأرسطو- قد فطنوا الى عمق تأثير الموسيقى على النفس والميول وطابع الخلق. وان كان من الانصاف أن نقول بأن معالجة اليونان للموسيقى هنا كانت تخلط بين الجميل والأخلاقي. كذلك فإن هيجل يعتبر أحد الفلاسفة الذين أكدوا بقوة على قدرة الموسيقى على التعبير عن الحياة الشعورية والروح الباطنية. فالموسيقي بخلاف الفنون التشكيلية وخاصة النحت، لا تتمثل موضوعا خارجيا يوجد وجودا موضوعيا في المكان، وانما تتمثل شعورنا نفسه ! وبالتالي فهي توجد على نحو لا ينفصل عن الحياة الباطنية.
ولا شك أن ارتباط الموسيقى الوثيق بمجال الشعور والانفعالات هو من الوضوح بحيث لا يحتاج الى برهان، لأنه ارتباط يظهر حتى في الانفعالات الأولية التي تثيرها الموسيقى في المتلقي على نحو مباشر من قبيل: التغيرات الفسيولوجية المصاحبة لهذه الانفعالات، والمشاعر الباطنية التي يمتد مجالها بدءا من الانعكاسات البسيطة نسبيا الى مشاعر الارتياح أو الاثارة التي تعد جزءا من خبرتنا بالموسيقى. وهذا ما دعا بعض الباحثات الى أن تنسب طابعا شعوريا الى الموسيقى بناء على المشاعر التي تثيرها فينا: "فالموسيقى التي تزعجنا وتقلقنا هو موسيقى مزعجة ومقلقة. والتحولات المقامية modulations التي تدهشنا هي تحولات مدهشة. والألحان التي تغمرنا بالهدوء والسكينة هي ألحان باعثة على الهدوء. وعلاوة على ذلك، فإن التحولات الهارمونية غير المتوقعة تثيرنا وتكون مثيرة ! والبقاء الطويل في منطقة هارمونية بعيدة عن مفتاح القرار يجعلنا في حالة من عدم الارتياح وينتج موسيقى باعثة على التوتر، والعودة الى مفتاح القرار بعد بقاء طويل في منطقة هارمونية بعيدة يؤدي الى الارتياح من هذا التوتر وينتج موسيقى مريحة" (35). وهذا الأمر يمكن أن نلاحظه بوضوح في أوبرا تريستان وايزولده Tristan und Isolde لفاجنر على سبيل المثال: "فالاحساس بالارتياح الذي نستشعره عند نهاية هذا العمل هو نتيجة لانتظار طويل لعملية تصريف للتباعد الصوتي الهارموني resolution بعد ما يزيد على أربع ساعات من التحولات المستمرة للقرار دون عملية تصريف" (36).
وهناك أسباب عديدة – فيما ترى كلير (37) – تحملنا على رفض دعوى الشكلانيين الأساسية بأن الموسيقى يجب فهمها ودراستها باعتبارها علاقات شكلية أو نظما بنائية للطبقات أو الأبعاد الصوتية pitches داخل "العمل الموسيقي" على نحو ما تتحدد من خلال المدونة الأوركسترالية.score. ومن هذا الأسباب أن فهم الموسيقى يعتمد على الايقاع، على الأقل بقدر ما يعتمد على الأبعاد الصوتية، لأن الايقاع له ارتباط وثيق بالناحية الفيزيقية والانفعالية والثقافية، وحتى إذا لم يكن الايقاع مستبعدا من الصورة هنا فإن ممارسة تحليل وفهم الموسيقى بناء على العلاقات الشكلية المدونة في النوتة الموسيقية هو أمر مشكوك فيه، لأن التدوين ليس هو الموسيقى ذاتها وانما هو مماثل لها نما واستمر لأجل تعليم المفاهيم النظرية الموسيقية. فضلا عن أن ممارسة التحليل من خلال المدونة الأوركسترالية يتجاهل بنية (بديهية) تاريخية تتمثل في أن المؤلفين الموسيقيين ليسوا هم المسؤولين وحدهم عن أعمالهم الموسيقية، فالعازفون عادة ما يكونون الى حد ما مبدعين مشاركين co-creators للأبينة الموسيقية، ناهيك عن الخبرات الموسيقية (لدى المستمعين) التي تحدث بمنأى عن العلاقات التدوينية في كل مازورة موسيقية.
ويستفاد من هذا أن العمل الموسيقى لا يمكن فهمه بمنأى عن الخبرات الشعورية بالعمل سواء لدى العازف أو لدى المتلقي. ولعل هذا التحليل العارض يذكرنا بتحليل الفينومينولوجيين العميق – من أمثال رومان انجاردن R. Ingarden – لبنية الموضوع الجمالي (في العمل الفني بوجه عام) باعتبارها بنية ليست متعالية وجوديا على خبرات المتلقي الذي يقوم بإعادة تأسيس العمل كموضوع جمالي من خلال الفهم والشعور. وفي حالة فنون الأداء – كفن الموسيقى – فإن المؤدي الذي هو العازف في حالة الموسيقى يكون دوره جوهريا، لأنه يضفي شيئا من مهارته وفهمه وشعوره في عملية أدائه للعمل تماما مثلما أن المتلقي يقوم بربط هذه الحالة النفسية أو تلك بهذا الايقاع أو تلك النغمة، وهي مسألة تتوقف على مدى ثقافته وخبرته الموسيقية، بل وعلى مدى نضب خبراته الشعورية ووجدانه الذي يتيه له فهم العمل والشعور به.
ولهذا كله، فإننا لا يمكن أن نقف في فهمنا للموسيقى داخل حدود النزعة الشكلانية الضيقة لدى هانزليك وأقرانه التي تكتفي بفهم الموسيقى في إطار الشكل الموسيقي المنعزل عن سياق خبرات الحياة والروح الانسانية، فليس الجميل في الموسيقى – كما ظن هانزليك – مجرد صوت في حركة (أو تشكيل زخرفي في حالة حركة) لا صلة له بالمشاعر الانسانية، وانما له صلة فقط بما يصاحب هذه المشاعر. وليس المعنى الموسيقي مجرد معنى مباطن في الأصوات الموسيقية وأسلوب تشكيلها، دون أن تكون له أية دلالة خارج السياق الصوتي، فحتى فن الأرابيسك ليس – كما وقع في ظن هانزليك – مجرد فن زخرفي خالص نستمتع بانحناءات خطوطه وتنويعاتها التي لا تحصى من خلال أشكال تتكرر باستمرار على انحاء عديدة الى ما لا نهاية. فليست متعتنا بهذا الفن مجرد متعة بزخارف خالصة لا تنطوي على أي معنى أو أية دلالة، فإن بعضا من القيمة الجمالية لهذا الفن تكمن في دلالته الروحية من خلال عناصر التشكيل الفني التجريدي، أعني تكمن في قدرته على التعبير عن معنى الوحدانية التي تتجلى في أشكال لانهائية ومجردة، و:لوحدانية واللانهائية والتجريد أو التنزيه الذي ينأى عن أي تشبيه أو تجسيد في صور عيانية. هي صفات جوهرية للألوهية في الاسلام.
واذا كان هذا هو الحال بالنسبة لفن الارابيسك. فما بالنا بالموسيقى التي أصبحت منذ عصر بيتهوفن بوجه خاص أشبه بصيحة للروح تجد صداها في روح أخرى، حتى إن العمل الموسيقي – كما يقول برتليمي (38) – قد أصبح يأخذ على عاتقه مهمة "فوق موسيقية" تسمى آباسيوناتو (التعبير عن العاطفة)(**) أو آجيتاتو (التعبير عن الثورة) (***) أو فوريوزو (التعبير عن الغضب) (****).
ولا شك ان المرء ليستشعر دوافع ومقاصد نبيلة وراء موقف هانزليك ومن نحا نحوه من الشكليين، على نحو لا يملك معه المرء سوى ان يقدر ويرتضي موقفهم من هذه الناحية. وهذه الدوافع النبيلة تتمثل في سعيهم الدءوب واصرارهم الملح على تخليص التذوق الموسيقي من تلك المشاعر الذاتية والحالات السيكولوجية الخاصة التي تصادف الناس في دنيا حياتهم اليومية والتي تصرفهم عن تأمل الموسيقى ذاتها والاستمتاع بها لذاتها. وتجعلهم يتخذون من الموسيقى مناسبة لاثارة مشاعرهم وعواطفهم الذاتية. فان حال هؤلاء سوف يشبه حال ستاندال Standhal يعد اشهر من يمثل هذا الصنف من المتذوقين على نحو ما يصوره لنا برتليمي، اذ كان يحب في الموسيقى كل شيء آخر غير الموسيقى، فعلى الرغم من أنا كان يردد "ايتها الموسيقى.. يا حبي الوحيد"، فإنه كان يقول في نفس الوقت "إننا لا نستمتع حقيقة في الموسيقى الا بالأحلام التي توحي لنا بها". ولكن ما الذي يبقى عندئذ من الجمال الموسيقي؟ لا شيء. وماذا لو اثار احلامنا شيء آخر غير الموسيقى، فما جدوى وقيمة الموسيقى عندئذ. لا شيء أيضا. ولهذا يرى برتليمي أن ستاندال عندما يقول ايضا "كل موسيقى تدعوني الى التفكير في الموسيقى شيء تافه بالنسبة لي" إنما هو قول يدل على أن ستاندال نفسه كان مستمعا تافها (39).
وليس هذا حال ستاندال وحدد. بل إننا نستطيع أن القول ايضا بأن أكثر مستمعي الموسيقى هم مستمعون تافهون مثل ذلك الأديب العظيم، لهم آذان ولكن لا يسمعون، فاغلب الناس لا يستمتعون بالموسيقى لذاتها (ولا حتى بما تثيره فيهم من مشاعر)، وانما لارتباطها في نفوسهم بمشاعر خاصة ناتجا عن ذكريات وأحلام ومواقف عاطفية معينة، ولذلك نراهم يفضلون مقطوعات موسيقية معينة رغم أنها قد لا يكون فيها شيء من الفن الموسيقي.
لهذا كله، فاننا نتفهم ونقدر مقاصد موقف هانزليك ومن نحا نحوه، فالموسيقي إذن ليست تمتعا بمشاعر خاصة ذاتية من قبيل تلك التي نعانيها في حياتنا اليومية، ولذلك ايضا فاننا نتفق تماما مع برتليمى حينما يذهب الى القول بان "السرور الذي يطبعنا به دور الاليجرو (*****) يخطف كل الاختلاف عن السرور الذي يطبعنا به حدث سعيد. والحزن الناجم عن الأداجيو (******) لا موضوع له ولا سبب، ولذا فهو لا يشبه الا من بعيد ذلك الحزن الذي نشعر به إزاء مرور الزمن بسرعة او تفاهة البشر. والألم الذي تصبه علينا الموسيقي لا يختلط الا قليلا جدا بالآلام الأخرى، لدرجة أن الألم الناجم عن الموسيقى يملؤنا بسعادة عجيبة" (40).
وكل هذا صحيح ما في ذلك شك ولكن هذا أيضا يعني ضمنيا أن الموسيقى تكون قادرة في نفس الوقت على التعبير عن مشاعر السعادة والحزن والالم، وليس عن مصاحباتها الموسيقية على نحو ما ذهب هانزليك.
لقد فهم شوبنهاور – المحب الحقيقي للموسيقى – هذه الحقائق بوضوح وعمق. فإذا كانت الموسيقى تعبر عن الشعور فإن السؤال الملح عن الكيفية التي تعبر بها الموسيقى عن الشعور، هو سؤال يمكن أن نلتمس اجابته الشافية من خلال قراءتنا لشوبنهاور. فالموسيقي – كما بين لنا شوبنهاور – تعبر عن الشعور والعاطفة بطريقة عامة كلية: "فهي لا تعبر عن هذا البهجة الجزئية أو تلك، ولا عن هذا الحزن أو ذاك، ولا عن ذلك الألم أو الخوف أو السرور أو المرح أو طمأنينة النفس، وانما تعبر عن مشاعر البهجة والحزن والخوف أو السرور والمرح وطمأنينة النفس ذاتها، أي تعبر عنها بطريقة مجردة الى حد ما، فهي تعبر عن الماهية الباطنية لهذه المشاعر دون أية إضافات ثانوية، ولذلك فهي تعبر عن هذه المشاعر بدون دوافعها" (41). ولذلك فإن المشاعر التي تثيرها فينا الموسيقى لا تشبه تلك المشاعر التي نمر بها في حياتنا اليومية، وفي ذلك يقول شوبنهاور: "إن من يسلم نفسه للأثر الذي تحدثه فيه سيمفونية ما، يبدو أنه يرى كل المشاهد الممكنة للحياة والعالم تحدث في نفسه، ومع ذلك فإنه إذا تأمل الأمر فل ن يجد أي تشابه بين الموسيقى والأشياء التي مرت أمام عقله" (42).
ويستفاد من هذا أن التعبير الموسيقي يعني قدرة الموسيقى على إثارة حالات شعورية متنوعة دون أن تعبر عن أي شيء جزئي أو محدد من قبيل تلك المشاعر التي نمر بها أو نألفها باعتبارها مشاعر جزئية ذات دوافع معينة، أي أنها ببساطة تعبر عن صورة الشعور لا عن مضمون الشعور. ولكي نوضح موقف شوبنهاور هنا يمكن أن نسوق المثال التالي: إن الشعور بالحزن – على سبيل المثال – يمكن أن يتخذ أشكالا عديدة ناتجة عن دوافع وأسباب جزئية متباينة. فقد يشعر الانسان بالحزن نتيجة خسارة مادية معينة أو تجربة نفسية أليمة أو خطب ألم به كأن يفقد شخصا عزيزا لديه… الخ. والموسيقى عندما تعبر عن شعور الحزن فإنها لا تعبر عن أي من حالات الحزن الجزئية التي أشرنا اليها، وانما تعبر عن شعور الحزن نفسه بدون الأسباب أو الدوافع التي أدت اليه، فمثل هذه الحالات والأشكال الجزئية من الحزن التي نصادفها في حياتنا اليومية ليست لها أية قيمة جمالية، أي أنها تكون محايدة من الناحية الاستطيقية، أما عندما يكون الحزن صادرا عن عمل من أعمال شوبان أو رحمانينوف الموسيقية على سبيل المثال. فإن الحزن هنا تكون له قيمة ودلالة جمالية، لأنه صادر عن الموسيقى نفسها حينما تكون موضوعا لخبرتنا الجمالية (أي كموضوع جمالي) كما يقول الفينومينولوجيون. وهذا هو السبب في أننا عندما نستشعر الحزن أو الألم باعتباره شعورا منبثقا من الموسيقى نفسها، فإننا لا نكون في حالة حزن أو تألم بالفعل، وانما نبدو كما لو كنا نستشعر أو نكتشف جوهر ومعنى الحزن أو الألم. وهذا بدوره هو السبب أيضا في أن الحزن المنبثق عن الموسيقى يصبح موضوعا لمتعتنا، وليس معنى ذلك أننا نستمتع بالحزن وانما معناه أننا نستمتع بتمثيل أو بتمثل الموسيقى لمعنى الحزن، ولا شك أن المؤلف الموسيقي هو المسؤول الأول عن هذا التمثيل من خلال عمله نفسه، ولكن العازف أو المؤدي هنا له دور جوهري أيضا، شأنه بدونه لا يمكن أن يصبح هذا التمثيل متعينا، وهذا التعين يتوقف على مدى براعته ومهارته الأدائية وحسه الجمالي بالعمل. كما أن عملية التمثيل هذه لا يمكن أن تتم إلا من خلال متلق له قدرة على قراءة الخاصية الوجدانية في العمل.
وهاك مثال آخر: لنفترض أننا نستمع الى السيمفونية الخامسة لبيتهوفن التي عرفت باسم "القدر"، وهو عنوان شاع عن طريق الناشرين والنقاد لأعمال بيتهوفن عن افتراض أن التوافقات الرئيسية فيها تمثل في ذهن بيتهوفن ضربات القدر وهو يطرق الباب على حين غرة. ولنفترض أنني لا أعرف شيئا عن هذه المعلومات الشائعة، فإن الشيء المؤكد هو أن الطابع الموسيقي لتوقيعات بيتهوفن هنا – خاصة في الافتتاحية – يشيع فيها وتحمل الينا شعورا بالرهبة يشبه تلك الرهبة التي نستشعرها إزاء الأمر الجليل، ومع ذلك فإننا لا نكون في حالة رهبة بالفعل من شيء ما أو بسبب شيء محدد، فنحن نستشعر الرهبة والجلال دون أن يكون هناك موضوع للرهبة أو للشعور بالجلال، ولا شك أن جانبا كبيرا من متعتنا الجمالية هنا تكمن في إدراك تمثيل الموسيقى لشعور الرهبة والجلال.
كل هذا يجعلنا نعيد النظر في تصور الموسيقى باعتبارها فنا لا تمثيليا. فالواقع أن تصنيف الفنون الى فنون تمثيلية representative تتمثل موضوعا مستمدا من الحياة أو العالم كالتصوير والنحت والأدب، وفنونا لا تمثيلية nonresentative لا تتمثل موضوعا معينا يقبع خارج إطار العمل كالمعمار والموسيقى الخالصة، هو تصنيف يصبح موضع شك، بل يبدو تعسفيا ودجماطيقيا، والحقيقة أننا نوافق تماما على وصف الموسيقى المطلقة أو موسيقى الآلات absolute or instrumental بأنها فن خالص pure music ولكننا لا نرى ترادفا بين مفهوم الموسيقى كفن خالص والموسيقي كفن لا تمثيلي. فالفن الخالص يعني ذلك النمط من الفن الذي يكون قادرا على التعبير بوسائطه الخاصة دون حاجة للاستعانة بوسائط مادية من الفنون الأخرى، ودون حاجة لتمثل موضوع محدد أو معين في الواقع الخارجي، ولكن هذا لا يعني أن الفن الخالص يصبح لا تمثيليا، فالتمثيل في الفن قد يكون لأفكار ومشاعر وليس فقط لموضوع معين، والفن الخالص عندما يتمثل فكرة أو شعورا ما – والموسيقى هنا تمدنا بأفضل مثال – فإنه يتمثل صورة هذه الفكرة أو الشعور دون إشارة أو محاكاة لموضوع ما، أي يتمثلها بوسائطه التعبيرية الخالصة.
والحقيقة أن الافتقار الى التمييز الدقيق بين هذين المفهومين هو السبب الرئيسي في سوء فهم الشكلانيين من أمثال هانزليك لقضية التعبير الجمالي في الموسيقى، وهو أيضا السبب في قصور النزعة الشكلانية في مجال نظرية النقد في الفنون الأخرى، على نحو ما نجدها لدى كليف بل Clive Bell وروجر فراي Roger Fry فلقد تأثر هذان بالثورة التعبيرية التجريدية التي حدثت في مجال الفنون – وخاصة فن التصوير – التي أرادت أن تحذو حذو الموسيقى المطلقة أو الخالصة في طرائقها التعبيرية، فمالوا الى القول بأن الجميل في الفن هو صورة خالصة معبرة pure significant form لا تحتاج عند تأملها أن نستحضر معنا شيئا من الحياة. ومن ثم، فقد خلطوا أيضا بين مفهوم التصوير الخالص والتمثيل الفني.
إن الموسيقى الخالصة – وهذا يصدق أيضا على فن التصوير الخالص – هي نوع من التعبير الجمال التجريدي، ولكن شريطة أن نعي أن التجريد في الموسيقى – أو في أي فن آخر – لا يعني التجرد من الدلالة بالنسبة للواقع والحياة الانسانية وانما يعني التعبير عن هذه الدلالة بطريقة مجردة أي دون تمثل لموضوع محدد أو لظاهرة جزئية في الواقع الخارجي، وهذا هو ما أسميناه في دراسة أخرى "بالحياد الاستطيقي" (43) كشكل من أشكال التعبير عن الجميل في الفن. فكما أن المشاعر الواقعية التي نصادفها في دنيا حياتنا اليومية تكون محايدة من الناحية الاستطيقية، أي ليست لها علاقة بالاستطيقي أو بالجميل في الفن، كذلك فإن المشاعر (الاستطيقية) التي تنبثق من العمل الموسيقي نفسه تكون بدورها محايدة من جهة الواقع، مادامت لا تعبر عن شعور محدد يماثل المشاعر الجزئية الواقعية، وانما تعبر تجريديا عن صورة هذا الشعور، فمفهومنا عن "الحياد الاستطيقي" أو حياد الموضوع الجمالي من جهة الواقع، لا ينبغي إذن أن يختلط بذلك المفهوم الشائع عن تجريد الفن من البعد الانساني Dehumanization of Art يصبح فيه الفن مقطوع الصلة بالواقع والحياة الانسانية لأن التجريد في مفهومنا لا يعني عزل الفن عن الواقع الانساني. وانما يعني صياغة هذا الواقع على نحو تجريدي، كما لو كنا نقدم مماثلا له بلغة الفن دون أن نستعير أو نحاكي شيئا منه، فالفن هنا يمكن أن يعبر عن كل شيء وأي شيء دون أن يشير الى أي شيء أي دون أن يشير الى شيء بعينه. والموسيقى المطلقة أو الخالصة – أعني موسيقى الآلات – هي الفن الذي يمدنا بأفضل نموذج على هذا الشكل من أشكال التعبير الفني، وذلك حينما تعبر عن صورة الشعور دون موضوعه، أي عن "صورته المجردة" بلغة شوبنهاور فيها وسائط التعبير الموسيقي مع وسائط من الفنون الأخرى: كالشعر (كما في الأغنية)، والنص الأوبرالي (كما في العرض المسرحي الأوبرالي) والصورة السينمائية (كما في الفيلم)؟ وبتساؤل أخر: هل هناك تغير يطرأ على طبيعة التعبير الجمالي الموسيقي عندما تصبح الموسيقى مندمجة في هذه الأشكال الفنية ؟
وهنا أيضا يمكن أن نلتمس لدى شوبنهاور منطلقات لاجابتنا عن هذا التساؤل. لقد أكد شوبنهاور بقوة على أن موسيقى الآلات قادرة على التعبير عن الشعور وفقا لغاياتها الجمالية الخاصة دون حاجة الى الاستعانة بأي وسائط أخرى. وهو من هذه الناحية كان أكثر فهما لقدرة التعبير الموسيقي من كانط وهيجل اللذين رأيا أن الموسيقى تعبر عن الشعور ولكن بطريقة غامضة، ولذلك فإنها تحتاج الى كلمات لكي يصبح التعبير أكثر وضوحا وتعينا ومعقولية، وهو موقف قد أملاه الاتجاه العقلاني في مذهبيهما الذي أراد فهم الفن أو لفة الشعور بلغة العقل، حتى إن هيجل قد اعتبر تألق الفكرة أو التمثل الواضح للفكرة المتعقلة معيارا أسمى للفن. شوبنهاور إذن كان أكثر وعيا بطبيعة الموسيقى كلغة للشعور يمكن أن تعبر بطريقة أكثر وضوحا ومباشرة وصدقا من الكلمات. فالموسيقي لها المكانة السامية فوق الشعر وغيره من الفنون، ومن ثم لا ينبغي للموسيقار أن يحاكي الكلمات، وانما يجوز أن يستخدمها فقط كمادة لاستثارة خياله، ولا ينبغي أن تكتب الموسيقى لأجل الكلمات، وانما العكس هو الصحيح، فالكلمات والنص الأوبرالي هما ما ينبغي أن يكتب لأجل الموسيقى، فالكلمات والنص الأوبرالي هي وسائط دخيلة على الموسيقى، وحتى الموسيقى الأوبرالية الجيدة يمكن أن تفهم بوضوح وتحدث أثرها الكامل بمنأى عن النص الأوبرالي نفسه، والحقيقة أن هانزليك نفسه قد تأثر بآراء شوبنهاور هنا. فقد اعتبر موسيقى الآلات هي الموسيقى الخالصة التي تحدد لنا طبيعة وخصائص الموسيقى في عمومها، وأن تحدد الموضوع الذي نجده في حالة الموسيقى الغنائية أو الاوبرالية لا يرجع الى طبيعة الموسيقى ذاتها وانما الى الكلمات. ومن ثم يرى هانزليك أن الكلمات يمكن أن تتبدل على نفس اللحن الواحد، بدليل "وجود حالات كثيرة يتم فيها استخدام نص جديد تماما لنفس العمل الموسيقي" (45). وهذا يعني أن هانزليك يوافق شوبنهاور على تبعية النص أو الكلمات للموسيقى.
ومع ذلك، فإن هذا لا يبرر لنا ما ذهب اليه شوبنهاور من القول بأن "الكلمات هي دائما إضافة دخيلة على الموسيقى ليس لها سوى قيمة ثانوية"، وأنها إذا اندمجت مع الموسيقى "يجب أن تتخذ مكانة ثانوية وتتكيف تبعا لها" (46)، ولا يبرر قوله بأن فن الأوبرا يعد دخيلا على الموسيقى بحيث يمكن تعريفه بدقة بأنه "اختراع لا موسيقي، لمصلحة عقول لا موسيقية لا يمكن أن تفهم الموسيقى إلا إذا تسربت اليها أولا من خلال وسيط دخيل عليها" (47).حقا إن موسيقى الآلات هي الفن الخالص على الأصالة التي تنكشف فيها طبيعة الموسيقى في التعبير بطريقة عامة مجردة وهو ما أصبح يشكل نموذجا تحاول الفنون الأخرى الاقتداء به، ولكن اندماج الموسيقى مع وسائط فنية أخرى لا ينتقص شيئا من طبيعة التعبير الموسيقي ولا ينبغي أن يحملنا على التقليل من قيمة هذه الوسائط الأخرى في نفس الوقت. ذلك لأن الاندماج بين الموسيقى والوسائط الفنية الأخرى يخلق أشكالا فنية مركبة لها جمالياتها التعبيرية الخاصة. كالأغنية والأوبرا والفيلم.. الخ. والموسيقى التي تدخل في بنية هذه الأشكال الفنية المركبة يتم تأليفها بوحي من النص الشعري أو الاوبرالى أو الصورة السينمائية. وقد لاحظ شوبنهاور نفسه كما أسلفنا أنه يجوز للموسيقار أن يستخدم الكلمات كمادة لاستثارة خياله. ولكن هذا القول لا يتفق مع ما ذهب اليه شوبنهاور من القول بأن الكلمات هي التي ينبغي أن تكون تابعة للموسيقى وتؤلف من أجلها. فمثل هذا القول يبدو لامعقولا، وهذه اللامعقولية ستبدو أكثر وضوحا في حالة الفيلم التي لم يشهدها شوبنهاور أو معاصروه، فمن غير المعقول أن يذهب أحد في يومنا هذا الى القول بأن المشهد السينمائي ينبغي أن يؤلف لأجل الموسيقى أو يكون تابعا لها، ومن المهم أن نلاحظ أن الموسيقى الوصفية أو الموسيقى ذات البرنامج programme music التي تستخدم في مثل هذه الأشكال الفنية المركبة لا تعني تحول التعبير الجمالي الموسيقي من المستوى التعبيري العام المجرد الى مستوى المحاكاة لحالة جزئية خاصة مجسدة عيانيا، وانما تعني أن المؤلف الموسيقي يستلهم روح هذه الحالة الجزئية وطابعها الشعوري لأجل التعبير عنها بلفة الموسيقى أي بلغته العامة المجردة. وان شئنا مزيدا من الدقة لقلنا إن المؤلف الموسيقي يستلهم الدلالات والايحاءات الكلية في الحدث الجزئي، لأنه لا يوجد أي عمل فني يخلو من هذه الدلالات الكلية، ولكن في حين أن الفنون جميعا توحي بالكلي في الجزئي ومن خلاله، فإن التعبير الموسيقي يظل بطبيعته كليا عاما مجردا، لأن الوسيط المادي الموسيقي يتأبى بطبيعته على التعين والتحدد، ومن ثم فإن تحذيرات وتحفظات شوبنهاور المشددة هنا لا مبرر لها: "فالموسيقى لا ينبغي أن تحاكي الكلمات". لا لأنها يمكن أن تقع في هذا المحظور عندما تؤلف لأجل النص، وانما لأنها بطبيعتها لا يمكن أن تقع في هذا المحظور عندما تؤلف لأجل النص أو تصف أحداثا، اللهم إلا إذا جاءت الموسيقى مجردة من طبيعتها وقيمتها الجمالية. الموسيقى الوصفية إذن لا تنتقص شيئا من جمال التعبير الموسيقي ولا من عموميته وطابعه التجريدي. وليس أدل على ذلك من أننا نرى كثيرا من الأعمال الموسيقية التي تؤلف لأغان أو لأفلام سينمائية – وخاصة تلك الأعمال الموسيقية التي تكون رفيعة من حيث القيمة الفنية والجمالية – يعاد انتاجها من خلال الآلات الموسيقية وحدها instrumental reproduction بشكل مستقل عن الكلمات والأحداث والمشاهد التي من أجلها أبدعت هذه الأعمال الموسيقية، ومع ذلك تظل محتفظة بمتعتها بالنسبة لنا. فالموسيقي التي تدخل في بناء الأشكال الفنية الموهبة لها إذن طرائقها التعبيرية الخاصة بها والتي تسهم في نفس الوقت الى جماليات الوسائط الفنية الأخرى عندما تتآزر معها. ولولا هذا التداخل والتآزر بين الفنون لما كانت هناك فنون مركبة.
الحقيقة أن الاستطرادات والملاحظات النقدية السالفة لا تقلل أو تنتقص من قيمة ملاحظات شوبنهاور وفهما العميق لطبيعة الموسيقى الخالصة وامكاناتها في التعبير عن جوهر الشعور. ولا شك أننا يمكن أن نلاحظ أحيانا تقاربا كبيرا بين بعض من آراء شوبنهاور وآراء هانزليك. وهذا ما دعا يوليوس بورتنوي Julius Portnoy الى القول بأن السمات الأساسية لنظريات شوبنهاور الجمالية تتمثل في هذا الناقد أكثر مما تتمثل لدى فاجني. فقد اتفق هانزليك مع شوبنهاور على أن موسيقى الآلات أرفع من الموسيقى التي يضفي عليها النص صبغة عقلية تصورية، كذلك كان يردد آراء لشوبنهاور ذهب فيها الى أن الموسيقى لا تستطيع بذاتها أن تمثل أو تعبر عن مشاعر محددة وانتهى مع شوبنهاور إلا أن موسيقى الآلات تسير تبعا لقواعد موسيقية محددة وليست تعبيرا عن مشاعر الموسيقار أو انفعالاته كما تصور الرومانتيكيون. كذلك يمكن القول بأن هانزليك يشارك شوبنهاور في رفض القول بأن الموسيقى تكون محاكاة للنظام الكوني، وفي النظر الى الموسيقى ذات البرنامج باعتبارها شكلا أدنى من الموسيقى الخالصة التي تكون لها حياة خاصة بها وعالم خاص بها (48). ومع ذلك، فإنه يظل هناك اختلاف حاسم لا سبيل الى رفعه بين نظريتي شوبنهاور وهانزليك، وهو اختلاف يكمن أساسا في رؤية شربنهاور لقدرة الموسيقى على التعبير عن جوهر أو صورة الشعور، بل والتعبير عن جوهر الحياة الانسانية والوجود بوجه عام على نحو ما سنرى حد قليل. ولهذا نعتقد أن هانزليك قد كتب مؤلفه الشهير وفي ذهنه أن يبين اختلافه وتمايزه عن شوبنهاور، وهذا واضح تماما حينما رفض صراحة القول بأن الموسيقى تعبر عن الشعور بوجه عام، بالموسيقى عنده لا تعبر فحسب عن موضوع الشعور، وإنما لا تعبر أيضا عن الشعور في عموميته على نحو ما رأينا. ولكن هذا هو ما يظهر لنا في نفس الوقت مدى عمق وخصوبة نظرية شوبنهاور التي تقف على الطرف الآخر المقابل لموقف الشكلانيين من أمثال هانزليك، ومع ذلك يجد فيها الشكلانيون أرضية مشتركة يرتكزون عليها.
على أن شوبنهاور لم يعن فحسب بالكشف عن الكيفية التي بعبر بها الموسيقي عن الشعور, بل إنه رأى في ذلك الكشف تعبيرا عن جوهر الحياة والوجود التي يتجلى في الإدارة نفسها – إرادة الحياة will to live – باعتبارها سلسلة لا تنتهي من اندفاعات ورغبات وعواطف وانفعالات تسعى باستمرار في صراع أبدي نحو تحقيق الاشباع. كيف نخصص هذه المقولات العامة على لغة الموسيقى.
لقد أدرك القدماء والمحدثون على الدوام قدرة الموسيقى الفائقة عن التعبير على الانفعال والشعور، حتى باتت تعرف على أنها لغة الشعور. وقد يكون مرد هذا فيما يرى شوبنهاور أن كل انفعال emotion هو حرة motion، أي صعود وهبوط، وهذا هو أيضا ما يحدث في الميلودي أو اللحن، فاللحن لا يصعد ويهبط في السلم الموسيقي فحسب، بل إنه يتزايد ويتضاءل في الكثافة. وهذا يعني أن اللحن يعبر عن حركة الإرادة أو الرغبة الدائمة الساعية الى الاشباع، فإذا كانت سعادة الانسان تتوقف على التحول السريع من الرغبة الى الاشباع، في حين أن معاناته تعود حينما يتحول من الاشباع الى الرغبة، فإن هذا يناظر طبيعة اللحن حينما يتحول أو يتباعد باستمرار عن القرار في آلاف من الطرق معبرا بذلك عن الجهود المتنوعة للإرادة من أجل الاشباع، بينما يعبر ارتداد اللحن الى القرار عن اشباع الإرادة. ولذلك فإن الألحان السريعة التي لا تحدث فيها تحولات أو تباعدات كبيرة تكون مبهجة، بينما الألحان البطيئة التي تتجه الى القرار في طرق ملتوية من خلال العديد من المسافات أو الأبعاد الموسيقية intervais تكون جزئية، فهي تشبه الاشباعات المؤجلة التي يطول انتظارها والتي تنال بصعوبة. كذلك فإن الحركات الموسيقية تعبر عن الإرادة أيضا، فالحركات الراقصة السريعة تعبر فقط عن متعة عادية سهلة المنال، أما الحركات السريعة التي تحدث في مقطوعات طويلة وتحولات واسعة، فإنها تعبر عن جهد أكبر من أجل غاية بعيدة، في حين أن الحركات البطيئة تعبر عن ألم ومعاناة الجهد السامي الذي يحتقر كل سعادة تافهة. والانتقال من مفتاح موسيقي الى مفتاح آخر مختلف تماما هو أمر يشبا الموت، لأنه ينهي حالة التواصل أو الارتباط الذي بدأ من قبل، ومع ذلك يستمر اللحن كما تستمر الإرادة حتى بعد فناء الفرد لتواصل وجودها وتحققها في أفراد آخرين (49).
ونظرية شوبنهاور هنا ليست "نظرة صوفية" على نحو ما وصفها د. فؤاد زكريا" (50). فبصرف النظر عن أن نظريته في الموسيقى تخدم نظريته في الإرادة التي قد نقبلها أو نرفضها في بعض جزئياتها أو تفاصيلها، فإن الدرس المستفاد منها هو الكشف عما هنالك من صلة وثيقة بين بنية الموسيقى وبنية مشاعرنا وعواطفنا ورغباتنا الانسانية في شتى صورها: في اندفاعاتها وحركاتها ومكناتها، وفي تحولاتها أو تباعداتها وارتدادها، وهذا يعني أن الموسيقى ليست مجرد تعبير فيزيقي، وانما هي أيضا تعبير ميتافيزيقي.
وليس هذا هو كل ما هنالك فحسب، بل إنه ليمكن القول بأن الموسيقى التي تكون رفيعة القدر من حيث القيمة الجمالية لا القيمة الفنية التشكيلية فحسب، هي موسيقى لها صلة وثيقة بالقيمة الأخلاقية في معناها الواسع. فها هو ذا بيتهوفن يبتهل الى الله قبل كتابة رباعياته الأخيرة لعله يفتح عليه بفاتحة أو ليستفتيه فيما يعتمل بنفسه وعقله. والمعنى أن الموسيقى من خلال المحسوس (وهو الصوت الموسيقي) تنأى بنا عن عالم الحس و المصلحة و الأغراض العملية، وترقى بنا الى مملكة التأمل، بل ولهذا كان القدماء على حق حينما فطنوا الى تنقية النفوس بالهارموني.
والنتيجة التي يمكن أن نخلص اليها من مجمل ما تقدم هي أن جماليات الموسيقى لا تكمن فحسب في القيم الفنية التشكيلية لبنائها الصوتي. بل إن قدرا كبيرا من هذه القيم يكمن في دلالاتها التعبيرية التي يكون بناؤها التشكيلي قادرا على اسقاطها، والا جاءت الموسيقى أشبه بالصنعة الفنية الخالية من الحياة والروح الانسانية.
الهوامش:
1- انظر ف تفصيل ذلك: د. أميرة مطر. فلسفة الجمال نشأتها وتطورها (دار الثقافة للنشر والتوزيع، سنة 1984)،ص 50 وما بعدها.
2- Emst Bloch, Essays on the Philosophy of Music, trans. Peter Palmer, introd. by David Drew (Cambridge University Press, 1985), Pp. 188f.
3- ازدهر هذا الفن داخل الكنيسة الأوروبية، وان امتد اثره الى خارجها، وكان من الرواقد الأساسية للموسيقى الغربية، ولم تقتصر الموسيقى الدينية على الموسيقى التي تؤدى داخل الهيكل أثناء صلاة القداس بل شملت كذلك الألحان الدينية العشبية التي لم تكن تدخل في الصلاة أو الطقوس الدينية وتؤدى داخل الكنيسة أو خارجها، وهي الألحان المعروفة باسم "الموتيت" والتي تطورت فيما بعد الى فن "الأوراتوريو" أي القصص الدينية التي تروي حكايات القديسين والشهداء، وتمثل داخل الكنيسة، مثلما كان هناك تطور لرافد آخر وهو "المادريجال" (الأغاني الغرامية والحوار القصصي) الى فن الأوبرا. (انظر في ذلك د. حسين فوزي، الموسيقى السيمفونية – (القاهرة: دار المعارف، الطبعة الثالثة،سنة 1987)، ص 24-25.
4- See for example: Heal Margret (ed.) Music and Physiotherapy (London: Jessica Kingsley, 1993).
5- جان برتليمي، بحث في علم الجمال، ترجمة د. أنور عبدالعزيز، د. نظمي لوقا (القاهرة: دار نهضة مصر، سنة 1970)، ص 318.
6- د. فؤاد زكريا، التعبير الموسيقي (القاهرة: مكتبة مصر، سلسلة الثقافة السيكولولجية، الطبعة الأولى سنة 1956) ص 20-21.
7- انظر في ذلك دراستنا: عالمية الفن ومحليته: دراسة تحليلية (القاهرة: دار الثقافة للنشر والتوزيع، سنة 1994) مواضع عديدة.
8- Leonard G. Ratner, Music: The Listener’s Art (McGrow Hill Book Company, third edition 1977), p.2.
9- Ibid. Pp 2-5.
10- Quoted in Maurice Merieau-Ponty, Sense and Non-Sense, trans. Hubert Dreyfus and Patricia Dreyfus (Evanston: Northwestern Univ. Press, 1964). P 54.
11- Leonard G. Ratner, op. cit. p. 5.
12- Ibid. Pp. 5-6.
13- انظر في ذلك: د. أميرة مطر، مقدمة في علم الجمال (القاهرة: دار الثقافة والنشر والتوزيع، 1976)، ص 151 وما بعدها.
14- Aaron Copland, What to listen for Music (N. Y.: New American Liberary, 1967), p 31.
15- Ibid. p. 34.
16- الاستاذ عزيز الشوان، الموسيقى تعبير نغمي ومنطق (القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986) ص 44.
17- Aaron Copiand, op. cit., p. 40.
18- Ibid. p. 47.
19- Eduard Hanslick “Music, Representation and Meaning”from the Beautiful Music, in Morris Wetiz, problems in Aesthetics (N. Y.: Macmillan Publishing Co. Inc., 1970), p. 491.
20- Ibid loc, cit.
21- Ibid. p. 492.
22- Ibid. p. 494.
23- Ibid, p. 506 f.
24- Ibid. Pp. 511-512.
25- Ibid. Pp. 508 – 509.
26- See: Philip Aleperson’s Introduction to the special issue of The Jumal of Aesthetic and Art Cristim on the Philosophy of Music (Vol. 52, No. 1., winter 1994). P. 1.
27- Ibid. p.2.
28- John Hospers, Meaning and Truth in the Arts (The University of North Carolina Press, 1946), Pp. 82-83.
29- Ibid. Pp. 83-84.
30- Claire Detels “Autonomist/Formalist Aesthetics, Music Theory, and the Feminist Paradigm of soft Boundaries”, in The Journal of Aesthetics and Art Criticism, op. cit., p.111 f.
31- Ibid. p. 118.
32- ألفريد أينشتين، الموسيقى في العصر الرومانتيكي، ترجمة أحمد حمدي محمود، مراجعة حسين فوزي (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة 1973)، ص 541.
33- John Hospers, op. cit. p. 95 f.
34- Ibid. p. 97.
35- Jenfer Robinson. “The expression and Arousal of Emotion in Music”, in The Journal of Aesthetics and Art Criticism, op., cit. p. 19.
36- Ibid. loc, cit.
37- Claire Detels, op. cit. p. 118.
38- برتليمي، المصدر السابق، ص 321.
39- نفس المصدر، ص 329.
40- نفس المصدر، ص 32
41- Arthur Schopenhauer. The World as will and Idea, Trans, R. B. Haldanand J. Kemp, 3 vols. (London: Kegan paul, 1983), vol. 1., p. 338.
42- Ibid. p. 340.
43- سعيد توفيق، مداخل الى موضوع علم الجمال: بحث عن معنى الاستطيقي (القاهرة: دار النصر للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية سنة 1997، ص 104-108.
44- Susanne Langer, Philosophy in a New Key, 3 rd ed. (Cambridge, Mass: Harvard Univ. Press, 1957), p.228.
45- Hanslick, op. cit., p. 513.
46- Schopenhauer, op. cit. vol. 111., p. 233.
47- Schopenhauer, parerga and paralipomena trans. E.F. Payne, (Oxford: Clarendon Press, 1974), vol. 11., 433.
48- يوليوس بورتنوي، الفيلسوف والموسيقى ترجمة د. فؤاد زكريا، مراجعة د. حسين فوزي (القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة 1974)، ص 252-253.
49- Schopenhauer. The World as will as Idea, vol. P. 336 ff.
50- فؤاد زكريا، التعبير الموسيقي، ص 16.
* الاسكرتزو هو المؤلف الموسيقي الذي يتميز بالخفة والرشاقة والحيوية للتعبير عن الدابة.
** Appassionato اصطلاح موسيق إيطالي يشير الى التعبير عن العاطفة من خلال الأداء الموسيقي بشعور جارف وعاطفة جياشة وحرارة في الأداء.
***Agitato اصطلاح موسيقي ايطالي يشير الى الأداء بانفعال وعنف على نحو يوحي بحيوية الحركة.
**** Furioso اصطلاح موسيقي ايطالي يشير الى الأداء الممتليء بالحدة والشدة والعنف.
*****Allegro مصطلح يشير أساسا الى الحركة السريعة الحية النشطة التي تقع بين الحركة والسريعة جدا Presto والحركة معتدلة السرعة Allegretto.
****** الآداجيو أو الآداجيو Adagio مصطلح يشير الى الحركة شديدة البطء.
سعيد توفيق ( استاذ جامعي من مصر)