إن التلبس بمتعة القراءة في أحد نتاجات الأدب الاسرائيلي المترجمة الى اللغة العربية لا تمر من الوهلة الأولى بالنسبة للمثقف العربي دون معاناة عقدة ذنب استباحة المحرم لفرط ما تشكله لنا كعرب كلمة اسرائيلي من حساسية … ولفرط ما تنضح به ذاكرة الاجيال التي عايشة الصراع العربي الاسرائيلي من نفور واشمئزاز نحو كل ما هو اسرائيلي ، فاسرائيل مازالت في الرعي العربي هي العدو الذي اغتصب الاراضي العربية والذي اقتطع المليارات الكثيرة من ميزانيات خطط التنمية في الاقطاع العربية التي ضحت بآلاف الشهداء، من أجل كسر هيمنته ، كل ذلك جاء على حساب رفاه وتطور الانسان العربي.
ان القراءة في هذا النتاج اضافة الى متعتها المحرمة ، تكشف لنا فداحة الاحساس بانه باتت للعدو ادبياته التي يستمد زخمها من حميميته ناحية الارض والمكان في الأراضي العربية المحتلة ، نفس الارض التي تعتبر مطالبتنا بها بمثابة حق شرعي بنينا عليه نضالنا طول فترة الصراع
لكن رغم ذلك لا يمنع أن يكون هناك نتاج أدبي للخصم ، والا اصبحنا كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمل هروبا من الواقع ؟ فمما لا شك فيه أن قراءتنا للنتاج الادبي الاسرائيلي تمكننا من دراسة الجوانب الثقافية والفنية والسياسية لمجتمع مازال غبار المعركة بيننا وبينه لم ينقشع بعد.
(حنة وميخائيل) احد اعمال الادب العبري للكاتب الاسرائيلي (عاموس عوز)، قام بترجمته الى اللغة العربية المترجم والباحث رفعت فوده ، في اطار مشروع دراسة موسعة في الادب العبري، ونقد للرواية باللغة الانجليزية ، اعده الباحث ، وحصل به على الماجستير في الادب من جامعة سيدني باستراليا.
منذ السطور الأولى للرواية التي جاءت في تقنيتها عبارة عن يوميات مروية لعالم الواقع وعالم الحلم لبطلة القصة (حنة)، نطالع الضوء الكاشف الذي يسلطا المؤلف على المجتمع الاسرائيلي، من خلال تحليله لأزمات الطبقة الوسطى في اسرائيل .
حيث يضعنا الكاتب من خلال يوميات من حياة (حنة) التي يقوم فيها بالتناقض والصراع بين عالم (حنة) الداخلي وبين الواقع من حولها، امام الازمة في المجتمع الاسرائيلي . ان (حنة) تترك الواقع الذي تحقق بارض الميعاد وتعود ناكسة الى عالم الحلم الذي تستعين الى التماسه بارادة النوم وبالحبوب المنومة ليتحقق لها الانفصال عن الواقع … وذلك كتعويض لواقع مغاير تنشده أو عالم رحب من الاحلام يشمل التاريخ الانساني الاشمل ، فتحلم بسهوب روسيا تارة وتحلم ببخور وسفن وجزر وكائنات بحرية تارة اخري، وحتى الجيولوجيا تخصص زوجها حولته (حنة) الى سارب للحلم بعوالم تحت الارض.
تأتي اهمية هذه الرواية التي وصفها الناقد الامريكي (ديفيا سباتر) في مجلة التايم الامريكية ، بانها اشد خطرا على اسرائيل من جيوش عربية ، انها جاءت لتقول من خلال قصة انهيار زواج بين شاب وفتاة عندهما توقعات متضاربة عن حياتهما مع بعضهما البعض ، كذب الحلم الوردي المزعوم في اسرائيل ، ومجتمع اللامشاكل سوى من الاعداء العرب ، والبطولات الزائفة التي كان يصفها الادب العبري قبل هذه الرواية .
ويتضح لنا ذلك اكثر اذا ما عرفنا ان الرواية قد كتبت قبل حرب 1967 بشهور قليلة ، وابطالها الفاشلون في حياتهم الزوجية هم من جيل الصابرا، الجيل الذي اعدته اسرائيل لكي يستوطن الارض على حساب سكانها. بقي ان نعرف ان (عانوس عوز) مؤلف الرواية المولود في فلسطين ، اشترك بكونه جندي احتياط في وحدة الدبابات بالجيش الاسرائيلي حرب 1967 على جبهة سيناء وفي حرب اكتوبر 1973 في مرتفعات الجولان .
ثم قام بعد ذلك بانشطة الدعوة الى السلام مع حركة "السلام الان " ، الذي قاد معها مظاهرة كبرى حشد لها 400 الف متظاهر في تل ابيب ضد غزو لبنان وضد مناحم بيجن سنة 1982، كما اثار عواصف سياسية لم تهدأ حتى الآن بسبب تصريحاته وآرائه عن ارض واحدة لشعبين مما جعل البعض يطلق عليه لقب «ضمير إسرائيل ».