(1)
تمخض العديد من المحاولات لترسيخ خطاب السرد الحديث في عُمان، عن انشاء كيان مصغر يرعاه النادي الثقافي في عُمان، اختار له المجتمعون يوم السبت الثالث عشر من يناير من عام 1997م، مسمى "أسرة كتاب القصة في عُمان". وقد تم ذلك بعد لقاء ضم جزءا مهما من كتاب القصة، وكان تحت مظلة "النادي الثقافي" المشرف العام على اغلب الانشطة الثقافية في البلاد.
بعد مداولات بين القاصين الذين حضروا الاجتماع التأسيسي الاول، تم الاتفاق على اعتماد آلية الاقتراع السردي المباشر لاختيار هيئة ادارية تعمل على القيام بأنشطة الاسرة المقبلة، فكان أن تم انتخاب كل من: يحيى بن سلام المنذري رئيسا للاسرة، وسالم الى توية نائبا له، وخالد بن محمد العزري منسقا. كما تم اعتماد كل من: محمود الرحبي، وماهرة بنت عبدالخالق اللواتيا، ومحمد بن سيف الرحبي، ومحمد اليحيائي كأعضاء اداريين للأسرة.
(2)
جاءت تلك الخطوة، التي اتخذها القاصون بإصرار وتقسيم كبيرين كتتمة لخطوات سابقة، وبالأحرى لمحاولات سابقة، كانت تفشل بعيد البداية، وكان الهدف واضحا منذ اليوم الأول يتصل في بلورة مشروع يلملم صوت السرد المتعثر على الدوام، وبالتالي فتح اضبارة ذلك الصوت الذي بدا متأخرا، كنه بدا قويا من خلال تجارب الرواد، ومن ثم التجارب الشابة التي كانت بحاجة الى خلق مثل هذا المشروع، كانت البداية متقدمة نوعا ما، اذ حاولت اكثر من اسرة القيام بدور الراعي المخلص لقصة في عُمان، لكنها لم تكن لتتمكن من اكمال قيامها فتنتهي بعيد ولادتها، في ذات السياق وجدت محاولات جادة لاحياء مشروع رعاية الخطاب السردي، من بينها محاولة قام بها بعض المبدعين ورعتها جريدة "الشبيبة" في عام 1995م، لكنها لم تستمر كذلك، ثم جاءت ندوة "أسئلة النص القصصي في عُمان" التي رعاها "النادي الثقافي" في عام 1996، وكان من بين توصياتها ضرورة الاسراع في انشاء "اسرة" او "رابطة" للقصة في عُمان على غرار ما هو موجود في الدول العربية الاخرى، كن تلك التوصية ظلت بحاجة الى من ينتشلها من بين الورق الكثير الذي صحف خلال الندوة، ثم جاءت خطوة القاص والروائي المصري يوسف القعيد عبر الورشة التي اقيمت بالنادي الثقافي مع نهاية عام 1996م، فكرر ما سبق ان دعا إليه النقاد: سعيد يقطين، ويمنى العيد، وسعيد علوش في الندوة السابقة.
(3)
منذ اليوم الاول على انشاء "أسرة كتاب القصة في عُمان" وجدت الإدارة المنتخبة نفسها امام مجاهيل أسئلة بسيطة لكنها شديدة الصعوبة. من أين نبدأ؟ وكيف ؟ وما هو الاهم ولكيلا ينفرد القصاصون الذين اوكل اليهم زملاؤهم المهمة، بالاجابة على التساؤلات العديدة، عمدوا منذ البداية الى اشراك الجميع فيما يجب اتخاذه من خطوات، حتى اولئك الذين اتخذوا الجانب القصصي، وعمدوا الى محاولة خلط الاوراق، خاصة وان الإدارة الجديدة لم تكن على المام كاف بشروط العمل المؤسساتي. لكنها في المقابل كانت ممتلئة بالحيوية والنشاط المخلص لبلورة جديدة ما بصدد ما يعني الشأن السردي في عُمان.
كانت الخطوة الأولى. محاولة أرشفة الكتابات القصصية المتناثرة، والالمام بالكتاب المتواجدين على الساحة. لكن جهدها ذهب أدراج الرياح لانعدام التواصل، ولا بدا أنه تقرير حكم سبق لدى الكثيرين من أن الأسرة الوليدة. سيخبو طموحها بعد الاسبوع الاول من العمل.
وفي محاولة منها لضرب على ذات الوتر، أي ضرورة تفعيل دور الاعضاء القاصين، لجأت الاسرة الى اقامة امسيات قصصية بدعوات موجهة، تشتمل على قراءات نقدية من داخل الجسد الثقافي في عُمان، ومجاورة للاموات التي كانت تجربتها سابقة في القص على ان تكون تلك الامسيات مغلقة على المهتمين بالقصة، ثم تطور المشروع بعد النجاح الذي لقيه من خلال تجاوب القاصين من جهة، وبعد أن بدأت الأسرة في إبراز نفسها كموت فاعل مشدود باتجاه المغامرة الجرمية من جهة ثانية، بفتح السؤال القصصي أمام المتلقي كيفما كان. في هذا الصدد قدمت نصوص جديدة لا تنقصها الجرأة في الطرح واعتماد آليات القص الحديث، كما شارك نخبة من الشباب بقراءاتهم النقدية التي كانت تذهب عميقا باتجاه الأقاصي.
كانت تلك الخطوات فتحا جديدا في التجربة الثقافية في عُمان، من حيث تأسيسها لفة الاختلاف الابداعي، ركزك من حيث اشراك المثقفين في إدارة الحوارات، وتقديم القرارات النقدية الجادة المبتعدة عما عهد من خطابات مجانية تجامل على حساب الابداع.
(4)
وفي محاولة منها لاشراك الملقي ر عُمان، وتعريفه بما تطرحه الساحة الثقافية من ابدا ء قصصي، خرجت الأسرة من نطاق العاصمة، أي النادي الثقافي، وبدأت محاولة جديدة لضم أصوات أخرى، فأقامت أمسية في مدينة "صحار" وأخرى في "جامعة السلطان قابوس" ثم وجهت الدعوة للمبدعين في الجامعة لمشاركتها برؤاهم وطروحاتهم في الندوات والاحتفائيات التي تقيمها. وكانت تلك خطوة جديدة تحسب لها.
(5)
وفي تجاوز آخر لنسق الذي عهدته الاصدارات القصصية في عُمان، تلك التي كانت ما ان تظهر إلا لتخبو، فتحت الأسرة مشروعا صار اليوم ظاهرة جديدة، تمثل في الاحتفاء بالمجموعات الصادرة حديثا، مبتدئة مشروعها بالنتاج القصصي، وكانت تلك الخطوة ترمي الى ايجاد توجه جديد يعمد الى:
أولا: إعطاء الاصدار الجديد حقه من الاشهار، وذلك بغية تجاوز أزمة النشر والتوزيع الموجودة بالفعل، ثم تسليه اهتمام المتلقي في عُمان. بما يدور في الساحة الثقافية.
ثانيا: اعطاء الشباب الفرصة في تقديم رؤاهم الانطباعية والنقدية حول الاصدار الجديد، ما أضافه، وما فشل فيه، ثم تحريك سؤال النقد من الداخل، بدلا مما هو سائد من تكرار الدعوات الى من هم خارج البلاد، الذين كثر مجيئهم دون إضافة نوعية للموجود، نتيجة لغياب الاطلاع في الغالب على التجارب التي عرفتها الساحة الثقافية.
ثالثا: وهي النقطة الأهم، وكانت الأسرة قد وضعتها كـ"استراتيجية" في عملها، ضرورة الابتعاد عن القراءات "الاكليشيهية" ومحاولة استبدالها بقراءات واعية وعميقة،، تجترح السكون الراكد على ما صدر سابقا، وعلى ماهية النص القصصي في عُمان، اي فتح سؤال النقد من الداخل.
هذه الخطوة لم تكن مسبوقة من قبل، لذلك كان طبيعيا ان تؤدي في مرات متكررة الى احتدام النقاش وفي بعض الأحيان كانت تغضب أصحاب المجاميع الجديدة، الذين لا عهد لهم بالرؤى الجادة التي قدمها بعض من حاولوا بجهد مخلص طرحها.
في هذا السياق لابد من الاشارة الى بعض الذين حاولوا الاصطياد في الماء العكر، فاعتبروا توجه "الأسرة" الجديد خدشا بما لا يخدش، متناسين وربما جاهلين بان «الخدش» هو أحد مسببات بقاء الثقافة الحية.
(6)
إذا ما تمت الندوة التي تعتزم "الأسرة" القيام بها في شهر أكتوبر من هذا العام على الأرجح، فإنها بالتأكيد ستكون مسك الختام لفعالياتها، وهي ندوة ينتظر أن تحفل بحضور مبدعين عرب كبار، وتجارب رائدة في مضمار السرد في الوطن العربي. وبذلك فإن الأسرة تكون قد دشنت توجها جديدا في العمل الثقافي داخل ساحة الابداع في عُمان.
(7)
إذا كان لابد من كلمة ختامية فهي موجهة للصحفيين الذين أهملوا دورهم الريادي المنشود، ولعبوا بدلا عنه دور السلطة التي لا هم لها سوى تقديم تغطيات هزيلة و"متشنجة" أدت في مرات عدة الى تهميش الجهد الفردي المخلص الذي ابتها فيه الشباب المتحمسون لرؤية ابداع حقيقي يعمد الى التعريف بدور عُمان الحضاري.