أمضي وحدي في هذه المدينة الكبيرة أحفر قبري بيدي، سجن كبير ممتد لا مناص من المضي فيه الى آخره أوالى أخري: أتذكر سعدى والقرية الصغيرة البعيدة عن هنا . رأسي لا يفيق من استكانته . أحبك يا سعدى وما كان باستطاعتي منع أبيك حين زفك كبقرة يا إلهي: من كان يصدق أنك ستزفين للثور للقادم من البعيد ببقرتين غيرك . أول ما أفل القرية الهانئة التي استقبلته برائحة ياسمينها ونسائها وولدانها باشة هاشة واحتل مكانه في نفسي بسرعة فائقة حدثته عنك وعن حسنك يا سعدى وعن لقاءاتنا وعن رائحة فمك المبخر بالياسمين وجوز الطيب حذرني ~ق أبوي أنك لا تصلحين لى : يا بني اتق الله في نفسك هي لا تصلح زوجة لك بعد أن واقعتها لكنني لم أحظ من سعدى سوى بقبل سريعة ونزقة ، لكن القبلة تمهيد للزنا والعياذ بالله ، لا تتزوجها! لكنني لم آبه له مطلقا مضيت في حبي الى آخره ولأنه يعلم بكل شي ء فقد وشى بنا باغتنا ، مع أبيك ونصف القرية ، هادرا مزبدا، أر أيتم الضال الفاسق ولم أفق الا عشية اليوم التالى الذي زفت فيه سعدى، الجميلة الرائعة كورد الجبل ، الى الثور ليحفظ لها كرامتها وعفتها!. بعد أسبوع ألقت بنفسها من فوق الجبل الشاهق ،الساعات طويلة ، في هذه المدينة البائسة ، والطرق لا تؤدي إلإ الى شاطيء عافه مصطافوه وهجر وه بلا رجعة . الأيام ضجرة والأمكنة لا تتحمل بعنى جنوني وحزني لا يود مغادرتي بيد أنني لابد أن أنسى، لابد أن تنسى ، عش كالآخرين يضحكون غير مبدلين ولا آسفين . اضحك ، اضحك يا هذا وحدث أن سرت رقصا وفجأة ، قبل أن تقع الكارثة أمامي ، عبرني النشيد خفيفا نديا وغنيت سعدى أحسست بغتة كأنني : الرائحة والروح ، نعم هذا اذن أنا. أنا الرائحة والروح سأكون عالقا في كل شيء وأنا الزمان أنا المكان وأنا الأغاني الباقية وأنا والاماني الاتية وأنا أنا الأشياء تنسجني وانسجط الحكاية .
غير أن فرحا كهذا ما كان ليمضي الى آخره البتة في هذه المدينة الملبسة بالغدر والفيلة وبغتة وقعت الكارثة . وبدأت أجمع أوراقا صفراء قديمة وأخرى بيضاء أقل قدما واهتراء واقرأ:
قلت : هذا المساء فضاء آخر من بربريات ووحوش وهذا المساء جماجم محنطة من خيانات وشؤم وهذا المساء مساء آخر مترع بضجيج الأقدام التي تلهب الدهليز الممتد الى الزنازين المتقابلة تبدو كنقاط في آخر أبجديات العالم القابلة للانفجار أو التلاشي.
في آخر الدهليز حيث تخف حدة التهاب الأقدام عادة نقطتي، نقطة تتزفرها العتمة وتعبث فيها الزواحف العمياء وأنا المفتوح العينين بت فاصلة شبه ممحوة أقبع ، منذ فترة ، لوحدي الدركي المتحصن بسلاح بدم ي وهراوة عل جنبيه دفه بثلاثة هياكل ، الى نقطتي الموحشة ، وضبى في صوت قهقهة كأنها حال مؤخرته .
هذا المساء المترع بضجيج الأقدام لن يكون خاويا ووحيدا كالأيام المنقضية . نقطتي العمياء، في هذا العالم ، لن تكون حكرا على أطبق الصمت عل قهقهة مؤخرة الدركي واصطفاق الباب وبدت العيون الجديدة التي ألمح تطلعها الى بقايا الضوء النافذ من الكوة الصغيرة أعلى الجدار تتلاشى في صوت نحيب أحدهم وكمن ينتبه الى وجودي بفتة سألني أحدهم : منذ متى أنت هنا؟ ولماذا؟ لا أدري . سنة ، سنتين ، ممش. لم أعد أحسب : ولا أعرف لماذا جيء بي الى هنا كقف الثاني الحديث : أنا أيضا لا أعلم لماذا جيء بي ، كنت سأتزود قريبا.
* تحبها؟
– جدا حد الجنون .
لكأن القلب سها عن زفيرا وشهيقه ساعة سلمته الذكريات بتداعياتها وأعبائها : لا منقذ منه إلا هو . لا منفذ منه إلا اليه . هو العشق الأول كالأرض البكر تحتضن نبوءة الحصاد والثمر. تذكر، أيها القلب ساعة النشوة تسفر فيما المكان يغط بالرجال الملقحين والعباءات بالمراهقين وهم يختلسون اللقاء في ركن لفته الظلمة وربما حدث أن باغت عائشة العود البلدي عائشة جلنار الجبل المتضرع فتنة واخضرارا بقبلة أحمر لها وجه الشارع ، المحتفي ببعض الضوء قبالتنا . تحبني؟ أحبك جدا . حد الجنون لا حد له .
هدأ نحيب الثالث قليلا ثم اختفي النشيج بدا متأهبا لقول شيء ما لكنه فضل السكوت سعيت باتجاهه : البكاء مفتاح القلوب الى الصفاء والطهر اذ لا يستطيع أي أحد أن يبكي لتصفو دواخله ، لكنه استمر في نشيجه راجيا أن أدعه لبكائه : (حيلة العاجز وقدره ) . آه لو تعلم ، أيها الباكي كم نهنهني الليل في هذه المغارة المنقطعة عن كل شيء : الأصوات والوجود والأحبة والأصدقاء ، وخياناتهم الصغيرة وأمي.
أمي رائحة الصبر الموشاة بالطيبة والبراءة . أه كم أشتاق اليك يا أمي كم أحن الى دفء صدرك المبخر بالنعناع والهال والمرشوش بماء الورد والقرنفل لأبقى ثابتا وصلبا! أحس كأنني أهوي أمتط في بئر لا قرار لها وتبقى أحلامي سوداوية وكئيبة بدونك يانمالية : هكذا تسقط الأحلام ، يا أمي بعيدا عنك ، كقبرة عجوز خانها جناحاها. هكذا أسقط كنيزك هرم خانه الفضاء. هكذا أحسر أن المعاش والحلم يذوي في نقطة واحدة لا تكون فاصلة بين شيشين : حياتين ربما. زمانين – مكانين . هكذا قطرة قطرة أستظل بروحك ، الرائعة ، وأحلم بالفارج ، زمكانيته وأبعاده الأخرى وبحياة أكثر إمتاعا ومؤانسة وأكثر حميمية . هكذا في هذه الغرفة العميا، أتوهم نقطة واحدة هي الفيصل لا الفاصلة بين شيشين يجب أن تسير الأمور.
أخذوا رجب الطيب بمعية رفيقي منذ الفجر ولم يعودوا بهم وأنا في النقطة ذاتها اجتر ذكريات الأيام القليلة الماضية وحكاية رجب الطيب .
رجب يحبنا كثيرا ، يحبني أكثر صدره كاتساع لا يحده شي ء مترام لكأنه الفضاء وما وراءه قال لي حينما أكتشف بكائي مرة أخرى. أنت قوي جدا ليتني أستطيع البكاء منك . قلت له : أنت القوي سنوات طويلة قضيتها هنا وحيدا زادتك قوة وجلدا. قال بابتسامة : اسمع أنت غير زميلينا سأمنحك سري الصغير الذي احتفظت به دائما معي فربما في الأيام القادمة سيأتون لأخذي أستشف أنهم آتون لا محالة لكنني أجهل هل أعود هذه المرة أم لا!؟ أمطاني أوراقه المطوية تحت بطانيته وقال : ربما لا أعود لكنك باق ومتفرج حتما لا تبكي هذه المرة
أمضي وحدي في هذه المدينة الكبيرة أحفر قبري بيدي، سجن كبير ممتد لا مناص من المضي فيه الى آخره أوالى أخري: أتذكر سعدى والقرية الصغيرة البعيدة عن هنا . رأسي لا يفيق من استكانته . أحبك يا سعدى وما كان باستطاعتي منع أبيك حين زفك كبقرة يا إلهي: من كان يصدق أنك ستزفين للثور للقادم من البعيد ببقرتين غيرك . أول ما أفل القرية الهانئة التي استقبلته برائحة ياسمينها ونسائها وولدانها باشة هاشة واحتل مكانه في نفسي بسرعة فائقة حدثته عنك وعن حسنك يا سعدى وعن لقاءاتنا وعن رائحة فمك المبخر بالياسمين وجوز الطيب حذرني ~ق أبوي أنك لا تصلحين لى : يا بني اتق الله في نفسك هي لا تصلح زوجة لك بعد أن واقعتها لكنني لم أحظ من سعدى سوى بقبل سريعة ونزقة ، لكن القبلة تمهيد للزنا والعياذ بالله ، لا تتزوجها! لكنني لم آبه له مطلقا مضيت في حبي الى آخره ولأنه يعلم بكل شي ء فقد وشى بنا باغتنا ، مع أبيك ونصف القرية ، هادرا مزبدا، أر أيتم الضال الفاسق ولم أفق الا عشية اليوم التالى الذي زفت فيه سعدى، الجميلة الرائعة كورد الجبل ، الى الثور ليحفظ لها كرامتها وعفتها!. بعد أسبوع ألقت بنفسها من فوق الجبل الشاهق ،الساعات طويلة ، في هذه المدينة البائسة ، والطرق لا تؤدي إلإ الى شاطيء عافه مصطافوه وهجر وه بلا رجعة . الأيام ضجرة والأمكنة لا تتحمل بعنى جنوني وحزني لا يود مغادرتي بيد أنني لابد أن أنسى، لابد أن تنسى ، عش كالآخرين يضحكون غير مبدلين ولا آسفين . اضحك ، اضحك يا هذا وحدث أن سرت رقصا وفجأة ، قبل أن تقع الكارثة أمامي ، عبرني النشيد خفيفا نديا وغنيت سعدى أحسست بغتة كأنني : الرائحة والروح ، نعم هذا اذن أنا. أنا الرائحة والروح سأكون عالقا في كل شيء وأنا الزمان أنا المكان وأنا الأغاني الباقية وأنا والاماني الاتية وأنا أنا الأشياء تنسجني وانسجط الحكاية .
غير أن فرحا كهذا ما كان ليمضي الى آخره البتة في هذه المدينة الملبسة بالغدر والفيلة وبغتة وقعت الكارثة . وبدأت أجمع أوراقا صفراء قديمة وأخرى بيضاء أقل قدما واهتراء واقرأ:
قلت : هذا المساء فضاء آخر من بربريات ووحوش وهذا المساء جماجم محنطة من خيانات وشؤم وهذا المساء مساء آخر مترع بضجيج الأقدام التي تلهب الدهليز الممتد الى الزنازين المتقابلة تبدو كنقاط في آخر أبجديات العالم القابلة للانفجار أو التلاشي.
في آخر الدهليز حيث تخف حدة التهاب الأقدام عادة نقطتي، نقطة تتزفرها العتمة وتعبث فيها الزواحف العمياء وأنا المفتوح العينين بت فاصلة شبه ممحوة أقبع ، منذ فترة ، لوحدي الدركي المتحصن بسلاح بدم ي وهراوة عل جنبيه دفه بثلاثة هياكل ، الى نقطتي الموحشة ، وضبى في صوت قهقهة كأنها حال مؤخرته .
هذا المساء المترع بضجيج الأقدام لن يكون خاويا ووحيدا كالأيام المنقضية . نقطتي العمياء، في هذا العالم ، لن تكون حكرا على أطبق الصمت عل قهقهة مؤخرة الدركي واصطفاق الباب وبدت العيون الجديدة التي ألمح تطلعها الى بقايا الضوء النافذ من الكوة الصغيرة أعلى الجدار تتلاشى في صوت نحيب أحدهم وكمن ينتبه الى وجودي بفتة سألني أحدهم : منذ متى أنت هنا؟ ولماذا؟ لا أدري . سنة ، سنتين ، ممش. لم أعد أحسب : ولا أعرف لماذا جيء بي الى هنا كقف الثاني الحديث : أنا أيضا لا أعلم لماذا جيء بي ، كنت سأتزود قريبا.
* تحبها؟
– جدا حد الجنون .
لكأن القلب سها عن زفيرا وشهيقه ساعة سلمته الذكريات بتداعياتها وأعبائها : لا منقذ منه إلا هو . لا منفذ منه إلا اليه . هو العشق الأول كالأرض البكر تحتضن نبوءة الحصاد والثمر. تذكر، أيها القلب ساعة النشوة تسفر فيما المكان يغط بالرجال الملقحين والعباءات بالمراهقين وهم يختلسون اللقاء في ركن لفته الظلمة وربما حدث أن باغت عائشة العود البلدي عائشة جلنار الجبل المتضرع فتنة واخضرارا بقبلة أحمر لها وجه الشارع ، المحتفي ببعض الضوء قبالتنا . تحبني؟ أحبك جدا . حد الجنون لا حد له .
هدأ نحيب الثالث قليلا ثم اختفي النشيج بدا متأهبا لقول شيء ما لكنه فضل السكوت سعيت باتجاهه : البكاء مفتاح القلوب الى الصفاء والطهر اذ لا يستطيع أي أحد أن يبكي لتصفو دواخله ، لكنه استمر في نشيجه راجيا أن أدعه لبكائه : (حيلة العاجز وقدره ) . آه لو تعلم ، أيها الباكي كم نهنهني الليل في هذه المغارة المنقطعة عن كل شيء : الأصوات والوجود والأحبة والأصدقاء ، وخياناتهم الصغيرة وأمي.
أمي رائحة الصبر الموشاة بالطيبة والبراءة . أه كم أشتاق اليك يا أمي كم أحن الى دفء صدرك المبخر بالنعناع والهال والمرشوش بماء الورد والقرنفل لأبقى ثابتا وصلبا! أحس كأنني أهوي أمتط في بئر لا قرار لها وتبقى أحلامي سوداوية وكئيبة بدونك يانمالية : هكذا تسقط الأحلام ، يا أمي بعيدا عنك ، كقبرة عجوز خانها جناحاها. هكذا أسقط كنيزك هرم خانه الفضاء. هكذا أحسر أن المعاش والحلم يذوي في نقطة واحدة لا تكون فاصلة بين شيشين : حياتين ربما. زمانين – مكانين . هكذا قطرة قطرة أستظل بروحك ، الرائعة ، وأحلم بالفارج ، زمكانيته وأبعاده الأخرى وبحياة أكثر إمتاعا ومؤانسة وأكثر حميمية . هكذا في هذه الغرفة العميا، أتوهم نقطة واحدة هي الفيصل لا الفاصلة بين شيشين يجب أن تسير الأمور.
أخذوا رجب الطيب بمعية رفيقي منذ الفجر ولم يعودوا بهم وأنا في النقطة ذاتها اجتر ذكريات الأيام القليلة الماضية وحكاية رجب الطيب .
رجب يحبنا كثيرا ، يحبني أكثر صدره كاتساع لا يحده شي ء مترام لكأنه الفضاء وما وراءه قال لي حينما أكتشف بكائي مرة أخرى. أنت قوي جدا ليتني أستطيع البكاء منك . قلت له : أنت القوي سنوات طويلة قضيتها هنا وحيدا زادتك قوة وجلدا. قال بابتسامة : اسمع أنت غير زميلينا سأمنحك سري الصغير الذي احتفظت به دائما معي فربما في الأيام القادمة سيأتون لأخذي أستشف أنهم آتون لا محالة لكنني أجهل هل أعود هذه المرة أم لا!؟ أمطاني أوراقه المطوية تحت بطانيته وقال : ربما لا أعود لكنك باق ومتفرج حتما لا تبكي هذه المرة
الذكريات تمتطي رامي: الاختلافات في الرأي ، مكائد الجيران ، أوهام الأصدقاء
الكاذبة حينما انفتح الباب الحديدي والدركي الذي دفع برفيقي فيما ظل رجب لديهم عاود هيستيريا ضحكا وهو يولي .
مزيد من الانتظار هل تراه يعود أم أن نبوءته تتحقق هذه المرة ؟ الليلة كالامس ليلتان ولم يعودوا برجب قال أحد رفيقي: أنه سمع صراخ الضاط وكاد يلمح وجها البشع وسياط الدرك تنزل بلسعتها تأوه يا بني آدم . توجع أصرخ . هذه المرة فقط كانوا يريدون منه أن يصرخ يتوجع يتأوه لكنه ظل صامتا فيما صراخ الضابط يطو والسياط تلهب خلايا ظهر رجب . الليلة كالأس أراوح مكاني فكرت بافتضاض ما دسه رجب في يدي من صحائفه المخبوءة لكنني فضلت الانتظار.
هذا المساء مساء النكاية ، والقاتلون الحثالى سأجعلهم يضجون في أصوات مخارجهم بصراخها المتلاشي في قوة صمتي وتحديقي الى البعيد. ابتسم وهم ينزلون سياطهم الغبية على ظهري وتتصاعد أصوات مؤخراتهم وأفواههم : أعوذ يا بني آدم تأوه أصرخ ثم لا شيء سوى وجوه بشعة وصراخ مختلط المخارج وابتسامتي المستهزئة . أتذكر الفتى الطيب الذي خلفته قبل ليلتين في نقطتي العمياء وبكائه . هل ترده سيقاوم ؟ هل ترده سيكون …؟ اه لماذا ورطت ذلك الفتى الغض في جنوني وحشرته في زاوية ضيقة حين حملته عب ء صحائف مجنونة ممثلي ومثل جنون العالم وحمقه ؟ أسئلة تتقاطر على رأسي لماذا الفتى بعينه وليس سواه لماذا أصر على جنوني الدائم وأنا أعرف نهايتي وقبري الذي أصبح بانتظاري؟
السياط الصراخ الذي ما عدت أدرك مخارجه ، ابتسامتي المستهزئة بوقحات العالم وجنوني ويطل وجه أمي حزينا ومستبشرا في آن كأنه الموت واللقيا كأنه الوداع والحياة . آه أمي لماذا ربيتني على المكابرة ولم تسمحي لعيني أن تذرفا دمعة ولو مرة ؟ ما أحوجني الى البكاء، كما يفعل ذلك الفتى الفض ، لكني ما عدت أستطيع ! كأسئلة الليلتين الماضيتين التي تقاطرت يمر شريط حياتي سريعا ويعبر الفقراء خفافا مفتشين بالحب والوطن والعصافير وتعبر أمي بثيابها البيض متوشحة شالا أخضر كانت اشترته ليوم زفافي ويمر فتي غض رافعا رأسه الى الأعلى مبتسما يركض في حقول الحصاد التي بللها مطر بعيد المصيف يحتضنني وتلتقي عيناه بعيني مشكلة
الزمكانية والأبعاد جميعا وموحدة الفواصل بين الصورة والظل ولمرة أولى وأخيرة تستظل روحي التائهة بالحلم والمعاش في نقطة واحدة تكون فاصلة بين حياتين .
هذا المساء مساء الحكاية تلاوين من حزننا صمتنا وارتعاش الأكف بكاء الوجوه وتسري الحكاية على هذه النقطة الخربة القاسية بخدرها ويبدأ حزن المساء ينفض الوجوه والجدران وبلادة الشعور والداخل المحترق ويبدأ النشيج من رفيقي وأنا أحتضن أوراق رجب الطيب وأصيح لصوت نشيد يعبرني اكسيره . رويدا رويدا أفتني أطراف الأوراق التي بدأت تفوح برائحة المسك والشهداء وأقرأ:
(أعتقد أن العالم يساويني حمقا أو لعله يفوق هكذا إذن أسير بحمقي أنا الخارج مز رحم الظلام والتثاؤب وحيدا جئت للدنيا وربما سأخرج كذلك أدرك أنهم يحفرون لجثتي، قلت لشيخ القرية لا شأن لك بي. أنا أعلم الناس القراءة والكتابة بإمكانياتي وامتقع وجها : أنهم يراقبونك يقولون أنك تعلم الناس أشياء غير طيبة . وأنا أعلم الأشياء الطيبة التي تجعلهم يزهرون بقوة ضاربين بجذورهم في الارض . ولم أكن أظن الشيخ البغيض يحمل لي كل ذلك الحقد: هذا هو اقبضوا مليه يعلم الناس أشياء هدامة تضر بعقولهم وبصائرهم . حقير يتعامل مع أعدائنا في الخارج ولم أكن وقتها سوى شاب متحمس يريد أن يعلمهم الخير ويزرع في نفوسهم العزة والغيرة على الأرض والعرض من براثن أيادي الشيخ التي طالت كل شي ء، لكني سأخرج بعد موتي في الأشجار أكور في الماء في الهواء أينما ولوا وجوههم أبصر وني أينما اتجهت آذانهم سمعوني أينما مدوا أنوفهم . سأكون الرائحة والروح التي تسكنني بعد موتي ستعذبها أحياء).
في الليلة الثالثة التي عاد فيها رجب أدركت أنهم أتموا حفر القبر؟ وبات من الطبيعي أن يطمروا الحقيقة والطيبة صرخت بقوة : أولاد الحرام قتلوا رجب . رجب الطيب يحب العصافير والوطن تنازعتني رغبة عارمة في البكاء وتهشيم الجدران برأسي العاري لم أبك ، أعدت فتح الأوراق قرأت :
(سأخرج الآن ليس كمثل حياتي الأولى . سأخرج ممكنا بالحيوات . حيوات حقيقية حبلى تناديني أن تعال تعال ).
لم أبك أحسست بأحقاد العالم تتكالب على رامي الصغر المثقل بالرغبة في البكاء والانتقام قرأت في أوراق رجب الطيب .
المدن ضياع البشر والبشر كائنات التزاحم والصراع التافه . آخ من هذه المدينة الضائعة أنا ضائع أيضا الزحام يحوطني وألف هذا المرات الزحام . أريد أن أصحو ولا أريد هكذا أكون كجرذان قذرة فقدت قدرتها على التحكم في أظافرها الشائخة . هكذا تكون هذه المدينة الضائعة ملجأ والملجأ يضيق بزحام الموتى.
أصخت السمع لأحد رفيقي وهو نائم يتشنج بدأ في الهمهمة والصراخ تم أخذ في البكاء: يا الهي لماذا علينا أن نبكي دائما حتى في أحلامنا في ضحكنا ننشج بالبكاء في موتتنا الصفري . أعدت فتحت الأوراق .
كمنة تضاريس ممحوة أثقلتها المعرفة أؤوب حمقا. أعتقد أني فائق الحمق أو أنه العالم ! هكذا أعود أدوس حياتي الأولى وأزهق الزعيق . هكذا أمد يدي في لجة الظلام حتى لا أكاد أراها وأرحل في الأمد المتصل مبشرا بالآتي . أنا رجب "أدرك أنهم يحفرون لجثتي" لكنني سأكون عالقا في كل شي ء داخلا في مسامهم كالرائحة ولن يجدوا فكاكا . سأعود منسلا من جدثي لأعذبهم سأعود. طويت الأوراق وصرخت مغتاظا يا صاحب السجن سأكون رجب
– اسمك ؟
* رجب !
– رجب مات أيها الفتى المجنون .
* أخرسوا أيها الجبناء أنتم الموتى أما رجب الطيب فحي حي أرزق . أنا رجب .. أنا … وكانوا يضحكون ويلعنون جنوني وكان ضحكهم أشبه بأصوات موخراتهم النتنة .
هذا المساء مساء البداية فقط . فضاء ممتد لا يفصله شيء بين حيوات كثيرة حينما طوى، الرجل الخمسيني ، طرقات قويته البعيدة حاملا أوراقه وأوراق رجب الصفراء القديمة الى المدينة ، المدينة الكبيرة التي أضاعت البشر باحثا عن أناس حقيقيين وأحياء يبتسمون في وجوه الموتى الماضين الى حتفهم .
يبتسم طاويا أوراقا تحت ابطه اليمنى ويبحث في الوجوه عن بشر وحياة حين داهمته سيارة سحب مياه المجاري من جنبه الشمال أطارت به الى الأعلى ثم قذفته أمتارا الى الأمام . طارت الأوراق الصفراء نحو السماء وبدأ تجمع الخلق . جمعت الأوراق بعناية ، واحدة واحدة ، قرأت في الصفحة الأولى ذات الكلمات التي عبرتني قبل ساعتين فقط من وقوع الكارثة ، أنا الرائحة والروح سأكون عالقا في كل شيء وأنا الزمان أنا المكان وأنا الأغاني الباقية وأنا الأماني الآتية وأنا أنا الأشياء تنسجني وأنسجها الحكاية ، حينها فاجأني الشرطي من أنت ؟ . رجب ".
اضاءة : في أربته الأخيرة قرر الا يموت !
سالم الحميدي (قاص من سلطنة عمان)