الكتاب : وحده يستمع الى كونشرتو الكيمياء
المؤلف: شريف الشافعي
في هذه النصوص يعرض الشاعر حرية التجريب التي تأبى أن تؤسر بالافتعال، كما أن كائناته المختلفة والمتناقضة تتكاثر وتهرب بعيدا عن بعضها بعضا، تجر خلفها غموضها نحو عروض خيالية تتأرجح بين البساطة وبين التعقيد.
(مرة أخرى تنتفخ إفرازاتي المطاطية، كالبالونات الملونة الجميلة، أو كالأكياس الدهنية الخبيثة – لا أدري فقط أتذكر أنها طارت بي عبر بوابات مرمرية شتى. ذلك حينما طردتني جاذبية الأرض، وغطت النعامة الخائفة (أو الخائنة) وجهها في السماء).. ص 23، قصيدة "بيانو.. ذو مشعر طويل في الصحراء ".
المصطلحات الكيميائية التي أبرزها الشاعر في نصوصه لم تأت إلا من نية مسبقة ومخطط لها على ما يبدو لتقريب ومزج المعاني وتساؤلات الحياة من بعضها، ومحاولة إدراجها ضمن نفس الصيغة القانونية المتبعة في الخلطات الكيميائية سواء تلك التي نتائجها نافعة أو تلك التي نتائجها ضارة، وجميعها في الغالب ناتج من تجارب ومحاولات للوصول الى شيء مبتكر، فهل هذا ما اتبعه الشاعر في هذه النصوص المركبة ؟!
(أحاول أن استقطب يدك اليمنى، وأن أخلطها بكالسيوم محبتي، بينما أنت – بردائك الأزرق – تقتحمين زرقة الكربون، حاملة راية زرقاء.. وممسكة بذراع دمعتي).. ص 55، قصيدة "ديالوج التينور والكونترالتو".
والشاعرية هنا لا تخلو من مغامرة الدخول في أسر اللفة وسحرها.. وشيئا فشيئا يحاول الشاعر أن لا تتغلب اللغة المعقدة على صياغته الفنية، فينجح في السيطرة عليها كي تتولد لديه تصاوير شعرية مدهشة قادرة على أسرنا في خباياها وعوا لمها، فنظل نطرح الأسئلة حولها، تلك الأسئلة التي تخصب من لذة قراءتنا لهذه النصوص، خصوصا وقت أن يأخذنا الشاعر على بساط كتابه ناحية ساحة شعريته الصاخبة والهادئة أحيانا، التي يمزج فيها (بشكل تركيبة كيميائية) بين الشكل الشعري الكلاسيكي والشكل الشعري الحديث مضافا اليهما الفن القصصي، ليجرنا بذلك معا في مغامرة تشعرنا أنها تلبسته واستحوذت على شعريته غير المستقرة والطامحة في كسر الحواجز الفنية في الكتابة ومحاولة تشكيلها عبر صياغة جديدة ومتمردة.
( ساحر،
يأوي الى جفني..
لالخفاش،
يطفىء شعلة الدمع المؤرجح،
والعذاب البرتقالي المقطر،
حركي وجع الحقيبة،
كي تحركني الحقيبة..
نحو هاوية..)
ص. 38، قصيدة "ديالوج التينور والكونترالتو"..
( ذاك هو الكابوس، قد حطني
في شفق الحظ، وفي نحسه
في فمي الماء.. وما ذقته
نصف مذاق الماء في كأسه)
ص 25. "قصيدة.. بيانو.. ذو شعر طويل في الصحراء
وتبقى الإشارة أن الكتاب ضم ثلاث قصائد طويلة. الأولى بعنوان (بيانو… ذو شعر طويل في الصحراء) وهو عنوان للوحة الفنان العالمي سلفادور دالي، والثانية بعنوان (ديالوج التينور والكونترالتو) والأخيرة بعنوان (لا مقامية)، أما لوحة الغلاف للفنان سلفادور دالي وكانت بعنوان (نافورة محبة للجثث.. تخرج من بيانو له ذيل). وقد صدر للشاعر قبل هذا الديوان (بينهما.. يصدأ الوقت لم عن كتاب إيقاعات الابداعي، وله تحت الطبع ديران ثالث بعنوان (الالوان ترتعد بشراهة).
وقيما يلي مقتطف مما ورد في الغلاف الأخير من الكتاب :
(هذه قصائد تنتمي الى ما يمكن تسميته "هندسة العمل الفني" تلك الطريقة التي تنهض في أساسها على "منطقية التركيب " لا الاختيار الجاهز وتعلي من شأن "تصنيع الأجزاء" على "اكتشافها" في الحقيقة، هذا شاعر لا يمتلك كاميرا تعينه على الالتقاط ولكنه "رسام" يستعيض عن "أطر" العين "ببراح" ما يرده الذهن أحيانا، وما لا يرده أكثر الأحيان).
يحيى بن سلام المنذري (كاتب من سلطنة عمان)