– الحورية الجميلة تقول . .
ها. . ماذا تقول . . ماذا
تقول .. ؟!
– لم العجلة.. يا من تمتلكون أدمغة هائمة.
* عفوا.. نحن لا نريد ما تقوله الحورية. نحن نريد الحورية
نفسها.
-هي ليست لكم . . وانما له هو وحده.
*من هو.. من هو.. ؟
– لا يهم من يكون . . والآن دعوفي أحكي عما تقوله الحورية.
* أحك . . احك . نحن منصتون .
-الحورية تقول إن ذلك الصباح لم يكن له حفل من المطر ،
رغم كل الغيوم
ا لمتزاحمة ، وعند الظهيرة حينما فتح باب البيت وأدخل منه
سرير "عدنان "
الجديد ، عندها انقشعت الغيوم .. ابتسمت الشمس .. اتسعت
الظهيرة..
وزادت ارتعاشات قلبه .
* زادت ارتعاشات قلبه !!.. لماذا زادت . . ؟
– زادت بمجرد أن تذكر طيف حورية تظهر من البحر..
وتعانقه أمام
السماء.
* هل هي نفسها الحورية التي تقول ..؟
– ربما.. ربما. . بعد ذلك شحن رأسه بأشياء كثيرة لا
تحصى.. غير
المطر وفشله فى السقوط .. غير الباب الذي أدخل منه سرير
عدنان الجديد..
غير ابتسامة الشمس .. وغير الظهيرة التي تنسع وتتسع .
*أشياء لاتحصى.. ؟؟
-نعم أشياءلاتحصى منهاطيف الحورية التي أحبها فعلا..
والتي كلما
تذكرها أبدع فى الحنين إليها.
* ولكن هي نفس الحورية التي تقول ..؟؟
– ربما ربما.. ولاكن سرير عدنان الجديد لا يخلو من ا لمتانة
والقوة . . أما
السرير القديم الذي ورثه عدنان إعنه ).. فكان مهيئا
للتشطي في أي وقت . . وكان يمتهن لعبة الصرير.. ولعبة
استعراض الأحلام ا لمزعجة.. ياله من سرير عجوز أصاب
الخرف دماغه ما أصاب .
*هيه .. أنت أيها الغريب صاحب
الحكاية.. انصت لنا.
– ماذا هناك ؟
* نحن هنا جميعا نريد أخبارا عن الحورية . . لا عن عدنان هذا وسريره القذر.
– أدمغه هائمة . . بكل أسف أدمغه هائمة .. سوف أطرح عليكم سؤالا.
*ماهو..
-كيف هي مساء اتكم . . ؟
" مساء اتنا.. لا نعلم عنها شيئا.. لأن ساعتها نكون نياما.
-أما اذا سألتم عن مسائه فان له طعم الضجيج .. مساؤه ليس كأي مساء آخر. ." *كيف ذلك ..؟
-في بداية المساء يخرج رأسه من نافذة الغرفة.. يقتفي صدى أول صرخة جديدة يطلقها وليد جديد.. يظل يتتبعها. . ثم تدمع عيناه حينما يرى الصرخة تتسع وتتسع مثل ظهيرة ذلك اليوم .
"ما بك يا هذا . مابك…
– ماذا . . ؟
* يا هذا. . ماذا عن الحورية. ماذا عنها. . مالنا نحن وأول صرخة وليد.. دعنا
في الحورية .
-يا أدمغة هائمه .. لا بد وأن تعرفوا بقية ذلك المساء.. أأنتم منصتون . . أم
ماذا. . ؟
* ما عسانا نقول . . هيا احك .
– عيناه تدمعان حينما يرى الصرخة تتسع مثل ظهيرة ذلك اليوم . . بعد ذلك يتحسس غرفته .. يلصق اذنه على الجدران منصتا. . فيصعب عليه تحديد وقت الانفجار.
* ماذا.. انفجار.. انفجار ماذا…؟
– تصيبه الدهشة . . لأن الغرفة قادرة على التنفس . . وقادرة على الصمود .
* ماهذا. ماذ ا يقول هذا المجنون ؟
-الغرفة هي المجنونة . . لم يكن يعرف أنها مرتع حشرات متنوعة الا
متأخرا. . ثم اكتشف أن عينيها مخنوقتان جاحظتان . .
*عينا من عينا الحورية . . ؟
-لا يا أدمغة هائمة. . بل عينا الغرفة.. ولجذته قصة..
* ماذا جدته . . مالنا نحن وجذته ..
-كانت عينا جدته تتبعان إدخال الخيط في ثقب الأبرة ، عينان مهترئتان.. لكنهما تتحديان حركة الخيط والأبرة . . إلى أن استقبلت رأسها قذيفة سقطت من السماء.
* ياويلها المسكينة-. ياويلها. . قذيفة..؟
-والتي اتضح فيما بعد انها كرة قدم كان يلعب بها أولاد الحارة خارج البيت ..
ء كرة قدم . . كرة قدم. . -نعم كرة قدم .. عندئذ رمت الجدة ما في يديها وصرخت مفزوعة . . ثم وضعت يديها المجعدتين عل موضع الألم في رأسها . . أما الذي قذف بالكرة فقد نال شتائم ساخنة ونال لعنات تكفيه ولأهله لسنوات
قادمة .
· يا هذا ألا تعتقد أنك ابتعدت كثيرا عن الحورية.. ها. . ماذا عنها. . ماذا
عنها. .؟
-أف .. يا ناس كان لزاما على جذته أن تدخل المطبخ في تلك اللحظة .
ء ماذا.. المطبخ. . لماذا تدخل المطبخ . هل تطبخ رأسها. . ؟
– لا.. وانما تتناول أكبر سكين موجودة هناك .
* يا إلهي . . لماذا السكين . .؟
-كي تشق بطن .. ..
ء ويبنا.. بطن من .. بطن الحورية.
؟ يا نفوسا هائمة. . بل تشق بطن الكرة .
* وهل فعلت ؟
-نعم .. شقت بطن الكرة.. وخرجت من المطبخ وعلامات الأنتشاء تلمع في
وجهها. . حتى أنها اصطدمت بأخته الصغيرة سعاد.. عندئذ سقطت سعاد
باكيه . .
* ماذا عن الحورية.. ماذا عنها.. ؟
-سوف أبقر بطونكم أيها الفحول ان لم تتركوني أكمل .. فهو ما زال
يحاول تقدير وقت الانفجار.
* مرة أخرى انفجار… أي انفجار هذا..؟
-لأن الغرفة ما زالت تشاكس ا لرياح والأمطار والعواصف وصراخ أولاد
ا لحارة ، وأبواق السيارات ، ومواء القطط ، وزيارة الحشرات ، وزيارة وزيارة الحر والبرد. . ومع ذلك صعب عليه أن يحدد وقت الانفجار. . لذلك دهن الغرفة منذ أسبوعين .
*أيها المضجر.. بأي لون دهنها هذه الغرفة الأميرة . .
-لا.. هذه ا لمرة لم يكن لونا واحدا. . بل ألوانا متعددة . . لانه بكل شدة
يحاول أن يبث شيئا من الفرح فى جسد الغرفة ، حتى الطاولة التي يكتب
عليها دهنها هي الأخرى بالوان متعددة . . وها هو يرى الطاولة تنتحب
وتبكي على ليال موحشة . . تبكي على ردم الخطوط التي كان يخطها عليها..
فقبل أن يلون الطاولة لم يعد يرى أي جمال في تلك الخطوط التي كانت في
الماضي تجذب خياله . . حتى الكتب التي قرأها هو وأصدقاؤه لم تعد تفتح
الشهية لقراءتها.
* أيها الغريب . من أجل خاطرنا وخاطر عقولنا. ماذا عن الحورية. .
-سوف افقد عقلي .. حسنا. . حسنا.. سأخبركم عن الحورية.
* ولكن لحظة وقبل كل شيء .. هل هي نفس الحورية التي تقول .. !
– ربما. . ربما.. ذكر عن الحورية انها شربت الليل كله من عيون رجال
عديدين ، وذكرحسب ما ذكر شيء لا يصدقه عقل ..
* ما ذا . . ؟
– أتعرفون بانها هي التي تسببت في ملوحة البحر.
* كيف .. كيف ..؟
-إن هذه الحورية تناولت البحر في زمن عذوبته .. قبلته في فمه قاذفة الى
جوفه مسحوقا سحريا. . توهج البحر. . . زأر. . ازرق . . فاح دمه . .
ارتفعت حراراته حتى انهك . . ثم تقيأ داخل جوفه كائناته المعروفة هذا
اليوم .. وبذلك جن البحر.. صار مالحا. . صار يصرخ مولدا هذا الهدير..
والسبب قبلة الحورية .
* ما هذه الخرافة. دعك من كل هذا. . ماذا عن ما تفعله الحورية بين البشر.
– كفاكم يا أدمغة هائمة . . دعوني
أكمل عن ذلك المساء. . فثمة أشياء حدثت لم تكن غريبه .
" أشياء لم تكن غريبة . . مثل ماذا ؟. .
-لم يكن غريبا فى نفس لحظة سقوط الكرة على رأس الجدة أن يرقص
"عدنان " بفرح عارم على سريره الجديد.. ولم يكن غريبا أن يسقط عدنان عل الأرض ويصاب فى رأسه . . ولم يكن غريبا أن تفتح الجدة بعد ذلك باب البيت وترمي الكرة المشقوقة البطن لأولاد الحارة . . ولم يكن غريبا أن تبقى الجدة عل حالها غاضبة تلعن اليوم الذي سكنت فيه معهم .. وكل شيء فى جانب وهو فى جانب آخر. . فما زال يقدر وقت الانفجار.
* مرة أخرى الانفجار.
-يحدق فى المذياع العتيق الذي التصق فى جزء من الطاولة وذلك من شدة وجوده في نفس المكان لزمن طويل . . لذلك أصبح المذياع جزءا من الطاولة.. لكنه لم يعد يطلق أي انه مسموعه .. يحدق فيه بغرابة هذه المرة . . لعله قد يصل الى تقدير مناسب لوقت الانفجار.. يتساءل كيف لهذه ا لمجنونة الغرفة أن تكون قادرة حتى الآن عل الصمود. . كل شيء في جانب وطيف الحورية في جانب اخر.
" انتباه يا جماعة.. انتباه . . لقد وصل إلى الحورية مجددا. . انتباه. . ليستيقظ
الجميع من نومه .. انتباه .
-كل شيء في جانب وطيف الحورية في جانب آخر. . فعيناها كوكبان آخران
يعيش فيهما.. حيث المتعة والجمال وحيث الحلم .
*هاه .
-لشفتيها الطريتين لذة لا توصف .
* ها ه .. هاه . .
-قلبها كبير ينشر الحب
* هاه. . هاه. .
– وجنتاها قمران مبتسمان
* هاه .. هاه .. ماذا حصل بعد ذلك ماذا حصل ؟
-هي رأسه . . رأسه التي لا يستطيع أن يتركها لحظة واحدة .
* ولكن هل هي نفس الحورية التي تقول . . أو التي قبلت البحر..
– ربما . . ربما ، ولكن أبوه . .
* ما هذا. . لقد تخلى عن ذ كر الحورية من جديد.. لأمالنا نحن وأبوه . . ها. . مالنا
-أبوه حمل عدنان الى المستشفى .
* جئنا الى الوجع .
-وكان المستشفى غاصا بالمرضى.. والأطباء الغاضبين من لا لشيء . .
والأطباء العاشقين . . والأطباء النائمين . . وأيضا غاصا بالممرضات
الطاعنات فى السن والممرضات الخشنات . . وا لممرضات الناعمات ..
والممرضات اللواتي يستعرضن تفاصيل أجسادهن .
*قف هنا لوسمحت . . قل لنا كيف يستعرضن تفاصيل أجسادهن . . ؟
– أدمغة هائمة . . أدمغة هائمة . . دعوني أكمل . .
* أحك . . أكمل . .
– وغاصا بالأدوية ا لمنفرة . . والهواء البارد صانع الزكام .. ياه .. ذلك
المستشفى كان غابة من البشر والكائنات ا لغريبة. . تصوروا ان هذه
الغابة لها أجنحة متنوعة . . أجنحة خضراء. . أجنحة زرقاء. . أجنحة
ذهبية . . أجنحة لتغيير الملابس ا لمتسخة.. أجنحة الأشعة . . أجنحة
العناية ا لمركزة . . أجنحة طيور الزينة. . وأخيرا أجنحة الأرواح الطائرة
الى السماء.
* ماذا عن أجنحة الحورية. . يالوجع قلوبنا. . يا هذا ان دواءنا الحورية . .
– أما أمه . .
* ماهذا.. اذن سوف تعدد لنا جميع أقاربه . .
-أما أمه حضنت سعاد الصغيرة كي تحاول أن تلقمها الصمت . . وسرير
عدنان الجديد كان شبه قلق ينتظر أول جسد يرقد عليه .. أما الجدة فقد أعلنت
حالة الهدوء المؤقت حينما كانت تشرب دواءها من الثلاجة . . لكنها لم
تعرف أن أولاد الحارة جاؤوا بكرة قدم أخرى يلعبون بها.. لا تخبروها عن
ذلك . . فهذا س بيني وبينكم .
* بل سوف نخبرها..
-اذن لن أحكي لكم بقية الحكاية .
ء نحن سنخبرها إذا لم تكمل سيرة الحورية .
-يا ناس أنا أحكي عن ذلك المساء والحورية جزء من الحكاية لا أساسها.
* الويل لك . . ثم لك الويل . . والويل لك . . لقد ضحكت علينا.. في البداية قلت لنا أن الحورية تقول … آه . . وألف آه نتحسر على كل التنهدات التي أس فنا في اطلاقهاعند ذكر هذه الحورية.
– اسمعوا.. أنا لم أعد أهتم بكم وبادمغتكم الهائمة . . وسوف أكمل .. نعم سوف أكمل الحكاية مع عدم وجودكم .
*……. .. . . . . . …
رقدت سعاد وحلمت بأرجوحة لها وحدها. . واصلت الجدة تحت ضوء
المصباح إدخال الخيط في ثقب البرة . . السرير حضن عدنان في مساء رطب . . هل تعرفون من هو عدنان . . ؟
*. . . . .. . . ….. . ..
-أين ائتم . . سحقا لرحيلكم . .
*.. . … . .. . . .. .. . .. .. … ..
– إنه عدنان ا لمربوط الرأس صاحب السرير الجديد. . ذلك العائد من غابة
ا لمستشفى . . ألا تعرفون الغابة . . سحقا لكم . سوف تندمون عل رحيلكم .
*… . . . … .. . ……. . . . …
-أما هو فما زال يحاول أن يقدر وقت الائقجار. . وليت لرؤوسكم
الهائمة أن تنفجر. . كيف تتركوني وحيدا مع هذه الحكايات . .
*.. .. . .. . ….. . . . .. . ….
-سقط رذاذ خفيف في نهاية ذلك المساء.. لاحت (له ) حوريته مع كل قطرة
رذاذ يتحسسها.. صدقوني حتى أنا لا أعرفه . . ولا أعرف أيضا حوريته . . وربما تكون هي التي تقول.. وربما كانت حورية الظهيرة التي اتسعت. . وربما
حورية البحر المجنون .. وربما خيال المساء المحق ون بالصخب والمشاكسة . .
ربما. . ربما. . أعرف أنكم لن تسألوني عن هذه الدموع .. ومن أين لي بها.. لأنكم لستم سوى أدمغة هائمة.. هائمة.
13/ 5 /1993 م