-1-
رغم أن غزوان الفهد اشتهى أن يلتهم تفاحة ذات لون أحمر رائق يزهو بين الفاكهة الشهية التي ابتاعها من – السوبرماركت – إلا أنه شهق وهو يمتص تفاصيل وجه المرأة الذي لسعته الشمس وحولته الى برونز يتقد بنضارة دافقة تلهج بالصراخ السري الصامت .
أدرك غزوان الفهد خطورة الغموض المنهي من عيني المرأة الشبيهتين . بشفرتين قاطحتين ، وخالجته رعشة خفيفة مكتنزة بالخوف من الموت .
وجد نفسه ينوى بحمل حقيبة الفاكهة وينوء بحمل روحه الجائعة المنقادة وراء المرأة التي راحت تبتاع من خانة الخضراوات تشكيلة متنوعة تضيفها الى كميات كبيرة من الفواكه كانت قد اختارتها من قبل وركنتها في عمق العربة اليدوية المستكينة تحت يديها الطريتين .
كان غزوان الفهد يدرك إمكانية وجود نساء لهن جاذبية نادرة أشبه ما تكون بالسحر، وها هو الآن يرى نفسه يتحرك مسلوب الارادة بفعل مغناطيس يشدد قسرا ويلقي به في غياهب الألم والحرقة .
الله .. كم كان غزوان الفهد مجنونا بالنساء الجميلات !
انه يعرف أية حرائق يشعلن في القلب وأية بهجة آسرة يثرن في النفس ويحركن بحر الدهاء لتصير خيولا هائجة يملؤها التوحش .
يدرك غزوان هذا، ويعرف أنانيته في معاملة النساء، فهو لا يطيق إقامة علاقة إنسانية مع امرأة قبيحة ، لا بل لنقل لا يستطيع اقامتها مع امرأة متوسطة الجمال .
باختصار كان غزوان الفهد مولعا بالفتنة والبهاء الأنثوي المكتمل . وكان يرى أن وجود نساء دميمات إشارة الى وجود خطأ جسيم لا يحتمل في نظام الكون ، ولذا فهو يدرك ان قبضة هذه المرأة تطبق على روحه بضراوة في محاولة لا ستلال آخر رمق من جسده المطحون بالرغبة ، يعرف أن لهاث الثيران الغاضب يتفاقم حتى ليكاد يصل الى حلقه ويجهز عليه .
استكان لنداء الدم في عروقه وسار شبه منوم وراء المرأة .
أمام باب – السويرماركت – اقترب غزوان الفهد من المرأة وهمس:
– أستطيع أن أعاونك دونما أي ثمن .
رشقته المرأة بنظرة تحمل طعم التفاح وسألت :
– هل أنت متأكد بأنك لا تريد أي ثمن ؟
وضحكت .
ضحك غزوان الفهد وامتدت يده لترفع كيسا مكتنزا بالفواكه والخضراوات فقط ، ولم يستطع أن يفهم لماذا كان يشم رائحة التفاح دون بقية الفاكهة ؟
-2-
في مسبح بيكاديللي كان اللقاء الأول .
جفل الموج عندما ارتمت مونا فيه .
شعر الموج كما لو أن سيفا يخترقه ببراعة ويوقظ فيه كل جنون الأعماق وشعر غزوان الفهد بشي ء يخض القلب منه ويجعل الدهاء تضرب جسده بوحشية وقسوة .
كانت مونا في السابعة والعشرين عارية الا من ثوب سباحة أحمر صارخ يشد جسدها الممتلي ء البض ويمنح جلدها رائحة ولون التفاح .
شقت مونا مياه المسبح وبدت سمكة رشيقة تمرح في زرقة الماء الحميم ، وشقت رعشة الجوع في دم غزوان الفهد طريقا عصبيا.
لعل غزوان الفهد، كان سطولا وهو يبصر مونا تسبح في كل اتجاه ، تطفو مرة تغوص أخرى، لتعوم كالفراشة أو لتخرج فخذها الذي كان يزهو على صفحة الماء، أو لتروح مستلقية على ظهرها ونهداها يرتجان بعذوبة تحمل نداء الغابات الشائكة الأول التي يعرفها غزوان الفهد ويعاني من لفتها الضارية الجارحة . كان غزوان الفهد يرقب مونا ويفكر بهذا البهاء الذي اندفع في الماء كالحلم . ووجد نفسه يتأمل عريها المؤتلق ويرد مع نفسه :
– لا عاصم اليوم يعصمني من هذا الفيضان الكاسح .
-2-
في شقة مونا التقيا ثانية.
احتضن غزوان الفهد جسد مونا الفارغ ، فانتصب ثديان طفلان مليئان بالنزق . وتوهج في
ذاكرته فخذ أبيض يضيء المكان .
كان الثدي يتقافز مثل كرة ضالة تبحث عن هدف ولا تجده . وكان الفخذ يشرق شمسا مليئة باحتدام مجنون .
تمنى غزوان الفهد لو ينهض ويقترب من مونا، يفتح أزرار قميصها المشجر ويتلقف بشفتيه العطشاوين حلمتي الثديين بالتناوب ، ويشمهما بنهم ولهفة محمومة ثم يهبط بشفتيه الى فستانها الأزرق ليرفعه مندفعا نحو سرتها، زارعا كل احتراقه هنالك . ونازلا بعد ذلك قريبا من كائن عجيب في قبضة اليد وسحر الطبيعة ، كائن هو طفل وهو شيطان يثير الزوابع في القلب ويفجر في الروح كل بروق السماء ونيران الأرض.
ومثل نمرة رشيقة مراوغة تحركت مونا فارتمى قميصها المشجر.
ارتمى فستانها الأزرق الخفيف .
ووقفت عارية الا من الرغبة .
نشف الدم من وجه وجسد غزوان الفهد.
صرخ الدم في وجهه .
التمعت شعلتان من نار في عينيه المتقدتين .
ارتمى غزوان الفهد في البحر ، جعلته مونا يسري في سمرات الجسد ممسكا نيازكه الحارقة ومتشبثا بنجومه الخافقة بالحليب المتفجر. هبطت به الى طبقات الأرض السبع فاكتوى بنار البراكين المندفعة في الأعماق ، ولم تفلح كل مياه الينابيع الباردة في اطفاء توهج الروح التي ضاقت بالجسد وأرادت أن تغادره هربا من هذا الجحيم الجامح .
-4-
في بيت من البيوت الكبيرة اجتمع غزوان الفهد بمونا.
كان قرميد البيت يبدو معتما ويوحي بأنه عتيق . وكان البيت يقع في الريف ، واذا أردنا الدقة أكثر فهو ينتصب في ضاحية تقع في طرف المدينة وتنفتح على أفق واسع من الخضرة حيث الحقول الشاسعة المشتبكة بالريف .
داخل البيت أجال غزوان الفهد عينيه اللتين وقعتا على أثريات جليلة تتدل من السقوف وتنير وجوه وأجساد الكثير من الرجال والنساء الذين أوحوا له من خلال حركاتهم وتصرفاتهم بأنهم نبلاء أو على أقل تقدير أوحى له سلوكهم الذي ينم عن تهذيب أكثر مما ينبغي بأنهم يراعون دبلوماسية مدروسة .
اكتشفت عيناه المساحة الكبيرة للصالة التي فرشت بسجاد يدوي يتألق تحت النور الذي غمر المكان .
أعطت مونا غزوان الفهد قدحا من الويسكي ، وهمست :
– بعد قليل سأعرفك بالشخص الذي يرعى مؤسستنا.
أحس غزوان الفهد بشي ء من الخوف ، ولكنه أحس بأن اللقاء بمونا منفردا سيحرره من كل المخاوف فيما بعد.
أقبل رجل ملتح له عينان تشيدن بوداعة ماكرة .
قالت مونا : الأب جميس معلمنا.
مد الأب جيس يده الى غزوان الفهد الذي لم يعرف لماذا
كانت باردة بهذا الشكل !
قال الأب جيمس : لابد أن مونا قد حدثتك عن ديننا الجديد.
قالت مونا : غزوان يعرف اننا نبشر بالحب والسلام
ونسعي الى كسب الناس الى ديننا العالمي.
أومأ غزوان الفهد برأسه موافقا.
قال الأب جيمس : هذا حسن .
ونظر الى مونا وسأل : هل أخبرته بأهمية أن ينقل لنا بعض الأمور التي تهمنا عن بلده أحيانا؟ حركت رأسها بالايجاب .
وحرك غزوان الفهد رأسه للمرة الثانية .
قال الأب جيمس : ستغيب مونا عنك للحظات ثم تعود
لتزودك ببطاقة الطائرة ومبلغ بسيط .
قالت مونا: سأعود بعد قليل .
راقب غزوان الفهد البشر الذين كانوا يتكلمون بأصوات هامسة كما لو كانت لديهم أسرار خاصة وغامضة لا يريدون البوح بها للآخرين ، وبدأ يتساءل عن معنى وجود كل هؤلاء البشر الذين أخبرته مونا بأنهم لا يأكلون سوى النبات ويحرمون الحيوان لأنه روح ، وأحس برغبة في الضحك .
استعاد سؤالا وجهه الى مونا مرة : اذا كنتم تحترمون الأحياء الى هذا الحد، فلماذا تفرقون أجسادكم في اللذة الحسية :؟
حينذاك قالت مونا : نحن نريد أن نجعل الروح مرتاحة وغير مشغولة بمادية الجسد ، نريد أن تشعر بالهدوء داخل هذا القفص الملتهب الذي نسعي الى اطفائه .
وتذكر غزوان الفهد تعلقه بمونا، تذكر انه قد تحول الى طفل بين يديها، ولكم أحرقته الخيبة عندما رفضت السفر معه ال بلده ، يذكر غزوان انها نظرت اليه وهي تسوي شعرها المتناثر على جسدها المبهج وقالت :
– لا أستطيع يا غزوان فأنا هنا لكسب الأتباع والدعاة .
يعرف غزوان انها قد أحست بحزنه العميق فقالت :
– تستطيع أن تأتي هنا مرة أو مرتين في السنة وسنلتقي.
وربما شعرت بأنه لم يقتنع كليا فواصلت
– وسنلتقي عندما أزور بلدك .
قالت مونا لغزوان الذي كان يبدو سطولا:
– عسى الا أكون قد تأخرت .
لم يجب غزوان الفهد فأكملت :
– هذه بطاقة الطائرة ، وهذا غلاف فيه مبلغ قد تحتاجه ، وبالمناسبة ستؤمن سفارتنا في بلدكم الاتصال بك وتزودك بما تحتاج .
قال غزوان بعد أن رشف من قدح الويسكي:
– هل ستذكرين غزوان الفهد يا مونا؟
قالت مونا بحياد ولكن بحسم : كيف أنساك يا غزوان بأ قال غزوان :
– اذكريني حتى بعد موتي؟
اعترضت مونا:
– أوه ، لا تقل هذا فأمامك الكثير من الأشياء لتفعل . قال غزوان :
– أعرف ذلك ولكنني أشعر بأن الموت يحوم حولي .
– غزوان سنحيمك .
سأل :
– من يمتلك قدرة دفع الموت عن الانسان ؟
قالت مونا :
– غزوان لا تكن متشائما، ودعنا من الموت ، لقد صرت
واحدا منا.
ردد غزوان بصوت دونما نبرات واضحة :
– أعرف ذلك .
سأل غزوان :
– متى نخرج .
سالت مونا : أيكون الجو هنا قد أزعجك الى هذا الحد؟
قال غزوان :
– أريد أن أكون في الخارج حيث الهواء الطلق .
قالت مونا :
– سأذهب وألتمس اذن الخروج .
– قال غزوان :
– افعلي هذا، فموعد السفر في الأسبوع القادم ولابد أن
– نكون لبعضنا هذه الأيام .
ضحكت مونا.
عندما أصبحا في الخارج ، أحس غزوان الفهد برائحة التفاح
تهاجمه .
تطلع الى مونا وتذكرها في مسبح بيكاديللي ، تذكر كم كان الموج خائفا حين رأى مونا لؤلؤة عارية تتألق تحت الشمس التي غمرت الماء. جفلت الأمواج وهي ترمق روحا جامحة تفيض من جسد كاسح أنهكته ثمار تفور بالشهوة ، استمد الماء من جسد مونا المفعم بلهب ينشر الحرائق في كل مكان ، جنونه وغادر وقاره صار طفلا نزقا تملؤه قوى 0التدمير وهو يحتضن جسد مونا المندمج بالموج الغامر المميت . كان الجسد حوتا في الماء برقا في سمائه المضطرمة بالهلاك . المرتعشة ذعرا وهي تضم هذا الجسد الفيضان ، كان الفيضان يأخذ غزوان الفهد بعيدا وكانت رائحة التفاح تهاجمه بوحشية لم يعهدها من قبل .
الموصل في 12 كانون الأول1987