عزيز أطريمس
كاتب وباحث مغربي
إن معاني نصوص أحمد بوزفور القصصية لا تكف عن التدفق من روافد متعددة. ولا أحد يستطيع إيقافها، أو ادعاء ذلك، فبين القراءة الشارحة والتأويلية تتوارى دلالات لا يمكن حصرها. وبين انفتاح النص وانغلاقه تُشيد معمارية نصية خاصة، تعكس أسسا جديدة للعلاقة بين الكاتب والمرجع وما يُكتب. إذ راهن على تجريب قيم جديدة تتجاوز الارتهان المباشر بالواقع الذي هيمن عليه الشك، واختفت فيه الحقيقة إلى الأبد، ولم يعد هناك وجود إلا للتأويلات، أي لا شيء يوجد حقيقة خارج وعي المؤلف، ووعي القارئ وبدائلهما النصية. إن المبدع الحق لا يرى الأشياء بعين واحدة؛ لأنه يدرك أن الحكاية تُقرأ من اليمين أو من اليسار، ويقرأها البعض أفقيا أو عموديا. هكذا، اتخذت قصص بوزفور مسارات جديدة، إذ أعادت النظر في علاقة القصة بالواقع والحقيقة والسياسي والأيديولوجي.. قصص إن فسرتها خطيا عدت بخفي حنين، وإن غصت في أعماقها ستحترق بلهيبها؛ لأنها تطرح أسئلة تتجاوز المألوف، وتشيد نصيتها وفق هندسة تقوم على التداخل والتعدد، إذ أصبح النص/الأم حاضنا لنصوص أخرى، لا يمكنها أن تحيا وتنمو إلا في كنفه.
هكذا، انشطر النص القصصي وتحول إلى “أشلاء”، ويمكن عد ذلك قتلا للنص إذا انتزعنا مقولة بارت من سياقها الأصلي، لكنه قتل للنص بمفهومه التقليدي المتصالح مع ذاته. وإذا كان وراء قتل المؤلف إعطاء النص حياة جديدة، من خلال تجدد القراءات؛ فإن قتل النص بهذا المعنى يمنحه حياة جديدة تتخلص فيها الحكاية من الطقوس الكلاسيكية والحبكة التقليدية. ومن جانب آخر ألم يُمَكِّن تحويل النص إلى أرخبيلات؟ مِن أن يقول لنا الحكاية التي لم تقل، أو لتقول الحكاية حكايتها الخاصة، وتفضح ألاعيبها، وتعري وتكشف عن ذاتها دون أن يتورد خدها كأنها تقول وصيتها الأخيرة قبل أن ترتمي في أحضان القارئ، المستسلم لإغرائها.
تدعو قصص بوزفور القارئ لتجميع هذه الأشلاء وفق منظور جديد، لا مجال فيه للقراءة الأيديولوجية أو النفسية أو السياسية. لقد مضى زمن الانعكاس والمرآة والحقيقة المطلقة. قصص ، تنتصر للإبداع معيارا، وتقف في مسافة واحدة بين هذا وذاك لتشيد معمارها الخاص. “إن التركيب وهو العنصر الرئيس في كل عمل فني بالغ درجة النضج، يقع في مركز التصور السردي الموجه لقصص بوزفور. ويجدر بنا أن نسجل بأن المعنى الحقيقي لمصطلح التركيب.. يرجع بالأساس إلى الطريقة التي يبني بها الكاتب عمله من زاوية المعمار”.(2)
على هذا الأساس تروم هذه الدراسة مقاربة متنين قصصيين لأحمد بوزفور هما: “زفزاف” و”صدر حديثا”، مستلهمة المقاربات النقدية التي اهتمت بالتحليل البنيوي للسرد، وأيضا المفاهيم الأساسية للتقعير (la mise en abyme) المرتبطة بـ”الانعكاس الذاتي” للمحكي كما طرحه لوسيان دلنباخ (Lucien Dällenbach).
الميتادلالي/الارتزاق النصي
إن “الميتادلالي” أو ما يسميه لوسيان دلنباخ ((Lucien Dällenbach “الارتزاق النصي”، وتحققاته النصية: “تقعير الملفوظ” و”تقعير الشفرة” و”تقعير التلفظ”(3) نعدها من بين المداخل التي يمكن أن نقارب بها بعض النماذج القصصية لأحمد بوزفور، الذي نسي أو تناسى-أحيانا- أن يضع قناعه التخييلي، ليتسلل إلى مجتمع الرواية، ويخلق محفلا سرديا يمتهن التأليف والنقد بالنيابة عن المؤلف على تخوم الواقع والخيال، وضفاف التنظير والإبداع.
هذه التقعيرات الثلاثة الأساسية، تفترض وجود محكيات (ملفوظات) فرعية/انعكاسية ومحكي (ملفوظ) إطار/كلي. والمقصود بـ”تقعير الملفوظ” أن يعكس الملفوظ الانعكاسي في بعده المرجعي الملفوظ الكلي في بعده المرجعي؛ وبـ”تقعير التلفظ” أن يعكس الملفوظ الانعكاسي في بعده المرجعي محفلي المؤلف والقارئ في الملفوظ الكلي؛ وبـ”تقعير الشفرة” أن يعكس الملفوظ الانعكاسي في بعده المرجعي الملفوظ الكلي في بعده اللفظي(4) وبتعبير آخر يمكن تحديد هذه التقعيرات وفق ما يلي:
-“تقعير الملفوظ”: وفيه يكون مرجع المحكي الفرعي يتماثل (صورة- انعكاس) مع مرجع المحكي الكلي، أي دلالة الملفوظ الكلي تتحول هي نفسها إلى مرجع للملفوظ الفرعي، الذي يتحول إلى عنصر تركيبي يخضع لإمبريالية المحكي الإطار. هكذا، تتخلى الملفوظات الانعكاسية عن العالم المرجعي التجريبي، وتتخذ المحكي الكلي مرجعا للكتابة، بمعنى آخر دلالة المحكي الفرعي تناقش الأفق الدلالي للمحكي الإطار. ومنه، فإن دلالة هذا المحكي الفرعي لا تتحدد إلا داخل سياقها التركيبي، بوصفها ذات طبيعة ميتادلالية.
-“تقعير التلفظ”: وفيه يكون مؤلف وقارئ المحكي الفرعي يتماثلان (صورة –انعكاس) مع مرجعية مؤلف وقارئ المحكي الإطار. وهذا يعني وجود محافل سردية منشغلة بهموم الكتابة والإبداع عموما، وبلغة أوضح: شخوص أو رواة الحكاية يمتهنون الكتابة إبداعا ونقدا، بوصفهم بدائل نصية للمؤلف/القارئ الضمني، وهنا يمكن الحديث عن “الميتامؤلف” و”الميتاقارئ”، ومثال ذلك أن تقوم شخصية في قصة ما بحكاية قصتها، خالقة سردا ضمن سرد، أو حكاية ضمن حكاية، ويصبح السرد الأصلي الآن سردا إطاريا والقصة التي تُروى سردا مضمرا أو تحتيا.(5)
– “تقعير الشفرة”: وفيه يكون مرجع المحكي الفرعي يتماثل (صورة- انعكاس) مع ملفوظ المحكي الإطار. إذ يكشف البعد المرجعي آليات اشتغال اللفظي في المحكي الكلي، ما دام أن دلالة المحكي الفرعي (الميتانص) لا تشتغل إلا على حساب المحكي الإطار في بعده اللفظي.
“الميتادلالي” أو البدائل النصية (الميتامؤلف والميتاقارئ) أو “الميتانص” ملفوظات انعكاسية تشكل امتدادات للارتزاق النصي، من منظور أن “التقعير” هو (كل مرآة داخلية تعكس كلية المحكي، عبر تضعيف بسيط، أو مكرر، أو مضلل).(6) حيث إن حياة هذه الملفوظات الفرعية ترتهن بحياة النص الإطار، ودونه ستصمت عن الكلام وتصبح بلا معنى. ومنه يصعب دراسة الملفوظات الفرعية منعزلة عن سياقها التركيبي والتلفظي، إذ تستمد دلالتها من علاقاتها التركيبية، أي من علاقاتها في المحور التوزيعي بالمحكيات التي تجاورها، وكذلك من موقع منتجها في المحور الاستبدالي. بلغة لسانية: إن دراسة دلالة المحكيات الفرعية تقودنا إلى الانتقال من الدلالة “المعجمية” إلى الدلالة “التركيبية” وصولا إلى الدلالة التداولية-التلفظية، وهذه الدلالة الأخيرة تكشف أن هذه المحكيات الفرعية كتبت بخلفية تكاد تجعل منها مرتزقا نصيا.
وتعميما لما سبق، فإن الخطابات “الميتاسردية” وتجلياتها الثلاثة، لا تحمل دلالة في ذاتها، فهي من حيث ملفوظها نص نقدي أو سردي، ومن حيث تلفظها نص يستقي دلالته ويرتزقها من نص أكبر حاضن له. وهذه الملفوظات الانعكاسية لا يمكن قراءتها بوصفها مقولات نقدية مجردة أو نصوصا سردية مستقلة إلا بالقدر الذي تنير الإمكانات الدلالية للمحكي المؤطّـِر، أي أنها كيان داخل سيرورة دلالية لا وجود فعلي له إلا بالإحالة على المحكي الذي يحتضنه، ويحقق له أسباب النمو في ظل عالم بديل عن العالم المرجعي التجريبي.
هكذا، تتخذ العلاقة بين المحكيين (الفرعي والكلي) بالنظر إلى البعدين اللفظي والمرجعي (أي اللغوي أو التعبيري، والعالم التجريبي أو الكون الدلالي)، تجليات “الارتزاق النصي” الثلاثة، وكلها تلتقي عند مفهوم “الانعكاس”، والمقصود به: (ملفوظ يحيل على ملفوظ، أو تلفظ، أو شفرة المحكي…الملفوظ المنعكس يشتغل –على الأقل- في مستويين: مستوى المحكي الذي يؤدي فيه دلالة ما مثل باقي الملفوظات، والمستوى الانعكاسي الذي يتدخل فيه بوصفه عنصرا ميتادلاليا يسمح للمحكي أن يتمثل بوصفه موضوعة).(7) وهذا يتطلب مرآة داخلية، يحدد المؤلف زاوية انعكاسها ودرجتها. هكذا فإن هذه التقعيرات لا تتحدد إلا بوصفها انعكاسا، ولا تتمظهر إلا في سياق دلالة أكبر تستوعبها. أي أنها تخضع لسلطة النص الكلي، وحتى في حالة تمردها عليه، فإنها تكتسب دلالتها من خلال معارضتها له.
وبعبارة أخرى، إن الملفوظ الفرعي هو انعكاس للملفوظ الكلي، لكن هذا الانعكاس لا يعني التطابق، لأن الذي ينعكس هو جزء من النص وليس كليته، وأي تشابه بينهما، فهو تماثل، يخضع لسلم الانعكاس وزاويته، بمعنى آخر للبعدين اللفظي والمرجعي. وهذا الانعكاس ليس إلا تضعيفا للمحكي الكلي، حيث نتحصل حسب “التقعير” الموظف على حكايتين، ومؤلفين، ودلالتين، كل واحدة منهما مرتبطة بمستوى نصي معين.
إن الانعكاس يصغر ويعدل ويغير خاصة إذا كانت المرايا الداخلية مقَعَّرة. وبذلك فإن العلاقة التي تؤسسها الملفوظات الانعكاسية مع المحكي الكلي، هي التي تكشف عن دلالاتها داخل سياقها التوزيعي. والدال نفسه في التداوليات لا يمكن عزله عن سياق التلفظ، وهذا ينسحب كذلك على الملفوظات الانعكاسية التي لا يمكن عزلها عن سياقها التلفظي، أي المحور الاستبدالي العمودي. خاصة أن النموذج التواصلي التقليدي لا يصمد أمام تقنية “التقعير” التي استأنست في كثير من تجلياتها بتقنية الخرق السردي.
إن تقنيات “التقعير” الأساسية التي تتمثل في “تقعير الملفوظ” و”تقعير التلفظ” و”تقعير الشفرة” لا تفترض الإجراء نفسه، بل تتطلب مقاربات منفصلة. كما أن هذه التمظهرات الثلاثة تنهض على ازدواجية نصية، الأول متضمِّن- مدمِج – مؤطِّر- الملفوظ الكلي-المحكي الإطار، والثاني متضمَّن- مدمَج– مؤطَّر- الملفوظ الانعكاسي- المحكي الفرعي. إن تحديد مفهومي «التقعير» وا«لانعكاس» والمقصود بـ«الارتزاق النصي» مرحلة أولى لأخرى ستحاول الاقتراب أكثر من الإبداع القصصي لأحمد بوزفور من خلال نموذجين هما: “زفزاف” و”صدر حديثا”، وهي مرحلة مشروطة بإكراهات المنهج، وطبيعة المتن المدروس.
تجليات التقعير في المتنيين القصصيين
2-1 تقعير الملفوظ
2-1-1 “زفزاف”: تعدد الملفوظات الانعكاسية
إنه أكثر مظاهر “التقعير” حضورا في الأدب والفن، وهو ما يصطلح عليه بالحكاية داخل الحكاية، أو الرواية داخل الرواية، أو المسرحية داخل المسرحية، أو بمفاهيم الانشطار والتشعب والتسارد.(8) (فإذا كان النص يتفاعل مع النصوص الخارجية، ويقيم أنماطا من العلاقات معها، فإنه يتفاعل أيضا مع نفسه مما يؤدي إلى تشعبه، ولكن هذا التشعب لا يؤدي إلى التشتت والفوضى والاضطراب، بل يكون محكوما بآليات تضبط تطوره وسيره نحو هدفه).(9) وقد يتجاوز النص ذلك إلى تصوير الحكاية وهي تحكى، أي تشكل الحكاية وانكتابها. وتحققه النصي يقتضي وجود محكيات فرعية تكشف عن المحكي الإطار في كليته. هذه المحكيات الفرعية وضعت بقصدية عميقة، والعلاقات بينها لا تحتمل أن تكون من السبب إلى النتيجة.
تشيد قصة زفزاف معمارية نصية خاصة، لا تؤمن إلا بالحرية والتعدد. هكذا تتألف القصة من خمسة مقاطع مرقمة من 1 إلى 5. تعد المقاطع الثلاثة الأولى منها بنية تقعيرية للملفوظ، والرابع والخامس بنيتين تقعيريتين للشفرة، والمقاطع جميعها بنية تقعيرية للتلفظ. نقتصر في هذا العنصر على التمظهر الأول للتقعير، الذي يتجلى في حضور حكايتين داخل المحكي الإطار وهما بالضبط رقما 2 و3. فضلا عن الحكاية وهي تُحكى في المقطع الأول. ومنه نتوقف عند مسارين حكائيين، يندرجان ضمن المحكي الإطار وهذا ما نستجليه في التوزيع الآتي لمقاطع النص، الذي يستند على العديد من العلامات والإشارات الواردة في القصة:
-المحكي الإطار: المشار إليه بالعنوان زفزاف يجسد القصة وهي تنكتب، أو زفزاف وهي تفكر في ذاتها. إذ يطالعنا في بدايته السارد/الشخصية وهو يحلم بأنه يحاور مؤلفا متخيلا لقصة عنوانها أيضا (زفزاف) حول معضلة الكتابة والإبداع، ويقوم هو كذلك بتأليف قصة عنوانها “زفزاف”. وتتخذ القصة الإطار شكلا دائريا، حيث تعود الأحداث لوضعية البداية، مع عكس وضعيتي الإنتاج والتلقي: فمن كان متلقيا لقصة زفزاف أصبح مؤلفا، والمؤلف أصبح متلقيا لقصة “زفزاف”. دليلنا على ذلك التقابل بين العبارة الوصفية الواردة في المقطع الأول: (فضحك ضحكته المتميزة حتى استلقى إلى الوراء…وهو يشير إلي… قبل أن يقول: أنت؟)(10) وبين ما ورد في نهاية المحكي الإطار: (فيضحك ضحكته المتميزة، ويستلقي بكرسيه إلى الوراء حتى يكاد يسقط، فأبادر والنادل إلى الإمساك به، لكنه يتابع ضحكته وهو يشير إليّ ويقول:
-الفرق بين كتابتي وكتابتك؟ إن صديقك الناقد المسكين لا يعرف أنك أنت أيضا كتابتي.(11)
ومنها يتفرع محكيان يجيبان عن سؤال: من هو علاء الدين؟
-المحكي الفرعي الأول: قصة (زفزاف) وتحيل على النسخة الأصلية للقصة كما ألفها صاحبها: “في الصباح، بعد أن أفطرت، فكرت طويلا في الحلم الغريب ثم أخرجت من المكتبة قصة (زفزاف) وأعدت قراءتها”.(12)
-المحكي الفرعي الثاني: قصة “زفزاف” المعدلة، وتمثل النسخة الثانية من القصة (المحكي الفرعي الأول)، حيث لم يستطع السارد- الشخصية مقاومة الرغبة في القراءة ثم الحكي، كأن عدوى الإبداع تنتقل من المؤلف إلى القارئ.
والملاحظ أن السارد/الشخصية يؤدي أدوارا متعددة، وذلك بالانتقال من كونه شخصية تخييلية إلى شخصية واقعية. والمقصود بذلك أن السارد/الشخصية يعد بالنسبة للقارئ الضمني لقصة زفزاف محفلا تخييليا، وبالنسبة للقارئين الضمنيين لقصتي (زفزاف) و”زفزاف” محفلا واقعيا؛ وذلك حسب المستويات السردية: المستوى الأول (المحكي الإطار): شخصية تخييلية. والمستوى الثاني (المحكيان الفرعيان): شخصية واقعية بالنظر إلى العالم التخييلي الذي تشيده.
إن السارد/الشخصية في قصة زفزاف، القارئ لقصة (زفزاف)، والمؤلف لقصة “زفزاف”، عمل على تضعيف المحكي الإطار للمرة الثانية بعد أن سبقه إلى ذلك شخصية المؤلف المتخيل. والنتيجة التي نتحصل عليها صياغة الحكاية مرتين، من منظورين مختلفين: أولا من منظور مؤلفها، وثانيا من منظور قارئها: “حين انتهيت من قراءة القصة، فكرت في إعادة كتابتها بطريقتي، وكانت النتيجة كما يلي”.(13) هكذا، أصبح بمقدور القارئ أن يتابع انكتاب القصة، ويحضر في كواليسها، شأنه في ذلك شأن المتفرج البريختي (نسبة إلى بريخت) الذي يمكنه متابعة ما قبل العرض المسرحي، وحضور تدريبات الممثلين، وبوسعه كذلك أن يسهم في كتابة النص، والتدخل في العرض المسرحي.
اعتمادا على الملاحظات السابقة، فإن المحكي الإطار يضم محكيين فرعيين، ومن الوهم أن نعد قصة “زفزاف” النسخة الثانية مجرد تنويع لقصة (زفزاف). صحيح أن الحكاية يمكن أن تحكى بطرق متعددة، لكن الأمر هنا يتعلق بالحكاية وهي تحكي نفسها، أو بالحكاية وهي تتشكل. ومنه، نعد المحكيين الفرعيين مرآتين ينعكس على صفحتيهما السؤال الذي ظل معلقا: من هو علاء الدين؟ إذ يمكن قراءة الحكاية المؤطِّرة انطلاقا من المأزق السردي الآتي: “ولكني فهمت أنه يعتبر شخصية قصته مغلقة كالقمقم المرصود، ولا يمكن أن يفتحها حتى علاء الدين. وفهمت أنه يعني نفسه حين ذكر علاء الدين. قلت له بعد تردد: إنني أفكر في أن أكون علاء الدين”.(14) إن المحكيين مرآتان نصيتان تعكسان جوانب من المحكي الكلي، كأنهما إجابتان مختلفتان عن السؤال السابق.
هذان المحكيان الفرعيان (الانعكاسيان) يتخذان من المحكي الكلي مرجعا لهما، وبعبارة أخرى: موضوع/دلالة (زفزاف)، وموضوع/دلالة “زفزاف” تعكسان مرجع/دلالة زفزاف (المحكي الفرعي الأول (زفزاف) يناقش مأزق الكتابة القصصية من منظور المؤلف، والمحكي الفرعي الثاني “زفزاف” يناقش هذا المأزق من منظور المتلقي، وهما معا يشكلان الأفق الدلالي للمحكي الإطار زفزاف الذي يندد بسلطة المؤلف المطلقة، ويجعل الإبداع نتاج تفاعل قطبَي الإنتاج والتلقي). إنهما ملفوظان فرعيان يحيلان على ملفوظ آخر، وبصيغة أدق دلالتهما معا تعكسان دلالة المحكي الإطار. كيف ذلك؟ بدعوتهما إلى تجاوز المنظور الكلاسيكي للسرد: التطابق بين المبدع والمتلقي، والصوت الواحد. والغاية من ذلك هو الاستجابة لأفق المتلقي، لكن أي متلق يقصد؟ إنه المتلقي الذي يشارك المؤلف في بناء المعنى، وله في ذلك اختياران: إما أن يدخل عالم النص بوصفه شخصية، أو يشيد نصه الخاص. فمن هو علاء الدين؟ قد يكون المؤلف أو القارئ، المؤلف الذي لا يقيد المعنى ويجعله منفتحا ومتعددا، والقارئ الذي يتفاعل مع النص ولا يستسلم له بسهولة، القادر على تفعيل دلالات الحكاية وفق رؤية جمالية خاصة به، مع العلم أن هذه الحكاية لا تنقاد لرؤيته بسهولة. نشير كذلك إلى أن الرسالة “تقعير” مزدوج للملفوظ الكلي، وسياق كتابتها في الملفوظ الانعكاسي الثاني، يجيب عن سؤال علاقة القصة بالواقع.
إن الانتقال من عالم الحلم والتخييل إلى عالم الواقع بالنظر إلى مستويات السرد، وانتقال الكتابة من المؤلف إلى القارئ، وتوظيف العجائبي، كل ذلك مؤشرات على الصراع الدائر بين قطبي الإنتاج والتلقي، الذي امتد ليشمل شخوص الحكاية أيضا. كما أن توظيف العجائبي ولغة الرسالة، يمكن عدهما ردا على الواقعية الجافة والضيقة، وعلى المغالاة في إعمال الفكر، فقد عكس المبنى الحكائي صيغته المركبة أنهما قد يلتقيان: الحلم والواقع، المنطقي والعجائبي.
هكذا نتوصل إلى أن “تقعير الملفوظ”، يعيد تشكيل مفاصل القصة وفق تصور تجريبي، يضع قطيعة مع كل التصورات التي تبحث للقصة عن نهاية تتجلى فيها مقصدية المؤلف، إذ يظل الشخوص والأحداث منفتحين على مآلات أخرى لن تكتمل، إلا من خلال وعي القارئ وخبراته السابقة، وأيضا خبراته التي تكونت أثناء فعل القراءة نفسه. ما دام أن سياق الأحداث وتطورها لا يخضع إلا لتصور القصة نفسها الذي يُعد القارئ جزءا منها. وهو تصور سيتعمق أكثر من خلال التمظهرين الآخرين للتقعير: “تقعير التلفظ” و”تقعير الشفرة”.
2-1-2 “صدر حديثا”: مرايا الحكاية
بالنظر إلى أن “التقعير استشهاد حول المضمون أو ملخص تناصي، وبوصفه يكثف أو يسرد مادة المحكي”،(15) فإن القصة التي تتضمن تلخيصا لرواية “الفلاح والتاجر والكاتب” هي بنية تقعيرية لنص غائب. حيث أصبح مرجع القصة هو العالم التخييلي للرواية. وهذه القصة تتضمن تقديما تليه ثلاثة مقاطع مرقمة بأرقام لاتينية، نعد الأول منها تحققا مثاليا لمفهوم “تقعير الملفوظ”. من منطلق أن هذا المقطع المشكل من ثلاثة فصول وخاتمة هو عبارة عن أربعة محكيات فرعية تناقش دلالة المحكي الإطار:
-الفصول الثلاثة محكيات ميتاسردية، تتأسس على التماثل، أو لنقل إنها مرايا كل واحدة منها تحيل على الحكاية الأخرى. هكذا يمكن استجلاء التشابه بينها كما يلي:
*الفصل الأول يركز على مأساة الفلاح “رمضان” وعلاقته بابنته.
*الفصل الثاني يركز على مأساة التاجر شعبان وعلاقته بابنه.
*الفصل الثالث يركز على مأساة الكاتب وعلاقته بإبداعه.
-أما الخاتمة فهي محاولة للبحث عن أشكال الترابط بين المحكيات الثلاثة، من خلال التساؤل حول العلاقات المحتملة بين شخوص هذه المحكيات، “للكاتب رجب علاقة حميمة بابنة الفلاح وابن التاجر”.(16) وهو مسعى يغلب عليه التصور الكلاسيكي للحكاية. لكن من منظور انعكاسي، لا نخرج من التحقيق الذي أجري مع ابن التاجر وابنة الفلاح حول انتحار الكاتب/الشخصية إلا بالتأكيد على أهمية القارئ والخيال بوصفهما فاعلين أساسيين في المبنى الحكائي: الرواية “بنهايتها المفتوحة تدفع القارئ إلى آفاق واسعة من الخيال عملا بالمبدأ الفني الحديث: على القارئ أن يستخرج بأصابعه الكستناء من النار”.(17)
يتضح من خلال القراءة التوزيعية، التي تستند على مفهوم الخرق السردي، حيث يغدو الترحال بين المستويات السردية ممكنا، من منطلق أن قصة الكاتب/الشخصية في الفصل الثالث، هي تضعيف (dédoublement) لرواية “الفلاح والتاجر والكاتب”، إذ نجد فيها صدى مكرر للنص الإطار. وبعبارة أخرى فإن القصة تتخذ من الرواية مرجعا بدل الواقع والمجتمع، إذ أصبح السرد والحكاية هما مرجعا القصة، بعدما خفتت سطوة السياسي والأيديولوجي والواقعي والنفسي. هذا الموقف يؤكده المقطعان الآتيان: “نحسب أننا خرجنا من تلك الفترة العقيمة التي كنا نحاسب الكاتب فيها على أفكار وأقوال وأفعال شخصياته، ونحن ندرك الآن أن هذه مجرد علامات، وأن منظومة القيم التي يؤمن بها الكاتب تستقر خلفها في العمق”.(18) “هل كان الكاتب صديقا حقيقيا لهما (ابنة الفلاح وابن التاجر)؟ هل كان يبحث في تجاربهما الشخصية عن مادة لكتابته؟ هل كان يحاول قتلهما فعلا أثناء فترة جنونه المتأخر. وأليسا مسؤولين بشكل ما عن مأساته؟”(19) هذه الأسئلة من حيث صياغتها وسياقها تؤكد أن فصول القصة تتجاوز التعالق السببي، إلى علاقة أكثر عمقا تعكس تحولا في منطق السرد: الفصلان الأول والثاني هما جزء من الحكاية التي يحاول الكاتب في الفصل الثالث كتابتها. إن بنية التماثل المتحكمة في معمارية النص القصصي، تجعلنا نقرأه على الشكل الآتي:
– موقف الكاتب/الشخصية وانفعالاته جزء من مأساة الإبداع والواقع معا.
– إخراج فعل الكتابة إلى الضوء شفافا وصريحا، هو تصالح مع الذات والآخر، لا مجال فيه للخداع وتشويه الحقائق.
– الأسئلة الساذجة والبحث عن خيط ناظم بين الأحداث قد يقودنا لقراءة مبتذلة، القصة ليست مجالا لكشف الواقع وفضحه، وتمثيل التحولات الاجتماعية بشكل مباشر. لقد تم تجاوز الجماليات الكلاسيكية التي راهنت على مفاهيم المحاكاة والالتزام والواقع.
-المحكيات الفرعية تنبهنا إلى إشكالات أخرى عمودية، علاقة الكاتب بما يكتب، وهي نفسها علاقة الأحداث بالواقع.
الحكاية، والحكاية التي تحكى وتتشكل، والخطاب النقدي الذي تم استدعاؤه في الفصلين الأخيرين، ستفتحان القصة على بنيات تقعيرية أخرى ستجلي الغموض عن الأذهان، ما دامت الحكاية لا تترك قارئها وحيدا عرضة “لرياح” وفتنة التيارات النقدية، بل تمكنه من أدوات قرائية نصية ملائمة ومسعفة لاستكناه دلالات النص، ما دام أن هذا النص يقرأ ذاته، والمقصود بذلك أن النص يصور القارئ وهو يقرأ هذا النص. ولا يذخر جهدا للتدخل كلما استأثرت على القارئ نظريات أو إيديولوجيات ما.
2-2 تقعير التلفظ
2-2-1 زفزاف: تعدد المؤلفين والقراء
يقصد بـ”تقعير التلفظ” “1) التمثيل الحكائي لمنتج ومتلقي المحكي.2) تسليط الضوء على الإنتاج والتلقي بهذه الصفة.3) إبراز السياق الذي يشرط (شرط) هذا الإنتاج-التلقي”.(20) والمحصلة ثلاثة قراء: القارئ الضمني وبديلاه النصيان. وكذلك أربعة كتّاب، لكنهم ينتمون إلى مستويات سردية مختلفة: مؤلف حقيقي، ومؤلف ضمني ومؤلفان تخييليان، وبنية التقابل تفترض أن هذين المحفلين الأخيرين بديلان نصيان للمؤلفين السابقين، مع مراعاة أن المؤلف الحقيقي لا يتمظهر سرديا إلا بوصفه مؤلفا ضمنيا.
لقد مكنتنا دراسة الموقع التوزيعي- التركيبي للمحكيات الفرعية من استخلاص نتائج أولية. والانتقال إلى المحور الاستبدالي-العمودي يعني ضبط الموقع الذي يتحدث منه المؤلف (الضمني- البديل النصي) وعلاقته بالقارئ (الضمني، البديل النصي)، مع العلم أن هذه المحكيات الفرعية ملفوظات تحيل على ذات التلفظ حسب المستويات السردية.
وتبعا لذلك، إن اختيار زفزاف عنوانا للقصة قصدي وذكي له وظيفة توجيهية، وعزز ذلك عبارات اللحية وحركاته وسيجارته، لكن الأهم هو أن هذه الشخصية (محمد زفزاف المتخيل) تشترك مع المؤلف الضمني والسارد/الشخصية في امتهان الكتابة:
-المؤلف الحقيقي: أحمد بوزفور ويقابله القارئ الحقيقي؛
– المؤلف الضمني لقصة زفزاف ويقابله القارئ الضمني؛
– محمد زفزاف المؤلف المتخيل لقصة (زفزاف) ويقابله السارد- الشخصية بوصفه قارئا.
السارد-الشخصية: قارئ لقصة (زفزاف)، ومؤلف قصة “زفزاف” وتقابله شخصية الناقد.
يتضح أن السارد-الشخصية يؤدي وظيفتين، التأليف والقراءة، والناقد يؤدي كذلك وظيفة القراءة، وهما معا يمكن عدهما بديلين نصيين للقارئ الضمني. كما أن السارد-الشخصية بوصفه مؤلفا، وبالرغم من معارضته لمؤلف قصة (زفزاف)، فهو يهدف إلى التعريف بالكيفية التي يتم بها تشكل القصة، ويعني ذلك أن زفزاف المحكي الإطار هي محصلة انعكاس آليات سردية تصور الحكاية وهي تفكر في ذاتها من الداخل، انطلاقا من تصورين نظريين مختلفين.
والملاحظ أن أهمية النسختين الداخليتين للمحكي الإطار لا تتمثل في مضمونهما فقط، بل في الشكل المعبر عن هذا المضمون. إذ من خلال هاتين المرآتين الداخليتين -وبالنظر إلى ذات التلفظ- فإن المحكيين الانعكاسيين (زفزاف) و”زفزاف” يصدران عن تصورين نظريين مختلفين. وتبقى هذه القراءة ممكنة لأن الحكايتين المنعكستين تنيران جانبا من جوانب القصة، وهو الجانب المتعلق بالتصور النظري للإبداع، إذ إن ذاتي التلفظ محمد زفزاف المتخيل والسارد/الشخصية، رغم اختلافهما، يعكسان –بوصفهما بديلين نصيين للمؤلف الضمني- أن الحكاية المؤطِّرة لا تتحكم في أحداثها وشخوصها الأيادي التي أنتجتها، بل تستمر في النمو والتطور بعيدا عن رقابتها.
وهذا التضعيف (تكرار المؤلف) يكشف عن تعدد أساليب الإبداع وأنماطه، بين الكتابة الواقعية والعجائبية والحلمية. ولهذا، فإن العلاقة بين زفزاف، و(زفزاف) و”زفزاف” هي العلاقة نفسها بين المؤلف الضمني وبديليه النصيين، وهي علاقة متوترة، خاصة أن البديلين النصيين التلفظيين لا ينطلقان من نفس الخلفيات الفكرية والنظرية. لكن ينبغي أن ننتبه إلى أن كلتا القراءتين تنيران وتتمان المحكي الإطار، خاصة وأن العبارة الأخيرة ” قد يلتقيان” تحيل على المؤلفين البديلين بوصفهما منظورين فكريين مختلفين.
هكذا، نتوقف عند نسختين لحكاية واحدة، ونوعين من المؤلفين، ونوعين من القراء ونوعين من الشخوص. وكل تضعيف لا يلغي المحكي الإطار، وبصورة أدق إن الخلفيتين النظريتين الإبداعيتين اللتين ينطلق منهما كل بديل نصي تعكسان معا المؤلف الضمني في بعده المرجعي، أي انفتاح الإبداع على التعدد الصوتي، وقدرة الشخوص على التأثير في الأحداث، وهي قدرة تستمدها من إمكانية تطورها وعدم استقرارها على نمط واحد. ومعنى ذلك أن الواقع لا يلغي الحلم، والحلم لا يلغي الواقع، وأن العجائبي والمنطقي لا يلغي أحدهما الآخر.
إن بوزفور بوصفه مؤلفا ضمنيا لقصة زفزاف يصور شخصية تشترك معه في امتهان الكتابة وهو يؤلف قصة (زفزاف)، وشخصية أخرى وهي تؤلف قصة “زفزاف”. كل ذلك هو نتيجة تضعيف المؤلف الضمني مرتين. ونشير إلى أن الانتقال من مؤلف إلى آخر هو انتقال من الواقع إلى الخيال، فأحمد بوزفور شخصية واقعية، والبديلان النصيان للمؤلف شخصيتان تخييليتان، لكن الانتقال إلى مستوى سردي آخر، أكسب هاتين الشخصيتين بعدا واقعيا، بوصفهما منتجين لخطابين تخيليين. هذه القراءة الاستبدالية- العمودية، أوصلتنا إلى حقيقة مهمة تؤكد البنية التقعيرية للملفوظ: الكتابة بوصفها مغامرة على حد تعبير ريكاردو جون لا تنعكس إلا على ذاتها. والواقع الذي نبحث عنه في الحكاية، لا يوجد إلا في الحكاية نفسها. لأن ما كان تخييليا أصبح واقعيا، وفي هذا الانتقال قد يلتقيان (الواقع والخيال). ما دامت القصة تصنع واقعها الخاص أو مرجعها الداخلي.
إن تمثيل عملية الإنتاج داخل المتن القصصي رافقه تمثيل لعملية التلقي، فمنتج المحكي في المستوى الثالث هو قارئ لقصة (زفزاف) في المستوى الثاني. و ما حضور شخصية الناقد إلا استمرار لفعل القراءة من الداخل، يقول هذا الأخير مقارنا بين (زفزاف) و”زفزاف” باعتبارهما محكيين فرعيين لقصة زفزاف: “إن هذا هو الفرق بين كتابته وكتابتك.. هو يكتب نصوصا واقعية، وأنت تكتب نصوصا مفتوحة. هو يكتب نصوصا واقعية، وأنت تكتب نصوصا عجائبية. هو يفكر وانت تحلم، على أي حال خطان متوازيان لا يلتقيان في قصة”.(21) لكنهما فعلا التقيا بوصفهما مرآتين داخليتين تعكس إحداهما الأخرى، وهما معا يحيلان على المحكي الكلي ويؤكدان أن الواقعي والعجائبي لا يتناقضان، والتفكير والحلم يتكاملان.
هكذا، فإن المحفلين السرديين اللذين يشاركان المؤلف الضمني مهنة الكتابة، هما بديلان نصيان، وإن كانا غير متفقين وخطاهما متوازيان: “وكلت عليك الله، لقد أطرت من رأسي كل ما حلمت به وفكرت فيه هذا الصباح”.(22) وفي ذلك دعوة للقارئ للمشاركة في بناء الأحداث، مع الانتباه إلى أن قدرة الراوي وسلطته أصبحت تتضاءل أمام رغبة الشخوص في التحرر. إذ إن عهد المؤلف الذي يتحكم في مصائر شخوصه قد ولى، ولم يعد الحكي يتمركز إلا على ذاته.
2-2-2 “صدر حديثا”: الصورة الذاتية للمؤلف
“صدر حديثا” هي رواية النص الغائب، والقصة النص الحاضر الذي يتضمن مقاطع سردية هي تلخيص للرواية -مع العلم أن التلخيص ليس بريئا- وأخرى ميتاسردية نوزعها كالآتي:
الرواية: النص الغائب، ويمثل العالم المرجعي للعرض والقصة معا.
القصة: تضم العرض، فضلا عن الفقرتين الأولى والأخيرة الواردتين بدون أرقام.
العرض: يضم الفقرات المرقمة بأحرف لاتينية، وفي العرض نتوقف عند بدائل نصية للكاتب والقارئ والحكاية، بوصفهم جميعا مرايا تعكس المحكي الإطار الذي اتخذ من السرد والكتابة السردية مرجعا له.
تتجلى فرادة هذه القصة في “تقعير” الحكاية نفسها، باستخدام تقنية التلخيص، إذ منذ البداية يتم تنبيه القارئ إلى نظام بناء الحكاية: القصة تتخذ من الرواية مرجعا لها، والقصة عرض وقراءة للقصة من الداخل. هذا التدرج من الرواية إلى القصة ثم العرض ينقلنا من السرد إلى النقد، وبصورة أوضح هذا الاختيار هاجسه التحرر النسبي من الحدود الأجناسية. كل ذلك حتى يظل القارئ متوجسا متيقظا، مسكونا بهاجس الإبداع والقراءة الواعية معا. فإذا كان القطب الفني هو نص المؤلف، فإن القطب الجمالي هو التحقق الذي ينجزه القارئ.(23)
يعكس المقطع التالي الذي يمثل خطابا نقديا حول رواية ” الفلاح والتاجر والكاتب” سلطة الدرس النقدي الذي ينطلق من تصورات جاهزة: “البناء مفكك، ولا تفلح الخاتمة في الربط بين الفصول الثلاثة أو القصص الثلاث، كما تخيل المؤلف… هذا بالإضافة إلى الغياب الكلي لأي تصور محدد عن الزمان والمكان”.(24) هذا الأمر يسوغ تضعيف المؤلف ذاته، وبعبارة أخرى خلق بديله النصي، الذي من وجهة نظرنا بدا أكثر جرأة من “خالقه”، في مواجهة معيارية النقد التي كان لها أثر في بناء القصة وتوجيهها، حيث “كان الخطاب النقدي في المغرب (وأيضا في الوطن العربي) يعاني من سطوة المعيارية واختزاليتها. فالأسبقية تعطى للتعريفات وللمقاييس المستمدة من اتجاهات وآفاق مختلفة«.(25)
إن البديل النصي للمؤلف الضمني للقصة هو (رجب الكاتب) وهو صدى لتصوره النظري وانعكاس له، وحكاية الفلاح وحكاية التاجر وحكاية الكاتب تشكل وحدات مستقلة، لا صلة خطية بينها أو سببية سوى فعل الكتابة نفسه والكاتب/الشخصية (رجب). وما يؤكد ذلك أن الفصلين الأول والثاني نجد لهما صدى في الفصل الثالث على شكل ملخص لهما: “القلب يمضغ العلاقة، العلاقة تمضغ القلب.. تسكن الأحلام كوخا من أفيون”.(26) هذا التكثيف والتلخيص، وبالنظر إلى ذات التلفظ، يبرزان أن القصة ليست مضمونا فقط، بل مبنى كذلك. وأن أي محاولة لاختزال الحكي في شعار مصيرها الفشل.
2-3 تقعير الشفرة: الرفض والتجاوز
إن الكشف عن تجليات “تقعير الملفوظ” و”تقعير التلفظ” لم يكن ليتحقق دون حضور “تقعير الشفرة”، خاصة أن “تقعير الشفرة” والتلفظ يتداخلان والفصل بينهما في هذه الدراسة هو فصل إجرائي، مع العلم أن الخطابات “الميتاسردية” التي تكشف أسرار الكتابة تعد مدخلا للكشف عن البنيتين التقعيريتين السابقتين. ومنه ارتأينا أن نخصص هذا العنصر لبيان خصوصية التجربتين القصصيتين، مع الانفتاح على إشكالات الكتابة القصصية الجديدة، التي اتخذت منحى تجريبيا.
لم تعد القصة ذريعة لإثبات مفاهيم مخصوصة بنظرية أو إيديولوجية، فهي تعد من خلال المقاطع “الميتاسردية” التي تناقش اشتغال اللغة وعلاقتها بالمرجع لحظة تأمل نقدي للمبدع بتوسيط من بدائله النصية، تكشف عما يعتري النقد من افتتان بالعناوين البراقة واضطراب في التصنيف: “رغم أن الفصلين الأولين زاوية محددة للرؤية ينبع منها السرد (الفصل الأول بلزاكي، والثاني هيمنجواي)، والثالث شديد الاضطراب، ويتأرجح بين السرد الذاتي والمونولوجي الداخلي، وحين تصل الشخصية إلى قمة الجنون، يحاول المؤلف أن يقلد (فولكنر) دون نجاح”.(27) إذ تعكس القصة أن قراءة مثل هذه لا جدوى منها، وهي لا توجد “إلا في خيال المنتقدين الذين يفشلون في الإمساك بخيوط الرواية”.(28)
ومن جانب آخر يحيل البناء المرآوي للقصة إلى تبني قيم فنية جديدة، لا تخضع لسطوة الزمان والمكان، ولا تخضع كذلك للتسلسل السببي، حيث العلاقات بين “المتواليات السردية” تقوم على مبدأ التماثل، أي على أساس المرايا المتقابلة التي تنعكس على صفحاتها بعض الجوانب المعتمة من المحكيات الفرعية: “الفصول الثلاثة يعكس بعضها بعضا، وعلاقة الفلاح بابنته شبيهة في عمقها وتطورها بعلاقة التاجر بابنه، وعلاقة الكاتب بعمله الذي يحلم به”.(29) إن الفلاح والتاجر ليسا انعكاسا للواقع، فخلفهما منظومة من القيم، وهما معا لا يمثلان توجهين أيديولوجيين متباينين، فمن أراد البحث عن الأيديولوجية أو الواقعية في الحكاية فقد ضل طريقه. وبالمقابل عليه أن يقرأها وفق تاريخ جديد يبدأ من الجوع إلى الشرف إلى الوطن إلى الانتماء إلى الوعي الشقي بالذات، فلعلهم يفهمون حينئذ كيف تحرك ويتحرك التاريخ، وكيف جسد ويجسد الفن حركته. حيث يغدو منطق السببية في الربط بين الأحداث واهنا، وهذا ما تؤكده العبارات الساخرة والمتهكمة من منطق السببية. “للكاتب رجب علاقة حميمة بابنة الفلاح وابن التاجر.. هل كان الكاتب صديقا حقيقيا لهما؟”(30)
كما تحيل هذه البنية التقعيرية على الانزعاج من الربط المباشر بين الواقع أو نفسية الكاتب والقصة، “هل يعتقد المؤلف أن مجتمعنا يسير نحو الانهيار؟ ولماذا هذه “الباقة” من الجوع والموت والمرض والدم والجنون والاغتصاب والمخدرات؟ وهل المؤلف يتحدث عن مجتمعنا حقا أو عن مجتمع خيالي يخلقه عقله المهووس بالجريمة”.(31) وفي ذلك نقد ضمني للقراءات التقليدية التي تجعل من القصة وثيقة مجتمعية أو تشخيصا لمريض نفسي، لا علة به سوى علة الإبداع والكتابة. ودعوة إلى قراءة النص من الداخل، دون أن يعني ذلك عزله عن مرجعه التجريبي.
كما تستوقفنا في قصة زفزاف مجموعة من الخطابات “الميتاسردية” التي تتخذ من أحداث القصة موضوعا لها، وتقدم للقارئ الآليات المناسبة لقراءتها. وهي آليات من شأنها أن تخلص القارئ من سطوة الواقعية المباشرة. هذه الجمالية نتلمسها في قول السارد- الشخصية: “ولكني فهمت أنه يعتبر شخصية قصته مغلقة كالقمقم المرصود، ولا يمكن أن يفتحها حتى علاء الدين. وفهمت أنه يعني نفسه حين ذكر علاء الدين”.(32)
هكذا، تداخلت الحكايات والتبس الواقع بالحلم، وتلونت بعبقرية الفكر والإبداع: القراءة الأحادية، والبحث عن مضمون خفي، ونقاء الجنس الأدبي استنفدت مسوغات وجودها في ظل قصة تنفتح على المجهول، وتنهض على اللعب السردي في أقصى حدوده. “قرأت كل ما سبق على صديقي الناقد، فقال لي: إن هذا هو الفرق بين كتابته وكتابتك. هو يكتب نصوصا مكتملة، وأنت تكتب نصوصا مفتوحة. هو يكتب نصوصا واقعية، وأنت تكتب نصوصا عجائبية. هو يفكر وأنت تحلم”.(33) وفي ذلك رفض للالتزام بحدود النوع المرسومة للقصة، عبر توظيف التهكم واللعب السردي، إذ يلازم القارئ عند قراءة القصة شعوره بالحرية و القدرة على التدخل في بناء أحداث القصة، حيث يتقاطع مسارا الناقد والمبدع، اللذين ينطلقان من النص ويصلان إليه دون أن يعزلاه كليا عن محيطه.
إن اعتماد القصتين على بنية سردية مركبة، جعلت الإبداع يدرك بمعزل عن النظريات النقدية الخارجية وعن الانعكاس المرآوي للعالم التجريبي. ونمثل لذلك بالنهايتين المقترحتين للمحكيين الفرعيين في قصة زفزاف اللتين تشعران القارئ بالغرابة، غرابة التلفظ في الأولى وغرابة الملفوظ في الثانية. وبدل التركيز على غرابتهما، نوجه اهتمامنا صوب فعل “الانعكاس الداخلي” للحكاية: كتابة قصة لا تخلو من التعالي على المقومات الواقعية. المهم ليس ما نحلم به بل حدث الحلم نفسه، وليس تلفظ الشخصية “اكتب لي رسالة” إنما الخرق السردي نفسه.
هذان المحكيان يجعلان القصة خارج التصنيفات التقليدية، ما دامت قد اختارت وجودها في اللغة لا خارجها، واختارت أن تفكر في ذاتها. ونحن إذ نورد المقطعين التاليين الواردين على التوالي في قصتي “زفزاف” و”صدر حديثا” لنبين إلى أي حد أن الاختيارات الفنية لبوزفور تعالت عن الواقع التجريبي، وشيدت واقعها الذاتي بالاتكاء على تقنيات جديدة تشكل في حد ذاتها موضوعا للقصة: “وأفهم أنه يشرح لي أسباب تصرف شخصية من شخصيات قصة له بعنوان (زفزاف)”.(34) (ثم يمزق ما كتب، ويكتفي بكلمات وحروف من نوع “أنا…أنا…أنا…أ…أ…أ…إلى أن تغيب الكتابة كليا، ويبدأ الشرود والجنون والعنف البدائي المتوحش بحثا عن قربان من الدم البشري يقدمه على مذبح الكتابة، وحين يفشل في ارتكاب الجريمة التي خطط لها، ينتحر…هل انتحر؟)(35) وإذا كانت هذه الخطابات “الميتاسردية” تقدم آليات مناسبة للقارئ من أجل تبني استراتيجية قرائية جديدة، فإنها تتجه إلى النقد والقارئ عموما، برفضها للمفهوم التقليدي للقصة وبنائها الخطي، ورفض أي تصور محدد للزمن والمكان، إذ تشخص الأحداث كأنها حاضرة في اللحظة التي نعاينها؛ ومن بحث عن الترابط الخطي والسببي لن يخرج بأكثر من التساؤلات العقيمة التي انتهى بها التحقيق حول فرضية انتحار الكاتب في قصة زفزاف.
لقد اختار القاص سبل التجريب، وفي سبيل ذلك نزع عنه ثوب السياسي والأيديولوجي ليرى الأشياء عارية، ردا على افتقاد الموضوعية والحد من تضخيم الذات. كما أسس عالمه الخاص، الذي يبتعد عن الواقع ثم يعود إليه. يستتبع ذلك رفض البحث عن الحقيقة والمعنى الوحيد أو رفع شعار المحاكاة وادعاء الواقعية: “هل نحن حقا في كسرة أمريكا حقا؟ هل يتناول طلبة الطب المخدرات؟ هل ينشأ السرطان من قرحة المعدة؟ هل يوجد جوهر في الماء العذب؟”(36) وهذا يعني أن القصتين تناديان على قارئ مخصوص بخبرات معينة، قارئ قادر على فك شفرات النص واستخلاص دلالاته، بوصفه جزءا بنيويا في العمل.
خاتمة
لقد أصبح الإبداع تجربة مشتركة بين الكاتب والمتلقي، تحد من الاشتغال الكلي للموسوعة، ينتقي منها الكاتب ما يلائم، أو يعززها بما يناسب، والمتلقي يذعن لهذه الاختيارات دون أن يكون قادرا على الولوج فعليا إلى عالم النص، وحتى إن استطاع إلى ذلك سبيلا، فإن قانون السرد سيجعله مؤلفا من درجة ثانية، يرتزق من نصوصه التي تظل في حضن إطار أكبر يحتويها. لعبة السرد تزداد حينذاك خطورة، وقانونها الجديد يهدد السلم بين محافله. وقد تلتف خيوطه عل القارئ الحقيقي أو المؤلف الحقيقي، لكن عزاءنا أن الشخوص بوصفهم محافل تخييلية سيتمكنون من الحياة في نصوص جديدة.
ومن عادة الشخوص أن يخضعوا للمؤلف الضمني الذي يتحكم في توزيع الأدوار، لكن عندما يتحول هؤلاء الشخوص إلى نقاد ومؤلفين ويتدخلون في توجيه مسارات السرد، يتخلى السرد عن خطيته ومنطقه السببي، ويصبح مركبا ومتداخلا ويتم نزع المؤلف عن عرشه في مملكة السرد. هكذا، لم يعد بإمكان الشخوص -في ظل هذه الاستراتيجيات المعتمدة- أن يخضعوا بل أصبحوا شركاء في الحكاية.
لقد أصبح القارئ مبدعا لا متلقيا ومستهلكا، غايته إدراك النص المفقود ومعرفة ذاته. وهي عملية لا تخلو من متعة فكرية، متى وجد في النص من يوجهه نحو الشك تارة، ويأذن له بالتدبر تارة أخرى. يدفعه إلى الإيمان والتسليم، ولا ينسى أن يوسوس له من حيث لا يدري أن ما يقرأه لا علاقة له بالواقع، أو أنه لم يقرأ النص الأصلي بعد، وأن كل ما عاشه مجرد أوهام. وقد يواصل مهمته إلى المدى الذي تنتفي فيه الحدود بين الواقع والخيال. كل ذلك يغري المتلقي بتفعيل خبراته، والحرص على تطويرها أثناء فعل القراءة ذاته، من أجل خلق قدر من الملاءمة مع سرد ينهض على التعدد في بعديه التوزيعي (التركيبي) والاستبدالي (العمودي).
الهوامش
التقعير «la mise en abyme» مرتزق نصي، لأن النموذج النصي نفسه قد يؤدي وظيفة معينة في بعض النصوص، ووظيفة معاكسة للأولى في نصوص أخرى. وهذا يعني أن وظيفته تخضع إلى حد ما لكيفية استعماله، ولطبيعة النص الذي يكتنفه؛ فقد يتم استغلاله أيديولوجيا أو فنيا، أي أنه يقع تحت تحكم المحكي الإطار. هكذا، فإن («التقعير» ليس دليلا على حداثة النص، لكن يمكنه أن يكون كذلك إذا وضع في بيئة نصية مناسبة. التقعير مرتزق نصي). Lucien Dällenbach, le récit spéculaire (Essai sur la mise en abyme). Paris, Seuil, 1977, p.79. ويبدو من خلال تحديد مفهوم الارتزاق النصي أن له مرجعية عسكرية، يظهر ذلك من خلال التقاطع بين «المرتزق النصي» الذي يوضع في خدمة نص أكبر منه، وبين «المرتزق العسكري» الذي يتخلى عن كل المبادئ، ويكتفي بالولاء التام للمجموعة التي تحتضنه مهما كانت توجهاتها.
أحمد المديني، الكتابة السردية في الأدب المغربي الحديث- التكوين والرؤية، الرباط، الطبعة الأولى، أكتوبر 2000، ص. 201.
التقعير حسب لوسيان دلنباخ هو كل تجويف يعقد علاقة مشابهة مع النص الذي يتضمنه.
انظر د. حسن سرحان، بنية الانعكاس الذاتي في الرواية العربية، رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في الأدب الحديث، مرجع مذكور، ص. 14-74-88-168-234.
يان مانفريد، علم السرد- مدخل إلى نظرية السرد، ترجمة أماني أبو رحمة، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، سورية- دمشق، الطبعة الأولى 2011، ص. 63.
Lucien Dällenbach, le récit spéculaire Op. Cit. p.52.
Ibid., p.62.
يحيل التسارد على «تأمل النص لنفسه من خلال إمكاناته الذاتية، أو اقتحام صوت المؤلف الذي يفكر فيما يرويه». أمبرتو إيكو، آليات الكتابة السردية، ترجمة وتقديم: سعيد بنكراد، دار الحوار للنشر والتوزيع، سورية- اللاذقية، الطبعة الأولى 2009، ص. 128.
النص: من القراءة إلى التنظير، الدكتور محمد مفتاح، شركة النشر والتوزيع المدارس، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1999، ص. 3.
أحمد بوزفور، ديوان السندباد، ملتقى الثقافات للنشر والتوزيع، الرباط، ط.3، 2017، ص. 340 .
المصدر السابق، ص. 344 .
المصدر السابق، ص. 340.
أحمد بوزفور، ديوان السندباد، مصدر مذكور، ص. 341-342.
المصدر السابق، ص. 240.
Lucien Dällenbach, le récit spéculaire, Op. Cit. p.76.
أحمد بوزفور، ديوان السندباد، مصدر مذكور، ص.199.
المصدر السابق، ص. 199.
المصدر السابق، ص. 201
المصدر السابق، ص. 199.
Lucien Dällenbach, le récit spéculaire, Op. Cit. p.100,
أحمد بوزفور، ديوان السندباد، مصدر مذكور، ص. 344.
المصدر السابق، ص.341.
سوزان روبين سليمان وإنجي كروسمان، القارئ في النص- مقالات في الجمهور والتأويل، ترجمة د. حسن ناظم وعلي حاكم صالح، دار الكتاب الجديد المتحدة، ليبيا- لبنان، الطبعة الأولى 2007، ص. 129.
أحمد بوزفور، ديوان السندباد، مصدر مذكور، ص.200.
الدكتور حسن لشكر، الخصائص النوعية للقصة القصيرة- القصة التجريبية نموذجا، الرباط، الطبعة الأولى 2006، ص.14.
أحمد بوزفور، ديوان السندباد، مصدر مذكور، ص.199.
المصدر السابق، ص, 200.
المصدر السابق، ص. 201.
المصدر السابق، ص. 201.
أحمد بوزفور، ديوان السندباد، مصدر مذكور، ص. 199.
المصدر السابق، ص. 200.
المصدر السابق، ص. 340.
المصدر السابق، ص. 344.
أحمد بوزفور، ديوان السندباد، مصدر مذكور، ص. 340.
المصدر السابق، ص. 199.
المصدر السابق، ص. 200.
المصادر والمراجع
إيكو، أمبرتو (Umberto Eco): آليات الكتابة السردية، ترجمة وتقديم: سعيد بنكراد، دار الحوار للنشر والتوزيع، سورية- اللاذقية، الطبعة الأولى 2009.
بوزفور، أحمد: ديوان السندباد، ملتقى الثقافات للنشر والتوزيع، الرباط، ط.3، 2017.
روبين، سوزان سليمان وإنجي كروسمان (Susan Suleiman et Inge Crossman): القارئ في النص- مقالات في الجمهور والتأويل، ترجمة د. حسن ناظم وعلي حاكم صالح، دار الكتاب الجديد المتحدة، ليبيا- لبنان، الطبعة الأولى 2007.
سرحان، حسن: بنية الانعكاس الذاتي في الرواية العربية، رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في الأدب الحديث، نوقشت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز- فاس، السنة الجامعية 2001-2002.
لشكر، حسن: الخصائص النوعية للقصة القصيرة- القصة التجريبية نموذجا، الرباط، الطبعة الأولى 2006.
مانفريد، يان (Manfred Jahn): علم السرد- مدخل إلى نظرية السرد، ترجمة أماني أبو رحمة، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، سورية- دمشق، الطبعة الأولى 2011، ص. 63.
المديني، أحمد: الكتابة السردية في الأدب المغربي الحديث- التكوين والرؤية، الرباط، الطبعة الأولى، أكتوبر 2000.
مفتاح، محمد: النص من القراءة إلى التنظير، شركة النشر والتوزيع المدارس، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1999.
اليبوري، أحمد: دينامية النص الروائي، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، الطبعة الأولى، 1993.
Dällenbach, Lucien :le récit spéculaire (Essai sur la mise en abyme). Paris, Seuil, 1977.