" الأصالة والمعاصرة " "القديم والحديث " "الماضي والحاضر" و "التراث والحداثة". . عبارات نسمعها تتردد باستمرار في السلطنة وفي كل الدول العربية / الاسلامية منها خصوصا . والدول المتخلفة عموما . نسمعها وكأنها عبارة واحدة . لمفهوم واحد .رغم ما بينهما وما يعرفه العارف من فرق شاسع لا يمكن ترميمه بسهولة عبر واو المعطف .
لهذا تأتي عبارات "تجديد التراث " ,"الخطاب العربي المحدث " ،"الماضي المنير والحاضر المستنير" تلميعا وصقلا لما تحويه الطنجرة من الغث الذي تراكم عبر الأجيال والسنين .
رغم أن مفهومي الأصالة والمعاصرة المتداول الى درجة السماجة في الذاكرتين الرسمية والشعبية أصبح الآن هو الغطاء الذي يستر العيب الخلقي للجسد العربي .
لهذا لم ينظر الى المفهومين على أنهما الجسر الذي يربط بين أرضين ومسافتين لهما أوضاعهما وظروفهما فالمفاهيم والدلالات تمتزجان بشكل صارخ فر لوحة وهم الواقع العربي اليومي.
فوضع مفاهيم وعبارات تنتمي الى مرحلة ضاربة في العمق والبعد التاريخي مع مفاهيم ودلالات حديثة وليدة الحياة اليومية واللحظة الآنية وذات ارتباطات بحقول ومعارف وذهنيات ليست لها علاقة بالمكان المحلي فهي في ظني كارثة حقيقية .
كيف تكون الكارثة : الكارثة تتولد كالتالي.. كيف لنا أن نعيش بمحاذاة بركانين نارهما على ما تتبدى تغلي تحت الرماد .الأول : الماضي، والثاني . الحاضر. إما ان نعيش الماضي وبالتالي يكفينا بركان واحد نستطيع أن نداري فيه قدراتنا وأوضاعنا. أو أن نعيش الحاضر ونقطع الصلة وأقول الصلة بالماضي [تبريرات لحست كافية لأن تكون في ذاكرة الماضي وفي نفس الوقت في طاحونة الحاضر ]. وكل الخطابات التنويرية ستصطدم اليوم أو غدا أو بعد الف عام كما اصطدمت منذ أمد طويل بهذه الازدواجية . وما بشر به أباء الحداثة والتنويريون مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين يتذبذب بين مد وجزر حسب قسوة الظرف الراهن والنكوص الحضاري.
وما يتراءى يوما بعد يوم بازدياد الفجوة السحيقة ، وأكرر السحيقة بين عالمين وذهنيتين يحفر كل واحد حفرته ليقع فيها الأخر. ولكن يبدو انه رغم تربص الماضي بالحاضر والحاضر بالماضي بعضهما ببعضي، فهما الآن – ليعذوني كانتزاكس بقولبة عنوان روايته – "الأعداء الأخوة ". أصدقاء الدرب لرحلة الشوك المؤلمة . في هذا الرحلة "رحلة الماضي والحاضر" "الأصالة والمعاصرة " سيتوقف القطار ذو لوحتي القيادة الأمامية والخلفية مهما حاول زيادة سرعته ، طال الزمن أو قصر منتصف المسافة لانتحار أحد السائقين . لهذا سيبقيان معلقين في المشنقة كل حبل لا يستطيع ان يقضي على المشنوق لهذا سنجدهما يتراقصان في هواء ملغم .
والعرب /المسلمون كثيرا ما يضربون مثلهم باليابانيين بمحافظتهم على هويتهم وثقا فتهم مع أخذهم وتملكهم أنشطة الحضارة الحديثة وكم هي المقارنة في بعدها بين السماء والأرض .وقد سمحت لي الظروف أن أزور جماعة من مذهب ديني (مسيحي) يعيشون الماضي في قلب الحضارة الغربية (ولاية بنسلفانيا) أمريكا ، هذه الجماعة تسمى "الآمش". وقد عمل عنهم فيلم الشاهد (ودنس ) [مع اختلاف انهم مسالمون ويطعمون لسانهم وبطونهم مما تزرع أيديهم ولا يستخدمون أية آلة حديثة !] .
في ظل وضعية ما ذكرنا ستظل هذه الاشكالية تؤرق المشهد الحياتي والوجودي في البلاد العربية .
كيف تضع العربة أمام الحصان وتريد الاستمرارية لحياة جديدة . حتى الحصان الذي بواسطته تم نشر الدعوة الاسلامية لم يعد إلا أن نشاهده في التلفاز الرقمي لنعرف خصاله وجيناته التي اختلطت بواسطة خقن الكترونية بسلالات أخرى .
ماض وحاضر لا يجتمعان. إما الماضي أو الحاضر . وفي وجودهما معا حسب المسطرة القانونية لابد من أن يحدث شطط في حماقة الأولى أو الثانية . فالغرب في انتقاله نحو تلك القطيعة قاسى الأمرين ولكنه في الأخير انتصر لصالح المستقبل ولهذا أسس مفهوما جديدا لحياة جديدة لا تنغصها تلك التناقضات التي كانت لديهم في القرون الوسطى ونعيشها نحن الآن .
اذن فعبارات الأصالة والمعاصرة التي تتردد هنا وهناك لا أعرف ماذا يراد بها؟ هل هي اعتزاز بالنفس وارضاء لغرور ما , أو تعويض عن نقص ما . الدراسات النفسية تشير الى أن الشخصية غير السوية مؤهلة دوما لتعرضها لمثل هذه التذبذبات ، فهي ستذبل حتى الموت اذا لم تحاول أن تجد مبررا لمشيتها المترنحة .
فالخروج من مأزق التناقض لابد من عمل شيء ما كبير يزلزل ذلك التوقف الذي طال انتظاره لصالح دولة المؤسسات والحقوق والقوانين والتشريعات ، دولة العلم والمعرفة دولة الحقوق والواجبات ، ولم يكن لحضارة أو أمة شأن الا اذا عايشت لحظتها ومسيرتها دون تناقض ، دون أن ينظر الأخ الى رقبة أخيه ليجتث الرأس من الوريد الى الوريد .