بعد الحادي عشر من ايلول. اغلقت امريكا الأبواب على كل من يأتي اليها من الشرق الأوسط..
وبدت أكثر من أي وقت آخر كحيوان القنفذ منكمشة على ذاتها وخائفة ومتحفزة للهجوم في آن واحد.
تلقيت دعوة لنيويورك لم استطع الذهاب اليها لأن جواز سفري الفرنسي لم يكن مطابقا للمطالب الجديدة لأمريكا.
و ها انا اتلقى دعوة للمهرجان الشعري العالمي الاول في سان فرنسيسكو من الشاعر جاك هيرسشمان.
طبعا لم ارفض لمعرفتي الشخصية لهذا الشاعر ولمواقفه الأنسا نية وحياد الحرب..
بمناسبة حصول الشاعر جاك هيرشمان الشاعر اليساري – مؤسس ما يسمى شعر الشارع.كما انه صاحب خمسين كتابا معظمها مترجمة لعدة لغات-,على جائزة مدينة سان فرنسيسكو بعد لورنس فيرلنغيتي, جانيس ميركيتاني وديبورة ميجور الذين ليسوا بأقل منه التزاما اعطي الصلاحية على أن يطلب ما يشاء.فطلب ان يقيم مهرجانا عالميا مجانيا, يستقطب شعراء من كافة انحاء العالم.فوافق المحافظ غيفن نيوسم على هذا المشروع وعمل اصدقاء مكتبة سان فرنسيسكو العامة على تنظيم هذا المهرجان الذي لم يكن بالسهولة التي يمكن ظنها. فعلى الرغم من كل المساعي لم يستطع الشاعر العراقي صباح الجاسم ان يأخذ فيزا الى امريكا..ولا الشاعر الفنزويلي.. وبقي مكانهما خاليا الا ان اشعارهما قد قرأت باللغتين.وكان غياب الشاعر العراقي خاصة حسرة المنظمين ففي كل افتتاحية كانت رسالته المؤثرة تقرأ بنفس الحماس والأسف…
جرت افتتاحيتان في قصر الفنون الجميلة. وفي كل مرة ضمت الصالة جمهورا كبيرا فاق احتمال المنظمين..
وكان التصفيق يعلو بعد قراءة كل قصيدة ولكن عندما اعتلت الشاعرة الفلسطينية حنان عواد. ضجت الصالة بالتصفيق وارتفعت الأصابع مؤشرة علامة النصر ما كان دعوة الشاعر الاسرائيلي هارون شابطاي سوى لتعزز موقف المسؤولين من السلام في الشرق الأوسطفالشاعر الاسرائيلي المعارض للسياسة الاسرائيلية ومناصر للقضية الفلسطينية – مما اتاح للشاعرين – عرض وجهات نظرهما المكملة… بعد هاتين الافتتاحيتين, نُظمت قراءات ثنائية منفردة في الضواحي الحساسة والمكتبات وفي المقاهي منها.مكتبة سيتي لايت المشهورة التي أسسها الشاعر لورنس فيرلنغيتي مؤسس حركة beat وهي حركة شعرية ألفت في الخمسينيات خرج فيها الشعر عن الكلاسيكية بطرحه مواضيع المجتمع الأمريكي ومشاكل الشباب والجنس كما خرج الشعر عن شكله المنظم من أجل قصيدة حرة. بدأ الشاعرالبالغ الثامنة والثمانين من العمر. قراءته في مقهى تريسته نسبة الى مدينة ايطاليا, بأن اعتذر للحشد لتأخره لأنه كان(كنت منشغلا بتعليق شعارات إدانة لرئاسة البيت الأبيض عند النوافذ العليا لدار نشر سيتي لايت «.ثم قرأمقاطع من قصيدة سياسية هجائية اسمها(هناك كلب…) وهبت عاصفة من التصفيق..ليس الشاعر لورنس فقط من لاقى هذا الاستقبال بل كل الشعراء على حد سواء, اتذكر عندما قرأ الشاعر الفرنسي فرنسيس كومب قصيدته عن نيويورك الجريئة والقاسية التي ينتقد فيها المجتمع الأمريكي والتي أترجم بعض مقاطع منها:
عندما رأينا /( من كل انحاء الأرض في نفس الوقت)
الطائرة الأولى تخترق البرج./ ظننا في البدء بانه حادثا./ ثم أتت الطائرة الثانية/ فركعت ابراج الورلد تريد سنتر على ركبها../(ترجع للمرسل)
عاصفة الصحراء عادت من حيث أتت/ الرياح تدور حول الأرض/ ومن يهبب العاصفة يجني الأعصار../ موتى فيتنام. موتى تشيلي. موتى أندونيسيا/ موتى باناما, موتى روندا/ الفلسطينيون الواقعون في شرك(الحل الأخير )/ موتى يوغسلافيا,/ اطفال العراق/ الذين لا يستحقون أن يأتي التلفزيون ليصورهم/ يعبرون بدون ان يهرعوا/ كما في أحد الأفلام حيث تتوقف الساعات كلها/ لزمن يهبط فيه أهل الفضاء على الارض/ يمرون في وسط الدمار
غير مكترثين بالمأساة./…../ ولكن الاعمال تبدأ من جديد/ الصحف المؤرخة في 11 ايلول تباع حتى 200 دولار/ في الساعات اللاحقة. تفتح سوق لبيع احجار الابراج/ فلتزدهر الصفقات./……/ وانتفضت الصالة بالتصفيق لمدة طويلة بعد ان ساد صمت مقلق..
. في سان فرنسيسكو الجمهور محب ومرحب ذو اصغاء مدهش وهي من المقاطعات التي كان انتخاب بوش فيها ضئيلا.
مدينة سان فرانسيسكو
سان فرانسيسكو.بالفعل مدينة ذات جو خاص بطرقاتها. بجسرها. ببيوتها وبأهلها. لونها ابيض تفتح ذراعيها للمحيط الكبير ويلعب بها الهواء.وربما لهذا تسود بها حرية لا توجد في امريكا المتعصبة.تشعر بأن هناك أناقة هادئة تهجع بها ولا غريب في ان تكون المدينة التي تشكلت بها حركة beatالتي مهدت الطريق للحركة الهيبية ردا على حرب فيتنام. ليست هي مدينة فاخرة كالمدن الأوروبية ذات الابنية القديمة والهندسة المعمارية الفخمة..طبعا هذا لا يخلو من وجود مناطق للأثرياء. والمعروف فيها غير جسرها منطقة الشاينا تاون تمشي وكأنك في الصين. شوارع سان فرنسيسكو تشبه موج بحرها الهائج والبارد تعلو حينا وتنخفض حينا آخر. لا يوجد بها زحمة سيارات وقد. تعرضت لزلزال هدمها الا انها انبثقت من جديد.في الحقيقة من الصعب وصف ذلك الجوالخاص..؟؟
… هكذا هي المدن.. شوارع وابنية. أشجار وبشر. سماء وروائح ايضا.ضوء ولون وأصوات.. وإلا لاكتفينا ان نرى العالم على الشاشة أو في البطاقات البريدية.. وعلى الرغم من اعتدال جوها هناك وخزة هواء باردة في شهر يوليو تموز لم نتوقعها ولن ننساها. ولم يخبرنا احد عنها..
…
سان فرانسيسكو ضد الحرب عامة وخاصة الحرب في العراق. ضد بوش ومساعديه.. لقد نجح الشعر شعر العدالة الانسانية والحب ان يفتح كوة في خوذة القنفذ وكما كتب الشاعر صباح جاسم(أوليس لقاؤنا سوية هو بمثابة أبيات الشعر التي تؤلف قصيدة؟ أوليس بمستطاعنا عمل تلك القصيدة التي تكافح من أجل الجمال والسلام والإنسانية؟ ومن يدري بفضل هذه الاْيادي المدودة والاصوات العادلة سيستطيع الأخ صباح أن يزور العم سام بدون فيزة..وربما سيصبح العالم وطنا واحدا و..وو..و..و… وحسنا حسنا دعوني أحلمفكل شيء يبدأ بحلم
على كل كنت في سان فرنسيسكو وكان كل العرب في قلبي.. وطبعا لم أنس ان أضع ورودا في شعري كما الأغنية التي رددتها مع اخوتي..
من القصائد المقروءة
في يوم ما سأتخلى عن الكتابة وسأكتفي بالرسم
سأتخلى عن الرسم وسأكتفي بالغناء
سأتخلى عن الغناء وسأكتفي بالجلوس
سأتخلى عن الجلوس وسأكتفي بالتنفس
سأتخلى عن التنفس وسأموت فقط
سأتخلى عن الموت وسأكتفي بالحب
سأتوقف عن الحب وسأكتب فقط.
جاك هيرشمان
مرام مصري
شاعرة من سورية تقيم في فرنسا