صدر للشاعر اللبناني زاهي وهبي مختارات شعريّة ضمّت بين دفتيها نخبة منتقاة من مجموعات الشاعر المتعددة.. وقدم هذه المختارات التي جاءت بعنوان «تتبرّج لأجلي» الشاعر الشهير سعيد عقل ومما جاء في المقدمة:
زاهي وهبي قُدر لي شرف معرفته شخصيا. وكنت في كل مرة ألتقيه أشعر بأنني ألتقي شخصاً غير عادي. أقرأ زاهي وهبي في كتاب وصحيفة وأسمع زاهي وهبي في أحاديث تلفزيونية ، وفي كل مرة يتمُ هذا اللقاء بيني وبينه أشعر بأنني اكتسبت. كل كلمة يخطها زاهي وهبي، شعراً كانت أم نثراً، هي جمةُ الرهافة والإبداع.
وتروح الكلمة التي يخطها أو يقولها تفتحُ لي صفحةً تذهبُ بي إلى الأمُ.
وحدها الأم تُوحي الشيء الناعمَ والرهيف والشيء الذي يقطرُ نُبلاً.
وأقول: إن أم زاهي وراء هذا النُبل.
زاهي ابنُ عيناثا حيثُ سُجلت في الآونة الأخيرة أجملُ بطولات لبنان.
كيف تلتقي هذه البطولات بالندى الذي تمثلهُ أمُ زاهي؟
ويتجمعُ كلُ بالي في ماهيّة الأم.
كان الاسلام المتغني العظيمُ بالأم.
وفي الأقوال الشريفة: «الجنةُ تحت أقدام الأمهات». هل تتصور أن الجنة التي يرصعُها عرش الله هي تحت أقدام الأم؟
ما أروع هذا القول. أتصورُ الله نفسهُ يحبه.
وتروح المسيحية، بدورها، تبعث الى السماء بهديةٍ مذهلة.
في مؤتمر شهير، يدعونهُ في المسيحية مجمعاً، تقرر أن العذراء هي أم الله. تصوَّر أن امرأةَ هي بنتُ الأرض تُعلن أماً لخالق السماوات والأرض!
بين الهدايا، لا تعتزُّ الأرض بأجمل من هذه الهدية. أقول كل ذلك لأظل في حديثي عن أم زاهي التي أعطت نبل كتاباته كُلَّ هذا الجمال.
شعرُ زاهي وهبي يتحلى بكلُ هذه القيم.
من أجواء المختارات
تباعاً
هل حان الوقتُ
لأقول وداعاً
الوحشةُ دخلتْ
من شقوقِ الباب
الأصدقاءُ مضوْا تباعاً
تركوا رماداً هُنا
تركُوا قلبي الصغير وحيداً في غابةٍ
كانوا يعرفون أنهم في العودةِ
سيجدون وردةً واحدةً، فقط
هنا في الغابةِ
حيثُ ذات يومٍ مضوا تباعاً
وتركوا قلبي الصغير.
أهْلِي
أمس كانوا هُنا
أصواتهم فالتة في البراري
تلمعُ في السَّاحات
زينوا سطوحهُمُ بالحنطةِ/
بالعصافيرِ التي قاسمتهم مؤونة
الشتاء
لمَّا جرفَ السيلُ مواسمهم
أقاموا سدَّاً من صلواتٍ
رفعوا رؤوسهم إلى الأعلى
حينها اللهُ، جميلاً،
أرسل في حقولهمْ شمساً
وطيوراً كثيرة.
أخوَّةٌ
مرةً تبنّى أبي شجرةً صادفها في طريق
حملَها إلى حديقتنا
سقاها ماء نشربهُ
صرتُ أردُّ عنها الريح
أناديها يا أُختي.
الويْمبي في الحرْب(٭)
بعدَ الجولةِ الأخيرة
صباح الخير
لمنْ تبقى من الأصدقاء..
في غيابهم
المقاعدُ على قلقٍ
الوحشةُ تحتسي القهوة
……
……
……
منذُ البارحة
نُحصي الموتى
لم تعدْ تكفي اصابعُنا.
ل. م
غداً،
نأتي بكنبةٍ وإناء
نتركُ الزاوية لشجرة العائلة
والشرْفة للعصفور
إذا شئنا
نزيحُ الستائرَ قليلاً
نلوحُ لنهارٍ يغطسُ في البحرِ
لشمسٍ ذهبتْ تستحمُّ
نرتبُ المساء كما يحْلو لنا
أقبِّلكِ وتضحكين
تقبلينني وأضحكُ
نتبادلُ القُبل والضحكات
وإن شئنا
نتبادلُ القمصان التي تعارفنا بها.
أبناء القرى
نحن أيضاً
نزلنا من الأعالي
من وعود الشتاء
وأغاني الحطابين
حملْنا وصايا عشراً وأدعيةً كثيرة
أضعناها على أبوابِ المُدُن
في الحاناتِ الرخيصة
ما أحلانا أبناء القُرى
نلمعُ في المقاهي
وتهْوانا النساء.
تنتظرُهُ الينابيع
إلى أخي حبيب
على بُعدِ خمسةِ قطاراتٍ
ومحطة مترو
يعبرُ الشارع وحيداً
يسقطُ قمرٌ
من ياقتهِ
كأنَّ الغيمات
كلابهُ الشاردةُ.
على مهلٍ ينبحُ فصلُ الشتاءِ
ينقرُ مزرابُ الشوق
بركةَ غيابهِ
تنتظره الينابيع.
أحملُها إليك
إلى شوقي أبي شقرا
دائماً أذكركَ بالخيْر
بالثلجِ وضحكاتِ الصبيان
أحدثُ عنك أمي / لا تعرفُكَ
لكِنها تُضيءُ لك شمعةً
تُصلي ركعتين
تقرأ سورة مرْيم.
أبي الذي ماتَ غريباً
لا يعرفهُ الأصدقاءُ/ ولا أنْت
لم نُعلق صورتهُ
في البيت
لم نقرأ له الفاتحة
فقطْ
زرعْنا على اسمه وردةً
في فِناءِ الدَّار.
ذات يومٍ
سأقطُفُها، أحمِلُها إليك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٭) هو مقهى الويمبي الذي كان في شارع الحمرا وأقفل لاحقا.