ليل،
ليل المرتابين،
ليل يرتدي ما رماه القدامي،
ليل تلبس سر الوجود،
ليل تسربل بالزرد العبقري،
يجرف نسغ الدم،
يتحلل بالرأس الملعون،
يتخفى في زي الملكوت،
يخدد سيل الدمع،
يتوحد بالنوح الأول،
للطفل الوادع،
للقبر الوادع،
يتشذر في برج الموت:
".. أين مني النفس التي ما فطرها
العالي نياحة:
يامجد الليل،
أين ولى العمر الذي أهذر فيه:
بئر في الصحراء أنا – فطرت – في
طلة فجر الملكوت،
وانطميت عند صلاة العصر الوسطى،
ما أبغيه من لفظة "ليل"؟ يوم مسار
الألفاظ الأولى؟
من عاش بشهد العمر؟
من؟
وجنى – جذلان – ريعان الأيام؟
نش مداد العمر،
غذي جذوة ميعته بالسم الزاهي،
محلا – صير – بقيا ماء الأيام،
مازال المجنون يهلوس في بيعته:
من جنن صحراء الدر؟
من جعل فتات القلب
عناوين الوجدان ؟
يتنفس فجرا غالبه الدمع،
للطلل الصفصف،
والحلان الرحل،
من؟
تركوا المجنون يغالب سكرات الأجداث،
غزاه الجدري نقاشا لشغاف القلب،
".. سجيل يجدر راميه، ويباهل نيران
الأخدود
تركوا وطنا يقتات على البدو الرحل،
".. كان الرومي يقيه عربا غابرة أو
حجرا أسود،
وكان الاعرابي – ذبيحا – يرتقص
على رجع فحيح الموتى،
يوطيء اكناف الابل،
كي ينزو الرومي
على ملح الأرض،
يتناهى رجع الألفاظ، أصداء صفير
الريح الأولى،
وبقايا دمن، سفر رمال، نؤي مثلوم،
نش مداد العمر الصابغ نارنج
الفينيقيين،
يتراءى درب الصحراء سرابا، يذبح
ناموس التصوير،
وتسبح باسم الله ثلاثا أعشاب
المحراب،
تصاعد تعريشات الوجدان حلولا بالبدء
الأول
ودم الصحراء دمي، يسحل درب التبانة
كي يقلب سكين الفدية
لكنا حرقناه .
ورمسناه هباء في "أور" الكلدانيين،
ليل،
ليل أعمى يهدي البصارين مناحي
الهوتة،
ليل يضبح: أطفيء هذا النور،
فقد عميت عيناي،
نبح المجنون يرتل آيات الليل الأعمي:
أطفيء هذا النور،
فإن القلب انطفأ،
والعمر يغالبه النسيان،
أطفيء هذا النور،
فإن القلب ذوى،
وبقايا العمر، طيوف حكاية،
نبح المجنون يرتل آيات الليل الأعمي،
لكني والليل ندامي،
أمشي الريث، مشية فدمان،
أو مكسور الخاطر،
أعبث بالنجم، ثآليل القلب،
أهدهد نجم الشاعر كي يعمى خثرات
الوجدان،
قلبي تابوت "بنات النعش"،
هو الليل – لا أدري – ليلي،
ليل أطياف القرى على جالي "بليخ"
البال،
"… تتراءى في الرقم تصاوير الأنهار،
وأنا المولود جهارا في "ما بين النهرين"،
طولي يترامى مثل مسلات المصريين،
وأناغي طينا يجبله
الآشوريون،
كي ينطق عربو – جندو،
أنا … وأنا المتواجد ما قبل التكوين،
ألبس جلد الماعز في عرس الأسوار،
أنكح غانية المعبد، كي يرمس طف النهر
شلو أوادم،
صديد الموتى، قوباء الفاتح،
قيحا وزحارا يتلفظنا الآريون .."،
ليل،
سمار الليل، ترجيع قباب الطين،
ليل،
بهزيع وسنان نتلظاه صدى وعنين،
ليل الدنف،
المفعم بالسرد الشرقي،
تجار المتعة يا "دنيا زاد" الألف،
مسرو السياف يثلم حنجرة الصادح،
كي يشحب دمع الدم،.."
… ورويدا كالهيمان،
ألملم شقشقة الفجر،
طفل داعبه الليل وحاباه،
يقعى منزويا في ركن الخاطر،
يستشرس في ليل البال،
ينشج مخذولا:
نحت على الثؤلول الموغل في الذكرى،
وتكونت رفيقا للحادين،
وعددت النجم،.."
"… ظل الحرسي يدق الأرض بعنف
الموتى،
يتقوى بالمهماز ثمالة جمجمة،
ينحس جلواز الوالي
أتن الأعرابي، كي يخلق شعبا في زي
الحيوان الأجرب،
ينهق – جذلان – في أول حمأة
غسلين،
ينكأ جرحا، يتدفق اعرابا مما قبل
الطوفان .."،
"… يترامى صوب الأكتاف يمينا طيف
ملاك يدف بأجنحة
تتقدس "طاسين" الصوفية، وعلى
الأكتاف شمالا يتربع طيف
ملاك في زي غراب ملعون، ينعب فوق
بقايا الروح، فيما
كانت أنهار الجنة تطفح بالموتى…"
"… في "كنز" الصائبة، تراعي ثؤلولا،
تنعي نجما خر سجودا
للرحمن، تردف اعرابيا وتجوب
ديار الترك شمالا، تتناول
قربان الحكمة من لوقا السوري،
تشمشم عث الوراقين،
بيوت الحكمة تفتح مصراعيها
وتصطفق حنينا، يلج سليل
الرهاويين، يجمجم نسطور
السريان بوصايا الآلهة
الأولى،
"… في "كنز" الصائبة تجهر بالسر،
كي يتشظى
قدوم الرحمن على عتبات الروميين
، يتشاطا شمشون العبري،
سعادين الدولة، تنفد كلمات
الصحراء، تغرف أصواتا
من لج اللوح المحفوظ،
تكتب:
ملعون أنت
ملعون نسلك
ملعون من حد البرية حتى أسرار
الشيطان .."
هدهدني النوم،
لا سنة تأخذني، والنوم عذابي،
يهتز سريري،
وأنا العرش المتأرجح في لج عماء
الروح.
"… بشر بعذاب أبدي في طيف
البال،
بشر مثل كثيب الرمل يتهادون
حيارى،
يتنزل دود من وقب العين،
يدمي أبراجا تتسامى صوب رمال
صوب خراب،
يبلبل ألسنة الصينيين،
كي يتداعى الناس حزانى بالاحجية
الأولي:
كن فيكون،
ليل،
يتشظى في بردي الحكمة ما بين
الشفق،
وما بين الفجر حتى يتبين خيط
التسبيح،
ظلمات الكائن تلك،
ظلمات المكنون ابتدأت،
ينشج، تخضل عمامته:
بالله خبرني يا أيها الحادي
العيس قد ذهبت يحدو بها الهادي
فيما كان البغل – جذلان – يصيء:
أسكت هذا الصوت،
أسكت هذا الشجر فقد ولى زمن
الوجدان،
فيما كان الآخر يثغو:
ارحمني،
ارحم قلبا يتفطر شجوا،
ارحم قلبا شال الدنيا بالحزن الأكبر،
ارحم قلبا أعزل مثل غزالات البرية،
نفرت مني غزلان البر، وتيوس
الصحراء
– مسكونا بالجن – ظللت – جريحا
حتى فتحت لي "سيدوري" باب
الرحمن،
غلقت باب التوبة،
في بيبان الوجدان،
مشيت على درب محفوف بالحرس،
محفوف بحراب الدولة،
صوت الحرسي أليف،
صوت السجان حنون مثل المدنف،
غلقت باب التوبة،
في بيبان الوجدان
"… قيثار الشرق شجي،
ينبعث رمادا "برصوما" الزامر،
قيثار الشرق شجي،
يتقطر عنابا في نمل سليمان،
قيثار الشرق،
دف الأحزان
نياحات اللحادين،
على أي مقام شرقي، يرتقص الشرق
ذبيحا،
وينغسل الوجدان ؟
"… تصطفق الأبواب الظمأى، توصد
بالمغلاق وبالمزلاج
الأعظم،
يوم يمر الواله،
يوم يمر الآسر، تتلقفه ..عين الوردة"،
يمشي في البرية، جذلان،
تتقفاه حراب السم،
يمشي مصلوبا فوق قراب الماء،
يتقصى صحراء الجن، "أمشي
بقذالي البدوي، أتأبط سيفا أرعن،
أنا الآسر للنوق الجذلي،
للسر الواله،
لحواري الشرق اللائي ينفرن سراعا…"
"صديان الحر اللافح …"
كالمحموم أهذر في الكلمات،
أواسيها…
… يداي هاتان اللتان تعيثان بالبشر
الغرقى في نهر العدم،
عدم أسبغته على الكون، دم ضمخته
يداي آن الصرخة
الأولى، رأيت شفق الطور، تركت عصا
موسى، لكني
فصلت الصحراء على قد ايالات
الموتى، آليت على النفس:
كوني هجرانا من كهف الأنهار الأولى،
طردا ككلاب شاردة،
كان الدم ينفر كالغزلان،
صحاري الامتاع، مرصاد الجنة،
"شعب نوأم حتف الأنف، ينحسه
الرومي كبعير مطلي بالقطران،
كان الراوي يتلاشى مثل سراب
الصحراء،
كان الراوي في زي المدثر،
كان شجيا وحزينا يتلبس أردية
الموتى:
"… هذي نياحتي على الكائن،
قيدتها في سفر الرمل …".
نفدت كلمات
السفر في الرقة التي علي
الفرات في 18 فبراير 1997م
عبداللطيف خطاب (شاعر من سوريا)