بيت وحيد.. وحيد في العراء.. وشتاء
غرفتي.. مكتبتي.. مدفأتي جمر وكستناء.. والغابة سور البيت.
ألتف بشال الوجد.. الفانوس في يدي والدهليز طويل طويل.. أنياب الخوف تنشب ذئابها.. تنهش.. وشجر الحور عار يتطاول كأنه من حكايا المردة.. باب يرتج.. عتبة تتنهد.. كيف دخلت الاعاصير كيف علقت العزلة مشانقها.. ليالي بنات آوى تنشر عواءها
أسأل البراري: هل سقف العالم مشروخ?
الباب يتشمعني أنصت.. صوت ما على باب غرفتي.. ما هذا?
من الذي يدق في منتصف الليل.. من..?
أفتح الباب قليلا أفاجأ.. انه قنفذ.. يا إلهي.. لم أر قنفذا من قبل.. أغلق الباب بسرعة.. وأعود الى رائحة الشواء..
وفي صبيحة اليوم التالي أطل من الباب.. فأرى بقايا القنفذ بجانب كلبنا.. أنظر الى البستان.. أشجار العري وأوتار الريح.. الصقيع يزنر المكان.. آوي الى غرفتي أضع الحطب في المدفأة.. ينتشر الدفء مع موسيقى البوليرو..
وأغرق في ((أناشيد مالدورور)) مالدورور ما تلك الأحلام السريالية.. أي أمراض داخل البطل.. أمضي من وحشة الى أخرى.. وحشة الكتابة.. وحشة المكان.. أمضي الى الطفلة داخلي.. أتذكر أحلامها الرومانسية غرفة صغيرة وحنونة.. مكتبة وموسيقى طبيعة, وصوت مطر هاطل أقول:: ألا يكفي كل هذا الجمال أقول لها: تعودي على جو الريف.. وحشة البرد.. ولا أدري كيف أتت الأصوات من كل درب…
صوت الريح عبر الشجر.. صوت… صوت وأصداء..
هذا صوت الشاعر سعدي يوسف.. يأتي من الذاكرة صوت أشبه بالهمس.. مسكون بحزن مكسور وطفولة لانهائية.. يقول ما أشبه هذا المكان بجيكور السياب.. صوت تقصف الحطب في المدفأة.. والجمر على اللسان.. والكستناء والجوز.. وسعدي يوسف يشوي اللحم على سيخ الخشب رذاذ المطر.. وإيرين باباس تصدح بالأوديسة.. موسيقى فانجيلس تجعل المكان.. الغرفة أشبه بمعبد ريفي.
تتردد الأصوات.. والنهار يبدد الوحشة.. الشعر الأصدقاء وصوت أيفا وحسان.. وسيف الرحبي.. يتأبط كتابا عن الفن لدولا كروا كتب عليه الى ايفا.. وايفا لا تزال في الشهر السابع.. كأنه يقول تلك الطفلة ستحمل الريشة وترسم.. ستخلط الألوان الخشبية على أطراف لسانها وسترسم الإفريقي والأم الكبرى.. يا الله كيف تتبدد الوحشة وتتحول الغرفة وأرض الدار والشجر وأصيص الزرع والشحرور وصوت المطر الهاطل إلى عشق حميمي يبدد وحشة المكان ويزرع شتلات لأيامنا القادمة.
وأنت يا أماه يا حنونة لماذا ترتدين الصمت وتتركين الضفائر والشريطة الحمراء على وجه حصان يصهل ببوسات الحنين.
فاتن حمودي قاصة من سوربا