1- تقديم:
1_1 اهتم أغلب المشتغلين بالسيرة الشعبية العربية ,بتغريبة بني هلال, وكان ذلك على حساب جزء اساسي منها، وسابق عليها، طبع تحت عنوان -"سيرة بني هلال ". ولا غرابة في ذلك فالقسم المتصل بالتغريبة جزء مهم في السيرة لأنه يرتبط برحيل بني هلال نحو تونس, ومكوثهم بالشمال * سعيد يقطين. ناقد وأستاذ جامعي مغربي.
الافريقي, وحروبهم في الغرب والسودان. وهذا الجانب أعطى للتغريبة، أي لوجود بني هلال بالغرب الاسلامي, طابعا خاصا، يبرز في كثرة الروايات, وبمختلف اللهجات التي تعرفها المنطقة. إن هذا الغنى هو الذي جعل المهتمين يركزون على هذا القسم, ويتناولونه, بالأخص من الناحية التاريخية, والمقارنة.
وهناك دراسات قليلة جدا اهتمت بالسيرة بقسميها، وحاولت تناولها تناولا شاملا، وان ظل ناقصا. واقصد هنا بالضبط الدراسة الرائدة التي انجزها الباحث عبدالحميد يونس.
1-2إنه, بدون اهتمامنا بمختلف أجزاء سيرة بني هلال, لايمكننا أن نقدم إلا دراسة ناقصة، مهما حاولنا اعطاءها طابع الكمال والشمول. لأن الجزء كيفما كانت قيمته الحكائية لا يكتسب أية خاصية إلا من خلال الموقع الذي يحتله في السياق الحكائي بكامله. صحيح تعترض باحث السيرة الشعبية عموما، وسيرة بني هلال, على نحو خاص, صعوبة تشكيل النص الكامل النموذجي, وذلك لكثرة الروايات وتضاربها في مواطن عديدة من بناء السيرة. هذا علاوة على كون السيرة الأصلية المتكاملة، كما هو الشأن بالنسبة لباقي السير، ما يزال مخطوطا، والنصوص المتداولة الآن, والتي يتدارسها الباحثون مشحونة بالأخطاء والتحريفات.
هذه الصعوبات النصية وجيهة فعلا. ويمكننا مع ذلك, أن نشتغل بالنصوص المطبوعة، ونسعى من إلى ورائه إلى العمل على تشكيل النص الأقرب إلى النص النموذجي قي انتظار – ظهور هذا النص المرتجي.
1-3 باعتماد النصوص المطبوعة في القاهرة، ودمشق, وبيروت, يمكننا صناعة النص الذي يمكننا تناوله باعتباره نصا له خصوصيته. لكن مشكلة النص ليست هي المشكلة الأساس, لأن مشكلة القراءة واردة بصورة كبرى. ويظهر لي أن النصوص التي أشتغل بها حول سيرة بني هلال هي التي اشتغل بها شوقي عبدالحكيم وعبدالحميد يونس وسواهما.
لكن مختلف هذه القراء ات, رغم جدية بعضها ظلت تدور حول "المطابقة التاريخية" للنص بصورة أو بأخرى. لذلك نقتر حقراءة جديدة لأنها تروم البحث في خصوصية هذه السيرة من الناحية الداخلية للنص, وذلك بغية ملامسة تقنياتها الحكائية والسردية، مع النظر في مختلف البنيات والوظائف التي تضمن اتساقها وانسجامها، وتمكننا من الكشف عن دلالاتها وأبعادها، بعيدا عن اي اسقاط خارجي, أو أى ربط آلي بمرجعية تاريخية أو واقعية.
3-المتن: بداية واحدة ونهايتان:
2-1 نعتمد فى سعينا الى تشكيل نص سيرة بنى هلال الانطلاق من الطبعات الشعبية التى صدرت حاملة احد هذين العنوانين "مسيرة بنى هلال " او "تغريبة بنى هلال " وهذه الطبعات على غرار باقي السير الشعبية العربية، جاءت غير محققة وغير معزوة الى جامع معين او محقق معروف, وهى لاتلتقى مع السير الاخرى فقط من هذه الناحية اذ علاوة على ذلك تشترك معها فى العديد من الصفات والشيات المتصلة باللغة، والحكى والوصف, ومختلف العوالم التى ترصدها، والمقاصد التى تتغياها، لهذه الاعتبارات اخترنا هذه الطبعات,رغم ادراكنا لوجود طبعات اخرى قام بجمعها وتحقيقها باحثون معاصرون.
2-2 ان الطبعات التى نعتمد عليها هى على النحو التالي:
أ – سيرة بنى هلال الشامية الاصلية، وهى تشتمل على ستة واربعين جزءا.
ملتزم الطبع عبد الحميد احمد حنفى/القاهرة ط 1 / 1948
ب – سيرة بنى هلال, مكتبة كرم ومطبعتها بدمشق "دون تاريخ ".
ج – تغريبة بنى هلال ورحيلهم الى بلاد الغرب وحروبهم مع الزناتى خليفة… تحتوى على اثنى عشر جزءا: مكتبة ومطبعة محمد على صبيح وأولاده / القاهرة "بدون تاريخ "..
د – تغريبة بنى هلال ورحيلهم الى بلاد الغرب وحروبهم مع الزناتى خليفة… المكتبة الشعبية / بيروت (د. ت).
هـ – تغريبة بنى هلال ورحيلهم الى بلاد الغرب, وهى ستة وعشرون جزءا مطبوعة مكتبة محمد المهاينى، دمشق (د.ت).
إن السيرتين, أ – ب تقدمان لنا النص نفسه, لكن "أ" اوسع وأكثر تفصيلا، وكأنى بالنسخة "ب " محاولة لاختصارها (فى بعض الكلمات فى حذف بعض الابيات..) وهى بالمقابل تحفل بالقصائد التى لانجدها فى "أ"، وتغطي بعض الحذوفات المطبعية التي تم القفز عليها فى النسخة المصرية، ومع ذلك فإننا نعتبرها (أ) الاصل, والثانية مكملة لها.
أ ما بصدد التغريبة فنجد (ج)و(د) تتكاملان تكامل السيرتين أ "وب ".
لكن "د" مختلفة عنهما اختلافا كليا، اذ نجدها تبتدىء، والتغريبة (ج)فى الصفحة 222, والتغريبة "هـ" فى الصفحة300,أى وكل منهما مشرف علي النهاية، وتتميز عنهما تبعالذلك بتفاصيل جديدة، وبنهاية مختلفة تماما الشىء الذى يجعلنا بصدد هذه الطبعات عندما ننظر اليهما مجتمعة ومتكاملة امام ثلاثة اقسام.
ا – القسم الاول: وهو المنشور عادة تحت عنوان "سيرة بنى هلال " ونعطى الحقبة الاولى منذ ظهور "هلال " الى قصة الماضى بن معرب.
2- القسم الثانى: وهو ما يعرف بـ "تغريبة بنى هلال " كما يقدم من خلال طبعتى القاهرة ودمشق ويتصل بخروج بنى هلال الى الغرب الى حين اعتقال السلطان حسن للامير دياب بن غانم.
3 – القسم الثالث: وهو ما تقدمه لنا طبعة بيروت, ويمتد من اعتقال دياب الى ظهور علي ابو الهيجات, وتولي بريقع بن السلطان حسن الملك مكان أبيه.
هذا مع الاشارة الى ان نهاية القسم الثانى، والتى تمتد ممابعد اعتقال الامير دياب تختلف عن نهاية القسم الثالث, الشىء الذى يجعلنا بإقحامنا القسم الثالث "وهو غنى بالتفاصيل الجديدة" امام نهايتين مختلفتين لسيرة بنى هلال وهذا المظهر سيفتح امامنا امكانية مهمة للتحليل, وتبعا لهذا التقسيم ستصبح "سيرة بنى هلال " شاملة لثلاثة اجزاء لا لجزءين اثنين فقط, وبهذا التوسيع نكون امام نص جديد مختلف اختلافا كبيرا عن النص الذى انصب عليه التحليق وهو الجزء الثانى الذى كان يحمل عنوان "تغريبة بنى هلال " فكيف يمكننا التعامل مع هذا النص وفق هذا التقسيم ؟ وبم يمكننا ضمان انسجامه وتكامله بناء على قراءة جديدة وداخلية؟
3 – بؤرة الحكي:
3-1 تفرض علينا قراءة سيرة بنى هلال "بأقسامها الثلاثة" النظر بدءا فيما يضبط انتظامها وفق نسق واحد، ويتحدد بذلك انسجامها، ويعطينا امكانية تعيين "بؤرتها" الحكائية"، وان اختلفت رواياتها، او تنوعت تفاصيلها، او تباينت نهاياتها، وهذه البؤرة علينا الامساك بها من خلال مجمل السيرة من جهة "باعتبارها نصا" وليس بالبحث عنها من خارجه "المطابقة التاريخية" كما انه من جهة ثانية علينا تبين هذه البؤرة باعتماد اجراءات سيميوطيقية تجعلنا ننطلق من اعتبار السيرة "علاقة" حكائية او سردية، يحكمها معنى علينا ان نستنبطه, ودلالة علينا ان نستخرجها.
3-2 بهدف تحقيق هذه الغاية ننطلق من ان لهذا النص "وظيفة مركزية" وهذه الوظيفة المركزية تنظم وظائف أساسية تتضافر مجتمعة لتجسيد تلك الوظيفة المركزية ؟وتجلياتها على النحو الذى يمكننا من تشخيص دلالة النمر وانسجامه.
نحدد هذه الوظيفة المركزية باعتبارها ما نقترح تسميته بـ "دعوى النص " ذلك ان اى نص كيفما كان جنسه او نوعه له "دعوى" يدعيها ويسعى الى تبليغها وعلى المتلقى بصدد تلك الدعوى ان يصدق او يكذب, بحسب السياق الثقافي والاجتماعى للمتلقى، هذا اذا توصل الى الامساك بهذه الدعوى وكل الوظائف الاساسية فى النص, وبمختلف الاوجه التى يتحقق من خلالها تقديم المادة الحكائية تأتى لتأكيد تلك الدعوى ولصياغة هذه الفكرة التى نرمى من خلالها إلى تأسيس خطاطة لنص سيرة بنى هلال "وبسواها" نقترح الصورةالتالية التى نقدمها باختزال لنعتمدها فى ابراز دلالة النص.
أن دعوة النص هى بؤرته المحورية التي تدور كل حلقاته فى فلكها، وأولى هذه الحلقات نجدها فى الوظيفة الاساسية الاولى "الاوان " ونقصد به بداية تشكل المادة وتأسس عناصرها وثانى تلك الحلقات نسميه,"الدعوة" والمراد به انتشال عناصر الحكى، وانتقالها من المرحلة الاولى الى مرحلة الخروج بهدف تحقيق الدعوى.
واخيرا "النفاذ" والمقصود به تحقق "دعوى النص ".
تكامل الوظائف الاساسية، وتداخلها، وتطورها عموديا وأفقيالايتحقق إلا ضمن الوظيفة المركزية، وسنحاول الآن, ابراز دعوى النص, ووظائفه الاساسية أفقيا لتجسيد الغايات التى نرمى الى تحقيقها من خلال هذه القراءة.
3-3: فى القسم الاول من سيرة بنى هلال يؤكد لنا الراوى خصوصية هذه السيرة وبداية نشأتها، وبعد ابراز اتصال نسب هلال بالزير سالم يتبين لنا ان هلال زرا مكة وقت ظهور النبى صلى الله عليه وسلم، فأنزله النبى بوادى العباس وكان فى محاربة بعض القوم, فقاتل معه ورجاله "وكانت فاطمة الزهراء راكبة فى هودجها فلما رأت هول الحرب ومصارعة الابطال, زجرت جملها لتخرج عن مشاهدة القتال, فمترد بها فى البراريوالفلوات وعند – جوعها دعت على الذى كان السبب بالبلاء والشتات فقال لها ابوها: ادعى لهم بالانتصار، فإنهم بنو هلال الاخيار… فنفذ فيهم دعاؤها بالتشتيت والنصر" ص 2.
تتصدى "دعوى النص " أو وظيفته المركزية بداية السيرة وتتمثل الدعوى هنا فى "الدعاء" المزدوج " التشتيت والنصر ولايمكن تفسير هذا النص إلا فى ضوء هذه الوظيفة المركزية لانها هى التى تحكم مساره وتحدد برنامجه ويمكننا تمثيهذه العلاقة من خلال هذا الشكل :
من الدعوة "الدعاء" الى نفاذ الدعوة وتحقق الدعاء نجدنا أنفسنا امام برنامج حكائى محدد، وكل ما يتضمنه هذا البرنامج يأتي فى خدمة هذه الدعوة، ومع طول النص وتطور بنياته وتداخلها قد يتم نسيان, هذه الدعوة، بل ان الراوى يسعى الى دفع المتلقى الى نسيانها، لكنه بين الفينة والاخرى يذكره بها لضمان سير الحكى وتطوره.
ويظهر ذلك فى بروز بعض الدعاوى الفرعية التي تتم بصدد كل بنيه حكائية صغرى او بصدد كل وظيفة من الوظائف الاساسية، ويمكن التمثيل لذلك بحادثين اثنين لهما دلالتهما المطابقة.
1- الخضراء ام ابوزيد عندما ولدته اسود على غير صورة ابيه, سخر منها سرحان بن حسن, ودفع زوجها إلى تطليقها،فكان ان دعت عليه, يتم الطلاق وتغادر الخضراء صحبة ابى زيد مضارب بنى هلال, ويأتى الاوان. رغبة سرحان فى الزواج من بنت الحسب والنسب, ويسافر الى اليمن ويتزوج "الدعوة" وهو يتراجع الى بنى هلال, يؤسر ويحمل الى بلاد الروم ليرعي الخنازير " النفاذ ".
وعندما يسمع ابوزيد بما وقع لسرحان من البلاد والتغرب يعلق بأن دعاء امه نفذ فيه2- قصة الجارية مع الزناتى خليفة عندما دعا عليها "انظر التغريبة ".
3-4: ان الوظيفة المركزية "دعوى النص " والوظائف الاساسية" الاوان – الدعوة – النفاذ" تضم وظائف بنيوية ""دعاوى فرعية" ووظائف فرعية يتصل كل منها بإحدى الوظائف البنيوية ويمكننا تجسيد الوظائف الاساسية على الصعيد الافقى للنص, والوظائف الفرعية من خلال المستوى العمودى، وبعد ان حددنا الوظيفة المركزية لسيرة بنى هلال من خلال ما أسميناه دعوى النص "الدعاء" لنحاول الآن على الصعيد الافقى دائما إبراز الوظائف الاساسية لاستكمال صورة بناء السيرة وبرنامجها الحكائى.
4- الاوا ن:
4-1: تبرز هذه الوظيفة الاساسية فى كل ما طبع تحت اسم "سيرة" بنى هلال, وربطنا لهذه الوظيفة بـ,"الاوان " يكمن فيما يلي:
1- ان دعوى النص تمت فى القرن الاول للهجرة لكن بداية تشكل المقومات المؤدية اليها لايكون إلا بعد ظهور مختلف اطرافها الاساسيين ""أبوزيد ـ السلطان حسن – دياب ".
2 – وتبعا لذلك فالسيرة تقدم لنا ما قبل الاوان من خلال ابراز نسب الابطال الاساسسيين للسيرة ويتم رصد ذلك من خلال القصص الثلاث الاولى "جابر وجبير، والخفراء وشما وزهر البان " وهكذا فقصة جابر وجبير تبين كيف انقسم بنو هلال عن بنى رياح, وقصة الخضراء ترتبط بظهور البطل ابوزيد الهلالي, والقصة الثالثة تحدثنا عن ميلاد حسن بن سرحان.
4-2 ونجد فى هذا الاوان كيف تجسدت قوة بنى هلال وتشكلت من خلال تلاحم مختلف أطرافها، ونصرة بعضهم البعض, وخوضهم المعارك الجماعية بسبب ما يتعرض له أى فرد من افرادهم حتى هابهم الجميع, وضمن هذه الوظيفة نعانى كيف تزوج معظم شباب بنى هلال, وتزايد عددهم بتزايد حلفائهم واعدائهم وصار لبنى هلال صيت ذائع وخبر شائع.
5 – الدعوة:
5-1: فى الوظيفة الاساسية السابقة "الاوان " نجد تحقق القسم الاول من "دعوة النص " النصر وضمنه ايضا بدأت تظهر بعض الملامح التى يمكن ان تتسلم الى التشتيت وذلك ما يمكن تبينه من خلال الموقع الذى بدأ يحتله دياب, وبعض الصراعات الهامشية التى تطفو على السطح بين الفينة والاخرى بينه وبين ابى زيد والسلطان حسن ويمكننا تسجيل بداية هذه الوظيفة الاساسية مع جدب اراضى بنى هلال وتفكيرهم فى الرحيل الى تونس "بداية التشتيت ".
5-2: يبعث ابوزيد الهلالى مع يونس ومرعى ويحيى الى تونس قصد التجسس, يتم امساكهم ويبعث ابو زيد ليجلب فدية مقابل اطلاق سراح الشباب, فتتحقق الدعوة بالخروج الجماعى، والتغرب "التغريبة" وللوصول الى تونس لابد من خوض المعارك الضارية فى الطريق فحيثما نزلوا يطلب منهم تقديم عشر المال او الحرب, وفى كل هذه المعارك التى تنتهى بالنصر كانت تلحق بهم الهزائم ويفقدون العديد من رجالهم وأموالهم, وهكذا ظلت حياتهم مضمخة بالآلام والاحزان ومكللة برايات النصر حتى دخلوا تونس وصار الغرب بكامله طوعبنانهم, فتقاسموا الممالك والاراضى، وعاشوا فى الرخاء وهم سادة البلاد.
5-3: باكتمال هدف الدعوة وغايتها اطلاق سراح يونس ومرعى ويحيى والاستيلاء على ارض خضراء خصبة يتحقق جزء أخر من "الدعوى" وهو النصر، رغم ما صاحبه من تشتتوتغرب ولابد لبرنامج السيرة الحكائى ان يمتد ليتحقق الجزء الأخر من الدعوى وهو التشتت النهائى لبنى هلال وبنى زغبةورياح, بعد انفجار الصراعات الداخلية بينهم بسبب السلطة والنفوذ ويستغل الراوى لتجسيد النفاذ مختلف الاشارات التى كان يقدمها بين الفينة والاخرى حول بعض الصراعات بين الهلاليين والتى كان ابوزيد يتدخل لحسمها ولاسيما بينالسلطان حسن والامير دياب بن غانم.
6 – النفاذ:
6-1 يتحقق نفاذ الدعوى بالتشتت وذلك بعد نجاح بنى هلال فى فرض وجودهم فى الغرب الاسلامى بكامله بالاضاقة الى الاندلس اقتسامهم "بلاد الغرب بينهم بالسوية بين ابوزيد وحسن ودياب, كل واحد الثلث, واما تونس لدياب ورجع حسن الى القيروان وجعلها عاصمته وأبو زيد جعله الأندلس عاصمته حينئذ جلس كل واحد بمملكته بأمان " ص 281 "التغريبة جـ ".
ويبدأ الصراع حول سعدة بنت خليفة الزناتى التى أحبت مرعى بن السلطان حسن لانها بقيت فى تونس مملكة دياب الذى طلب منها الزواج وبعد تدخل ابى زيد بين دياب والسلطان حسن يقوم دياب بقتلها, ومن جهة ثانية تعمد اخت الزناتى "زعيمة ست الغرب " على القاء الفتن بين الامير دياب والسلطان حسن فيقوم دياب باحراق زرع بنى هلال, يتم اعتقال الامير دياب وشنق العديد من امراء بنى زغب وتؤخذ منهم اسلحتهم ويسامون العذاب.
بعد سبع سنوات من الاعتقال بفرج عن دياب ويموت السلطان حسن ويتهم دياب بقتله, ويرحل بعيدا.
ينجح دياب فى العودة الى تونس, ويتغرب الامير ابو زيد والسلطان بريقع فى انتظار مرور سبع سنوات علا فيها نجم دياب.
6-2 الى هنا نجد التغريبين تنقسمان: فتذهب الرواية "د" الى ان ابا زيد سيظل حيا بعد قتل ابنه رزق, وظهر من صلبهعلى ابو الهيجات الفارس الموعود بالنصر على دياب, وانه سيوحد الجميع تحت شارة اسمها "أولاد علي" بدل بنى هلال او بنى زغبة.. وانه سيكون وزير السلطان بريقع بعد قتل دياب تماما كما كان جده ابو زيد وزير السلطان حسن. وتنحو التغريبتان "ج " و"ط "منحى أخر بذهابهما الى ان دياب يقتل السلطان حسن وأبا زيد، فيتغرب ولادهما، ويعودان الى محاربة دياب وبعد قتله يتسلطن بريقع لكنه يكون ظالما فينتصر عليه نصر الدين بن دياب ويقتل بريقع ويصبح سلطانا عادلا يحبه الجميع.
6-3 ان النهايتين تقدمان لنا امكانية مهمة للتحليل يضيق عنها المجال وهما معا تؤكدان كل منهما بطريقة، نفاذ الدعوى المركزية.
ذلك لان كل وظيفة اساسية بحسب التقسيم الذى اجريناهلها دعواها الخاصة، وبوضع كل دعوى فى علاقتها بغيرها وبالدعوى المركزية تتضح امامنا صورة السيرة بجلاء، وهذا ما يؤكد ذهابنا الى ان الدعوى المركزيه هى الناظمة لبناء النص وتلاحم مكوناته وعناصره ولعل قراءة دقيقة لهذه الخطاطة على المستوى العمودى كفيل بجعلنا نعاين مدى الترابط الذى يحكم النص فى ضوئها ويسلمنا الى تعيين دلالتها المقصودة.
7 – التركيب:
7-1 ان قراءتنا لسيرة بنى هلال فى كليتها جاءت بناء على استخراج بنيتها الحكائية التى تحكمها وسنلاحظ انها البنية نفسها التى سارت عليها باقى السير الشعبية.
7-2: ان دعوى النص تحكم مختلف بنياته ووظائفه, افقيا وعموديا ولما كانت الدعوى المركزية فى سيرة بنى هلال تتأسس على قاعدة "الدعاء" باعتباره خطابا قابلا لـ "التحقق " او النفاذ، او الاستجابة، فإنه يتضافر مع خطاب أخر قريب منه, وله المواصفات نفسها، اقصد "الحلم " وان الحلم يحتل موقعا مركزيا فى النص, وبواسطة تفسيره, أو تأويله, عنطريق تخت الرمل, يتم ادراك ما سيقع ويخلق العوالم الممكنة للتلقى.
7-3 الى جانب الدعاء والحلم والرمل باعتبارها عناصر اساسية لـ 1 – توليد الحدث او، 2 – توقعه او 3 – فهمه وتفسيره, داخل عالم النص.
نجد حضورا مهتما لعنصر أخر لايقل اهمية عن سابقيه ويتمثل فى "الفلك " وفى قراءته لان هذه القراءة تدفع إما الى الاقدام على صنع الحدث, او تعطيله, تماما كما وقع عندما سيطر دياب, لان صلاح الفلكى امر بنى هلال بعدم محاربته سبع سنوات كاملة، لانه بعد انتهائها سيظهر على "الهيجات " وهو الذى سيقتل دياب "دعوى – اوان… نفاذ" وهذا العنصر الجديد يتلاحم مع الدعوى"الدعاء" المركزية، لانه يضعنا زمنيا امام نظامين.
1 – نظام السعد، 2 – نظام النحسى.
وهذان النظامان يتناوبان فى مجرى التطور الزمنى والحكائى على صعيد الشخصيات "نصر – تشتيت – تنصر – شتيت " أو على صعيد الفضاء "خصب – جدب – خصب – جدب " وكلما امكن التحكم فى هذين النظامين عن طريق المعرفة "ابو زيد الهلالى" والقوة "الامير دياب " او هما معا كلما امكن التجاوب مع الاحداث والفعل فيها بما يناسب "ابوزيد".
7-4 والسيرة اضافة الى هذا غنية بالعوالم التى يمكننا من خلال قراءة جريئة وجديدة أن نكشف عنها بالصورة التي تساعدنا على تدقيق رؤيتنا للسرد العربي ولمختلف اشكال التخييل والتخيل العربيين, وبما يزخران به من تصور للواقع والعالم.
سعيد يقطين (ناقد واستاذ جامعي مغربي)