تتعدد اسهامات الشاعرة ظبية خميس الابداعية, بين النقد والرواية والشعر، كاشفة بذلك عن غنى تجربتها، وطبيعة الهواجس التي تحكمها، وتوجهها، ولئن كان البحث عن الذات الانثوية في تجلياتها المختلفة, والتعبير عن وجودها، وكينونتها المستلبة, والمتردة, على شرط وجودها هو السمة الاساس لهذه التجربة في مستوياتها، وابداعاتها المختلفة, فان هاجس البحث في خصوصية هذه الذات الانثوية, كما تقدمها المرأة في ابداعاتها الشعرية المختلفة,او كما قدمها ويقدمها الرجل في ابداعاته وثقافته يظل هوالدافع, والرؤية, التي تنطلق منها في قراءة هذا التراث, وهذا الابداع للكشف عن دلالاته, ومضامينه واشكاله بغية تعميق الوعي بصورة الانثى، واسئلة وجودها، وتحرير هذه الصورة مما اصطبغت به من اشكال "حتىانطمست الصورة الناطقة عن ذاتها في مرأة الكلمات "ص 13, وأضحت "تعيش رهينة لاكثر من ذاكرة: معبودة أحيانا، ومشيئة في احيان اخري، مشطورة بين عالمي الروح والجسد، تنعكس في مرأة الذاكرة الرجولية "ص 5.
وفي كتابيها النقديين – صنم المرأة الشعري: البحث عن الحرية, ويقظة الانثى- والذات الانثوية من خلال شاعرات حداثيات في الخليج العربي- وتحاول الناقدة ظبية خميس مقاربة صورة المرأة, كما قدمتها الثقافة الذكوري في مرجعيتها الشعرية العربية القديمة, عموما والغزلية منها على وجه الخصوص, في حين ان كتابها الثاني يقدم نفسه من خلال العنوان الذي يحدد مجال الدراسة في الابداع النسوي في الخليج العربي، من أجل تقديم "اضاءات متواضعة " لهذا الابداع. وتحدد الناقدة في مقدمة الكتابين طبيعة المنهج النقدي النسوية, الذي اعتمدته في دداسة وتحليل هذه التجارب, كاشفة في نفس الوقت عن موقفها من هذا المنهج, وتحفظها على بعض جوانب هذا المنهج انطلاقا من رؤية, ترى في النقد النسوي تيارات, واتجاهات مختلفة, وليس اتجاها واحدا، الامر الذي يجعلها في حديثها حول خصوصية المنهج, والرؤية النقدية التي ستتخذها اساسا في هذه القراءة, تعلن ان محاولتها النقدية هذه "لا تهدف الى توحيد افكارها في نهج واحد بقدر ما تسعي عبر التعددية لبلورة مفاهيم مازالت جديدة, وغير مطروقة في السابق " والناقدة تبرر هذا الموقف ومحدوية مقارباته من خلال تطلعها ورغباتها في "تقديم اضاءات نسترشد بها الى اهمية التخصص البحثي حول ابداع المرأة عموما"ص 21.
ان ثمة اسئلة هامة يطرحها كلام الناقدة ظبية هنا، تتعلق اولا بطبيعة الرؤية والموقف المنهجيين, اللذين تعتمدهما في كتابيها على مستوى العلاقة مع المنهج النقدي النسوي، ومن ثم على مستوى الكيفية التي استطاعت ان تحقق من خلالها، تكاملية الادوات والرؤية النقدية, المستمدة من الاتجاهات النقدية النسوية المختلفة بما يسهم في زيادة فاعلية هذه الادوات, وتكاملية وظيفتها بعيدا عن الاجتزاء، والانتقائية والتعسف في هذا الانتقال, والاستدعاء لافكار ومفاهيم وادوات الاتجاهات النقدية النسوية المختلفة في سياق الدراسة والكشف عن المضمون الدلالي للغة الشعرية, ومجازاتها ثانيا. ان تعددية الاتجاهات النقدية النسوية من لغوية ونفسية, وانثربولوجية وتاريخية وماركسية تجعل من الصعوبة امكانية التوفيق بين هذه الاتجاهات المختلفة, لان كل اتجاه يعطي القيمة الاساس لجانب محدد في في تجربة المرأة الابداعية, سواء على مستوى العلاقة بين النص والجنس, او على مستوى الموضوعات والتراكيب والاسلوب, والبحث في دلالات الخطاب وقيمه التعبيرية او على مستوى وضع المرأة التاريخي، والاجتماعي، حيث تمايزت اتجاهات النقد النسوي الاوروبي- الامريكي على اساس المنهج وطريقة التعامل والنظرة الن النص الادبي الانثوي.
آن ظبية خميس في مساهمتها النقدية تعتمد المنهج التاريخي في استقراء تجربة المرأة الشاعرة وجوديا، واجتماعيا وفكريا اضافة الى محاولة تلمس اشكال الملامح الانثوية, ووعيها لذاتها ضمن سياق التجربة, واللغة, الامر الذي يجعلنا نتساءل عن الاسباب التي جعلتها تحجم عن ذكر نقاط الافتراق ونقاط الاتصال بينها، وبين اتجاهات النقد النسوي الغربي، واذا كانت الناقدة ترى في بعض طروحات هذا النقد شيئا من التهويل والمغالاة في مفهوم الثورة والحرية والقيمة التي يشكلها الجسد الانثوي، الى جانب الموقف المتطرف من العلاقة مع الأخر- الرجل, فان ظبية خميسن لم تحاول بالمقابل ان تحدد مرتكزات رؤيتها النقدية, وكيفية اختيارها للاسس والمفاهيم النقدية, التي ستتخذها اساسا في دراسة, وتحليل التجربة الشعرية الحديثة للمرأة على الرغم من محاولتها لتأكيد وحدة التجربة الشعرية عند المرأة قديما وحديثا، رغم التغيير الكبير في المشهد الخاص بالمرأة, خاصة وان جهود شاعرات اليوم, تمثل استكمالا لمحاولات شاعرات الاسس بالتعبير عن "الذات المكبوتة التي تحاول ان تكتشف نسيج الذات الانثوية بالداخل عبر تجارب.
شعرية, حداثية ومتحررة, تصبو الى الكشف والتواصل مع العالم "ص 15.
الذات الانثوية في مرايا شاعرات خليجيات:
تنطلق الدراسة النقدية لابداع المرأة الشعري من الرؤية الى الذات الانثوية باعتبارها ذاتا متحركة, وليست ذاتا واحدة بسبب كون كل شاعرة تختلف عن الاخري في كشفها، ورؤيتها الى العالم, باختلاف درجات وعي الذات من جهة, ومن جهة أخرى نتيجة الاختلاف في مستوى التجارب. وتعترف الناقدة ظبية خميس بطبيعة المنهج, والاختيار الذي اعتمدته استنادا الى أسس وقواعد للرؤية, تهدف الى اختراق "نص المرأة ضمن وعي خاص, ينطلق من تجربة المبدعة التاريخية, وكينونتها كأنثى في عالم الكلمة "ص 15، اي في طريقة تحقق هذه الكينونة على مستوى العلاقة مع اللغة وفي معرض تعريفها بالاتجاهات النقدية النسوية الغربية, تقدم تعريفا موجزا من خلال اهم ممثلاتها مع مناقشة الافكار والرؤى المطروحة بشكل سريع ومقتضب ايضا. مشيرة الى خصائص الاختلاف, وتعددية منطلقات هذه الاتجاهات على الرغم من اشتراكها في تقديم عالم المرأة للمرأة, وكون هذا الصوت الانثوي قادما من ماضيها الثقافي, والاجتماعي الخاص. وبعد ان تنهي الكاتبة تعريفها بالاتجاهات الانجلو- امريكية والفرنسية في النقد النسوي، تتجه في الفصل الثاني من الكتاب الى دراسة تجربة الشاعرة الخليجية, ورحلة الذات الانثوية فيها، حيث تربط هذه التجربة سياقها التاريخي، والاجتماعي في بيئة شهدت تحولات كبرى وسريعة مع اكتشاف النفط, وتدفقه الامر الذي جعل هذه المنطقة, تعيش بذاكرتين اثنتين هما ذاكرة الماضي بتقاليده الاجتماعية الصارمة وتوزيعه للادوار مما جعل دور المرأة هامشيا في حين ان ذاكرة الحاضر، وما شهده من محاولات تحديث أثرت في مستوى وعي المرأة بصورة ادت الى نقل الذات الانثوية "الى حيز التعبير الادبي والفني الثقافي, بمختلف اشكاله" 41.
لقد شهدت التجربة الشعرية النسوية منذ منتصف السبعينات تطورا ملحوظا اسهم في تطور وتبدل ملامح هذه التجربة خاصة على مستوى قصيدة النثر، والغريب ان ظبية رغم احتفائها بالصوت الانثوي في هذه التجربة, واعتمادها على المنهج النقدي النسوي الا انها لا تشير الى تأثير اي من التجارب الشعرية الانثوية في الوطن العربي على هؤلاء الشاعرات, اذ يبقى الرجل او من عرفوا بالشعراء الرواد هم الذين اثروا في هذه التجارب الانثوية وتحاول الناقدة ان تؤكد على اهمية القيمة الابداعية والفكرية, التي شكلتها قصيدة النثر على مستوى تعدد الاصوات والمناخات الشعرية, رغم انها تستدرك, وتعلن انه من السابق الحكم على قيمة هذه التجربة التي ما تزال في طور النمو، وبعد الاشارة الى اهم الشاعرات الخليجيات تدرس تجارب خمس شاعرات هن حمدة خميس من البحرين, ونجوم الغانم من الامارات, وسعاد الصباح من الكويت, وفوزية السندي من البحرين وميسون صقر من الامارات.
في دراستها لتجربة حمدة خميس أحدى رائدات حركة الشعر الحديث في منطقة الخليج العربي، تنطلق من مقدمات نقدية قدمها نقاد عرب قيموا فيها تجربة الشاعرة, مما يجعلنا نتساءل مرة أخرى عن سبب استسلام الناقدة للمرجعية النقدية الذكورية, واتخاذها اساسا تبني عليه, وتدلل من خلاله على اهمية هذه التجربة وقيمتها الابداعية, فالنقد النسوي جاء ليلغي مركزية الابداع الذكوري، ومن اجل قراءة نسوية لابداع المرأة,ألان المرأة تسأل اسئلة جديدة لها في قراءة النص – غايات مختلفة "، الا ان ظبية خميس تظل تعتمد على أراء النقاد العرب في تجارب هؤلاء الشاعرات وكأنها كافية لابراز قيمة هذه التجارب, والكشف عن معانيها ودلالاتها بمصداقية, تنبع من خصوصية المعيار المرتبط بخصوصية وضع الناقد- الرجل ورغم انها تعود للاشارة الى بعض مغالطات هذا النقد حيال رؤيته الى شاعرية الأدت الانثوية.
ان تجربة حمدة خميس منذ ديوانها الاول, تتميز باحتفائها المركز بالمشاعر والاحاسيس التي تتوزع بين طقسين هما الاحتفاء بالحياة, والغصة بها فهي رومانسية اولا، طرحت في جزء من هذه التجربة جانبا من تجربة الواقع خاصة على المستوى السياسي. وترى الناقدة من خلال قراءتها لعناوين قصائد هذا الديوان انها تجمع بين بقايا الرومانسية, والواقعية الثورية التي كانت سائدة في الستينات, كما تدرس الحقل الدلالي الذي تشكه بعض المفردات الخاصة بالحياة الانثوية كالعرس والطفل والحب, اضافة الى حضور السيري الذاتي، اما على مستوى الرؤية السياسية فيمتزج الرمز الشفاف بالواقع المعاش, بالتراث البحريني" 61، وتذهب الناقدة الى ان الشاعرة ستتجه في اعمالها التالية نحو الفرص في عالم ذاتها الانثوية, وذلك بدءا من ديوان "ترانيم " الذي صدر في النصف الاول من الثمانينات, لكنها في ديوانيها الاخيرين "مسارات " و"اضدا"، تتجه الى قصيدة النثر لترسم ملامح تحول في الوعي الجمالي الشعري، حيث "تنتقل حمدة خميس في معركتها مع الحياة لتواجه تلك الذات الانثوية بكل قلقها، تحاول أن تكتشف ملامحها وستتحول هذه الذات.. الى محور اساسي"72 في قصيدتها الجديدة.
ان قيمة تجربة حمدة خميس – كما ترى ظبية – تتجلى في انها تشكل استكمالا لمرحلة ما بعد نازك الملائكة وفدوى طوقان, مما يؤكد اهمية تجربتها في سياق التجربة الشعرية النسوية العربية. واذا كانت تجربة حمدة ما تزال تجمع بين قصيدتي التفعيلة وقصيدة النثر، فإن الشاعرة الاماراتية نجوم الغانم قد حسمت موقفها، وانتمت الى تجربة قصيدة النثر الجديدة بدءا من مرحلة الثمانينات التي شهدت تطور تجربتها "في ظل روح شعرية متوثبة كانت تملا آفاق المنطقة »، حيث تنتمي "في عالمها الشعري الى الاسطورة والمفردة السحرية, يحتلها عالم الباطن بطريقة لا تخترقها احداث الخارج "83.
وتحدد الناقدة اسباب هذا التحول في كون الشاعرة نجوم عاشت ايقاع الحداثة السريعة التي اصابت الحياة في منطقة الخليج على الرغم من كونها ظلت في لغتها الشعرية ووعيها لذاتها متسربلة "بستار الروح الليل, والماضي وكأنها تحاول عبر رحلة تاريخية معكوسة ان تنجز معركتها مع ذلك الماضي" 90.
وتحضر تجربة الشاعرة سعاد الصباح لتشكل حالة خاصة نظرا لجرأة مضمون اشعارها، وقدرتها على نشرها في الوطن العربي، ولتحديد خصوصية هذا الصوت تدرس الناقدة الواقع الاجتماعي الارستقراطي الذي عاشت فيه, وأثره على لغتها الشعرية, كما تدرس تجربتها الخاصة, وتحدد هاجس هذه التجربة بالانشغال بالعلاقة بين المرأة والرجل, وبعد ان تستعرض اعمالها الشعرية وتدرس عملها الشعري "في البدء كانت الانثى"، لانها ترده الاهم في هذه التجربة. وتلخص مضمون هذه التجربة بأنها أشبه بمناظرة "فكرية نفسية مما يؤثر على منطقة المخيلة الشعرية "، وقد تجلى أثر ذلك في أسلوبها الذي ناء فنيا بذلك. وجعل القصيدة تبدو أقرب الى الوصفية والسذاجة اضافة الى تكرار موضوعات الحب وعالمها المتمثل في المقهى والمدن الاوروبية والتجوال والمطارات والمناجاة.
ان المشهد الشعري النسوي الخليجي في الثمانينات يتمثل في تجارب عديدة, تمثل فوزية السندي احداها رغم قلة الشاعرة في النشر، وهي تنتمي الى شعراء قصيدة النثر، الا ان اللافت في اشعارها كما تتحدث الناقدة عنها، هو سيطرة قصيدة الفزع والرعب "التي تحاول ان تصف العنف والدموية المحيطة بعالمها" 101، ويبدو الجسد في كل هذا يمثل "حالة التشظي والجرح والعنف. وهو ايضا حالة الحب والحلم وملجأها"، كما يتميز بحضوره القوي الى جانب البحر "لانه المدى الممكن, والوحيد لكل تلك الحرائق التي تشتعل في خطوات مفرداتها في القصائد". وفي مجموعة الشاعرة "هل أرى ما حولي, هل اصف ما حدث " الصادرة عام 1986, تكمل الشاعرة ما بدأته في عملها السابق, ونتلخص الناقدة هذه التجربة بأنها تمثل "الارتباك والتذبذب في روح فوزية السندي الشعرية "، والتي نجمت عن خضوعها المباشر لمؤثرات "كابوسية السيريالية, والواقعية ومحاولات الكشف الباطنية, والصوفية والرومانسية الفجة, التي تفتقر الى الصورة الشعرية العميقة والجديدة " 119.
وتنتمي الشاعرة والرسامة الاماراتية ميسون صقر الى جيل الثمانينات, حيث تمثل تجربتها تطورا واضحا "في ظل حركة شعرية حداثية نشيطة ´في القاهرة "، بسبب اقامتها هناك لاكثر من اربعة وعشرين عاما، وتتميز تجربتها في اعمالها الشعرية الأولى بلغتها الخاصة, الانيقة والحميمة, المرسومة "بدقة المشاعر وصدقها، وبفلسفة خاصة ذات رؤية تحاول ان تزاوج بين الباطن والخارج ".
وتحدد ظبية ملامح تجربة الشاعرة في مستوياتها التعبيرية المختلفة بأربعة اشكال هي اللغة الانثوية المعبرة عن كينونة شديدة الاندماج مع واقع الشعرية الذاتي النفسي, واللغة الفلسفية التأملية, واللغة الرمزية التجسيدية, اضافة الى اللغة الميتافيزيقية التي تعتمد على مفردات الجسد وتوظيفه توظيفا حلميا شفافا, خاصة عندما تتحدث عن الحب والحزن والفرح والاشياء الخاصة. ولعل ما يميز تجربة الشاعرة ميسون هو تطور معمارية البناء الشعري في قصيدتها، هذا التطور الذي ترده الناقدة مرتبطا بالمرأة والبحث عن حريتها، وذاتها البعيدة. وتمثل هذه التجربة المستوى المتطور والحداثي الذي بلغته الابداعات الشعرية للمرأة العربية الحديثة. وفي نهاية الكتاب تعلن الناقدة مسؤوليتها عن كل تقصير قد يكون حدث في هذا الكتاب, حيث يبرر ذلك كونها تفضل ان تبقى محاطة بالاسئلة من الداخل اكثر مما تحمل من أجوبة.
ان اهمية هذين الكتابين تتمثل في اعادة قراءة التراث الشعري والادبي العربي في اكثر دلالاته تعبيرا عن صورة المرأة في خيال الرجل – الشاعر الذي ادى الى – تصنيم – المرأة, وكأنها جسد بلا روح ولا عقل, ومثل هذا التنميط في الصورة, يكشف عن حقيقة العلاقة بين الرجل والمرأة في ثقافة محكومة بطابعها وسلطتها الذكورية. اما في دراستها لشاعرات حداثيات من الخليج العربي فان قيمة هذه الدراسة تكمن في تعريفنا بهذا الابداع الذي لايزال بعيدا عن الاهتمام والدرس النقدي، بل وعن الحضور باستثناء الشاعرة سعاد الصباح لكن اختيارات الناقدة وتركيزها على بعض التجارب, مقابل تكثيف دراستها لبعض التجارب الاخرى يكشف عن البعد الذاتي الحاضر في هذا الاختيار،وفي هذا الاهتمام, وقد كان حريا بالكاتبة ان تدرس هذه التجارب في ظل الجغرافية السياسية التي تحكم هذه التجارب كما لدى حمدة خميس, وفوزية السندي، مثلا، لان من شأن ذلك ان يكشف عن دلالات حضور السياسي في تجاربهن, كما بحان حريا بالناقدة ان تدرس الجانب اللغوي بشكل معمق اكثر لترى ان كان هناك خصوصية في علاقة المرأة باللغة على مستوى البنية والمفردات المستخدمة, مع العلم ان الوعي الانثوي ما يزال خاضعا في آلية كتابته لتأثير تجربة الأخر- الرجل والناقدة نفسها تتكىء وتنقل عن نقاد كثيرين آراءهم بتجارب هؤلاء الشاعرات في معرض حديثها عن تجاربهن. وهنا نتساءل, ولكن اية صلة تربط بين النقد النسوي، وهذا الاتكاء على تقييمات وآراء النقاد لدعم وتأكيد مصداقية آرائها واحكامها النقدية؟
لقد كان من الافضل لو ان الناقدة حددت القواعد والاسس التي انطلقت منها في تحديد علاقتها بالمنهج النقدي النسوي رغم تصريحها بالاعتماد على المنهج التاريخي، فالناقدة في دراساتها ذهبت الى ابعد من المنهج التاريخي، عندما حاولت ان تربط هذه التجارب بواقعها الاجتماعي ومضمون التجربة وشكلها الشعري، الامر الذي يجعل القراءة النقدية تختلف حسبما يمليا، ويحدده مضمون التجربة الشعرية عند كل شاعرة حتى على مستوى وعي الذات, والمفهوم الانثوي لديهن, وهذا ما كان يتطلب تحديد مستويات هذا الوعي، واسباب تجليه بأشكال مختلفة في كل تجربة من هذه التجارب الهامة.
مفيد نجم(كاتب من سوريا)