1- مضطر للاعتذار – في البدء – مرتين . مرة لذلك العرف – غير المكتوب – الذي درجنا عل تكريسه ، بأن نكتب عن الأشخاص الذين نعرفهم ، بل وبما تشرط هذه المعرفة ، أحيانا، من معاني الصداقة والمجاملة وسوأها. ومرة أعتذر للقاريء الذي قد يطالبني بالتديف بالشاعر الذي أكتب – الآن – عنه .
وأعترف بأنني لا أمتلك من التعريف بالشاعر "محمد الثبيتي" الذي أتناوله -هنا -سوى أنني قد قرأت اسمه ، لأول مرة ، قبل ما يزيد قليلا على أربع سنوات واضطرني وأنا أقرأ له ، أن أسأل عنا، فقيل لي بأنه أحد الشعراء الشباب السعوديين ، فاعتبرت ذلك اضافة مميزة للشعر، ليس في السعودية وحدها ولكن للشعر الجديد في الجزيرة العربية .
ومن حسن حظي وسوء حظي معا، بأنني تعرفت عليه بعد ذلك بأكثر من سنة ، فرأيت به قدرا أوسع ، مما تصورت ، من الصمت والتواضع ، الى الحد الذي أكد لي فيه ، بأن له تميزا شخصيا آخر، غير تقيره الشعري، وهو صعوبة اقتحامه تماما، وراء أسرار ذلك الصمت والتواضع .. بحيث عرفته وهذا هو حسن الحظ ولم أعرفه أيضا، وهذا هو سوء الحظ .
ومنذ أيام قليلة وقع في يدي ديوانه "التضاريس " ، الذي لا أعرف تماما تاريخ إصداره على وجه الضبط ، ولكنني استطيع الاحتمال بأنه قد تم صدوره منذ مدة .
ومن خلال "تضاريس "، ديوان الشاعر الوحيد الذي أعرفه منه وعنه ، خارج بعض القصائد القليلة المتفرقة ، التي سبق لي الاطلاع عليها، كونت منتهى حدود صداقتي ومعرفتي وعلاقتي بشخص كاتبه .
ورأيت أن أشرك القاريء معي في تلمس بعض جوانب هذه المعرفة التي أدعيها ، مع التأكيد بصورة خاصة على أن تكون الجوانب التي أشرك القاريء بها، في التعرف على الشاعر، بالحدود التي يتسع لها صدر قاريء وكاتب ، يعيشان ويحلمان عل تراب " الجزيرة العربية " الزاهي والجميل !
2- اذن نحن ندخل منطقة " تضاريس " ، محددة المناخ والطقس والعواطف ،وعلينا أن نتصرف جميعا، نحن أصحاب هذه العلاقة المخصومة بما توجبه علينا هذه " التضاريس " من الطقوس المختلفة ، وعلى الأخص بالتأكيد عل الجانب الشخصي في العلاقة بين " نصوص " هذه التضاريس ، وبين قراءتنا الخاصة لها، بالحدود " الفنية " الممكنة .
تسمى هذه النصوص نفسها – " تضاريس " وتتخذ في شكلها الطباعي ، طابعا رشيقا ، لكنه ليس فخما ، وحجما لطيفا، من القطه الصغير، فيما يقارب نحو ( 90) صفحة .
وتحاول – أي النصوص – أن تنسج علاقتها بقارئها، من خلال محتواها الخاص ، الذي تتداخل فيه الكلمات في تشكيل دلالاتها ومعانيها، من خلال دلالاتها كألفاظ ،ومن خلال دلالة شكل كتابتها، كطباعة وإخراج وخطوط وما اليها.
وباختصار إنها لا تنسج دلالتها بعيدا عن هذا المحتوى ذاته . كالتعريف بالديوان وصاحبه وحالته الاجتماعية وسراها من التعريفات الخارجية الهامشية ، التي تندفع أحيانا، باسم التحرر والتقصي وتتطرق الى عدد الأولاد والمواهب الشخصية للكاتب وهوديته وعدد زوجاته ..الخ .
نقرأ العناوين فنجد " التضاريس" – أولا ونجد اسم "محمد الثبيتي " – ثانيا ثم نقرأ الاهداء الى "هوازن "، طفلة الشاعر ، ثالثا.
وحين نطالع فهرست المحتويات نجد أن الديوان يحور خمسة نصوص عناوينها كالتالي :
1- التضاريس 2- تغريبة القوافل والمطر 3- هوازن ..فاتحة القلب 4- آيات لامرأة تفيء 5- الأسئلة .
ونتفحص هذه العناوين الخمسة فنجد انها قد رتبت على الشكل السابق ، وان النص الأول "التضاريس" لا يشكل فقط عنوان المجموعة كلها، ولا هو أيضا فقط عنوان أحد هذه النصوص الخمسة ، بل يحتل من حيث الأولوية مطلع الصدارة ويتميز كذلك على النصوص الأربعة الأخرى التالية له ، باحتوائه على تسعة عناوين فرعية داخلية هي كالتالي
1- ترتيلة البدء . 2- القرين 3- المفني 4- الصعلوك ه-الصدى 6- الفرس 7- البابلي 8- البشير 9- الأجنة .
وأول ما يلفت انتباهنا ، اننا ازاء "تضاريس "، تكتب "نصها" المخصوص عبر جملة عناوين في جانب منها، عناوين رئيسية خمسة ، وفي جانب أخر منها، عناوين فرعية تسعة . وبالمجموع عبر خمسة عشر عنوانا، بعافي ذلك العنوان الخارجي للديوان .
غير أنه يلفت انتباهنا ، ضمن ذلك ، أيضا بأن ثمة الحاحا خاصة على عنوان " التضاريس " بواسطة تكراره للتأكيد على أن "التضاريس" ، ليست تجربة خاصة محددة ، في مجموعة "تجارب " الديوان ، بل هي هذه العناوين كلها مجتمعة .
وبمعنى أخر اذا جاز لنا أن نتساءل ما هي هذه "التضاريس" التي يعنون بها الديوان نفسه ؟ الاجابة قد تكون هي جملة تلك العناوين – الرئيسية والفرعية – التي يصبح معنى العنوان فيها هنا على أنه "المعلم " – بتحريك الميم وتسكين العين – وتصبح التضاريس هي تلك المعالم المشار لها.
وقد نمني في التساؤل ، ولماذا اتخذت هذه العناوين / المعالم شكلا رئيسيا وآخر فرعيا؟ وستجيء الاجابة – التلقائية – على ذلك ، بأن هذا التضاريس ذات طابعين . طابع أفقي، اذا جاز التعبير ، تمتد وتتراص في أفقه العناوين الخمسة الرئيسية : تضاريس / تغريبة القوافل والمطر / هوازن .. فاتحة القلب / آيات لامرأة تضيء/ الأسئلة .
وتتخذ في طابعها – الآخر _ طابعا عموديا ، يحفر تضاريسه الجوفية ، اذا صح التعبير، الى العمق . أو الداخل .
وهكذا فاننا ندخل الى "عالم " خاص ، اسمه " تضاريس "، ونرى على امتداد أفقه تلك المعالم الرئيسية الخارجية ، التي تتخذ في امتداداتها شكل "قافلة " و" صبية " _ صغيرة _ يهدي الشاعر هذه التضاريس لها، ونرى _أيضا _ "امرأة " تضيء آياتها ، وفي آخر الصورة نرى "معلما" ينتصب بشكل "أسئلة ".
وبينما نحن نتأمل هذا "الكون " – الصغير – ونتهجى "تضاريسه "، نرى من الجهة الأخرى، بأن ثمة قيعانا لهذه التضاريس ، تنتصب في زاوية الواجهة الامامية ، أو المعلم الامامي، وتعبر بنا عمقا لتقول لنا لتجربة ضمنا بأن هذا التجويف الداخلي _ ربما هو "العينة " _ أي النموذج _ لتشكيل تربة هذا الكون من الداخل .
لكن علينا أن نلاحظ ثمة مفارقة _ خارجية _ واضحة ، بين عناوين معالم السطح ، ومعالم العمق ، معالم السطح تتخذ صفة مركبة ، من الناحية اللغوية ، "تغريبة القوافل والمطر" "هوازن .." "آيات .."، وتتخذ أيضا هذه المعالم ، شكل ابتداء مخالف _ من الناحية اللغوية _ وشكل انتهاء مخالف أيضا، هما "التضاريس" و" الأسئلة ".
بينما معالم العمق تتخذ هذا الطابع اللماع المفرد،المكون من لفظة واحدة : القرين ، المفني، الصعلوك .. الخ ".
وباسم كل أولئك المرابطين على "الثغور" ثغور القصيدة الجديدة ، والذين انذروا أنفسهم "لمحاربتها"، فإنني أقيم على ألستنهم ، هذا السؤال الرغو والملحاح : أية تضاريس تلك التضاريس التي يدعوها صاحبها، "قرينا" تارة ، "ومغنيا" تارة ، و"امرأة تضيء.." وما سواها من هذه العناوين ؟ وكيف قد نربط بينها، وننسج من أليافها الناهضة معالم تجربة الديران الواحد، الذي يسمى نفسه " التضاريس " ؟
ولهؤلاء الذين يقيمون على ألستنهم هذا السؤال ، سأدخل عالم "الثبيتي" .. لنتبين في تفاصيله _السريعة _خارطة هذا العالم ، من زاويته الأولى _ العمودية _ على الأقل .
3- ما نزال في البداية . نحن الآن أمام ديران يستعير لنفسه من علم الجغرافيا مصطلح "التضاريس "، ولكنه لا يحدد لنا ولا يقول أية "تضاريس " هي، وفي أية قارة من القارات الست أو السبع ، في العالم ، توجد.
غير أننا لابد أن نستعيد الى الاذهان ، بأن هذا العنوان الذي عنون به الديوان نفسه ، قد اقترن _ منذ البدء _بذكر اسم الشاعر على غلافه ، وهذا يجعلنا_ نطمئن أولئك الغيورين على خارطة العالم ، على أن تبقى " تضاريسه " الجغرافية بوضعها الدولي الحالي ، بدون أي مس ، نقول لهؤلاء بأن هذه التضاريس هي تضاريس "رؤية " "الثبيتي" ، لعالمه
الشعري _ الجديد _ الذي "بإبداعه " لنا.
إذن فنحن _ منذ باديء الأمر _ ازاء عالم خاص للثبيتي يحاول عبر ديوانه ، أن يرسم لنا تضاريسه وتفاصيله .
وما أن ندخل الى "عتبة " هذا العالم ، حتى نقرأ الاهداء الى" هوازن"
وبشكل من الأشكال علينا أن نتوقف على هذا الاهداء. ماذا تعني "هوازن " بالنسبة "للتجربة " . سيقول أولئك القريبون في معارف الشاعر وأهله وجيرانه ، بأنها " طفلته "، أهدى اليها ديوانه .
وإذا لم أخطي، فالأب ، في أي بقعة من العالم ، يهدي لطفله أو طفلته لعبة أو شيكولاته ، أو ما أراد. أما أن يهدي اليها ديوانه ، فتلك مخالفة للمألوف . هذا اذا لم نقل بأن معنى "الاهداء" ، هنا، سيحمل الشعر، الى جانب معانيه الكثيرة ، معنى " اللعبة " بالمعنى الحرفي التام للكلمة .
ان "هوازن " هنا، هي "رمز" أكثر منها أسماء هي رمز لامتشاج الشاعر بمن حوله في "الواقع " و"الحياة ". الحياة رمز لعلاقة البنوة و"الأبوة " التي يقتضيها منطق الحياة وهي رمز لامتداد الشاعر بالأرض والمستقبل والآخرين ، وتأكيد – بشكل ما من أشكال التأكيد _ على هوية الانتماء لكل هؤلاء.
كما أن "هوازن "، هي قبل ذلك ، اسم "لتاريخ " بذاته ، قد لا يكون هذا التاريخ موصولا مباشرة /"القبيلة " التي تحمل هذا الاسم ، ولكنه التاريخ الموصول بالوطن /القبيلة . كلهم .
إذن فنحن ، إزاء "تضاريس " ، مبهمة _ نسبيا حتى الآن _ولا نعرف من اسمها ، الا انها تضاريس الشاعر "الثبيتي" ، لكن في إطار هذا الابهام ، وفي إطار العلاقة الشخصية بين هذه التضاريس وصاحبها ، نستطيع الاستنتاج بأنها ليست علاقة شخصية محضة ، بل هي، في جانب منها ، علاقة جزء بكل ، وفي جانب منها ، علاقة هوية انتماء هذا الجزء للكل ،
وندخل الى التضاريس ، فنجدها تفتتح نفسها بهذا العنوان ، "ترتيلة البدء" وينبغي أن نتوقف على معنى "الترتيل "، وما في دلالته من معاني القدسية ، المنطوية ، في أدائها _ على معنى التكرار . كما ينبغي أن نتوقف على معنى "البدء".
والبدء قد يكون بدء كل شي ء في الديران ، من زمن كتابته الى زمن قراءته ، لكنه في إطار ذلك ، هو زمن بدء هذه "التضاريس " ، منذ أخذت في التشكل . أي أنه ذلك المعنى المساوي لحالة ما قبل "التكون" الانساني، حين كانت الحياة ، ما تزال بضة في بداية أمرها. وبمعناها الواحد يصبح "ترتيلة البدء" ، مساويا "لأناشيد البدء" المتعارف عليها في التراث البشري – الابداعي – ابتداء من "سفر البداية " في التراث "السومري والبابلي " وانتهاء بسفر "التكوين " التوراتي.
وكما كان يجيء أولئك القديسون ويكتبون ابداعهم ، يدخل الشاعر الينا، من بداية لنص ، بزي "العراف " ويقول لنا رؤياه لعالمه . ويبدو اننا لسنا بحاجة للتوقف على معنى "العراف "،بدلالاتها التاريخية والمؤنسة للشعراء عادة ، قارما نحن بحاجة للتوقف على "رؤيا" عراف التضاريس .
يقول : "جئت عرافا لهذه الرمل استقصي احتمالات السواد". وبذلك تطيح هذه "الرؤيا" بكر ما علق بذاكرتنا، عن تلك "البدايات " المجيدة ، التي بدأت -أول ما بدأت – بالماء. تطيح بكل بحار الماء وأوانيه الرأسية ، في ذاكرتنا، وتنقلنا الى هذا الكون . الجديد .الذي أخذ يتشكل من "الرمل ".
أما مهمة هذا العراف فتبدو صعبة بعض الشي ء. اذ عليه أن يتهجى، في وقت واحد، كل تلك "الرؤى" الممتدة ما بين لون "الرمل " و "السواد".
والأشد صعوبة من المهمة ذاتها، ان تكون هذه الرؤى "احتمالية ". قابلة للشك والنقصان . فما هي هذه الاحتمالات ؟
إن العراف وهو يمعن في رؤاه ، توا تيه القدرة عل أن يقرأ في هذه الاحتمالات "قراءتين " ، والتعبير هنا بلفظه عن النص . أما القراءة الأولى فهي :
"قل هو الرعد يعرى جسد الموت ويستثني تضاريس الخصوبة لم قل هي النار العجيبة . تستوي خلف المدار الحر تنينا جميلا وبكارة لم نخلة حبل مخاضا للحجارة .."
وكم يود هذا السياق أن يتوقف على مادة النص من "رعد" و"نار" و"تنين " ويربطها بمشابهتها حين نقرأ – مثلا – "سفر البداية " في التراث "السومري" لنرى في ضوء ذلك كيف تقوم المفارقة بين أن تكون البداية "حياة " وبين أن تكون البداية ما سواها . (واحيل القاريء المهتم الى قراءة النص المذكور في مغامرة العقل الأولى : فراس السواح ).
أما القراءة الثانية : فهي :
هذه أولى القراءات وهذا وجه ذي القرنين عاد .
مشربا اللملح والقطران عاد.
خارجا من بين أصلاب الشياطين واحشاء الرماد.
حيث تمتد جدور الماء .
تنفض اشتهاءات التراب .
اذن تقوم البداية في "تكوين " هذه التضاريس على رؤيتين . رؤيا تأتلق فيها حشاشات التكوين على "نار عجيبة تستوي خلف المدار الحر تنينا جميلا" وتترمد – في رؤياها المقابلة – على "عودة زي القرنين " ، يصعد مشربا بالملح والقطران ، ليأكل بذور تكون الحياة .
ولا يتوقف النص عل النتيجة النهائية لصراع الحياة / الموت في بداية تشكلها، في "تضاريس" "الثبيتي" ، لكننا نعثر عل ما يشبه أن يكون – بالنسبة لنا -نتيجة .
لنقرأ : يا غرابا ينبش النار لم يواري عورة الطين وأعراس الذباب لم حيث تمتد جذور الماء لم تمتد شرايين الطيور الحمر، تسري مهجة الطاعون ، يشتد المخاض .
وبذلك فإن النص ينقلنا الى ما بعد جيل الولادة .. الى الجيل التالي له ، حين يقتتل الأخوان "قابيل " و"هابيل" على أي منهما : الذي يفوز _"الأنثى" / الحياة .
وبالتأكيد فان النص لا يصرح بذلك مباشرة ، بل يستطيع بواسطة هذه اللمحة " غرابا ينبش النار"، أن ينقلنا الى أجواء النهاية ، وقد قتل أحد الأخوين ، واحتار من بعد أين يواري سرأة أخيه ، فدله "غراب النار" المذكور، على ما يفعل .
إنما هذا "الدم " المهراق على الأرض ، الذي جعل _ بحسب الرواية التوراتية _ التفوق _ "هابيل الراعي" على "قابيل " المزارع ، (انظر
تفصيل ذلك في الكتاب المشار اليه ص 209 وما يليها) قد عاد ليبرز في النص ، بالكيفية ذاتها. وذلك من خلال :
" يا دما يدخل أبراج الفتوحات وصدرا ينبت
الأقمار والخبز الخرافي وشامات البياض ".
إن "قابيل " الضحية هنا، قد انتقل من سطح الحياة التي كان يزرعها بتضاريس الخصوبة – على حد تعبير النص – الى قيعان هذه الحياة ، لينبت "بكارتها" بالأقمار والخبز الخرافي وشامات البياض . أي أنه عاد ليقتني من السواد في الخارج بتأجيج البياض في الداخل .
وفي المحصلة النهائية فان ،"العراف " الذي جاء ليقرأ الاحتمالات ، قد رأى البداية تصطرع بين الحياة والموت ، وتغلب الموت ظاهريا عل الحياة التي كانت قد استوت ، وتهيأت للاخصاب ، لكن سرعان ، ما يعود الصراع الى العمق .
ومن هذه النقطة تحديدا يدخل بنا العراف ملكوته ، ليرينا احتدام وجهي هذا الصراع ولينقل لنا من داخل مجرياته ما يرده من نتوءاتها وتجريفاتها . وهذا هو تحديدا ما يقصده بمصطلحه . الشعري – الخاص : التضاريس.
4- نحن الآن في طور ما بعد التكوين . كان البدء رملا. وحان الرمل سوادا ، فأتى "العراف "، وأقام ولائمه الأولى على تضاريس هذه البداية ، التي ولدت مقسومة على مراع الموت والحياة .
ومن ثقب هذه الرؤيا ، يدخل العراف الى حياته .. ليستكمل مهمته في استقصاء الاحتمالات .
على امتداد أفق الرؤية في تضاريس الاعماق ، نرمي هذه اللافتات الثماني: "القرين" ، "المفني" ، "الصعلوك "، "الصدى" "الفرس " ، "البابلي " ، "البشير" ، -"الأجنة " .
وهي أسماء متفرقة ومتباعدة ، من حيث الدلالة بعضها يومىء الى دلالات ، هي أقرب الى مدلولات "صفات " منها الى مدلولات "أسماء"، مثل "القرين " ، "المفني"، "الصعلوك "، وبعضها تومي، الى سميات بذاتها: "الصدى" ،"الفرس "، "الأجنة ".
ولاستقصاء هذه الدلالات ، علينا التوقف على الاسماء المشار لها، من حيث معانيها المجردة ، كألفاظ ، ومن حيث معانيها الوظيفية في سياق النص .
انني اذا اعتذر للشاعر "الثبيتي" وللقراء من هذا التحويم حول الموضوع ، دون الامساك به تماما، فإنني قد اجدني بحاجة للاعتذار أمام نفسي ، من الغوص في موضوع هو جزء من تضاريس ورمل وأحلام صحراء جزيرتنا العربية …التي لا يملك الداخل اليها، إلا أن يعثر ببعض حجاراتها ، أو ببعض أبوابها المسدودة .
عبد الودود سيف(كاتب من اليمن)