يحملنا أحمد عفيفي عبر مقاله المنشور في مجلة نزوى/ العدد الرابع سبتمبر 1994 – ربيع الآخر 1416/ الى أرض يحسبها بكرا لم يستصلحها أحد من قبل .. وبحسبه ذلك مبررا للكتابة، من غير أن يجد في نفسه حاجة للعودة الى غير نظريته في الاحتمالات مما سنتعرض له لاحقا.. وليس من الضروري أن يعلم أننا سبق أن حققنا قصيدة الخليل النحوية قبل عشر سنوات ونشرناها في بيروت بعنوان (ألفية الخليل النحوية) وأن طبعتها الثانية ستصدر عن EURO- ARAB Publishing) (LONDON – بعد أسابيع قليلة، إن شاء الله .
كما ليس من المهم أن يطلع على محاضرات المستشرق الفرنسي الكبير ريجيس بلاشير في توثيق القصيدة وعدد أبياتها، ولا على الدراسات الأخرى، عربية واستشراقية، فالظاهر أن مهمة الباحث ستقتصر على قطوف من هنا ومن
هناك .. ثم تسطيرها على الورق جهدا مشكورا. ولا أدري أمن الضروري أن يعرف الكاتب البحاثة أن عدد ما تبقى من أبيات القصيدة يبلغ 596بيتا يسلم منها للخليل الجليل 541بيتا، كما حققناه في كتابنا المشار إليه ، وليس 393 بيتا
كما ذكر في مقالته . .
وعلى أي حال ، فإن كل هذه الأمور ليست مهمة إذ يكفي الكاتب أن يجد أمامه عشر نسخ من المخطوطة فيلجأ الى نظريته في الاحتمالات ليحقق النص ويطبعه ، مؤكدا أن عمله هذا أول عمل من نوعه فيما يتصل بهذه القصيدة النحوية.
ولا مشكلة حقيقية، أيضا في أنه لم يلتفت الى أن هذه النسخ العشر التي يذكرها في مقاله ، ليست مثل الليالي العشر الوارد ذكرها في القرآن الكريم ، بل هي نسخة واحدة تداولها نساخ عديدون فأكثروا منها، ولا يمكن أن تعد كل تلك النسخ إلا نسخة واحدة.. كما لو أن معلما أعطى لطلابه نصا وطلب منهم أن ينسخوه .. فإن النص سيبقى واحدا مهما كان عدد الطلاب الناسخين ، وبخاصة أنه يذكر أن عدد
الأبيات ورواياتها متطابقة في نسخه العشر.
والظاهر أن هذه البديهة المستقرة في ميدان تحقيق التراث (وأعني بها صفات ما يمكن اعتباره نسخة جديدة) لم تعد لها أهمية تذكر، بعدأن تطور التحقيق والتوثيق الى نسخ وتكرار ووضع الحواشي التي لها دورها المشهود في تضخيم النص وزيادة عدد الصفحات ، بغض النظر عن العلاقة بين النص وحواشيه . وتلك هي ملامح آفاق تجديدية، لا ريب فيها. وفي أول المقالة، يعلمنا محمد عفيفي (ونحن جديرون بالتعلم ) أنه (في تاريخ التراث العربي اللغوي ظهرت منظومات نحوية كثيرة توالى تأليف تلك المنظومات منذ نشأة النحو العربي مصاحبا لتلك الفترة التي عاشها الخليل . .) .
ولا شك في أن من حق الكاتب أن يكرر (المنظومات ) من غير أن يستعيض عن الثانية بالضمير الدال على موضع ذكرها الأول كان يقول مثلا: (في تاريخ التراث العربي اللغوي ظهرت منظومات نحوية كثيرة توالى تأليفها . . الخ . . )
وذلك لأن تكرار الألفاظ مدعاة لتوسيع المقال ولفت أنظار القراء الذين تضعف ذاكرتهم عن تبين مرجع الضمير، إن جاء! وليس المهم فصاحة العبارة، ولا سلاسة الأسلوب والسياق .
ولا شك أيضا، قي أنه ليس من الضروري لمن يتصدى للكتابة عن الخليل أن ينهج الأسلوب القريب من أسلوب الخليل ، ولا الفصاحة التي أفنى الخليل عمره في السمو بشأنها. . وقد أصبح من الخطا أن يتناول الكاتب (أي كاتب )
موضوع مقالته بما يناسبه ويلائمه ، فقد أصبح من الشائع كثيرا أن يتناول كاتب ما تحليل أفكار الخليل وابن سينا ونيتشه وشتراوس وأحمد عدوية وشريط (آيس كريم في جليم ) مثلا، بالألفاظ ذاتها، وبالأسلوب الذي يصلح لكل موضوع وموضع .. وما عدا هذه القاعدة المنهجية العلمية الجديدة فدخان يتحلق في الفضاء ثم يختفي! ففي العبارة التي اقتطعناها من أول مقالة الباحث عفيفي (مثالا على هذه القواعد المنهجية الجديدة) نجد صياغة طريفة في استعمال (مصاحبا) على أساسى أن (تأليف المنظومات النحوية) صاحب (تلك الفترة التي عاشها الخليل . .) ولا أدري كيفت تمت تلك المصاحبة ؟ فالمنظومات النحوية،كما يؤمن الباحث الفاضل بدأت في تلك الفترة.. يا ترى فكيف صح إطلاق وصف (المصاحبة) للربط بين الجملتين؟
على أن هذا الذي أقوله ليس من الأهمية في شيء ، فان في وسعنا أن نقول ،على غرار ذلك: "إن تلك المنظومات كانت معادية لتلك الفترة "إذ ان تمرير المصاحبة يستبطن تجويز ( المعاداة) .. وكلاهما موقف اتخذته (المنظومات )من
تلك الفترة! على أن في الجملة لفظة لم أجد وجها لتبريرها،وهي قوله: (عاشها). . فالذي أجمع عليه أهل اللغة والنحو، وعلى رأسهم الخليل بن أحمد، أن الفعل (عاش ) فعل لازم لا يتعدى بنفسه الى حرف جر، وهم يقولون أن الصواب (عاش فيها، أو بها).. وربما كان العلماء على خطأ،أو ربما كان في هذا الأسلوب الجديد،الذي يعلمنا إياه الباحث المدقق ، تطوير، إذ أصبح معنى التطوير الخطا واللحن ، لا تطويع الألفاظ والأساليب الصحيحة الى ما هو أكثر صحة وسلامة بملاحظة متطلبات العصر.
وهذا (التمديد) في العبارة ملحوظ بكثرة، كقوله: (التي جاءت بعدها في عصور تالية) ولا أحسب أحدا يستطيع أن يقول: "التي جاءت بعدها في عصور سابقة ولا "التي جاءت قبلها في عصور تالية). . فكمة (بعدها) تغني عن (عصور تالية). . ولكن هكذا شاء الكاتب ، فليكن له ما شاء، لا ما شاءت اللغة وقوانينها. ومثل ذلك قوله عن الخليل بن أحمد (فكأنه رجل عصري يعيش معنا) ومن غير اهتمام بضعف (رجل عصري ) هذه قياسا على لغة الخليل أو اللغة الفصيحة التي مازالت اليوم تتمتع بالحيوية والشباب على ما تظهره مقالات عديدة في العدد ذاته من (مجلة نزوى) فان قوله (يعيش بيننا) يغني عن وصف الخليل بأنه (رجل ) وبأنه (عصري ) فمما لا شك فيه أن الخليل رجل ، وأن أسلوبه (كأنه ) أسلوب معاصر، نعم معاصر يخلو من الخطا والأغاليط التي تجني على اللغة التي تمثل كيان الأمة وعنوانها،فلا مبرر لتكديس الألفاظ الفضفاضة من غير نفع ،إذا كان في الألفاظ الفضفاضة نفع .. ولنقرأ هذه العبارات: (وللاجابة على (؟) هذا أنه (؟) يمكن أن (؟) يكون (؟) لهذا (؟) السؤال وجاهته لو ان (؟) الأمر كان (؟) 00 الى
آخره ..) وقوله: (وأي أسباب هذه تلك التي . . ) وأيضا (وإذا كان خلف كان ينتحل الشعر فربما كان .. ) وعشرات من الجمل على هذه الشاكلة!
ويواصل الباحث تحليقه في أجواء العصور فيقول: (واستمر هذا التوالي بطيئا مرة وسريعا مرة أخرى). . والحقيقة أني لم أفهم ،بعد كيف يكون التوالي (سريعا) وكيف يصير (بطيئا) فالذي أعرفه أن نحويين ظهروا في تاريخ النحو، عنوا بكتابة منظومات في النحو، لم تكن سريعة ولا بطيئة، وليس في (تواليها) بطء ولاسرعة.. وإنما هي جهود تستجيب لحاجات ثقافية معينة.. ربما أراد الباحث أن يقول أن تلك المنظومات كانت تختلف كثرة وقلة بحسب العصور ..ولكني قد أكون واهما لأن تلك العبارة المبنية على السرعة والبطء لا تعطي هذا المعنى، كما تعطي غيره للأسف .
وفي هذا التحليق المتوالي ، ينقلنا الكاتب الى أجواء الحرب العالمية الثالثة، إذ يصور حالة عدم (افلات ) بعض المنظومات من إسار المخطوطات الى عالم المطبوعات كانه (جريمة للبشرية)،قال: (وكأن الإفلات من بين طيات هذه المخطوطات جريمة للبشرية) بالرغم من أن عيون هذه المنظومات قد (أفلتت ) من المخطوطات وحلت في عالم المطبوعات المزدهر. . وعلى فرض كونها ما زالت ، هي أو غيرها، في إسار المخطوطات ، فلا أحد يقول أن إحياءها سيعد (جريمة للبشرية). . وربما كان لدى الباحث المدقق ما يسوغ له هذا الوصف الحربي المروع ، على أن في قوله (جريمة للبشرية) ضعفا آخر يتمثل في أن تلك (الجريمة) ليست (جريمة للبشرية) وإنما هي جريمة بالضد من البشرية . . على افتراض صحة ما يراه الكاتب الفاضل .
ومن الواضح أن الاستاذ البحاثة مولع بهذه الألفاظ ذات الرنين العالي ، فقد تكرر (يواجهنا بشدة) (التأثير الخطير) (التأثير الكبير) (أنجب التلاميذ) وربما كان يريد أن يقول أكثرهم نجابة، إذ لا ندري هل الى الانجاب قصد أم الى النجابة.. وبخاصة أنه يطالب غيره أن يفصل الكلام كي يستبين هو وجه الصواب ، كما في رده على السامرائي .
ثم ينتقل الكاتب الى نقطة جديرة بالتوقف وإمعان النظر، فمنظومة الخليل لها فوائد كثيرة منها قوله . (نستطيع من خلالها.. ) من غير اهتمام بدلالة (خلالها) على
المعنى المراد هنا، فهذا من الخطأ الشائع الذي لا يلام عليه من يستعمله ! ولو كان
متخصصا في اللغة ونحوها وفقهها وآدابها(!).
فكلمة (خلالها) تعني وجود شيء ما، فيه ضعف و(خلل ) ومن ذلك الخلل يدخل المراقب أو الدارس ليتبين له كذا وكيت . . في القرآن الكريم (فجاسوا خلال الديار) (الإسراء ) لأن تلك الديار قد أصبحت أطلالا خربة دخلها الخلل
والضعف فأمكن أن يجوسوا خلالها .. وكذا في سائر مواضع مجيئها في القرآن العزيز وفي كلام فصحاء العرب ، فالخلال في الشيء ! فجواته ، وقنواته ، ورخاوته وخلله ،وما الى ذلك من معان توضيحية . . ومن هنا فان قوله ؟ (من خلالها) أي من خلال المنظومة يعطينا انطباعا بوجود (خلل ) وضعف وهنات ندخل من (خلالها) الى المنظومة كي نصل الى ما نريد الوصول إليه ،كما يدخل الضوء من (خلال ) النافذة، أي من مناطقها الرقيقة الشفافة أو شقوقها التي تسمح للضوء بالنفاذ وكيفما يكن الأمر، فان هذا (الخلل ) في مقال لغوي أدبي عن الخليل مغتفر حين يكتبه كاتب متخصص في اللغة وفصاحتها وأساليبها ويطمح الى إيقاظ الغفاة على حقائق علم الخليل الفراهيدي رحمه الله .
وجاء في الفائدة الثالثة من الفوائد التي يستخلصها الباحث من المنظومة (معرفة كنه وطبيعة التأليف النحوي في تلك الفترة المتقدمة نسبيا) فان هذا التركيب هو من الفصيح الجديد، بلا أدنى شك ولا لمحة من ريب .. بالرغم من أن الخليل نفسه ، وسسيبويه وسائر البصريين والكوفيين وغيرهم قد منعوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بفاصل أجنبي إلا إضطرارا والاضطرار لا يكون إلا في الشعر عادة، وقد نص عليه ابن مالك في ألفيته وأفاض شرحها جميعا في تفصيل شأنه . فالصواب في اللغة الفصيحة العالية أن تقول في تلك الجملة (معرفة كنه التأليف النحوي وطبيعته .. ) . . ويقول الكاتب في موضع آخر: (في عدم ظهور وكشف هذه المنظومة) والصواب أن يقول – بغض النظر عن بقية الألفاظ ، بل عن سائر التركيب -: (في عدم ظهور هذه المنظومة وكشفها).. ولكن اتباع اللغة الفصيحة ليس شرطا مهما حين الحديث محن الخليل ونحوه فيما يبدو.
وفي الفائدة الرابعة، يفيدنا أحمد عفيفي فائدة عظيمة إذ بقول: (تحمل لنا ريادة مدرسة البصرة وسبقها للمدرسة الكوفية المتأخرة عنها) .
والحقيقة أني حائر فأنا أعرف أن مدرسة الكوفة متأخرة عن مدرسة البصرة وأعرف أن مدرسة البصرة لها (ريادة) .. ولكن ، لماذا نكرر اللفظ للمعنى ذاته ، فلفظة الريادة تغني عن (سبقها .. وا لمتأخرة عنها) وكل واحد من هذين التعبيرين الأخيرين يغني عن الآخر كما يغني عن (الريادة). ثم إني كنت أظن أن (سبق ) فعل متعد، كما في القرآن العزيز، كقوله ، تعالى: (لا يسبقونه بالقول ) (الأنبياء
27) وقوله: (فاستبقا الباب ) (يوسف 25). . وغيرهما.. غير أن الكاتب يقول (. . وسبقها للمدرسة الكوفية) حيث جعل المصدر العامل عمل فعله (سبق ) لازما. . وهذا من التجديد اللغوي النحوي ، بلا شك.
وكم تكرر هذا التجديد الذي يعده فصحاء العربية في الغلط والخطأ، كذلك اضطراب الكاتب في استعمال الفعل (نسب ) فحينا يضع بعده حرف الجر (الى) وحينا (لـ) .. فيقول تارة (نسبتها الى الخليل ) ويقول أخرى (نسبتها للخليل ). ربما ليس من المهم الالتفات الى أن فصحاء العربية يستعملون (الى) ولا يستعملون ( لـ) .
وهذا الخلل في استخدام حروف الجر، كثير في المقالة كثرة تستلفت النظر.. كاستخدامه (عن ) بعد (تكلم ) والفصيح استخدام (على) أما (عن ) فتأتي في سياق (تحدث ) .
وإذا كانت هذه المواضع قد أصبحت مخفية عن بعض الكاتبين الأفاضل ، فان مناهج الدرس في البلاد العربية كلها تعلم الطلاب أن كلمة (سواء) يعادلها حرف العطف (أم ) ولم يجز أحد استعمال (أو) بعدها إلا ما كان من الكاتب الفاضل في قوله: (سواء بالمكتبات الخاصة أو العامة) في الوقت الذي نقرأ قوله تعالى: (سواء عليهم أ أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) (البقرة 6)0 أما الخليل بن أحمد،
صاحب المنظومة النحوية موضوع المقال والتحقيق فقد نص على خطأ (أو) بعد (سواء) نصا لا يقبل التأويل ، وأمامنا كتاب سيبويه وما نقله عن الخليل الجليل .
ولست ، هنا في وارد أن أصحح هذا المقال ، ولا الى استقصاء ما ورد فيه من أغاليط في النحو واللغة وأساليب التعبير.. وأين أنا من ذاك ! ولكني أريد أن أفهم ما نقله الكاتب الفاضل عن الخليل الذي قال عنه في منظومته:
فاذا نطقت فلا تكن لخانة
فيظل يسخر من كلامك معرب
وحاشانا أن نريد الى السخرية لحريقا. . وأمامنا (لا يسخر قوهم من قوم ) (الحجرات 11).. بل هو شيء الى التنبيه أقرب . . ساترك سائر الأغاليط الأخرى.. وللكاتب البحاثة مقدرة فائقة على معرفة مواطنها ومواضعها، ولأنتقل الى نظرية الاحتمالات التي بني عليها موضوعه .
ففي مواضع متعددة من المقال يضع الكاتب فروضا كسيحة، ثم بتعب نفسه كثيرا في إثبات أنها كسيحة، وما كان أغناه عن سلوك هذا المسلك الوعر. . لو أخذ بنظرية الاحتمالات بموجب ما تتطلبه .
وأول ما تتطلبه أن يكون الاحتمال المفترض له من الشواهد ما يثبت أن وضعه ومناقشته له ما يبرره حقيقة، كإشارة وردت هنا، أو هناك أو هنالك ، أما إذا لم يكن له ما يبرره فهو ليس افتراضا ولا احتمالا،وان مناقشته والجدال فيه لن يؤديا الى أي نفع في معالجة الفكرة موضوعة البحث .وثاني ما يتطلبه هذا النوع من الكتابة أن يكون الاحتمال صحيحا لا متكلفا..
ومنعا للإطالة سأكتفي بهذين الشرطين ، وانظر في موضع واحد من مواضع ورود الاحتمالات في المقال .
يناقش الكاتب تلمذة (قطرب ) للخليل بن أحمد.. ويرى أنه كان تلميذا له ،وهذه قضية انتهى منها البحث العلمي وبرهن عليها منذ أمد، بل إن بعضا من القدماء قد نص عليها، (ولينظر كتاب ألفية الخليل النحوية لكاتب هذه السطور /ط 1 /ص 45 – 49 ). وبالرغم من ذلك فان أحمد عفيفي يضع افتراضا مفاده أن إنكار تلمذة قطرب للخليل قد بني على أن قطرب قد توفي بعد الخليل باحدى وثلاثين سنة.. ثم يتعب نفسه في إثبات أن هذا الافتراض كسيح ضعيف ، وأن تأخر وفاة (قطرب ) ليس قادحا في فكرة كونه تلميذا للخليل .
وهذا من الأعاجيب التي لم أجد لها حلا. . فلا أعرف أحدا من القدماء أو المعاصرين قد وضع شرطا للتلمذة أن تكون وفاة التلميذ في حياة شيخه ، أو أن تكون بعيد وفاته أي بسنوات قليلة. باستثناء ما افترضه البحاثة عفيفي .
فالأعمار لا علاقة لها بالتلمذة والمشيخة.. فلا حاجة لوضع هكذا افتراض كسيح ضعيف ثم البرهنة على كساحه وضعفه . . والصواب أن يوضع افتراض صحيح له شواهده من الواقع ثم تتم البرهنة على زيف تلك الشواهد لإعطاء الافتراض البديل قوة وحججا مضافة.
وفي طوفانه في عروض القصيدة الخليلية أهمل مسألة جديرة بالاهتمام ،وهي كون منظومة الخليل هي الوحيدة فيما نعلم ومما صدر عن عصور الاحتجاج مبنية، كلها على البحر الكامل بتفعيلاته التامة كلها، لأن العرب تعودوا أن يكتفوا بجعل البيت الأول من القصيدة بتكرار (متفاعلن ) ست مرات ، ثم ينتقلوا في سائرها الى ما يتفرع من تلك التفعيلة،مثل (فعولن ) أوغيرها مما نجده في كتب العروضيين القدماء.. ولست أدري لماذا الاصرار على تحويل تفعيلة
(متفاعلن ) الثانية الى (فعلاتن ) فيما كرره الكاتب من بيت في القصيدة يقول: (تزهو بها الفصحا عند نشيدها) والصواب (الفصحاء) جمع فصيح ، ولا أدري أين ذهبت الهمزة في ا لمواضع العديدة التي روى فيها الكاتب البيت ، علما بأن
الهمزة ثابتة في نسخ باريس ودبلن وغيرها.
أكتفي بهذه الملاحظات العابرة التي تبدو لا أهمية لها أبدا بعد أن آلى الباحث المدقق أحمد عفيفي على أن يكون له نهج آخر.. ولا أظن أن المقولة القديمة (نمت وقد أدلج الناس ) مما ينطبق على ما قرأته في تلك المقالة عن منظومة الخليل بن أحمد الفراهيدي . . رحمة الله عليه .
هادي حسن حمودي (باحث واستاذ جامعي عراقي يقيم ويعمل في لندن)