صريف المعلقة
كانت مياه الكآبة – تلك المياه الآسنة – قد ارتفعت الى حلقومي حين كان صريف الملعقة الذي يرتفع أحيانا، يصير أكثر حدة، أو يخفت كما لو كان بابا بعيدا في ممرات قصية يبوح.. صريف الملعقة فوق زجاج الصحن، الملعقة بيد المرأة تجرجرها.. تجهد في ذلك فتلك وسيلتها أو هكذا كانت تظن أنها تأخذ أوهامك الثقيلة بعيدا عن رأسك، لتحلل هناك. الملعقة التي حسبتها مطرقة، هل كانت تبحث عن منفذ بين متانة الجدار أم أنها كانت تختبر مواطن الضعف وليس صوت مرور الطعام أو هبوطه داخل العوالم التي تملك فكرة مبسطة حولها كافيا لاجتذابك أنت بثقلك وثقل تلك الأوشاب الهائلة التي كنت عالقا بها، الصريف ينشط لأن محاولة انتشالك الأخيرة قد فشلت، وربما طرأت فكرة يبدو أنها أكثر جدوى من سابقتها.. صريف الملعقة كان كوتك الوحيدة آنذاك لتطل على وجه امرأة، ليمتد صمتك مثل يد تكس القماش الفريد الذي يجلل أعماقها. صريف هو عصاتك التي عثرت عليها لتدرك عمق الخيبة أمامك.
اللحاف
حتى اللحاف، ذاك النسيج الرؤوف، الذي نحكمه حول الجسد، نحرص كثيرا الا تكون القدم ظاهرة، ونختبر بطرقنا الا يكون جزءا وان كان صغيرا غير مشمول برأفته .. وكثيرا ما نجتهد في جعله على الوجوه حتى نقطع كل الطرق على الضوء.. كأن نريد أن ننفصل. نريد أن نكون مفصولين، تلك الرغبة الغامضة في تجريب القطيعة، تمهيدا للقطيعة الكبرى، حتى اللحاف برأفة نسيجه إذ ننهض تاركين إياه متكوما، أو ممدودا ممعنا في التواءات شتى.. تاركين إياه لتحديقة طويلة في الحفر المهملة حفرتها الأجساد في الفرش، متنكرين له، نتركه لكومته لالتواءاته التي يتمدد فيها، التواءات هي التجسيد الأقوى لخيباته .. حتى اللحاف ذو النسيج الذي يتشبث بالروائح يعرف أجسادنا، حتى هو لم أعد أطيقه فقد صار يتركني لأفكاري. هواجسي .. تعمل في ضراوتها، تستفرد بي، تشتغل في مأمن من أثاث الغرفة الذي بت بعيدا عن عيونه.
ابراهيم الحسين (شاعر من السعودية)