هدى حمودة
مترجمة جزائرية
شكَّل الأدب الجزائري المَكتوبُ باللّغة الفرنسية تيارًا جديدًا في فترةٍ كان صوت هذه الأرض مكتومًا، وهويتها متوارية خلفَ ادعاءات المُحتلِّ فجاءت الأسماء الجزائرية بشِقيهَا العربي والأمازيغي لتقول للفرنسيين ما كانت تُخفيه حكوماتهم عن هذا البلد البَعيد. وداخل نص مليء بالصرخات قرؤوا عذابات هذا الشَّعب وتعرفوا عليه، فالنصوص الجزائرية -وإن كُتبت بالفرنسية- إلا أنها تُصوِّر روح صاحبها الأصيلة من دون أَخلاَط. هناك شيء ما في الفرنسية التي أكتب بها، شيء ما ليس فرنسيا ولم يأت من فرنسا، شيء في مخيلتي له لغته وأنا أُسميها المصباح الخَفي، يقول مالك علولة في وصفه لعلاقته باللغة الفرنسية. هذا البدوي البعيد عن الأنظار نَبشَ في تفاصيل طفولته بالكتابة، فرسم الصّور المدفونة في ذاكرته بالكلمات ليُعيد على الورق طهي أطباقه المُشتهاة كطباخ مُلم بمطبخ جداته، أو يسابق الرّيح ليعرف مقاساتها الحقيقية، الشّعر عنده خليط من كل شيء وعمق كل الأسرار، لكن علولة لم يتجاوز خط اللغة كما فعل ملك حداد الذي عرف كيف يأخذ من لغة موليير كل بهجتها وشفافيتها دون أن يسعى لإثارة الدهشة، فقد كانت تأتي وحدها مع هذا الفتى القسنطيني وهو يلاحق ضوءه الخاص فيقولُ جرح بلده النَّازف. غير بعيد عن عالمه الشّفاف يُطل نبيل الفارس الشَّاعر المُحيّر الذي لا يُمكن لقارئه أن يقف عند تأويل واحد لكلماته، وفي نصوصه دُربةٌ على الرّحيل بلا زاد، فما نفع الشّعر إن هو شُرِحَ أو قَبض أحد ما عليه كاملا، في لمحة خاطفة يقول كل شيء، يكفي أن تنبته لتراقص أوراق الشجر للنّسيم حتى تَلقَى الشِّعر، بهذه البساطة يقول نبيل فارس الشِّعر. أما صفية كتو غزالة الصحراء تلك فهي تجلس على كرسيها المقابل لحديقة الشّعر تتأمل همها العميق وتتقاسمه مع عناصر الوجود ولا تسأل أحدا منها شيئا، كأنها تعرف أن لا وقت للأسئلة فالموت عند الباب، والشِّعر كثير.
المترجمة
1
مالك علولة
شاعر وكاتب وناقد أدبي جزائري من مواليد سيدي بلعباس عام 1937 وغادرها إلى وهران. تخرج من مدرسة المعلمين ثم تابع دراساته العليا بجامعة الجزائر فالسوربون بباريس. ارتبط بالكاتبة الجزائرية آسيا جبار. يكتب للأمكنة ويترجم بالفرنسية أحلامه وطفولته الجزائرية بعمق وصوفية مكثفة. توفي البدوي كما يلقب نفسه في برلين عام 2015 وأوصى بدفنه قُربَ شقيقه المسرحي عبد القادر علولة، الذي خلَّف اغتياله زمن الحرب الأهلية في الجزائر، جرحا غائرا ظلَّ يملأه بالكتابة و الشّعر.
من أعماله: مدن وأماكن أخرى 1969، ولائم المنفى 2003، مناظر العودة التي نشرها بالتعاون مع المصور بيير كلوس 2010
أيُّ قَلم تَعيسٍ
ليُكملَ نَشيدَ المَقطوعة الصَّباحِية
حَيث يَنبحُ الكلبُ مِنْ ألفِ عالم
شلاّلٌ يَفتحُ الرِّئتين
وفي هذا القَفصِ يَسرِي اللَّيل بِرَتابةٍ
مُرعبَةٌ هذه الشجرة وسطَ اليَد
على أغصَانِها تُقرأ المِحنَة الأُولَى
كانَ عَليه يَومهَا أنْ يَجِيء
على هَيئةِ موتٍ عَجُولٍ وعذبٍ
آخِرُ الضَّباب لغِيابِهَ
وكجُذَري على الوُجوهِ
يُخفي غَبشَ كلِّ الكؤوس المَرفوعَة.”
“مُشطٌ يَندفُ ظَهَر الجُلُود
هَنا هَواءٌ مُمتَزِجٌ بالأَحلاَم فوقَ تَكوّرات النَّوم.”
2
مالك حداد
شَاعر وروائي جزائري يَنحدر من منطقة القَبائل، ولد بمدينة قسنطينة عام 1927وفيها تلقى تَعليمه ثم سافر إلى باريس حيث نال إجازة الحقوق. بعد عودته إلى الجزائر أصدر مجلة “التقدم”. ناضل لإيصال صوت الثورة الجزائرية والتعريف بها في المحافل الدولية، احتلت مدينته مكانا مُهمًّا في أعماله وهو الشَّاعر الذي يحيا كما يكتب ويكتب كما يحيا، عاش إحساس الاغتراب داخل لغة فُرضَت عليه، فكان يقول: “أنا أكتب بالفرنسية لأقول للفرنسيين أني لست فرنسيا”. تولع بالتراث العربي وقرأه. يكتب بلغة شفافة صورا شعرية خلابة.
من أعماله:
رواية الانطباع الأخير 1958، رواية سأهبك غزالة 1959، الشقاء في خطر “شعر”1956، رواية رصيف الأزهار لا يجيب 1961
“يَطفو الغَريق فوق المَاء
يُطرّز شَعرُهُ القَصب
بِحلمٍ يَنسَابُ
ووَحدهُ
طَّائرٌ يَحرسهُ
مَن يَحملُ رُوحهُ
إلى مكانٍ ما مِن الحُلمِ
حيثُ يُمكِنُ للغَرقَى الغِناء.”
“الخَريفُ في يَدي
كَعصفورٍ
وفي دُموعِكَ أنا أبْكي
كَعصفور.
أَتذكرُ الصَّيف
مع أشجارِ الصنوبر المُترَاقصَة
والبحرُ عند أقدَامِنا هَذه القُبلَةَ البَاقية.
الخَريف في يَدي
-ماذا كنتَ تقولُ، يا عزيزي؟
-عِشرون قَتيلا.
في قَريتي!…”
3
نبيل فارس
كاتب وشاعر جزائري من مواليد مدينة القُل عام 1940 هو ابن رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة المناضل عبد الرحمان فارس، انضم عام 1956 إلى جبهة التحرير. درس الفلسفة وعلم الاجتماع والتحليل النفسي. اشتغل بالتدريس في كل من فرنسا وإسبانيا.عيّن بعد الاستقلال أستاذا محاضرا بجامعة الجزائر ثم جامعة ستاندال في غرونوبل حيث درّس الأدب المُقارن. كتب للمنافي التي عاشها بأسلوب متفرد، مفتوح على الكثير من التأويلات. بقي حتى آخر أيامه يشتغل محلّلا نفسيا. توفي عام 2016بباريس.
من أعماله:
رواية يحيى ليس له حظ 1970، رواية كانت يوما الجزائر2011، المنفى النسوي: شعر المشرق والغرب 1986.
“اللَّيل يَقظٌ
والنَّهار كَدِرٌ
والكَلامُ مُتأجّجٌ
مَنْ هَذا
القَتيلُ الذي
يَعلَقُ
في فَراغِ
التَّعويذَة.”
“فوق هَذيانِ
شَفافِ،
وِشاحُ
أُغنيتك الرَهِيف.”
“المُنتهَى كشَرشَفٍ
والمَدى مَفتوحٌ
عَلى فَراغِ
يَدِ.”
“مَقاسُ الظّلِ هَذا
عِندَ خُطانَا،
كَنتُ أَعرفهُ
صَافياً وعارياَ
أَكثرَ
مِنْ نَظرتِي.
وَعلى المَاء
بتَجاعيدِه الشَّفافَة
أَراهُ.
ثَمَّ،
فِي هَديرِ
سَاقيةٍ
تَحتَ سَقفٍ وَرقيٍّ
يَقولُ: “خَشب”.
الكَلمةُ،
أَو
ذاك البَاب
فِي قَلب الشَّجرة
بَعدهَا،
فِي مَسكنِك التُّرابيِّ.”
أنْ تَقولَ بِكلماتٍ قَليلةٍ، لُغةً جَوهريّة ،يُدهَشُ فيها الاِنفِلاقُ ويُبصِرُ.
4
صفية كتو
الاسم المستعار للشاعرة والصحفية الجزائرية زهرة رابحي،التي ولدت بمدينة عين الصفراء عام 1944 اشتغلت بتدريس اللغة الفرنسية ثم ارتحلت إلى العاصمة حيث عملت بوزارة التربية،بعدها انتقلت للعمل الصحفي بوكالة الأنباء الجزائرية،عضو في اتحاد الكاتب الجزائريين،ناصرت بكتاباتها القضايا العادلة بداية بالقضية الفلسطينية والفيتنام،تكتب تجربتها الروحية بشجاعة نادرة وحساسية متبصرة.وفي يوم شتوي من عام1989 ألقت الشاعرة بنفسها من على جسر تيليملي بالعاصمة لتُحلِّق روحها في سماء مدينة منحتها الأمان لتقول الشِّعر بصمتها الخجول بعيدا عن قيود بلدتها الصحراوية.
من أعمالها:صديقتي القيثارة 1979، الكوكب البنفسجي 1983
تَكفِي
كلمةُ واحدة تَكفي
ليتأثّث الصَّمت
يَكفي فَراغ ٌ
ليَمتلئ العَدم
بنَغمة بَسيطة
منفلتة من البيانو،
يَترنّحُ الوَقتُ.
كل المكان يتلوّنُ
بلمسة واحدة
لريشة مَنقُوعَةٍ في قوس قزح
والأسى يَخبُو
بِمنحِ قصيدةٍ
مُعطّرةٍ بالأَملُ
تَكفي ضِحكة
ليُضاءَ الليَّل
ونَظرةٌ
ليَتدفَّأ الشِّتاءُ.
العَدم
لأنَّ الشَّمال لمْ يَكن مَوجودا
ضَللتُ طَريقي
كنتُ أَرتحِلُ بينَ سبعِ آفاقٍ
كونِية
عَلى الرَّمل بِلا عَلامات
في الرِّيح الضَّارية
تَحت سَماءٍ أبَدية
كنتُ أَرتَحِلُ
ولمْ أجِد شيئاً.
الرّسام
“سَاحرٌ هُو الرّسام،
بريشتهِ المَيِّتة
يُثبّت الوُجود.
يُوقفُ الزّمن
الذي يَمضِي سَريعًا
يَقبضُ على الرَّبيع
ليُشكِّل مِنهُ بَاقةً.
يَأمرُ الرِّيح
بِأَنْ تُحجِّر أَجنِحتَها
يُروّضُ الضَّوء
ليشَفِّفَهُ.
فوقَ لوحتهِ الثلجية
يُودِعُ الأمَل…”
الهوامش
1-مالك علولة، مدن وأماكن أخرى ، دار كريستيان بورجوا 1979.
مالك علولة، مقاييس الريح، سلسلة المكتبة العربية، دار سندباد 1984
,Malek Alloula
Villes Et autres lieux
Christian Bourgois Editeur 1979
Malek Alloula
Mesures du vents
Sindbad
La Bibliothèque arabe
1984
2- مالك حداد، الشقاء في خطر، طبعة دار ميديا بليس قسنطينة 2016
Malek Haddad
Le Malheur en danger
Editions Média-Plus، Constantine 2016
3- نبيل فارس، أغنية آكلي، دار لارماتان 1981
Nabil Farès
Le chant d›Akli
Editions L›Harmattan 1981
4- صفية كتو، صديقتي القيثارة، دار نعمان كندا 1983
Safia Ketou
Amie cithare
Editions Naaman 1983