ويلفريدو ماتشادو*- قاص فنزويلي
ترجمة: علي بونوا- كاتب ومترجم مغربي
في تلك الليلة، كما في جميع ليالي حياتنا، ذهبنا إلى السرير مبكرا. أخذت زوجتي واحدة من تلك الأقراص الغريبة المضادة للأرق التي تُبث إعلاناتها في التلفاز ثم استلقت على السرير دون أن تنبس ببنت شفة. بقيتُ إلى جانبها أقرأ الجريدة في ضوء المصباح الليلي الصغير إلى أن غلبني التعب فغرقت في مداد اللاوعي القاتم من حيث تخرج الأحلام.
استيقظت لاحقا وأنا منزعج وسط الظلام الذي كان قد سيطر على الغرفة. بالكاد كان بريق خفيف يتسرب من خلال الستائر آتيا من الشارع الخالي. كانت تُمطر بغزارة في الخارج. كانت ضوضاء المطر الخافتة تطوق المكان. لا أدري هل كان حلما، لكنني شعرت بشيء بارد ومرن مثل حبل مبلل ينزلق تحت الشراشف البيضاء. لم يستمر ذلك سوى ثانية واحدة.
كانت زوجتي تنام في الجانب الآخر من السرير وهي تعانق الوسادة كأنها تطفو على سطح بحيرة غير هادئة. أخذتُ نفسا عميقا. حاولت أن أسترخي كما قد تعلمت في دروس اليوغا. ليس ثمة شيء، قلت لنفسي. كنت على وشك النوم من جديد حين وجدت رأس الأفعى الضخمة وجسمها المنتصب فوق الفراش، وسط السرير، وهي تترصدني في الظلام. تحجّرتُ في مكاني من الخوف. لم أكن أجرؤ على تحريك ولو عضلة واحدة مخافة تهييجها. كانت الأناكوندا هناك على السرير، لعلها هربت من برد إحدى حدائق الحيوانات أو من بلادة أحد جامعي الثعابين المتهاونين. كانت حياتي كلها تُختصر في ذلك البريق اللامع من الحراشف الذي كان يُعلن زمن الموت الذي لا رجعة فيه.
كانت زوجتي تنام غير منتبهة للخطر. كانت الأفعى هناك، قريبة جدا منها، إلى حد أنهما كانتا تتحدان في تنفس واحد وصمت واحد. شاهدتُ الحيوان الزاحف الضخم، وهو ينزلق على مهل عبر حركات يسيرة ودقيقة، ليلتوي على جسدها في بطء حتى جعله يختفي بعناق قاتل وغير مألوف. وبعد ذلك فتح فكيه وشرع في التهامها شيئا فشيئا. الرأس أولا ثم الكتفان فالجذع والساقان حتى اختفت بالكامل داخل الحية العظيمة. ثم جاءت الأناكوندا المخيفة لتتمدد إلى جانبي حيث اضطجعت لكي تبدأ في الهضم. كان بإمكاني أن أرى الأشكال الأنثوية المرسومة بين حلقات بطن ذلك الوحش الكبير الذي كان ينفث نفسا مستنقعيا. ظللتُ بلا حراك مخافة وقوع الأسوأ. كنت أشعر أحيانا بحركات زوجتي وهي تحلم بالتأكيد داخل الأفعى. أمضيت الليلة سهرانَ وأنا أحاول فهم الوضعية الغريبة وغير المعقولة التي ساقني إليها القدر الذي لطالما كان مباغتا ومُلغزا.
في الصباح، حين استيقظتُ للذهاب إلى العمل، كانت الأفعى لا تزال هناك ملتوية بين الشراشف. في إيماءة ميكانيكية من الحب الذي يقدر على كل شيء ويغفر كل شيء، دثّرتُها بعناية فائقة حتى لا تشعر بالبرد وأعطيتها قبلة جامدة قبل أن أغادر الشقة.
الهوامش
* ويلفريدو ماتشادو: (1956م)، كاتب وقاص من فنزويلا، حاز العديد من الجوائز الأدبية. أصدر عدة مجموعات قصصية منها: «ضد الجسد» (1988م)، «خرافة موت الملاك» (1990م)، «مخطوط» (1994م)، «قلوب عبوسة وقصص غريبة أخرى» (2014م).