عمرك في تربيتي ، و.. وجئت الآن .. الآن ، لتهدم كل ما فعلت "أكان كل ما فعلته من أجلي سرابا؟! حلما في عزا لظهيرة ، مياه تتسرب في الرمال ، أحلامنا كلها تسربت بين حبات الرمال . حياتنا كلها تضيع في مسارب الرمل . ماذا سنأخذ من الرمال ؟! حفرة صغيرة ننام فيها .. وتنهال فوقنا..
يا صابحة ..
أين أنت يا ابنتي؟
مازلت أسمع صياحك يتردد في البرية ، وأنا فوق شجرة السدر، فأبدأ في الهبوط .. يا صابحة ، يا جرادة الصحراء. أنت فوق السدرة ، طالما نصحتك بعدم الصعود عليها، حتى لا تسقطي وتصابي بالأذى ، للمرة الأخيرة ، إن تركت القطيع وتسلقت الفروع ، سأضربك ضربا مبرحا.. أعرف بأنك كنت تخيفني في الصفر، لأنك كنت تخاف علي من السقوط ، وأعرف أنك لن تفكر في نزع شعرة واحدة من رأسي . كنت تحزن عندما تنغرس الأشواك البرية في بطن قدمي وتؤلمني . تغضب على التيس الكبير . عندما ينطحني ويطرحني أرضا. كنت تنهال عليه ضربا بالعصا، وتطلب مني الاحتراس منه !! صوتك الحنون أين اختفى؟! ، سمعتك ذات يوم ، وأنا عائدة من المراعي، تتحدث الى أمي ، قلت لها ، لم يرزقنا الله بالبنين ، لم يعطنا سواها. هي كل ما طلعنا به من هذه الصحراء. هي الابنة والابن والساعد القوي، فلن أزوجها في هذه السن الصغيرة .. لا أود أن تفارقني مبكرا يعز علي بعدها عن عيني طوال النهار . قالت الأم . زواج البنية ، سترة لها يا شيخ زاهر. فإلى متى ستظل أمام عيني، الى أن يوارى جسدي في بحر رمال ال وهيبة ا: فهل جئت الآن لتقتلني ، بعد هذا العمر الطويل؟!
لا تقتلني يا أبي. .
لا تصوب بندقيتك العتيقة ، نحوي ، وتطلق النار علي !! إن قتلتني . . كأنما قتلت روحك معي . وتظل بقية عمرك ، يطاردك ذنبي وتتراءى لك صورتي ، ودمائي التي سالت مملى الرمل وشخرة السدر، التي ستشهد عليك ، كما شهدت طفولتي .. وصباي وناقتي،، وصوتك يأتيني من معيد ، يا صابحة . . علي بالسلاح لقتل الذئاب ، حتىلا تهاجم القطيع .
جئت الأن تقتلني بنفس السلاح الذي كنت أحمله لك ، لتدافع به عني وعنك ، وعن المال الحلال !! لا تقتلني . . كيف تطاوعك نفسك ، ويدك على قتلي ؟! كيف تقتل زهرة البراري ؟ المحببة الى قلبك ، أفنيت عمرك في رعايتها وحمايتها من ذئاب الهضاب . حملتها على صدرك ، خوفا عليها من الأشواك والنباتات البرية اليابسة . والصحراء القاسية التي لا ترحم ، أفنيت
***
أعرف أنك لا ترغب في قتلي ، ولكنهن .. حريمك يا أبي يردن قتلي والتخلص مني، كن يمنعن أمي من محاولاتها اليائسة لابعاد الأذى عني، شاهدتهن يقفن حاجزا بينها وبين اللحاق بي، حتى لا تسرع في اثرك . لانقاذي من بين يديك ، وكأنما القوم بأكملهم ، يودون قتلي والخلاص منيا أعرف أنني بنت شيخهم ، التي تمردت على تقا ليدهم ، وكنت أعرف أن جزائي سيكون الموت ، عبرة لغيري من النساء !ا لكنني كنت دوما متمردة ، أنسيت يوم أن قلت لي ، لا تبتعدي عن المرابض ، حتى لا تهاجمك الذئاب يا ابنتي، ومع ذلك توغلت في بحر الرمال . وبقر الذئب بطن الشاة الحلوب ، وأنا عائدة بالقطيع مع الغروب . فرخت وجريت نحو الديار، وخرج الجميع لمطاردة الذئب واعادة الأغنام . يومها ربت علي بحنان لم أتوقعه وقلت : لا تخافي ، فداك الشاة وكل القطيع ، أنا ليس لي أحد سواك ، هذا الصوت البعيد ، الحنون ، أين اختفى الآن أين دفنت هذا الصوت في الرمال I وأين أحلامك في أن الحون عوضا لك عن الولد، الذكر، الذي سيحمل نسلك من بعدك وصوت أمي وهي تخفف عنك : يا شيخ زاهر ابنتنا تعوضنا خيرا عن الولد ، وها أنت قد ذهبت الشرق والغرب ، ودخلت على غيري، ولم يرزقك اته سواها.. نعم يا أبي كنت تعتمد علي ، من صفري في كل شي ء. في المرعى والديار، في الرأي والمشورة ، كنت أسابق الرجال .. في همومك وهموم القوم كنت تقول يا صابحة يا بنتي ، نعم الرأي أنت ،.. وهبك اته عقلا راجحا ورأيا سديدا . هيه .. ليت الرجال على شاكلتك !! أنا رجلك يا أبي وساعدك وذراعك اليمنى. لكنك يا ابنتي في نظر القوم .. أنثى !! نعم ، أنثى. ولكن القبيلة لم تعترف بأنني .. أنثى!! ، هربت . نعم هربت وجريت وراء نداء قلبي. كان دائما يتردد في صدري، هاجس أحس به .، والجميع هنا كانوا يعاملونني على أساس أنني ابن لك ، وليس كبقية نساء القبيلة !! ألم تفكر في هذا يا أبي ، في أحدى لياليك المقمرة وأنت تفترش الرمال وتحاول أن تعد النجوم :؟!. أفكر في ماذا يا صابحة ، الجميع يعرف أنك ابنتي!. لكنك حاولت اخفاء هذه الحقيقة بذرات الرمال وكانت أن جاءت الريح ، فكشفت عن كل شيء ، ولم تجد الرمال .
**
اغرورقت عيناك ، من أثر ذرات الرمال . لا ، فأنا أعرفك لا تود أن تحطم تقاليد القبيلة ، لا تود أن يخرج أحد منها على عاداتنا القديمة . ولكن الطعنة جاءتني من أقرب الناس الي ، وأحبهم على قلبي!: وأنا لا أقدر على تحملها، فالقوم يطالبونني أن أغسل عار القبيلة . كيف ابا! كيف سترفع وجهك في بقية الرجال وانت شيخهم ، كيف يأتمرون بأمرك ويسمعون كلمتك وينفذون تعليماتك ويستجيبون لنصائحك ، وابنتك .. أول من تمردت على عرف القبيلة . انها مأساتي يا ابنتي..
لماذا أصررت أنت على قتلي بيديك ولم تترك هذا الأمر لابن عمي لغسل العار كما أشار عليك الرجال ؟ لماذا تتعذب معي؟ تلوث يدك بدمي!! تحمل ذنبي بقية عمرك ، تطاردك السدرة كلما شاهدتها أو جلست تحت ظلها في ساعات المقيل . أنا لم استحق القتل أو الرجم … لماذا يا أبي ؟ لماذا تفعل بنفسك وبي كل هذا أخرجت على تقاليدكم . لقد أحببت هل الحب خروج على شريعة القبيلة ؟! وأنني استحق القتل لغسل العار، أي عار ؟! تودون محوه من مضارب الحي؟ . العار هو ما تحملونه في قلوبكم من كراهية وحقد وبغض !! العار هو أن تجتمعوا كلكم على رجمي، ´مانني أحببت غريبا عن الديار.. انه يهواني ويريدني وأنا أريده .. ايقظ في داخلي أشياء ماتت ويبست منذ زمن بعيد. ابن عمي. لا يا أبي، لا أريد ابن عمي المفروض علي ، على حياتي. لا أريد أن أسير أو أفعل أو أعيش مثل حياة أمي.. كالشاة تساق الى مصيرها دون اعتراض أو كلمة احتجاج على شي ء لا تريده . تعرف أنني أبغض العرف السائد بيننا كحد السيف ، أرفض الخنوع والخضوع لكم .. أريد أن أعيش حياتي أنا، بطريقتي وأسلوبي ، لا أود السير معكم في نفس الدرب . فهل عار أن أسير في طريق معاكس لكل القبيلة ؟ العار هو ما حكمت به الآن وأنت شيخهم ومحال أن تتراجع عما تم الاجماع عليه !! لا تقتلني..
**
تعود بدوني ، وترى الشماتة في عيون حريمك العاقرات ، كالأرض الجدباء ، كبحر الرمال الذي زحف علينا وملأ نفوسنا اتركني لأرحل تحت ظلال الرمال . الرمال لا ظل لها يا ابنتني !! لن تجدي الظل المنشود ليحميك من الهجير. ستكون أرحم علي وأحن من الموت بيدك أنت . امنحني هذه الفرصة الأخيرة ، أتركني أواجه قدري في هذه الصحراء القاسية . سأدخل بحر الرمال ولن أخرج منه ، فما دخله بشر وعاد الينا:! لا تتردد.. أعرف بأن الرمال غادرة ، ليس بها ظلال تحميني مثل ظلك يا أبي ، وستأكلني الضراري ، لكنها تكون علي أرحم من أن تقتلني بيدك التي كانت تحميني وتدفع عني الأذى !! أعني أرحل ، أعني لبحر الرمال القاسي ، الملتهب ، العميق .. بلا قرار.
أعني بين الحياة والموت تطويني الرمال وتدفنني بين طياتها ، ولوث غطاء رأسي بدعاء الشاة ، وأخبرهم بأنك تكتفي ودفنتني واسترحت مني، قل لهم ما شئت ، لكن لا تقتلني أنت . لا تطلق الفار. سيكون ذلك قاسيا علي وعليك . ستطاردك الهموم والأحزان . يكفيك أنك ستفكر هل مازلت على قيد الحياة أو ابتلعني بحر الرمال القادر على ابتلاع قوافل المؤن والسفر والتجارة ، انت لا تقدر على أن تعود وتواجه الرجال ، عليك أن تواجه نفسك ، تنظر في أعماقك أولا ، هل تواني قد كبرت قبل الأوان ، أم مازلت تلك الصبية الصغيرة التي ترعى الأغنام وتحلب الماعز وتصعد السدرة ؟ ماذا ترى في داخلك ؟ هل ترى صورتي البريئة تنعكس على صفحة حياتك؟ هل ترى آمالك وأحلامك القديمة ؟ الولد ، الذكر ، الذي كنت تريده ، بدلا من هذه البنت ، الأنثى التي جلبت العار على القبيلة ، لا تصمت . صمتك الطويل هذا يعذبني، يحيه رني في أمري ،هل أنت راض عن قتلي ؟! راض عن هذا الفعل . راض عن حكم مجلس القبيلة علي ؟! تكلم ، أنطق .. حتى أموت وأنا مسر قريحة بأنك مقتنه بكل ما جرى وما دار وما سمعت ، بكل الرجم الذي انهال علي من أطفال القبيلة ، وشماتة النساء والمطالبة بدمي في مشهد أمام الجميه .. لا . . أنا لم أدنس شرفك أنت . ولا شرف القبيلة . أنت دوما كنت أمامي في كل خطواتي ، في كل أفعالي وتصرفاتي ، أنت وحكمك علي . أعرف بأنك كنت مضطرا الى ذلك . ووافقت مجبرا على قتلي ، ورفضت أن ينفذ ذلك أحد غيرك .
ومشيت أمامي ، تحمل سلاحك : أتبعيني. وأنت واثق بأني كالشاة أمشي خلفك كظلك .. مشدودة اليك بحبل وهمي يلتف حول رقبتي، الى المصير المحتوم ، دون احتجاج .. عندما ابتعدنا عن صياح أمي وبكائها وهي ترجوك الا تفعل ذلك ، وهي تحاول اللحاق بنا والنسوة الشامتات يمنعنها من اللحاق بنا، يقيدن حركاتها بأذرعهن الكثيرة ، تكاثرن عليها، حتى .. أذبح أنا .. بيدك .
**
هيا أيها الشيخ ، ارفع بندقيتك العتيقة وصوبها نحوي وأطلق رصاصتك الأخيرة ، لتغسل بها عار القبيلة !
ها هي ، شجرة السدرة العجوز، أتذكر هذه السدرة يا أبي، وأنا جرادة الصحراء زهرة البراري ، أنسيت !! يا صابحة ، اهبطي من فوق ، واحترسي وأنت تهبطين ، ألم أنهك عن صعود السدرة يا جرادة ؟ الا تخشين من غضبي وعقابي؟
ها هي السدرة يا أبي..
عندها توقفت ، تحت الظل الذي تلقيه حولها ، واستدرت نحوي ، وطلبت مني أن أعطي وجهي للجذع ، لا تود أن ترى عيني وأنت تطلق النار علي . لم أتحرك . أعطيت ظهري للجذع ، واستندت على الساق الخشن . صرخت في وجهي بغضب : استديري ، قلت في تحد: لن أستدير. ما الفارق عندي، أن أواجه الموت ، أو أستدير له .. هيا.. أطلق النار علي . انظر في عيني وصوب على صدري واضغط على الزناد، هيا ما دمت راضيا عن ذلك . أنا جرادة الصحراء وزهرة البراري. لا تغمض عينيك . هيا . لماذا توقفت ؟ لماذا نكست بندقيتك في الرمال ؟ ارتعشت أصابعك واهتزت عضلات وجهك ، وأنت الشيخ المشهور عنه بين رجال القبائل بالقوة والصلابة . لماذا اغرورقت عيناك يا أبي؟
جلبت لنا العار يا صابحة ، والعار لا يمحوه إلا الدم . وضعت رأسي في الرمال يا صابحة ، عفرتي شيبتي بالغبار، لطخت اسمي وهيبتي تحت النعال . أود أن أحفر لنفسي حفرة في الرمال وأضع رأسي فيها.. واصرخ من شدة النار التي تحرق جرؤ: لماذا فعلت هذا يا صابحة ؟! لماذا ؟ لماذا ؟ لماذا؟..
أحسست بأن ساقي ، تخذلانني لا تقويان على الصمود، على حملي ، فانهرت على الرمال ، أبكي وأدفن وجهي، أود أن أدفن رأسي ، ربما تحن علي الرمال وتريحني من هذا العذاب ، أنا لم أقكن نفسي من جذوري يا أبي، فعازلت صابحة بنت الشيخ زاهر الوهيبي. شيخ رمال آل وهيبة ، ولا أود أن أراك هكذا .. ضعيفا ، يعفرون شيبتك بالغبار ، وأنت شيخ وقور مهيب ، لا أود أن تحني رأسك وتفقد هيبتك أمام أصاغي الرجال ، وأمام أمي وبقية النساء، لا،لا،لا… هي أيها الشيخ ، أطلق النار ، نفذ ما وعدت به الرجال ، عندما رفعت يدك عاليا واعترضت : لا.. ظن الجميع أنك تراجعت وتخاذلت ، أنك تعترض عل قرار قتلي ، كدت تسقط من عيونهم . خيم الصمت والوجوم عل كل القبيلة ، وكنت أنا في حيرة وحزن واشفاق عليك ، تمنيت لحظتها أن تنشق الأرض وتبلعني وأريح وأستريح .. حتى قطعت أنت الصمت المميت مستطردا: لن يقتلها أحد غيري، عاري وسأغسله أنا بيدي، وأدفنها في الرمال وأعود..
ذهل القوم ، أخرستهم المفاجأة ، عقدت الدهشة ألستنهم ، وارتفع صراخ أمي وعويلها وهي تندب حظها العاثر على رمال القبيلة ، وقال كبار السن : نعم الرجال أنت يا شيخ زاهر. أنت أول بدمها من أولاد عمومتها. وصرخت أحدى الحريم في وجا أمي،تبكين .. وكل النسوة تأتين بالذكر الذي يرفع شأن العائلة بين القوم ، وأنت أتيت بالأنشى التي عفرت وجوهكم بالغبار والعار..
يومها قدر وك ويجلوك ورفعوك ؤ أعينهم ، الآن ،.، لو عدت ،، لعفروا وجهك وشيبتك بالتراب .. لا ، نفذ حكمهم وما ارتضوا عليه ، فأنا الآن .. راضية بحكمك أنت ، وعدلك . أكثر من أي وقت مضى علينا، ونحن ننتظر الخلاص ، أنا .. خلافي من العار، الذي بسببه تطاردني القبيلة : وأنت .. شرفك ، وشرف القوم الذي تغسلة بدمائي، لتمحو به عار القبيلة ! الخلاص .. لي ولك أنت ..
هيا ، انهضي . جففي دمعك واستديري . ها قد نهضت من فوق الرمال ، انفض ما علق بثيابي من رمال وأشواك برية ، استدير وأنا راضية ، فليأت الموت ، من الخلف أو الامام ، سيان .. فالأمر واحد ، كما أننا نموت مرة واحدة .
هيا اسرع يا أبي ، فأنا لا أطيق الانتظار.. اذهبي ..
يا جرادة الصحراء ، وزهرة البراري ، اذهبي.
ربما تحن عليك الرمال ، أكثر من قلوب الرجال ..
ماذا قلت يا سيد الرمال ؟ اذهب .. هل طلبت مني أن أذهب ؟ الى أين الى بحر الرمال .. لأموت كما أرغب ، وكما أردت أنا.. تريد أن تمنحني هذه الفرصة الأخيرة ، ما عدت راغبة في الذهاب .. هنا ولدت ، وهنا سأدفن . موتي في الرحيل عن ناقتي. من سيتول أمر رعايتها؟ من صغري وأنا متعلقة بها، يوم مولدها، أطلقت اسمي عليها، صابحة ، ونذرتها لي ، تخصني ونتاجها حقي ومالي . من يصحبها من بمدي الى الوادي لترعى ، ويحنو عليها مثلي . عشت وعاشت بجواري، في أحضاني ، تأكل من يدي وتشرب بمساعدتي ، أكبر أنا وهي ترتفع معي، أهتف عليها وهي تستجيب في ، تعرفني وتعرف صوتي وتهبط الى الأرض لأطو فوق سنامها. كيف سأغيب عن ناقتي ، والبادية ، وخيام الشعر ومرابض الابل ، وأ شجار السدر، والنبق وبيوت الجبل ، وأرحل .. اذهبي يا صابحة . لن اذهب . قلت لك اذهبي ، انني آمرك بالذهاب .. ولا تعودي الى القوم . هل أنت راض عن ذهابيا؟ وحزين يا أبي على فراقي ، لأنك لن تواني بعد اليوم . لن ترى وجهي أو تسمع صوتي، لأنك أحببتني، الموت أهون عندن من قتلي .. سأذهب يا أبي ، إن لم تبلعني الرمال ، ستأكلني الذئاب ، وهي أحن علي من أن تقتلني أنت بيدك . لن استدير لترى وجهي . سأظل ماضية حتى تبتلعني الرمال ، التي يطلقون عليها "السبخة " الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود. سأتون خلفي آثار خطواتي. ستظل واقفا تشيعني حتى أختفي عن عينيك الكليلتين المغرورقتين ، أعرف ذلك ، دون أن أستدير نحوك دون أن أراك .. وربما ستبكي عندما أبتعد وأصبح نقطة صغيرة تائهة في بحر الرمال .
أمامي الأشواك البرية ، صحراء قاحلة مقفرة ، حشرات تجري على صفحة الرمال من حول ، في انتظار سقوط الفريسة ، ومن خلفي يتراء صوت في البرية ..
ياصابحة يا جرادة الرمال وزهرة البراري، عودي يا بنيتي ، الصوت يتردد وأنا عاقدة العزم عل دخول بحر الرمال ..
***
تحت ظلال السدرة ، لابد وأن الشيخ مازال واقفا . الآن ، ها قد ابتعدنا ولا سبيل الى الرجوع ، طريق العودة أصبح مستحيلا ، وصعبا..
وطيور شجرة السدر، فزعت ، وطارت صارخة في سماء باكية .. على أثر طلقة نارية دوت أسفلها ، بجوار الجذع العتيق ..
عبد الستار خليف (روائي مصري يقيم في السلطنة)