الانوثة نزوة تلتهمها حية خنثية تدعى الامومة، والبيت هوالحبنة التي تحت اقدام هذه الامومة. وهذه النزوة هي قلق النوع، القلق المدمر المراة التي تخفي تجلى الجسد المحكوم بالمكان الازلى. البيت الذي ليس مجرد احتجاج ضد الفقد، لكنه تأكيد للاختيارالاضطراري، قهري وارادي في نفس الوقت. قهري من حيث إن الانوثة عابرة في لغة مركزية القضيب، ورادي لانه الامكانية المتاحة للوجود، فالتحقق كامن في الانصياع في الضرورة.
لهذا فالمرأة كائن مجرد يقع تحت طائلة تصورات ومفاهيم اكثر منه كائن اجتماعي له خصوصيته، فالمرأة اما انها:] تشبه الرجل (انسانة، عاقلة، اخلأقية) وتختفي خصوصيتها في هذه الحالة، او انها لا تشبه (طبيعية، لا عقلانية، حدسية، لا اخلأقية، مغوية)، ولا تكون في هذه الحالة انسانة كاملة بطريقة او بأخرى. او انها مكملة للرجل (زوج، أم، انعكاس)، وتكون في هذه الحالة اسقاطا للذكورة على تعريف الذات والنتيجة هي تلأشي اختلأف الانثى واستقلألها مهما يكن نوع التصوير المستخدم [. فهي قضيب مقلوب / معكوس بالاصطلأح الفرويدي، وكائن مختبري مؤجل الصيرورة، والتباسي وصامت، وحيث صمت المرأة (أثر من آثار نفيها في الوسط المنزلي الخاص وهو بالمثل نتاج لاقتصاديات مركزية القضيب التصويرية) فالمرأة مشى ووسواس قهري اجتماعي او بروليتاريا مركزية القضيب. ولانها كذلك فهي مصادرة.
تحت طائلة مفاهيم مجردة مسلعة، وبقلب مفاهيم السوق يتم وضع رأس إلمرأة على الجذع، وهذه الاساطير (اثر من آثار تقسيم العمل الانتاجي والتناسلى، وهي بالمثل نتيجة لكبت الامومة والانوثة في تصور ذكرى للذات. ويتم بالمثل على مستوى اللغة والنصوص التي تصور النساء كمرغوبات وليس كراغبات)، الذي من أثره انمحاء الذات ومسخ لجسد الانثى، وبالتالي انعدام امكانية الابداع الخاص، إبداع النوع. والكتابة الانثوية، كضرورة لحدوث اي تغيير في الحالة الإجتماعية والجنسية الذاتية، تقع تحت طائلة النقد القسري (الذي يصور بصورة غير ملأئمة كتابات النساء بالجنس والنوع، ويتجاهل الكاتبات تجاهلأ تاما، ويمحو خصوصية النساء وكتابتهن في عبارة عامة)، كتابات النساء اما انها كلأم نسوان او الاظافر الطويلة، بوح يشف عن نفسية تنضح بالكآبة والقلق، ويمجد العناصر الانثوية بمعنى آخر وحوحة مكبوت آهات (أنوثة تئن كالحيوان الجريح في قفص، لا تجد لها متنفسا مهما كان نوعه- فدوى طوقان)
ومثل هذا النقد مشرحة النص الذي يتم اقصاؤه في غياهب مفاهيم مركزية القضيب ، حيث النص فعل متعد لا ينص على المنتج، او ينص بالمعنى القسري المشار اليه، فيؤطر ضمن مفاهيم عن الانوثة / النوع: فالمرأة لا تنتج ذاتها، ولكن ينتج الهو ضمن أطر مركزية القضيب، الكائن الانساني واحد أحد.
(أيتها الكلمات العرجاء
اعتنقي الصمت)
[ أخديجة الصادقي].
لقد تم اقصاء الانوثة في الكتابة النسائية حينما اعتبرت كتابات مجردة من خصوصيتها، او انها وحوحة مكبوت، يمكن قراءة ما بين السطور للبحث عن رغبات دفينة، ونعتت بالكتابة الشهوانية: (يبدو لي ان إلرجل مساو للآلهة- سافو).
هذا هو المجال الذي ظهرت فيه الكتابة النسائية (عاة الضغط على عواطف المراة خراس صوتها فكان أيسر لها أن تتخذ لهجة الرجل المصرح له بما يحظر عليها- مي زيادة)، وبذا فنحن لا نجد دراسة جادة للأبداع الانثوي، ويقظة الانثى العربية منذ (عائشة التيمورية، نازك الملأئكة). ومن تحدث عن هؤلاء المبدعات فإن الامر (كان في مجمله عملية تزيين حضارية اكثر منها دراسة جادة لصوت المرأة- ظبية خميس)، وبقيت المرأة كما بقيت (مي زيادة) النموذج الذي عشقه المبدع العربي في السر والعلأنية، فيما بقي ابداع المرأة بمعزل عن حرية الابداع العربي حتى عند الناقدات العربيات: خالدة سعيدة، يمنى العيد، فريال غزول. فمازال هذا الامر بعيدا (عن الخاطر، وخاصة فيما يتعلق بدراسة صوت الشاعرة العربية، اذ يبرز غالبا في هذا المنحى نوع من الهيمنة الادبية، التي تأخذ شكلا متطرفا يحاول أحيانا ان يبسط هيمنته عبر دور العراب المبارك لتجربة ادبية ما، او الجلأد المشغول دائما بإبراز عيوب ووهن شهرزاد الجديدة)، التي يتحتم عليها عند الكتابة ان تلغي جسدها من رقبتها حتى اصابع قدميها.
ورغم الحظر الذي فرض علي كتابات النساء كلها، حاولن ان يوثقن انفسهن، فالنساء لا يردن ان يقوم الرجال بتغليفهن، ولكن ان تكون لهن الحرية في وصف إنفسهن.
(يريد عشيقى ابقمااء لساني في فمه
لا من أجل اللذة
ولكن ليفرض حقوقه علي- امرأة افغانية)
الكتابة الانثوية الليبية:
أول الخمسينات من هذا القرن العشرين، اول ما عرفنا من الكتابة النسائية الليبية، ففي هذه الفترة كانت قد صدرت اول مجموعة قصصية ليبية: (القصص القومي) للأستاذة زعيمة الباروني وكذا صدر كتاب الرحلأت (ليبية في لندن) للأستاذة خديجة صدقي عبدالقادر، بدأت هذه الكتابة بالسرد والحيم وتسجيل الانطباعات الاولى فيما كانت المرأة قضية تنمية ووعي، محور الجدل الدائر آنذاك، والذي لم يتوقف تحت شعار (الحجاب والسفور)، اي ثنائية الحداثة والاصالة. كان هذا الجدل رجالي الطابع فيما كانت النساء تدخل معترك الكتابة والقضايا الاجتماعية: خديجة الجهمي الصحفيه الاولى تكتب أغانيها الغزلية الرائجة وتوقع بـ (بنت الوطن)، زعيمة الباروني تكتب قصصها وتوغ بـ (بنت الوطن)، دون اهتمام مباشر بالجدل الدائر، وكأن السفور عندهن هو حالة الكتابة ذاتها.
[ طبع هذا الكتاب في زمن غير زمن أهله، فكان نصيبه من الاهمالبل والعرقلة نصيب صاحبته (زعيمة الباروني) فكان لابد من الحذرل ترك القصص بدون اسماء، وغيره- زعيمة الباروني (بنت الوطن)] كانت الكتابة الانثوية محاصرة بصمت مطبق، فيما كانت قضية ألمرأة الشعارالصارخ وصدوح المرحلة، واخذت طاحونة الشيء المعتاد هذه الكتابات وقصرت من عمر الكاتبات حتى السبعينات، حيث برزت اسماء اخرى قلبت الطاولة (مرضية النعاس، لطيفة القبائلى، صبرية عويتي، الشريفة القيادي، فاطمة محمود، سامية المسماري، فوزية شلأبي، خديجة الصادقي، عائشة ادريس، حواء القمودي، مديحة النعاس… وغيرهن). وهذه الاسماء هي اصوات الكتابة الانثوية الليبية بتباين اعمارهن ونوعية الكتابة، هن يمثلن الحالة الابداعية الانثوية الراهنة. لكن سوف أختار هنا ثلأث شاعرات، هن صوت شعري خاص في هذه الحالة الابداعية، ولم اختر شاعرة واحدة لقلة الانتاج الذي يمكنني من الاختيار، وهن شاعرات بنبرة صوتية واحدة، فالمشترك بينهن هو عطر النزعة الذي جمع اختلأفهن إلخلأفي !:
(فاطمة محمود بدأت النشر في السبعينات، ولها ديوان: ما لم يتيسر. خديجة الصادق: بدأت النشر في الثمانينات، ولها ديوان: ليل قلق.
مديحة النعاس بدأت النشر في إلتسعينات، وليس لها أي ديوان).
وهذه الاصوات الشعرية الثلأثة تبين ان شعر المرأة الليبية يبدو نزوة وتوقا للأنفكاك من مشاغل ومن واجبات يومية وعسعسة حارس لا يكل. فالملأحظ ان الكتابة الشعرية ليست الشغل الشاغل ولكن تبدو وكأنها طوق نجاة او التقاط انفاس او حالة تسلل المرأة من مملكة الرتابة الى مملكة الشعر. وسرعان ما يلبس الخفاء ما تيسرمن شهوة الكتابة في ليل قلق، ويتبدد هذا التجلى. انها شعرية النزوة والوجع الرومانتيكي البريئة من اية حذلقة، التي هي ارتباك ألفنان امام البياض. لهذا فان نتاج المرأة الليبية الشعري قليل وهي (تتكىء على حافة الصمت) لترسم بة لوان الماء على هذه الحافة اوجاعها، وتترك الشعر بمشاغل لا تحد. واخترت ايضا هذه الاصوات الثلأثة لانها تكشف النزوة الانثوية الي حداها حد واحد: الطمث.
زعيمة سرب الزقزقة:
فاطمة محمود، شهرزاد الجديدة، الصحفية، كاتبة القصة، الشعر، التي تأخذها مشاغل عن مشاغلها فيما لم يتيسر، حيث لا مجد لعزلة او سر (الذين
نزلوا
ألى الاعماقي
هم حكاؤون فقط
يروضون لغة لعلنا خبرناها)
وتبدو الشعرية عند فاطمة محمود هي هذا السر الذي يلعق ايامنا، لعبة الزمن المكائد التي يتلهى بها الحكاؤون. شهرزاذ التي تبدد الوقت بسردية عبثية، فما ذهب ذهب وما (يحدث خارجنا صيغة اخرى). اما صيغة التهكم اللأذعة فهي من إساليب الاعتراف، الاعتراف الفعل السلبي، فالكتابة الانثوية هكذا نوعية، انها كتابة البياض / الفجيعة، فالخنساء لم تكن ترثي اخاها ولكنها مراثي المهزلة، فجائع العدم. ولهذا يبدو نص فاطمة محمود متجهما عابسا وهو يشف عن روع غموض يحيط بنا ويضحك (ضحكا ينمل في الاطراف).
(وأنا
أبصق أملأح النهار
ما ضرورة
أن أهندم الامكنة)
والسؤال ليس صيغة، ولكنه منزلة الوجود ،فـ (ما ضرورة ان نحزم اجسادنا حقائبا
محشوة بالنوافذ المرتجفة
صوب خلأء موصل)
البيت موصد بأبوابه.. الحزام، الحشو، الخلأء، وكأنها مترادفات لخلو المعنى لعقم الضرورة وهكذا شعرية تنزع للخراب وليسى للتخريب، للتسليم فالشعرية- كما السردية- ترويض لما خبرنا، لما اعتدنا، لاوهامنا المتجددة، للموصد.
(وأنت تلوحين لي بطفولاتك
كم أنزع
لان
ألدك.. الف مرضة)
والتكرار ليس نزعة، انه السر والجنوح، فهكذا اخذنا، هكذ ا ادركتنا اللعبة. الرخويات، الاصداف، الحلأزين، النطف، انه التكرار.. النقر في الفراغ.
(إذ / يحين دوري لأفهم / فان المشهد يصير/ فان جوخ يقطع اذنه / رامبو يعود بساق واحدة / ديك الجن / يحيل امرأته الى كأس / من رماد/ ويشرب موتها اللذيذ/ ماياكوفسكي / يفتح ثقبا في رأسه ويهرب) صيغة المشهد سيناريو التكرار، التقطيع، اعادة اللقطة، الجملة من جمل الاعلانات المقتضبة والملصقات في الافلأم الامريكية، فكل شيء معد سلفا. والتكرار يأكل نفسه في كأس الرماد، كذلك اللغة عند فاطمة محمود يأخذها الصمت، وتلعب بقوأعدها، تسقط عن المبتدأ خبره، عن الخبر مبتدأه، ليس ثمة فواصل ولا قواطع، كتل هلأمية منهمرة كأنها دم متجلط، هذه الحقائق الخالية من كل شيء الا كونها حقائق صفيقة وطمث التكرار والفجيعة الاولى، فكل مولود يولد بموته، والدم لون المشهد الاساسي
(وحين
مطرا ملونا على لا شيء
حين
يدق بابي
اذ فجركم في فراشي)
الشعرية افساد المشهد، ازدهار الخراب، صيغة الدم، الطمث، تحطيم وهم الاتساق، فالتكرار ليس اتساقا والسؤال مشهد مستعاد، والتخريب الظاهر سبب وليس نتيجة (يكفي أن نتذكر المرات الكثيرة التي كان فيها الدادائيون والسرياليون يتركون للصدفة صناعة الاشعار. ويكفي ان نفكر في اللذة الكبيرة التي يشعر بها الشاعر الروسي كليبنكوف ازاء الاخطاء الطباعية اذ كان يعلن ان المحار قد كان احيانا فنانا بارعا. ان عدم فهم العصور الوسيطة هو الذي كسر اطراف التماثيل العتيقة، واليوم فان النحات هو نفسه الذي يقوم بهذه المهمة- رومان ياكبسون). هذه الشعرية صدفة فهي نزوة،. وصدفة فهي الانوثة ألنزوة في مجتميع مركزية القضيب.
(حيث تفقأ تحت شمس
مخسوفة
دمامل الذكورة)
ان تكسير الاطراف في هذه الشعرية تطريز النزوة، لا النزوة العابرة ،لكن نزوة الحياة والوجود، فالكتابة- هنا- لحظة الانفلأت من الخلأء الموصد، التبدد، انها موسقة الفراغ الذي قولبته المرأة في مفاهيم، مفاهيم مجردة تنزع الروح.
(لذلك / أعلك كل هذا / أعيد على ضرس نشط دورة تصلبه / "الطرقعة" نزعج نعاس / صديقي / ليس في فمي ما يشغلني الآن/ أعصف / فقط) السرير، النوم، الهواجس، التعب، الجثة، الموت، الانزوإء، المبايض الهرمة: مفردات الحالة الشعرية لفاطمة محمود، التي تظهر النزعة ألانثوية البيت الاختيار الاضطراري، قبر الحياة الدنيا، فالشعرية الانثوية ذات نزعة- هنا- نزعة البيت وايقاعه الذي يشف عن حالة الفقد للسيرورة، فيصير الموت الملأذ.
(تقضم النساء الفزعات حليبهن
اذ
يلمحنني
ناسجة نصي
كفنا لموت ايروسي)
ان هذا النص المشبوق بالموت يفصح عن مصير مرسوم، وعن احتمال وحيد، هو الاختيار الاضطراري. (هكذا قولبت لنا الحياة) ولهذا فان نص فاطمة محمود نص الفزع. يتوج بعتم ناعم، كيلأ يرى، وكي يذهب في نوم طويل، وهذا النص الايروسي به نزعة للأغماء، فهو يظهر متماسكا ومسبوكا ومتحذلقا كي يخفي اضطرابا كامنا في المصير.
وفاطمة محمود لم يحدث ان اشتغلت على نصها، على الشعري، بل ان هذا النص كان مركونا في خزائنها الذاكرة والمكتب، وكانت تتشغل عنه بأي شيء حتى لا شيء، ولكن هذه البنية المحكمة في النص تظهر اشغال الشعر لها عن بقية المشاغل، وبالتالي يبين النص هواجس انمحاء الخصوصية للأتثى في تلك المشاغل
(هكذا.. هكذا.. أنياب
تحدق في لحمي)
الجسد المغتال في الرسالة:
تبدو خديجة الصادق شاعرة المشاغبات اليومية، والتقاط اللحظات الاعتيادية، غير مهتمة بالشعرية بقدر اهتمامها باللحظة التي تختزل الشعرية، وتفجر لها طاقاتها الانثوية، فتعارك جسدها بلغة الصمت المتواتر والمتوتر وكأنها في ورطة. فالشعر ورطة اخرى كما جسدها ورطة، ولقد قيل بحق (ان الممثل حينما يزيل القناع فانما يفعل ذلك لاجل إن يبين مساحيقه)، كما تبين نصوص خديجة الصادق شعرية الانوثة في ذاتها ولذاتها. فمسافة التوتر تظهر العلأقة التضادية بين الانوثة /طبيعة، وبين الانوثة / نزوة، في مجتمع مركزية القضيب، ومن جهة اخري بين المفردات الحادة وبين ليونة الجملة. ويشف نص خديجة الصادق عن هذا التوتر التضادي، فـ (الولادة لا تكون الا من لا شيء)، فالشعرية في هذه النصوص عزلة من كل حذلقة ، وكأنها الضوء الذي يعبر من الشعر الى النثر. انها تأخذ على نفسها نثر هذه الحالة الشعرية، انكسار البساطة في حالة كهذه / الجسد المتمرد على الحرير، او البراءة المطفية. انه نص القتامة الملىء بالفجائع والانكسارات (قاتمة ضوضاء اللهب)، والجسد المخذول الرغائب يظهر في هذه النصوص قاتما حد الانمحاء رغم لهاثه فتبدو الشعرية في هذا النص شعرية ازدواج الاحاسيس (أي احساس ليس خالصا ما لم يمتزج باحساس مناقض له).
(خشية الجحيم وإلآخرة / لونت ثوبها القاني/ بلون الوقار/ لكن ذات الساق / مازال مازقا / وشهوة الجسد/ تصطاد عشاق النار)
ان الانكسار حسي في النص، وكذلك الفجيعة المليئة بالنتانة والعفونة، والوقت الممطوط حيث المرأة ارملة النهار. ان هذه الحسية تمزج الاحساسات المتناقضة فيصير الليل المبتغى نهارا ويخيم على الاحساسات طول الوقت الممطوط ، وتظهر هذه الحسية احساسات المرأة بفجيعة وجودها.
(عندما
كنت اختبىء في المنام
سرق احدهم وجهي)
وايقاع الانكسار يشوب نص خديجة الصادق، فكأن الشاعرة تسير في حقل الغام، او انها في لعبة (استغماية)، فيبدو النص في البداية بجملة سلسلة، ثم فجأة يظهر انكسار حاد بين بداية النص وآخره، وكأنه سلسلة من المفارقات. ان خشية المرأة من رغباتها هي حالة المفارقة التي تندس في ايقاع النص وايقاعية الشعرية الانثوية، فيبدو النص الانثوي نص المفارقة، الفصيح الكتوم، الفاضح الوقور، النثري الشعري، النبري الصوت "الجسد المغتال في الرسالة" هذا هو نص خديجة الصادق. (قارورة عطر/ رخيصة / خبأت في حناياها / يوما شهيا/ وحين تعلمت الرسم / على وجهي يوميا/ وضج بالعربدة جسدي/ وفاح عطر نزواتي/ رمينها لسلة محتضرة / فرمقتني بوجع / وانكسرت)
ان تقرير الحال هذا يكشف نص خديجة الصادق، التي يبدو شعرها لملمة لانكسارات متتالية، ويكشف عن استخدام رهيف للغة محتضرة، لغة المعتاد. وشهوة خديجة لتحطيم هذا المعتاد تصطدم بأنوثتها الرسم اليومي الاعتيادي. (بين يديه الباردتين انجبت طفلي)، فالشعرية هنا مفارقة الخباء لاجل التجلى الذي هو سر يخشى الضياء، فتكون قصيدة الليل هي شعرية خديجة الصادق، او كل الاحتمالات أنها شعرية مفتوحة دون أفق، فهي تكتب نصها كما ترسم على وجهها يوميا، اللأمبالاة والعربدة هما مركزأ النزوة او الكتابة الانثوية كتابة خديجة الصادق.
آخر الحلم:
دخلت مديحة النعاس في التسعينات الكتابة الشعرية وهي ترسم وتعمل بالصدافة، وكان ولوجها عجولا وصاعقا. استقبلت بحفاوة، غزارة انتاج وكأنها تكتب وترسم على عجل. وكان نصها يلهث على الارصفة الميتة لصحافة جبانة، في انتظار عودتها الى منفاها، وكان هذا الأنتظار هو شعرية مديحة النعاس.
(قد تتساقط أحرفنا
الهشة
وتمحو بسقوطها معادن
بدايتنا)
منذ البدء ظهر أنها شعرية البداية. والاختزال، اللحظة الميتة، النزوة التي تتسم بالمفارقة حيث موتها في ميلأدها. انها سراب الشروق، السراب اللعوب، شمس الخزانة، وقد بدأت اكثر جدية في تهكمها واكثر ابهاما وتبعثرا، صارمة حد اللأشيء، فالنص متاهة لا تزودنا بشيء كي نبصرالهدف في سياقه، واقعة مجسدة لا صورة للحظة وقوعها.
(لم يعد ممكنا للحلم ان يتسع
لكل هذه التشابكات القانية)
ولا تبتغي مديحة النعاس بهذا ان تكتب نصها، ولكن ان تكتب وحسب. واذا كانت الكتابة الانثوية كتابة فاطمة محمود ايروسية الموت، وعند خديجة الصادق انكسارات متتالية للأعتيادية، فان نص مديحة النعاس بصرامته ليس قولا ولا حلما، وحاسب انه كتابة وحسب، وبالتالي فانها نوع من الاعتراف، فثل سلبي اتجاه سالب ، فالنص (ذلك الناهض بقامة مهيبة) موت منتخب (كان قد وطأها الموت قبلها)
والكتابة او هاجس الكتابة استبدال للحياة المستحيل الذي ترنو اليه مديحة دون احلأم، لان اليوم بتفاصيله (الاستيقاظ، الاكل، الشرب، التغوط، البيت / النوم هي الممكن. من هنا تبدو سذاجة أن نحلم. فنحن دائما نبدأ من حيث بدأنا، لا مسوغ اذن للحياة التي قد يكون من الممكن استبدالها بهاجس الكتابة، الني هي نزوة كما الانوثة نزوة الاقامة في دائرة ما، في منتصف ما. وهذه الكتابة ليس من اغراضها الشعرية التي تبدو وكأنها ايديولوجيا متعالية، وكذا قصيدة نثرا شعر حر. ان كتابة مديحة النعاس منشغلة عن الاغراض بالكتابة.
(وكان ان ازدانت
العاشقة المحضية
حين تبددت اسرارها الغضة
وافترشتها الرياح
عشيقة الهلأك).
أحمد الفيتوني(كاتب من ليبيا)