كتابات الرحالة عن سلطنة عمان جمعها باحث فرنسي يدعى كزافيي بيغان بيلكوك في كتاب شامل صدر أخيرا في باريس باللغتين الفرنسية والإنجليزية وتمهيد بالعربية تحت عنوان "عمان:خمسة وعشرون قرنا في كتابات الرحالة". يقدم الكتاب مقتطفات من نصوص لستين رحالة ينتمون إلى 22 جنسية مختلفة مع تعريف مختصر بحياتهم. وهؤلاء منذ الاسكندر الأكبر (326 ق. م.) وحتى عصرنا الراهن, توقفوا في مسقط أو زاروا,مدناعمانية أخرى،وتركوا شهادات مكتوبة عن مشاهداتهم أو تجاربهم. كما أن الكتاب يحتوي على ما يزيد على 250 صورة ولوحة تستعيد العصور الغابرة والرحلات المختلفة.
يقول بيغان بيلكوك في مقدمته "بعد ثلاث سنوات من البحث وألتقصي, توصلت يوما بعد يوم, إلى اكتشاف نصوص معروفة تارة ومجهولة تماما أو غلفها النسيان تارة أخرى،نصوص مثيرة للدهشة غالبا مصدرها رجال ونساء ذوو شخصيات متنوعه وشيقه.
ويسمح تنوع وأصالة هذه النصوص بالقاء الضوء من خلال أقوال حقيقية،على الماضي العريق لشبه جزيرة عمان منذ عهد الاسكندر الكبير في القرن الرابع قبل الميلاد". وهو يهدي كتابه إلى الصداقة الفرنسية العمانية، ويسجل باللغات الثلاث جملة مأخوذة عن أحد الرحالة الفرنسيين, فرانسوا دو بولاي لوجوز،الذي كان قد توقف في مسقط في 29 تشرين الثاني (نوفمبر 1648):"السفر يصنع الرجال والرجال يصنعون الاصدقاء ".
ويقدم الباحث في مستهل عمله المراحل الكبرى لتاريخ عمان مع صفحة مخصصة لاسماء حكام سلالة آل بو سعيد، ويعرض في آخره ملحقين:الأول يذكر اسماء الممثلين الديبلوماسيين لكل من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة في عمان منذ القرن التاسع عشر، في حين ينقسم الملحق الثاني الى ثلاثة اجزاء. الاول يقدم المراجع الخاصة بالرحلات الى عمان,والثاني يجمع الرحالة الذين كتبوا عن مرورهم بعمان والذين لم يخصص لهم باب مستقل في الكتاب, والثالث مرجع عام للمؤلفات المتعلقة بعمان.
تبدأ الرحلة الاولى في القرن الرابع ق. م.، ويستند بيلكوك على كتاب "رحله نيارك " اميرال الاسكندر الكبير الذي وضعه العالم م البريطاني, ويليام فينسينت ( 1739 – 1815 ) وترجمه الى الفرنسية جون باتيست بيلكوك العام 1800 نزولا عند رغبة الجنرال بونابرت الذي كان لايزال يشغل منصب القنصل الاول.
اشتهر نيارك بالرحلة التي قام بها من مصب الهندوس حتى بابل, فقد كانت المرة الأولى التي يبحر أسطول يوناني في المحيط الهندي. وعملية الاستكشاف هذه التي تعتبر أول حدث مهم في تاريخ الملاحة كانت تهدف, اضافة الى المغامرة البطولية،إلى غرض سياسي وتجاري كبيرين. وكان الإسكندر، في مشروعه الضخم لتأسيس أمبراطورية عالمية، يبحث في اقامة مواصلات مباشرة ومضمونة بين بابل والاقاليم البعيدة في امبراطوريته, وكذك وصل الشرق كله بأوروبا. وقام نيارك باستكشاف الساحل الجنوبي لبحر عمان والخليج العربي,علما بأن الاسكندر كان يريد الاستيلاء على شبه الجزيرة العربية وتأسيس المستعمرات على ضفتي الخليج من أجل السيطرة كليا على التجارة بين بابل والهند مرورا بشبه الجزيرة العربية. إلا أن وفاته العام 323 ق. م. وضعت حدا لهذا المشروع الضخم الذي كان ينوي تسليمه إلى نيارك.
ومن الاميرال اليوناني, ينتقل بيلكوك إلى المسعودي, المؤرخ والجغرافي والفيلسوف العربي الذي ولد في بغداد في حدود 893م وقام ابتداء من العام 915 برحلة كبرى شملت أرمينيا وبلاد فارس والهند، وعاد الى بغداد مرورا بعمان, كما زار سوريا ومصر. ويعتمد بيلكوك على الترجمة التي وضعها الأب الفرنسي, أوساب روندو، لجزء من كتاب "مروج الذهب ". وبعد المسعودي, ياتي ماركو بولو التاجر والرحالة الايطالي الشهير الذي قام برحلة العام 1270 أوصلته الى بكين حيث مكث أكثر في عشرين عاما في بلاط قبلاي خان. وكان هذا الاخير يرسله في مهمات إلى الهند وبلاد الفرس. وفي طريق العودة إلى مدينته,البندقية، العام 1295 مر بسومطرة والهند وعمان..
واما الذي عرف بـ "ماركو بولو العرب " أو ابن بطوطة فيخصص له الباحث الفرنسي بالطبع فصلا، ذلك أن العالم المغربي واسمه الحقيقي الشيخ أبو عبدالله محمد بن عبدالله اشتهر كاحد اكبر الرحالة في التاريخ. ولد في طنجة عام 1304 وتوفي في فاس عام 1378، إلا إنه غادر مدينته في 13 حزيران (يونيو) 1325 وهو في الواحدة والعشرين من عمره من أجل القيام بحجة إلى مكة المكرمة. فبعد أن قطع أفريقيا الشمالية ومصر وسوريا، وصل إلى المدينة المكرمة وأدى حجته. ثم زار بلاد الفرس وشبه الجزيرة العربية واليمن وعمان وساحل الصومال والهند وسيلان والصين, وبعد رحلة دامت ثلاثين عاما عاد الى طنجة وإنما لفترة قصيرة، فما لبث ان غادرها مجددا لزيارة أسبانيا واستكشاف ضفاف نهر النيجر وداخل أفريقيا حتى وصل تمبو كتو. توقف ابن بطوطة مرتين في عمان, المرة الأولى عام 1331 بعد اقامته في مكة المكرمة التي دامت ثلاث سنوات فمر بعمان في طريقه الى بلاد الفرس ثم الصين. وبعد سنوات, وفي طريق العودة من الشرق الاقصى، توقف مجددا في مسقط وقريات وقلهات. وأما رواية رحلاته التي كتبها من أجل سلطان المغرب فنشرت كاملة للمرة الأولى باللغة الفرنسية، يرافقها النص العربي عام 1853. وفي 1982، اعيد نشر رحلات ابن بطوطة بطبعة جديدة ترافقها التفسيرات العديدة.
ومن البحارة الذين توقفوا في عمان الاميرال الصيني جانغ هي في القرن الخامس عشر. وكانت الرحلات البحرية الصينية المهة بدأت فى مطلع ذلك القرن مع سلالة "مينغ " لتظهر التفوق التقني الصيني وتقدمه على البرتغال واسبانيا اللتين لم تباشرا المغامرات البحرية إلا في نهاية القرن الخامس عشر.
واشتهر جانغ هي (وهو مسلم صيني ) في انحاء البلاد بفضل رحلات اوصلته بين 1402 و 1433 إلى أكثر من 35 بلدا، في سومطرة إلى سيلان وبحر عمان والخليج العربي وشواطىء شبه الجزيرة العربية والبحر الاحمر وزنجبار. وبالتالي, أدت هذه الرحلات الى نشر عدد كبير من الاعمال حول المعرفة الملاحية والجغرافية للصينيين, وإلى رواية عن مغامرات جانغ هي وضعها عام 1597 كاتب صيني باسم لو مودانغ. وفي المقاطع التي يمكن استرجاعها هنا عن توقف الاسطول الصيني في عمان ومشاهداته ما يلي:"الحليب ضروري في غذاء سكان عمان. يأكلونه مغلي أو مخلوط مع طعام آخر. في الأسواق, نجد الخراف والدجاج ولحومات مشوية أخرى، والفطائر وجميع أنواع أطباق الحبوب. وكقاعدة عامة، الأسر المؤلفة من شخصين أو ثلاثة أو أربعة لا تشعل النار من أجل طبخ طعامها، بل تشتريه حاضرا وساخنا.. ". وفي مكان آخر، نقرأ: "قدم ملك هذا البلد للأسطول الصيني أحصنة ولآلىء وحجارة كريمة، إضافة إلى رسالة مكتوبة على ورقة من ذهب ".
ومن الرحالة المجهولين الذين يذكرهم كزافيي بيغان بيلكوك في كتابه التاجر الروسي اتاناس نيكتين الذي قطع بلاد الفرس عام 1470 ثم توقف في مسقط ومنها عبر المحيط الهندي متوجها نحو الهند. وبعد ثلاث سنوات في المنطقة، قرر العودة الى روسيا إلا أن الاحوال الجوية أجبرته على الذهاب إلى أثيوبيا والتوقف مجددا في مسقط قبل الرجوع الى شيراز فقم وتبريز… وعبور البحر الاسود للوصول الى بلاده. وعن رحلته التي دامت ست سنوات, خلف نيكتين كتابا عنوانه "رحلة عبر ثلاثة بحار" اكتشف المؤرخ الروسي كرازمين في محفوظات احد الاديرة في زاغورسك, فعمد الى نشره.وتظهر رحلة نيكتين أن الروس ابتداء من القرن الخامس عشر كانوا يقيمون العلاقات مع الهند، في وقت كان البحار البرتغالي فاسكودي جاما مازال يفكر بوسيلة للوصول إلى تلك البلاد البعيدة من خلال طريق تلف أفريقيا.
ولما وصل أول برتغالي عام 1507 إلى مسقط وهو الفونسو دالبوكركي, نائب ملك ما عرف آنذاك بالهنود الشرقية او الهنود البرتغالية، فوصفها كالتالي:"مسقط مدينة كبيرة، كثيفة السكان, تحيط بها نحو داخل البلد، الجبال العالية. أما لجهة الشاطىء، فهي تقع عند حافة الأمواج. وراء المدينة، يمتد سهل كبير تغطيه تلال من الملح, ليس لان البحر يصل إلى هنا بل لان المياه،ملحية وعندما تتبخر لا يبقى سوى الملح…". ويلاحظ أيضا: "كانت مسقط دائما سوقا للخيل وللتمر. إنها مدينة أنيقة للغاية، ومنازلها جميلة. تزود في الداخل بمؤن القمح والذرة والشعير والبلح. وهذه المنتجات تخزن هنا قبل أن تحمل على أكبر عدد من السفن ".
أما الصائغ الفرنسي, جان باتيست تافرنيي الذي يعتبر أشهر رحالة في القرن السابع عشر والذي توقف في مسقط اشهر لرحالة في القرن السابع عشر عام 1636، والذى توقف في مسقط خبر: "أمير مسقط يملك أجمل لؤلؤة موجودة في العالم, ليس لحجمها لأنها لا تزن سوى اثنى عشر قيراطا وليس لكرويتها الكاملة، بل لأنها صافية وشفافة إلى درجة انه يمكن مشاهدة الضوء عبرها.
في القرن السابع عشر حتى القرن العشرين, يتابع الكتاب الرحلات الطريفة والشيقة التي قام بها البرتغاليون والعثمانيون والايطاليون والفرنسيون والبريطانيون والهولنديون والأمريكيون.. مركزا على شخصية أو أخرى من هؤلاء المغامرين أو المغامرات الذين توقفوا في مسقط أو في مدينة عمانية أخرى، وسجلوا ذكرياتهم وانطباعاتهم في كتب أصبحت نادرة اليوم. ومن النساء الشهيرات اللواتي توقفن في مسقط, النمساوية ايدا بفايفير (767 1 – 8 5 8 1 ) التي بدأت حياتها كربة عائلة، ولكنها بعد وفاة زوجها واستقلال أولادها كرست حياتها لولعها العميق, بالسفر والترحال. ففي العام1842 وهي في الرابعة والأربعين من العمر، غادرت فيينا وجالت في تركيا وسوريا وفلسطين ومصر. وبعد ذلك, توجهت شمالا لزيارة السويد والنرويج وايسلندا… إلا أن هذه الرحلات لم تكن سوى مقدمة لمغامرتين ضخمتين قامت بهما ايدا بفايفير: فهما جولتان حول العالم, الأولى دامت من 1846 حتى 848 1 وألثانية بدأت في 1 85 1 وانتهت عام1854.
نشرت عددا كبيرا من الكتب عن رحلاتها التي عرفت رواجا كبيرا وترجمت إلى لغات مختلفة. وكانت قد توقفت في مسقط في أيار (مايو) 1848، ومن بين المشاهدات التي دونتها في كتاب "رحلة حول العالم تقوم بها امرأة". كانت التالية:"النساء في مسقط ترتدين نوعا من القناع مصنوع من القماش الأزرق تمسكه المشبكات أو السلك الحديدي, وهو لا يلمس الوجه. وهذا القناع مقصوص بين الجبين والأنف, وبالتالي يمكن رؤية أكثر من العينين. ولا تضعن هذا القناع سوى عندما تبتعدن عن المنزل… ".
توقف الكتاب في مسقط أيضا وسجلوا تاملاتهم, وكان ابرزهم الفرنسي بيار لوتي من "الاكاديمية الفرنسية" الذي مر بعمان عام 1900 وكتب عن مسقط قائلا: "… المدينة التي تبدو من بعيد بيضاء كانت فصلا من الشوارع الصغيرة المغطاة حيث كان يخيم شبه ظلام تحت تسقيفات منخفضة في الداخل, كان يحفنا سحر وقلق في آن. كنا نخضع بافراط الى ذلك الاضطراب الذي لا يحمل اسما وينبعث, في الشرق بكامله,من الصمت, من الوجوه المحجبة من المنازل المغلقة.. ".
وينتهي الكتاب برحلتين ديبلوماسيتين معاصرتين الى عمان :الأولى زيارة الملكة اليزابيث ملكة بريطانيا العام 1979, والثانية زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتيران العام 1992.